|
|
|
ثالثاً: الأسفار الشعرية
4 - سِفْر الجامعة مُقدِّمـة:
سِفْر الجامعة كتابٌ عميق وعويص. إنه يُسجِّل بحثاً حثيثاً عن معنى الحياة وقيمتها على الأرض، وخاصة في ضوء عـدم العدالة التي تتَّسم بها والأمـور التي تبـدو باطلة والتي تُحيط بنا. واسم ”الجامعة“ مشتقٌّ من الكلمة اليونانية Ekklesia، التي تعني دعوة إلى جامعة أو اجتماعاً. أمَّا الاسم العبري فهو ”Qoheleth“ الذي يُترجم عادةً ”واعظ“ أو ”مُعلِّم“: ”Preacher“ أو ”Teacher“ بالإنجليزية.
المؤلِّف وزمان كتابته:
بسبب افتتاحية السِّفْر الذي يبدأ بالقول: «كَلاَمُ الْجَامِعَةِ ابْنِ دَاوُدَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ»، لذلك فقد نسب التقليد اليهودي سِفْر الجامعة منذ القديم لسليمان، الذي يُظَنُّ أنه قد كتبه في سِنِّه المُتقدِّم؛ بينما يُظَنُّ أنـه قـد كتب نشيد الأنشاد في شبابـه، وسِفْر الأمثال في منتصف أيامه. أمَّا الطابـع التشاؤمي الذي سـاد على السِّفْر فيبدو أنـه كان سائداً على حالة سليمان الروحية في ذلك الوقت (انظر 1مل 11).
التكوين الأدبي والروحي للسفر:
الطابع الأدبي للسفر مُركَّبٌ: فهو يبدو أنه مجموعة أنواع مُتعدِّدة من الأدب، وكلها تهدف إلى غرضٍ عام واحد وهو: «الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ». فهناك أقوال حكمة (أمثال)، كما أنَّ هناك فصولاً تأمُّلية. وأكثر من ثُلث السِّفْر شعر، ولكن بعض الفصول التي يتضمَّنها قصصية؛ إلاَّ أنَّ سِفْر الجامعة من الصعب جدّاً تحليله وتقسيمه، وهناك عدَّة طُرق للاقتراب منه:
1. الرأي بأنَّ الكل باطل (جا 1: 1-11).
2. البرهان بأنَّ الكل باطل (جا 1: 12-6: 12).
3. النُّصح في كيفية العيش مع ما هو باطل (جا 7: 1-12: 14).
أمَّا الهدف مـن السِّفْر فهـو لإثبات أنَّ الكل باطل (جا 1: 3). وهذا الهدف يقف مُتناقضاً مع سفر الأمثال. فهـو لإظهار عدم كفايـة الأشياء الأرضية، ولقيادة البشر إلى النتيجة العملية: «اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ» (جا 12: 13).
وكما يقول القديس جيروم: إنه مـن أجل هـذه النتيجة فقط، رَضِيَ اليهود أن يحسبوه ضمن الأسفار القانونية. ويُلاحَظ أنَّ اسم ”يهوه“ لم يَرِدْ فيه قط. وهـو أحـد الأسفار الخمسة المُسمَّاة بالمجلات، وهو يُقرأ في عيد المظال عند اليهود.
وبينما في سِفْر الأمثال نجد نظرة تفاؤلية تُعطي ثقة في إمكانية الحياة في وَضْعٍ مُستقر وثابت مع اختيارات حكيمة تـؤدِّي إلى نتائج جيدة، واختيارات أخرى جاهلة تـؤدِّي إلى نتائج وخيمة؛ إلاَّ أنَّ سِفْر الجامعة يُقرِّر أنَّ ذلك ليس هو الحادث في أغلب الأحيان.
وفي النهاية فقد خُتِمَ السِّفْر بما يُفيد أنَّ الأفضل أن نخشى الله ونحفظ وصايـاه، فهـذا هـو الإنسان كله؛ مُبيِّناً أنه في المسيح يسوع وحده نجد كل الكفاية والفرح والحكمة، لأنه هو ”الطريق والحق والحياة“.
+ وفيما يلي جدول تصويري لمحتويات السِّفْر:
بؤرة التركيز
الموضوع: ”الكل باطل“
البرهان: ”الحياة باطلة“
النصيحة: ”مخافة الله“
الشواهد
1: 1 __1: 4 _____ 1: 12 ____ 3: 1 ____ 7: 1 ___ 10: 1 __ 12: 9 _ 14: 12
الأقسام
مقدِّمة عن
الكل باطل
مظاهر
الباطل إثبات من
الأسفار إثبات من
المظاهر التعامُل مع
عالم شرير إظهار الواقع
من عدم اليقين الخاتمة: مخافة الله
وطاعة وصاياه الموضوع إعلان الباطل مظاهر الباطل نماذج الباطل الواقـع مواعـظ خـلاصـة المكان العالم: ”تحت الشمس“ الزمان 935 ق.م. أو 450 ق.م. مُلخَّص لمحتويات السِّفْر:
القسم الأول: الموضوع أنَّ ”الكل باطل“ (1: 1-11)
1. مُقدِّمة عن الكل باطل (1: 1-3).
2. مظاهر ”الكل باطل“ (1: 4-11).
القسم الثاني: البرهان على أنَّ الكل باطل (1: 12-6: 12)
1. البرهان على ”الكل باطل“ من الخبرة (1: 12-2: 26):
أ - باطل هو السعي عن الحكمة (1: 12-18).
ب - باطل هو السعي وراء الفرح (2: 1-3).
ج - باطل هو السعي لعمل إنجازات عظيمة (2: 4-17).
د - باطل هو العمل الشاق (2: 18-23). ه - الخلاصة: الرضا بما لك (2: 24-26).
2. البرهان على ”الكل باطل“ من الملاحظات (3: 1-6: 12):
أ - ثبات برنامج الله (3: 1-22). ب - عدم المساواة في الحياة (4: 1-16).
ج - عدم كفاية المعرفة الدينية (5: 1-7). د - عدم كفاية الغِنَى (5: 8-20).
ه - لا مَفَرَّ من غرور الحياة (6: 1-12).
القسم الثالث: مشورة للعيش مع الغرور (7: 1-12: 14)
1. التعامُل مع عالم شرير (7: 1-9: 18):
أ - الحكمة والحماقة متناقضتان (7: 1-14). ب - حكمة الاعتدال (7: 15-18).
ج - قوَّة الحكمة (7: 19-29). د - الخضوع للسلطة (8: 1-9).
ه - عدم القدرة على فَهْم كل أعمال الله (8: 10-17).
و - الحُكْم يسري على كلِّ بشرٍ (9: 1-6).
ز - استمتع بالحياة حين تكون لديك (9: 7-12). ح - قيمة الحكمة (9: 13-18).
2. مشورة للعيش مع تقلُّبات الحياة (10: 1-12: 8):
أ - في خصائص الحكمة (10: 1-15). ب - الحكمة وعلاقتها بالملك (10: 16-20).
ج - الحكمة وعلاقتها بالأعمال (11: 1-6).
د - الحكمة وعلاقتها بالشباب (11: 7-12: 8).
3. «خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ» (12: 9-14).
حكمة الله:
مؤلِّف هذا السِّفْر يختمه بأنه يوجد إلهٌ سوف يُحاسبنا عن أعمالنا التي نعملها في حياتنا. فالحياة التي ”تحت الشمس“ سوف تُحْكَم مـن منظورٍ سماوي. إذن، فإنَّ هـذا السِّفْر ينتهي نهاية إيجابية مُشجِّعة بأنَّ محاسبة الإنسان أمام الله تعني أنَّ مسيرة حياتنا على الأرض ذات غاية أبدية. فبالرغم من التحذيرات والخبرات الكثيرة مـن واقع هذه الحياة الظاهر بُطلانها؛ إلاَّ أنَّ الكاتب لم يكفَّ عن أن ينصح قُراءه بالتمسُّك بالإيمان بعظمة الله وصلاحه وعدله، لكي نحظى بكلِّ خيراته ونِعَمه التي أغدقها علينا مـن فرط صلاحه. وهكذا أنهى هذا السِّفْر بقوله: «فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ. لأَنَّ اللهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى الدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرًّا» (جا 12: 14،13).
أقوال آبائية عن السِّفْر:
1. لماذا: «باطل الأباطيل الكل باطل»؟ [إذا كان ما صنعه الله حسنٌ جدّاً؛ إذن، فكيف يمكن أن يكون كل شيء باطلاً. وليس فقط باطلاً، بل وباطل الأباطيل؟ مثلما قيل عـن نشيدٍ واحدٍ في نشيد الأنشاد: إنه يتفوَّق على كل الأناشيد؛ كذلك أيضاً فإنَّ شدَّة البُطْل عبَّر عنه بقوله: «بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ» (جا 1: 2)](1) - القديس جيروم.
2. «باطل الأباطيل الكل باطـل»: [هـذا أيضاً ما قاله النبي: «إِنَّمَا بَاطِلاً يَضِجُّونَ. يَذْخَرُ ذَخَائِرَ وَلاَ يَدْرِي مَنْ يَضُمُّهَا» (مز 39: 6). مثل هـذا هـو «باطل الأباطيل»: مبانيك الفاخرة، غناك المُتَّسع وثرواتك الفياضة خيراً، قطعان العبيد التي تضجُّ بها على طـول الساحة العامة، صراخك وغرورك ومجدك الباطل وأفكارك المتعالية التي تتفاخر بها. فكـلُّ هذا باطل، لأنه لم يأتِ من يد الله، بل من اختراعاتك. ولكن لماذا هي باطلة؟ لأن ليس لها فائدة في النهاية. فالثروات باطلة لأنها تُصرف على البذخ؛ ولكن لا تصير باطلة عندما يتمُّ توزيعها وإعطاؤها للمُحتاجين (انظر مز 112: 9)](2) - القديس يوحنا ذهبي الفم.
3. البيوت المبنية على الأعمال الصالحة مبنية على المسيح كما على الصخر: [إذا أراد واحدٌ أن يفهم كيف تُبنَى البيوت على الأعمال الصالحة؛ فإذن، كـل عمل صالح هـو بيتٌ لصاحبه. فأولئك الذين يسمعون كلمات المسيح ويعملون بها يبنون أساساتهم على الصخرة (مت 7: 24). وبما أنَّ الفضيلة هي واحدة ككلٍّ، فمَن يسعى من أجلها فإنه يبقى بيتاً مؤسَّساً على الصخرة، على كلمة الله غير المُتزعزعة، أي على المسيح](3) - العلاَّمة ديديموس الضرير.
(يتبع)
(1) St. Jerome: Commentary on Ecclesiastes 1.2 (CCL 72:252).
(2) St. John Chrysostom: Homilies on Ephesians 12 (NPNF 1 13:109).
(3) Didymus the Blind: Commentary on Ecclesiastes 35.29 (PTA 25:169).