طعام الأقوياء - 69 -



المسيح بموته وقيامته لأجلنا
أعطانا كل ما له
- 3 -

+ «حاملين في الجسد كلَّ حين إماتة الرب يسوع، لكي تُظْهَر حياةُ يسوع أيضاً في جسدنا (المائت)» (2كو 4: 10).

مُلخص ما نُشر في المقال الثاني(1):

”المسيح بموته وقيامته لأجلنا

أعطانا كل ما له“(2):

+ المعمودية وتجسُّد المسيح:

كان ضرورياً لكلمة الآب الذي تنازَل ليتَّخذ طبيعتنا، أن يصير من أجلنا نموذجاً وطريقاً لنا في كـلِّ عمل صالح. فالذي هـو الأول في كلِّ شيء، ينبغي أيضاً أن يضـع نفسـه مثالاً في المتقدِّمين للمعمودية، لكي نعرف قوَّتها، والنعمة العظيمـة التي نحصل عليها بـالإقبال عليهـا. وحلول الروح القدس عليه في نهر الأردن، كان حلولاً علينا نحن بسبب أنه كان لابساً جسدنا نحن.

+ المسيح نفسه يُعلِّم عن الولادة من فوق:

الولادة من فوق هي الولادة من الله: «وأمَّا كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دمٍ، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رَجُل، بل من الله» (يو 1: 13،12)، «ينبغي أن تُولَدوا من فوق. الريح تَهُبُّ حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تَعْلَم مِن أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كلُّ مَن وُلِدَ من الروح» (يو 3: 8،7). ”بالروح القدس تتقدَّس روح الإنسان، وبالماء المقدَّس يتقدَّس جسده أيضاً“ - القديس كيرلس الكبير. «الحقَّ الحقَّ أقول لك (لنيقوديموس): إنْ كان أحدٌ لا يُولَد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود مـن الجسد جسدٌ هو، والمولود من الروح هو روح» (يو 3: 6،5).

+ تجسُّد المسيح وصَلْبه وقيامته،

وعلاقتها بسرَّي المعمودية والإفخارستيا:

المسيح كلمة الله بتجسُّده جَمَعَ النقيضين: الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، وصالحهما في نفسه. ورغم كل ما عمله المسيح من معجزات، وما أعلنه بتجسُّده من أسرار عن مساواته للآب؛ إلاَّ أنه قال: «خيرٌ لكم أن أنطلق، لأنه إنْ لم أنطلق لا يأتيكم المُعزِّي، ولكن إنْ ذهبتُ أُرسله إليكم... وأمَّا متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يُرشدكم إلى جميع الحق... ذاك يُمجِّدني، لأنه يأخذ مِمَّا لي ويُخبركم» (يو 16: 7، 13-14).

فنحن عندمـا نولَد في المعمودية، نولَد مـن الروح القدس لنشترك في موت المسيح وقيامته، ليُبطَل جسد الخطيـة، بصَلْب الإنسان العتيـق، لنصير خليقة جديدة، ونلبس المسيح. وهذا كله يفعله الروح القدس فينا، إذ يأخذ مِمَّا للمسيح ويُعطينا. إذن، فاللوغس (الكلمة) بتجسُّده وموته وقيامته، أعطى المجال للروح القدس لأن يعتق جسدنا من الموت بموت المسيح، بل ويهبنا الحياة بقيامته. كما أنه أنعم علينا أن نقتني الحياة داخلنا حينما نأكـل جسده ونشرب دمـه في سـرِّ الإفخارستيا، ”لنصير، بنوعٍ ما، واحداً معه؛ بل ونسكن فيه ونقتنيه هو أيضاً داخلنا“ - القديس كيرلس الكبير. وهـذا كله يفعله الثالوث القدوس فينا.

(+( (

«مع المسيح صُلِبتُ»:

«مع المسيح صُلِبْتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي» (غل 2: 20).

المسيح لم يُصلَب لنفسه بل صُلِبَ بإرادته لأجلنا، وهذا واضحٌ من قوله: «لهذا يحبُّني الآب، لأني أضع نفسي لآخُذها أيضاً. ليس أحدٌ يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سُلطانٌ أن أضعها ولي سُلطانٌ أن آخُذها أيضاً» (يو 10: 18،17). كما أنه واضحٌ أنه وضع نفسه لأجلنا، لأنه أحبنا إلى المنتهى، كما جاء في الإنجيل: «أمَّا يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالمٌ أنَّ ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، إذ كان قد أحبَّ خاصَّته الذين في العالم، أحبَّهم إلى المنتهى» (يو 13: 1)، «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16).

إذن، فالصليب، في الحقيقة، قـد قَبِلَه المسيح لأجلي ولأجل بولس الرسول ولأجل كـل إنسان خاطئ في العالم، لكي يُخلِّصني من موت الخطية ويهبني الحياة الأبدية، ويُخلِّص كل مَن يُقبل إليه تائباً ومؤمناً بألوهيته.

فالمسيح لمَّا صُلِبَ، أمـات الموت بموتـه، وأظهر القيامة بقيامته. وهو قد فعل ذلك بمشيئة ومسرَّة أبيه والروح القدس. لذلك نحن نُصلِّي إليه قائلين في وقت آلامـه وصَلْبه، وقت الساعـة السادسـة: ”نسجد لشخصك غير الفاسـد أيهـا الصالح، طالبين مغفـرة خطايانـا، أيها المسيح إلهنـا، لأنـك بمشيئتك سُـرِرْتَ أن تصعد على الصليب، لتُنجِّي الذين خلقتهم من عبودية العدو“ (الأجبية). كما شهد بولس الرسـول في رسالته للعبرانيين قائـلاً: «ناظريـن إلى رئيس الإيمان ومُكمِّله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مُستهيناً بالخِزي، فجلس في يمين عرش الله» (عب 12: 2).

كما قال أيضاً في رسالته إلى كولوسي: «لأنه فيه سُرَّ أن يَحِلَّ كلُّ الملء، وأن يُصالِح به الكلَّ لنفسه، عاملاً الصُّلْح بدم صليبه، بواسطته، سواءٌ كان ما على الأرض، أم ما في السموات» (كو 1: 20،19). أمـا قولـه في رسالته إلى أفسس، فإنه يُعلن عن علاقة الكنيسة بالمسيح بعد أن صالحها بدم صليبه قائلاً: «وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإيَّاه جعل رأساً فوق كـل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكلَّ في الكلِّ» (أف 1: 23،22).

+ وفي هذا يُعلِّق القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً:

[بعد ذلك، وكأنَّ ما قاله (بولس الرسول) لم يكن كـافياً لإظهار مدى القرابـة، والصِّلة الوثيقة، فماذا قال؟ قال إنَّ الكنيسة هي التي تُكمِّل الرأس (المسيح)، لأن الجسـد يُكمِّل الرأس، والرأس يُكمِّل الجسد... أرأيتَ غِنَى مجد ميراثه؟ أرأيتَ مدى عظمة قدرته في المؤمنين؟ أرأيتَ مدى عظمة رجاء دعوتـه؟ إذن، يجـب علينا أن نوقِّـر رأسنا، ولنُعدِّد ونتذكَّر لأيِّ رأس ينتمي جسدنـا، إنه ينتمي لِمَن أخضع له كـل شيء... فلنستَحِ عندما نُدرك هذه الصِّلة، وهذه القرابة، ولنرتعد لئلا يُنزَع أحدٌ من هذا الجسد](3).

المسيح افتدانا من لعنة الناموس،

ومن الإنسان العتيق:

يقول الرسول بولس أيضاً: «المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنةً لأجلنا، لأنه مكتوبٌ: ”ملعونٌ كلُّ مَن عُلِّق على خشبة“» (غل 3: 13). فالمسيح بموته على الصليب قد حَمَل عنَّا في نفسه كل العقوبات التي كنَّا نستحقَّها، تلك العقوبات التي وقعت علينا نحن الخطاة بِعَدْلٍ بواسطة الناموس. لأنه كُتِبَ في الناموس: «ملعونٌ كل مَن عُلِّق على خشبة». فنحن كلنا ملعونون، لأننا لم نقدر أن نُكمِّل كل متطلبات الناموس.

+ وفي هذا يُعلِّق القديس كيرلس الكبير:

[... ولذلك فالذي لم يعرف خطية، قد لُعِنَ من أجلنا لكي يعتقنا نحن من اللعنة القديمة. لقد كـان كفؤاً أن يُحقِّق ذلك، لأنه هـو الإله الذي فـوق الكل، وقد (تجسَّد) وتألَّم من أجل الكـلِّ ليقتني فـداءً للكـلِّ بموت جسـده الخاص](4).

+ كما يصف أيضاً القديس كيرلس الكبير كيف نقل إلينا الكلمة المتجسِّد فِعْل صَلْبه لكي تضمحل قوَّة الخطية من أجسادنا التي ماتت معه، قائلاً:

[إن كان الكلمة الابن الوحيد قد اقتنى لنفسه خاصةً الجسد الترابي... فماذا كـانت غايته من ذلك؟ أن يُميت الخطية في الجسد، ويخمد شوكة الغرائز المنغرسة فيه التي كانت تدفع الجسد نحو الشهوات المعيبة.

ولم يحقِّق ذلـك - أعني التفـوُّق على الأوجاع التي فينا - لمنفعته الشخصية بصفته الله الكلمة، إذ أنه هـو لم يَعرف الخطية؛ بل بالحري كمَن يُعيد تشكيل طبيعة الإنسان كلها من الأساس، في نفسه، إلى حياة مُقدَّسة وبلا لـوم، لمَّا صـار إنسانـاً وظهر في الهيئـة مثلنا.

فقد صار لنا ”مُتقدِّماً في كلِّ شيء“ (كو 1: 18)، حتى أننا نحن أيضاً حينما نتبع خطواته ننال في أنفسنا ”إماتته“ أي اضمحلال قـوَّة الخطية مـن أجسادنـا، وهكذا نتمكَّن بـواسطته أن نرتقي إلى الحيـاة التي بـلا لوم](5).

«أقامنا معه وأجلسنا معه»:

نحن ليس فقط صُلبنا مع المسيح، بل إنه لمَّا قام أقامنا أيضاً معه، ولمَّا جلس في يمين عرش العظمة في الأعالي أجلسنا أيضاً معه، لأنه لمَّا أَخَذَ جسدنا صرنا فيه في موته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب.

وإذ هـو رأس الجسد، فكـل مـا صـار للرأس صار لنا، إنْ ثبتنا فيه وقَبِلْنا كل تدبيره وتنقيته وتأديبه لنا، وعملنا بتحذيره الملآن لُطفاً القائل لنا: «كلُّ غُصنٍ فيَّ لا يأتي بثمرٍ ينزعه، وكـلُّ مـا يـأتي بثمرٍ يُنقِّيه ليأتي بثمـرٍ أكثر» (يو 15: 2).

+ وفي هذا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

[أرأيتَ كيف أنَّ كل شيء قد قيل عن المسيح (الإلـه) المتجسِّد (قـد قيـل مـن أجـلنا)؟ أرأيتَ عظمة قدرتـه نحونا نحن المؤمنين، فإنه قد أحبَّ الأموات أبناء الغضب؟ أرأيتَ مـدى عظمة رجـاء دعوتـه؟ أرأيتَ غِنَى مجـد ميراثه؟ فمِن حيث إنه أقامنا معه، فهذا معروفٌ، وأيضاً أجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع. لكن كيف يكون هذا أمراً مؤكَّداً؟ تماماً مثلما أنـه ”أقامنا معه“. وهكذا أجلسنا معه، فحينما جلس الرأس جلس الجسد معه... فإنه يعني أنـه أقامنا معه بالمعمودية. إذن، كيف أجلسنا معه (في السماويَّـات)؟ يتضح ذلك من خلال قوله: «إنْ كنَّا قد مُتنا معه فسنحيا أيضاً معه. إنْ كُنَّا نصبر فسنملك أيضاً معه» (2تي 2: 12،11). فنحن في حاجة ماسة إلى الروح القدس، روح الإعلان، لكي نُدرك عُمق هذه الأسرار](6).

المسيح جعل من جسده الذي بذله ودمه الذي سفكه من أجلنا، غذاءً مُحيياً لنا:

لم يكتفِ الرب يسوع أن يُقدِّم نفسه ذبيحة على الصليب ليفتدينا بدمه، ولم يكتفِ أن ينقل إلينا نعمة خلاصه، ويُحـرِّر طبيعتنا مـن موت الخطية الذي يسري في أجسادنـا بموته على الصليب؛ بل إنه في ليلة آلامه، وهو عالمٌ بعجزنا عـن إدراك وفَهم قوَّة وسرِّ آلامه وموته على الصليب، وقصورنـا عـن سَبْر أغـوار مشيئته ومسرَّته في احتمال وقبول هذا الموت نفسه، وهو الإله الذي لا يموت، بل هو حيٌّ إلى الأبد؛ فما كان منه إلاَّ أن يُسلِّم هذا السرَّ ذاته، أي سر آلامه وموته وقيامته، كفِعْلٍ عملي سري، أكمله المسيح وهو بعد مع تلاميذه في العشاء الأخير.

فقد أعطاهم المسيح سرَّ موته وقيامته وسرَّ حياته فيهم في الخبز المكسور والخمر الممزوج، ليسكن أعماقهم وكيانهم كموت حقيقي وقيامة حقيقية لحياةٍ أبدية، وثبوت مُتبادَل فيه وفينا: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبُت فيَّ وأنا فيه. كما أرسلني الآبُ الحيُّ، وأنا حيٌّ بالآب، فمَن يأكلني فهو يحيا بي» (يو 6: 57،56).

+ وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

[هَلُمَّ نذهب معاً باشتياق إلى العشاء السرِّي. اليوم المسيح يحتفي بنا! اليوم المسيح يخدمنا! المسيح مُحب البشر يُريحنا! يا للسرِّ الرهيب! يـا للتدبير الذي لا يُنطَق بـه! يـا للتنازُل الذي لا يُدرك! يا لرحمة أحشاء إلهنا التي لا تُستقصَى! الخالق يُقدِّم نفسه لخليقته لتسعد به! الذي هو الحياة ذاتها، يُقدِّم نفسه للمائتين ليأكلوه ويشربوه! إنه يأمرهم: ”هَلُمُّوا كُلوا خبزي، واشربوا من الخمر التي مزجتها لكم“ (أم 9: 5)! كُلوني أنـا الحياة لتحيوا، لأني لأجل هذا أتيتُ، لتكون لكم حياة، وتكون لكم أوفر (يو 10: 10).

كُلوا الخبز الذي يُجدِّد طبيعتكم، واشربوا الخمر التي تُعطي تهليل الخلود!

لأني لأجلكم صرتُ مثلكم دون أن أتغيَّر عن طبيعتي، حتى تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية بواسطتي (2بط 1: 4)](7).

+ وفي هذا يقول أيضاً القديس يوحنا ذهبي الفم:

[لم يكن كافياً له أن يصير إنساناً ويُلطَم ويُذبَح، ولكنه قد مزج نفسه بنا أيضاً! وذلك ليس فقط بالإيمان، بل وبالفعل الواقعي: فقد جعلنا جسداً له! فبأيِّ طهارة فائقة يجب أن يتقدَّم مَن يتناول من مثل هذه الذبيحة!... أيُّ راعٍ عَـالَ رعيته بأعضائه الخاصة؟... أمَّا هو فإنه يُغذينا بدمه الخاص، وبكل وسيلة يمزجنا بنفسه](8).

(يتبع)

(1) عدد نوفمبر 2016، ص 9-13.
(2) جاءني تعليق رقيق من أحد القُرَّاء بخصوص عنوان هذا المقال، فقد اعترض على لفظة ”كل“ التي كُتِبَت في العنوان هكذا: ”المسيح بموته وقيامته لأجلنا أعطانا كل ما له“، وهذا هو المقال الثالث من سلسلة مقالات ستأتي تباعاً. أمَّا اعتراضه على القول: ”كل ما له“، مِن حيث دقَّته، لأنه يفيد الشمولية على حدِّ قوله، ومن الممكن أن يُفهَم خطأً من بعض الحرفيِّين وصغار النفوس!! ولعلَّه مُحِقٌّ فيما يقول. ولو أني كنتُ أتمنى أن لا يتمثَّل هو نفسه بالحَرْفيين. فلو أنه دقَّق في كلِّ المقال لوجد أننا من البداية نستشهد بما جاء في ثيئوتوكية الجمعة التي تقول: ”هو أَخَذَ الذي لنا وأعطانا الذي له. نُسبِّحه ونُمجِّده ونُزيده علواً... هو أَخَذَ جسدنا وأعطانـا روحـه القدوس، وجعلنا واحـداً معه مِن قِبَل صلاحه“. وبالتمعُّن في هذا الاقتباس من التسبحة المقدَّسة، نرى أنَّ قول التسبحة: ”أعطانا الذي له“، ثم القول: ”أعطانـا روحه القدوس، وجعلنا واحداً معه“، تفيد أنه أعطانا كـلَّ ما له، ليس بمعنى الشمولية، وإنما بنفس المعنى الذي قصده القديس بولس في قوله: «وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله» (أف 3: 19)، فقد استخدم لفظة ”كل“، وكلمة ”ملء“ مؤكِّداً بذلك أنَّ الله أعطانا كل ما له، دون أن يتنازَل عن مجد ألوهيته طبعاً. فالتعمُّق في معرفة محبة المسيح الفائقة المعرفة، يجعلنا نرى = = في سموِّ محبته أنه قد أعطانا كل ما يمكن أن يُعطَى لنا. وقد كرَّر بولس الرسول بحكمته العالية نفس هذا المعنى بقوله: «لأنه فيه (أي في المسيح) سُرَّ أن يَحِلَّ كـلُّ الملء» (كو 1: 19)، وكذلك قوله: «وأخضع كلَّ شيء تحت قدميه، وإيَّاه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكلَّ في الكل» (أف 1: 23،22). عموماً، فإنني أشكر القارئ العزيز على تعليقه، وأُطمئنه أنني أعرف قصوري وعجزي عن إدراك عُمق محبة الله التي استُعلِنَت في تجسُّد المسيح وموته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب، آخِذاً كل مَن يؤمن به معه في مجده.
(3) ”تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس“، مؤسَّسة القديس أنطونيوس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص 64-65.
(4) On John 19: 17-18; LFC 2,624.
(5) On 2Cor. 4:10 (PG 74,936, Pusey 345).
(6) ”تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس“، ص 78-79.
(7) Sermon 10 on the Mystical Supper (PG 77, 1017-1021).
(8) Homily 82,5 on Matthew (PG 58,743).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis