سيرة توبة


القديسة مريم التائبة
ابنة أخي القديس أبرآم الناسك



+ بقلم القديس أفرايم الذي من إديسَّا ”الرها“ (تنيَّح سنة 373م).

مريم تتربَّى عند عمِّها؟

عندما تُوفِّي شقيق القديس أبرآم، ترك ابنته الوحيدة طفلة في السابعة من عمرها. فلما رأى أصدقاء أبيها حرمانها من والديها، أحضروها إلى عمِّها. فأسكنها الشيخ في الحجرة الخارجية من مسكنه. وكان بين الحجرتين طاقة صغيرة، من خلالها كان يُعلِّمها المزامير ومقتطفات أخرى من الكتاب المقدس. وكانت هي تظل ساهرةً معه في التسبيح لله. وكانت تحب أن تُرتِّل المزامير معه، كما أنها حاولت أن تُقلِّد عمَّها في تقشفه ونُسكه. فكانت تُقبِل بشغف على هـذا النوع من الحياة، واختبرت بسرعة كل قدرات النفس.

ولم يكُفَّ القديس أبرآم عن الصلاة بدموع من أجلهـا حتى لا يرتبـك ذهنها باهتمامـات الأمور الأرضية. وكانت هي نفسها تطلب من عمِّها كل يوم أن يُصلِّي لله من أجلها حتى تُحفَظ من التصوُّرات الشريرة وفخاخ وأشراك الشيطان المتنوعة؛ وهكذا سارت في نظام حياتها بخُطًى ثابتة. وقد فَرِحَ عمُّها، إذ رآها هكذا تُسرع الخُطى بدون تردُّد في كل صلاح وفي الدموع والاتضاع والاحتشام والسكون، وفي أسمى من كل هذا: التكريس الكامل لله. وقد عاشت عشرين سنة معه في زُهدٍ، وكأنها حَمَلٌ بريء وحمامة غير مُلوَّثة.

تجربة مريم وسقوطها:

ولكن قُرب نهاية تلك السنين، بدأ عدو كل خير يُحارب مريم ويقسو عليها، وينصب شراكه الشريرة حولها، لكي يُسقطها في شِباكه، ويضرب القديس أبرآم بالحزن والجزع؛ وبالتالي يُبعِد ولو جزءاً من ذهنه على الأقل عن الله.

ففي هذه الأثناء، اعتاد أحد الشُّبَّان أن يزور الشيخ كثيراً تحت ستار الرغبة في التقويم، ولكنه عندما كـان يُمعن النظر في مريم، من خلال النافذة الصغيرة، كانت تثور شهوته. وكان يحاول أن يستميل قلبها بكلماته المعسولة حتى مرَّت سنة كاملة. وأخيراً، فتحت مريم نافذة قلايتها وخرجت إليه، وفي التوِّ أغواها وسقط معها في الخطية.

وبعد سقوطها المريع، ارتعب قلبها، وبـدأت تنتحب وتبكي، وفي حزنها كانت تطلب لنفسها الموت. وإذ تثقَّلت بالهمِّ، لم تجد ميناءً يمكنها أن تلتجئ إليه، وكانت تبكي وتصرخ لأنها لم تَعُد بعد كما كانت من قبل، وصارت تنتحب وتقول لنفسها: ”منذ الآن فقدتُ أيام جهادي التي قضيتُها في الزهد، وقد بَلَغَتْ دموعي وصلواتي وأسهاري إلى لا شيء. لقد أغضبتُ إلهي وحطَّمتُ نفسي. يا لحُزني على نفسي!“.

وكانت تنساب منها الدموع بغزارة، وهي تبكي قائلة: ”لقد أحنيتُ ظهر ذلك القديس عمِّي بحزنٍ مرير، وقد غطَّى الخِزي نفسي، وشَمَتَ بي الشيطان. يا لحُزني! أيَّ شرٍّ ارتكبتُ! أين كانت تعاليم عمِّي ومشورات أفرايم صديقه، التي كـانت تحثُّني أن أُحـافظ على بتوليتي لأجـل العريس غير المائت؟ لقد قيل لي: "إنَّ عريسك لقدُّوسٌ وغيورٌ هو". والآن، أنا لا أجسر أن أنظر إلى السماء“.

وكانت تُداوم على الصراخ بدموع، قائلة: ”إنني لن أجسر أن أتكلَّم مرةً أخرى من خلال هذه النافذة مع عمِّي الصالح وأنا في هذه الحالة المُزرية. فالأفضل لي أن أذهب إلى كورةٍ بعيدة حيث لا يعرفني أحدٌ“.

وهكذا قامت مريم وذهبت إلى مدينة أخرى، وبعد أن غيَّرت زيَّها، لجأت إلى أحـد بيـوت الخطية!

القديس يرى رؤيا تخصُّ الفتاة مريم:

وفي الوقت الذي سقطت فيه هذه الفتاة، ظهرت للقديس رؤيا في نومه. فقد رأى تنيناً عملاقاً ينفث بقوة (كفحيح الأفعى)، وقد صعد إلى قلاية القديس حيث وجد حمامة وابتلعها، ثم رجع مرةً أخرى إلى جُحره. وفي التوِّ، استيقظ القديس من نومه وهو في غمٍّ شديد، وبدأ يبكي بمرارة، لأنه عرف أن الشيطان قد أشعل اضطهاداً ضد كنيسة الله، وأنَّ كثيرين ارتدُّوا عن الحقِّ، وأنَّ انشقاقاً ما قد شبَّ في الكنيسة. ثم ركع على ركبتيه وصلَّى قائلا: ”أنت هـو الله الذي يرى مُسْبقاً كـل شيء. يا محب البشر، أنت تعلم ماذا يمكن أن تعنيه هذه الرؤيا“!

وبعد يومين، رأى القديس نفس التنين مرةً ثانية، وقد جاء بنفس هيئته السابقة إلى قلاية القديس، ووضع رأسه بين يديـه وانشقَّ مـن وسطه. ولكـن تلك الحمامـة التي قـد التهمها، وُجِدَت حيَّة في أحشائـه، وأنَّ الربَّ مدَّ يـده وانتشلها حيَّة!

فلما استيقظ القديس من نومه، نادَى تلك الفتاة مرةً بعد الأخرى ظانّاً أنها في قلايتها، ثم قال: ”ماذا أصابك يا مريم يا ابنتي، حتى أنَّ لك يومين لم تفتحي فمكِ لتمجيد الله؟“. ولكن لمَّا لم يسمع إجابة على تساؤله، فقد فَهِمَ أنَّ ما رآه في الرؤيا لابـدَّ أنـه يُشير إليها. فتحسَّر في نفسه وبكى متوجِّعاً قائلاً: ”يا لحُزني! لأنَّ ذئباً شرساً سرق حَمَلي. لقد سَبَاكِ العدو يا ابنتي“.

ثم رفع صوتـه وقـال بـاكياً: ”أيها المسيح مُخلِّص العالم، أَعِد لي حَمَلي مريم مرةً أخرى، وأَرْجِعها إلى حظيرة الحياة، حتى لا تذهب شيبتي بحزنٍ من هذا العالم. لا ترفض توسُّلي، يا رب، بل أَسرِع بأنْ تُرسِل نعمتك لتختطف الفتاة من فم التنين بدون أذى“.

كان اليومان اللذان رأى فيهما القديس الرؤيا يرمـزان إلى مرور سنتين عاشت فيهما ابنـة أخيه في الخطية، وكـأنها في أحشاء ذلك التنين الرهيب. ولكن القديس لم يكُفَّ ليلاً ونهاراً عـن التوسُّل إلى الله من أجل نجاة الفتاة. وهكذا مرَّت سنتان حتى اكتشف القديس أين هي وماذا فعلتْ! وقد طلب مـن صديق شخصي صالح أن يذهب إلى المكان الذي تمكث فيه الفتاة ويكتشف كـل ما يستطيع أن يكتشفه، ثم يُخبره بكل ما عرفه.

ولما عاد هذا الصديق الصالح، أخبر القديس بالحقيقة كلها، وكيف أنه رآها بنفسه! فطلب منه الشيخ أن يُحضِرَ له زيّاً عسكرياً وفرساً ليركبه، ففعل. وبعد أن لَبِسَ القديس الزِّيَّ العسكري، وأخذ معه قطعة ذهبية؛ امتطى الفرس، وركض بسرعةٍ في الطريق. فكان القديس يرتدي زي جنود المدينة لئلا يُكتَشَف أمره؛ وهكذا أراد الطوباوي أبرآم أن يهزم - بنعمة المسيح - العدو الشرير. فكما خرج إبراهيم الأول (أبو الآباء) ليصنع حرباً مع الملوك وكسرهم، وأرجع ابن أخيه لوط؛ هكذا خرج إبراهيم الثاني (القديس أبرآم) ليصنع حرباً مع الشرير، ويُرجِع ابنة أخيه إلى مكانها مرةً أخرى بانتصارٍ عظيم.

في بيت الخطيئة:

وهكـذا وصل القديس إلى المدينـة ودخـل الفندق، وجلس ناظراً حوله راجياً أن يرى الفتاة. وتحدَّث القديس مع صاحب الفندق عن فتاة سمع عنها، فأجابه الرجل قائلاً: إنها فتاة رائعة وغير عادية. ثم سأله الشيخ عن اسمها، فقال له: إنها تُدعَى ”مريم“. فطلب الشيخ من صاحب الفندق أن يأخذه إليها ويُريه إيَّاها.

فلما رآها الشيخ وهي مرتدية ملابس غير لائقة، كان حزنه عميقاً، ولكنه أخفى مرارة نفسه وتظاهَر بـالابتهاج، وضَبَطَ دموعه التي بـدأت تنهمر، حتى لا تكتشفه الفتاة، ثم تهرب منه.

ولما اقتربت الفتاة منه، استنشقت عبير تقشُّفه الذي فاح من جسده النحيل. وحينئذٍ تذكَّرت الأيام التي عاشتها مع عمِّها في تقشُّفٍ وزُهد. فأنَّت بصوتٍ عالٍ، وكـأنَّ نفسها قـد طُعِنَت بخنجر، وبدأت تبكي، ثم انفجرت صارخة: ”الويل لي أنا التعيسة!“. فصُعِق صاحب الفندق وقال: ”ماذا أصابكِ حتى انفجرتِ هكذا منتحبة؟ إنَّ لكِ اليوم هنا سنتين ولم يسمع أحدٌ منكِ كلمة تأسُّف واعتذار“. فقالت له: ”لو كنتُ قد مُتُّ منذ ثلاث سنوات، لكنتُ أظل سعيدة“. فتوجَّس الشيخ لئلا تعرفه وتكتشفه، فقال لها بلُطفٍ: ”هل جئتُ أنا إلى هنا لأُسبِّب لك حُزناً وتذكيراً لخطاياكِ“؟

عجيبٌ هـو تدبـير رحمتك يـا الله المتعالي! وفكَّرت الفتاة في قلبها قائلة: ”إنَّ هذا الشيخ يبدو شبيهاً بعمِّي“. ولكنك أنت يا الله مُحب البشر، أخفيتَ عن الفتاة معرفة عمِّها واكتشاف أَمره. إنه في الحقيقة أمرٌ لا يُصدَّق، لولا أنَّ دموع عمِّها قد صعدت أمامك، فجعلتَ مِمَّا يبدو مستحيلاً أن يكون أمراً مُمكناً. ثم أعطى القديس لصاحب الفندق القطعة الذهبية التي معه، وأَمره أن يتركه مع الفتاة.

يا لحكمة هذا القديس وسعيه لإنقاذ ابنة أخيه. فإنه على مدى خمسين عاماً من الزُّهد لم يَذُق فيها من الطعام إلاَّ الخبز؛ وهوذا الآن، بدون تردُّد - لكي يُنقِذ نفساً ضالة - يأكل طعاماً شهيّاً. يـا للإفراز الذي لذوي البصيرة! تعجَّبوا مـن تصرُّف الشيخ، فإنه من أجل أن ينتشل نفساً من فكَّي الأسد، بدا كأنه طائشٌ في سلوكه!

وعندما انتهيا من طعامهما، دخل معها إلى غرفتها، ليُنقذ نفسها الضالة، وليؤول كل ذلك إلى مجد المسيح. ثم تودَّد إليها قائلاً: ”اقتربي إليَّ يا مريم“. فلما اقتربتْ منه، أمسكها بيده بقوة، ثم خلع قبعته وكشف عن نفسه، وهو مُنفجرٌ في بكاءٍ شديد، قائلاً: ”مريم، يا ابنتي، أَلا تعرفينني؟ ألم أكُن أنا الذي ربَّيتُكِ؟ مَن ذا الذي أخطأ معكِ؟ أين هو الرداء الملائكي الذي كنتِ تلبسينه، يا ابنتي؟ أين طهارتكِ ودموعـكِ وأسهاركِ ونومـكِ على الأرض؟ كيف سقطتِ مـن عُلو السماء إلى هذه الهـوَّة؟ لمـاذا لم تُخبريني عندمـا سقـطتِ في الخطيئـة، فكنتُ - بنعمـة المسيح - أَهديـكِ إلى التوبـة؟ لمـاذا هجرتيني وسبَّبتِ لي هذا الحُزن المُفرط؟ لأنه مَن ذا الذي هو بلا خطيئة إلاَّ الله وحده“!

وبينما هو يقول ذلك، بَقِيَت الفتاة كل الوقت بين يديه بلا حِراك، إذ ملأها الخوف والخجل! ثم قال لها: ”مريم، يا ابنتي، أنا الذي سيُجيب الله عنكِ في يوم الدينونة“! وظل هكذا حتى منتصف الليل، يُحاول أن يُريح نفسها، مُشجِّعاً إيَّاها بدموعٍ غزيرة.

وهكذا قليلاً قليلاً، تشجَّعت وقالت له أخيراً وهي بـاكية: ”لا أستطيع أن أنظر إلى وجهك مـن الخجل، ولكن كيف أنَّ حمقاء مثلي غارقة في حمأة الخطيئـة، تسكب صلاةً أمـام الله“؟ فـأجابها القديس: ”لتكن خطيتك عليَّ، يا ابنتي، وسيُجازيني الله عن هذه الخطيئة. فقط اسمعي لي وتعالي لنرجع إلى مسكننا، لأنه ها هو عزيزنا أفرايم في حُزنٍ عميق عليكِ، وهو دائم التوسُّل إلى الله من أجلكِ. لا تيأسي، يا ابنتي، من رحمة الله. فلو كانت خطيئتكِ كالجبال، فلتَعْلُ رحمته فوق كل شيء. لقد جاءت إلى الرب يسوع امرأة خاطئة، لم تلوِّثه بقُربها منه، ولكنه هو الذي طهَّر نفسها، وهي قد غسلت قدمَي الرب بدموعها! السقوط في الحمأة ليس شيئاً جديداً، ولكن البقاء في السقوط هـو الشر. إنَّ العدو قـد سَخَر من سقوطـكِ، ولكنـه سيراكِ - بـاسم المسيح - أكثر قوة في قيامكِ“!

ثم أردف قائلاً: ”أتوسَّل إليكِ، ارحمي شيبتي، وقـومي الآن وتعالي معي نعود إلى مكاننـا. لا تخافي، فالإنسان المائت عُرضـة للسقوط؛ ولكنه كما هو سريع السقوط، فهو سريع القيام (بالتوبـة) مـرة أخرى - بمعونـة الله - الذي لا يُسرُّ بموت الخاطئ، بـل بالحري بأن يُشفَى ويحيا“.

رجوع الخروف الضال:

فأجابت الفتاة على توسُّـل القديس قائلة: ”إذا كنتَ متأكِّداً أنني أستطيع أن أصنع توبةً، وأنَّ الله سيقبلني؛ فها أنا سأتبع قدسك، يا مَن انتحبتَ من أجلي لكي تُخرجني من هذه الهوَّة“. ثم انحنت عند قدميه وبكت الليل كله مُصلِّية: ”ماذا أُقدِّمه لك عِوَضاً عن كل هذا أيها الرب إلهي؟“.

وعندما بزغ الفجر، قال لها القديس: ”هيَّا بنا، يا ابنتي“. فسألته: ”عندي قليل من الذهب وبعض الملابس، فماذا أعمل بها؟“. فأجابها: ”اتركي كل هذه الأشياء هنا، لأنها اكتُسِبَت من الخطيئة“. ثم خرجا معاً، وأركبها فرسه وقـاده مُتقدِّماً إيَّاه مثل الراعي الصالح الذي يجد خروفـه الضال ويحمله على منكبيه فَرِحاً. وهكذا عادا إلى مسكنهما بفرح.

ولما وصلا إلى مسكنهما، أسكنها القديس في الحجرة الداخلية، وبَقِيَ هو في الحجرة الخارجية. وإذ دَخَلتْ إلى غرفتها، ارتدت مسحاً من شعر، وعاشت في اتضاع نفس ودموع، مؤدِّبة نفسها بأسهارٍ وأعمال تقشُّف قاسية، وهي تدعو الله بلا كلل، نائحةً بسبب خطاياها، ولكن مع يقين الرجاء في مغفرته. وكان كل مَن يسمع نحيبها، يبكي من أجلها بابتهالٍ إلى الله. فمَن ذا الذي لا يُمجِّد الله ويشكر رحمته وطول أناته على الخطاة، وقبوله لتوبتهم الصادقة القلبية!

علامة قبول التوبة:

ظلَّت الفتاة تُصلِّي بلجاجة حتى حصلت على علامة قبول توبتها. فإنها بعد ثلاث سنوات من رجوعها وقبول الله لتوبتها، منحها الله موهبة شـفاء المرضى، إذ أَعـاد الله - بصلواتها - الصحة للكثيرين الذين تقاطروا عليها لكي تُصلِّي من أجلهم، ويُتمِّم الرب مشيئته فيهم.

نهاية حياة القدِّيسين المُباركة:

عاش القديس أبرآم المُبارَك عشر سنوات أخرى بعد توبة ابنة أخيه مريم، وهو يُمجِّد الله ويُبارِك اسمه القدوس. وبعد أن أكمـل سعيه الصالح، انتقل بسلام مـن هذا العالم الزائل وهو في السبعين من عمره.

أما مريم، فقد عاشت خمس سنوات أخرى بعد نياحة القديس، وقد سلكت في حياتها مسلك التقشُّف والزُّهد، مُداومة على التوبة والصلاة بخشوعٍ ودموع ليلاً ونهاراً. وكـانت مثالاً حيّاً للتوبـة، وعِـبرة لكل مَـن يراهـا ويمتثل بحياتها وبتوبتها الصادقة.

وعندما حانت ساعة رقادها، اختُطِفَت من هذا العالم الفاني والحياة الزائلة، إلى الحياة الأبدية. وكل مَن رآها في رقادها كـان يُعطي المجد لله لأجـل إشراق وجهها وسلام الله الذي يغمرها.

**** المبادلة الرابحة ************************************************************************

[لقد سمح الله لنا - فيما مضى - أن نُساق بأهوائنا ونزعاتنا الهوجاء، ليس لأنه كان مسروراً بخطايانا، ولكن لأجل طول أناته. وليس لأنه كان راضياً عن زمن الجهالة والإثم، ولكن لأنه كان يُعِدُّ ويُدبِّر زمن البرِّ؛ لكي يجعلنا أهلاً لنعمة رحمته نحن الذين سبق وصدر علينا - فيما مضى - حُكْم الإدانة بأننا غير مستحقِّين للحياة بسبب أفعالنا.

والآن، وقد أظهر الله لنا بكل وضوح أنه من المستحيل أن ندخل ملكوت محبته بالاتكال على أنفسنا، فإنه جعل في إمكاننا ذلك بواسطة قدرته هو، حيث حَمَلَ هو خطايانا، وبَذَلَ ابنه الوحيد فِديةً عنَّا. لأنه بالحقيقة، ماذا يمكن أن يستر خطايانا ويمحوها إلاَّ برُّه هو؟ ومَن كان يمكن أن يُبرِّرنا غير ابن الله نفسه؟

آه! ما أحلاها مُبادَلة! وما أجملها عملية خَلْق تفوق التصوُّر: لقد اختفت آثام الكثيرين في برِّ الواحد، وغطَّى برُّ الواحد الخطاة الكثيرين وبرَّرهم].

*********************************************** [الرسالة إلى ديوجينيتس - من كتابات القرن الثاني الميلادي]

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis