دراسة الكتاب المقدس


سفر التثنية
سفر توصيات موسى الوداعية
لبني إسرائيل
- 16 -

الأصحاح السادس
(تابع) الوصية الأولى والعُظمى

+ «اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا ربٌّ واحدٌ. فتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك» (تث 6: 5،4).

نعود فنكرر أن هذه هي الوصية الأولى والعُظمى، وهي خلاصة اللوح الأول الذي للوصايا العشر، الذي يتضمن الوصايا الأربع الأولى المختصة بعلاقة الإنسان بالله. وقد أكَّد على ذلك الرب يسوع حينما سأله واحد من الكتبة قائلاً: «أية وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا ربٌّ واحد. وتُحِبُّ الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى. وثانيةٌ مثلها هي: تُحِبُّ قريبك كنفسك. ليس وصية أخرى أعظم من هاتين. فقال له الكاتب: جيداً يا مُعلِّم. بالحق قلتَ، لأنه الله واحدٌ وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب، ومن كل الفهم، ومن كل النفس، ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس، هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح. فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل، قال له: لستَ بعيداً عن ملكوت الله» (مر 12: 28-34).

وقد ذُكِرَت هذه الوصية، أي محبة الله، مرة وراء مرة في سفر التثنية (6: 5؛ 10: 12؛ 11: 22،13؛ 13: 3؛ 19: 9؛ 30: 20،16،6)، مما يكشف عن مدى اهتمام الله ومقدار إلحاحه لكي يغرس محبته في قلوب شعبه، لأن الرب الذي هو حياتنا كلنا، وخلاصنا كلنا، ورجاؤنا كلنا؛ لا يقبل منا أقل من أن نحبه حبّاً يملك كل كياننا، من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القدرة. لذلك فقد كان ختام وصايا موسى بخصوص هذه الوصية في سفر التثنية قوله: «تحب الرب إلهك، وتسمع لصوته، وتلتصق به، لأنه هو حياتك» (30: 20).

فالرب الذي نستمد منه الحياة ينبغي أن نهبه حياتنا، ونحبه بكل كياننا، ونسمع لصوته، ونلتصق به، لكي تسري حياته فينا. فوصية المحبة وصية مركزية يدور حولها الكتاب المقدس كله بعهديه، فهي مبنية على طبيعة الله التي عبَّر عنها يوحنا الرسول بقوله: «الله محبة» (1يو 4: 8).

ففي العهد القديم بَنَى الله علاقته بشعبه على أساس محبته الخاصة لهم ولآبائهم. فاسمع موسى النبي يقول لهم في خطابه الأول في نفس السفر: «لأجل أنه أحبَّ آباءك، واختار نسلهم من بعدهم، أخرجك بحضرته بقوته العظيمة من مصر، لكي يطرد من أمامك شعوباً أكبر وأعظم منك، ويأتي بك ويُعطيك أرضهم نصيباً كما في هذا اليوم» (4: 37). وإرميا النبي يقول: «قد ذكرتُ لكِ غيرة صباكِ، محبة خطبتكِ، ذهابكِ ورائي في البرية في أرض غير مزروعة» (إر 2: 2،1). وأيضاً قوله: «محبة أبدية أحببتكِ، من أجل ذلك أدمتُ لكِ الرحمة» (إر 31: 3).

ويؤكِّد موسى النبي مرة أخرى، في خطابه الثاني في سفر التثنية، محبة الله الخاصة لشعب إسرائيل من أجل القَسَم الذي أقسم به لآبائهم، فيقول: «ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب، التصق الرب بكم واختاركم، لأنكم أقل من سائر الشعوب، بل من محبة الرب إيَّاكم وحفظه القَسَم الذي أقسم لآبائكم، أخرجكم الربُّ بيد شديدة وفداكم من بيت العبودية من يد فرعون ملك مصر. فاعلم أن الرب إلهك هو الله الإله الأمين الحافظ العهد والإحسان للذين يُحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيل» (7: 8،7). ثم يعود ويُكرر ذلك أيضاً قائلاً: «ولكن الرب إنما التصق بآبائك ليحبهم، فاختار من بعدهم نسلهم الذي هو أنتم فوق جميع الشعوب كما في هذا اليوم» (10: 15).

لقد آمن إبراهيم أبوهم بالله وأطاعه لما أمره مختبـِراً محبته، بأن يُقدِّم ابنه وحيده إسحق محرقةً، فقدَّم إبراهيم ابنه الذي قَبـِلَ فيه المواعيد. فلما رأى الله طاعته ومحبته وإيمانه، منعه من أن يذبحه، وأقسم بذاته قائلاً: «إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تُمسِك ابنك وحيدك، أُباركك مباركة، وأُكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب أعدائه. ويتبارك في نسلك جميع أُمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولي» (تك 22: 16-18). وهكذا صار إبراهيم بركة لنسله ولجميع أمم الأرض، كما جاء من نسله المسيح الذي فيه تباركت جميع الشعوب. وبسبب إبراهيم وكل مَن حذا حذوه تضاعفت البركات والمواعيد وفاضت محبة الله على مُحبي اسمه القدوس، حتى أن إشعياء النبي يقول: «لأني أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلِّصك؟ جعلتُ مصر فديتك، كوش وسبا عِوَضك؛ إذ صرتَ عزيزاً في عينيَّ، مُكرَّماً، وأنا قد أحببتك، أُعطي أُناساً عِوَضك وشعوباً عِوَض نفسك» (إش 43: 4،3).

ولكن إسرائيل نكص عهده مع الله وتنكَّر لِمَن اختاره وأحبه، لذلك يقول لهم موسى في ختام خطابه الأخير: «ألرب تُكافئون بهذا يا شعباً غبياً غير حكيم؟ أليس هو أباك ومُقتنيك، هو عَمِلَك وأنشأك» (تث 32: 6)؟ كما تنبَّأ عنهم هوشع النبي قائلاً: «وقال الرب لي: اذهب أحبب امرأة حبيبةَ صاحبٍ وزانيةً كمحبة الرب لبني إسرائيل وهم ملتفتون إلى آلهة أخرى ومُحبُّون لأقراص الزبيب» (هو 3: 1). وزكريا النبي أيضاً تنبأ عن خيانتهم للمسيح وصلبهم له قائلاً: «فيقول له: ما هذه الجروح في يديك؟ فيقول: هي التي جُرحت بها في بيت أحبائي» (زك 13: 6).

وهكذا يتضح جليّاً أن محبة الله لشعبه لم تتأثر حتى بخيانتهم بل ظلَّت ثابتة لا تتزعزع، فهو ما زال يدعوهم أحباءه رغم الجراحات التي أدمت يديه، وما زالت آثارها ظاهرة فيها، ذلك لأن محبة الله هي طبيعته التي لا يمكن أن تتغيَّر فهي محبة أبدية لا تسقط أبداً، لأنه «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16).

محبتنا لله ضرورة حتمية لحياتنا:

فالله لا يقبل إزاء محبته لنا إلاَّ أن نبادله حبّاً بحبٍّ. من هنا نفهم لماذا هذا الإلحاح الشديد في وصية الله للإنسان منذ القديم أن نحبَّه من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر ومن كل القدرة. لذلك فإنه من المهم أن نلاحظ أن الله لا يستجدي منا الحب، إذ هو الذي جبلنا وخلقنا، وبه نحيا ونتحرَّك ونوجد. وهو قد أحبنا أولاً وأحبنا فضلاً، وأحبنا ونحن بعد خطاة. لذلك يتحتم أن نبادله الحب. وهو يُطالبنا أن نحبه من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القدرة كوصية نؤمر بها، وقد أعطانا كل الإمكانيات والأسباب التي تُسهِّل لنا تنفيذ وصيته لنا بأن نحبه. وهي ليست مجرد محبة عاطفية، ولكنها مرتبطة ارتباطاً شديداً بطاعة وصاياه: «يا أولادي لا نحب بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق» (1يو 3: 18). فمحبة الله هي انحياز كامل لاتِّباع الله والعمل بوصاياه.

ولكن ما هو المقصود بأن نحب الرب من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القوة (القدرة)؟ ربما يمكننا أن نستشف من النص العبري ما تعنيه هذه الكلمات: القلب، والنفس، والقوة:

فالقلب: جاء في اللغة العبرية (لِبَاب = Lebab)، وهو يعني ليس فقط العضو الجسدي، ولكن يُقصَد به أيضاً لُبُّ الشخصية وجوهرها، حيث يُعتبر الكيان الطبيعي والروحي للإنسان وجهين غير منفصلَيْن للكائن الكلِّي الواحد. و”لِبَاب“ تشمل مشاعر الفرح، كما وردت في الآية: «يا ابني كُن حكيماً وفرِّح قلبي...» (أم 27: 11)؛ والكآبة: كما وردت في الآية: «ما هذا إلاَّ كآبة قلب» (نح 2: 2)؛ والشجاعة: كما وردت في الآية: «... الذي قلبه كقلب الأسد» (2صم 17: 10)؛ والثقة: كما جاءت في الآية: «بها يثق قلب زوجها» (أم 31: 11)؛ والبغضة: كما جاءت في الآية: «لا تُبغض أخاك في قلبك» (لا 19: 17).

كما تعني كلمة ”لِبَاب“ أيضاً في العبرية منابع الفكر، من حيث التخطيط مثل قول الآية: «... احفظ هذه إلى الأبد في تصوُّر أفكار قلوب شعبك وأعدَّ قلوبهم نحوك» (1أخ 29: 18)؛ والتآمر: مثل الآية: «وقال عيسو في قلبه: قريب أيام مناحة أبي، فأقتل يعقوب أخي» (تك 27: 41)؛ والحكمة: مثل قول الآية: «إحصاء أيامنا هكذا علِّمنا فنُؤتى قلب حكمة» (مز 90: 12).

كما يُعتبر القلب التربة المناسبة لتوالد الدوافع السلوكية المختلفة، مثل الغرور: كما يظهر في القول: «يرتفع قلبك وتنسى الرب إلهك» (تث 8: 14)؛ والعناد: كما يبدو في القول: «ولا يذهبون بعد وراء عناد قلبهم الشرير» (إر 3: 17)؛ والفجور: كما جاء في القول: «أما فُجَّار القلب فيذخرون غضباً» (أي 36: 13).

إذن، فمحبة الرب من كل القلب تعني أن نفتح له كل منافذ القلب من تفكير ومشاعر وتقدير، لكي تتشكَّل وتُشحذ كلها كآلات مُعدَّة ومُهيَّأة لخدمة مقاصد الله. ولعل أقرب تصوير لهذا المعنى قول بولس الرسول: «ولا تقدِّموا أعضاءكم آلاتِ إثم للخطية، بل قدِّموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلاتِ برٍّ لله» (رو 6: 13).

أما النفس: فقد جاءت في اللغة العبرية (نِفِش = nephesh)، فهي تعني الجزء الخالد من شخصية الإنسان الذي لا يعتريه الموت، فهي نسمة الحياة التي نفخها الله في الإنسان، كما جاء في قول الكتاب: «وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية» (تك 2: 7). ولكن إذا قارنَّا بين مفهوم القلب والنفس في التعبير العبري الكتابي، نجد أن النفس تعني بالأكثر: العواطف والمشاعر والرغبات، مثل: الشهية: كما في قوله: «ما عافت نفسي أن تمسَّها هذه صارت مثل خبزي الكريه» (أي 6: 7). العطش: كما في قوله: «وكما يحلم العطشان أنه يشرب ثم يستيقظ وإذا هو رازح ونفسه مشتهية (الشُّرب)» (إش 29: 8). الاشتهاء: كما في قوله: «لأن الشرير يفتخر بشهوات نفسه» (مز 10: 3). الأمل: كما في قوله: «في يومه تعطيه أجرته ولا تغرب عليها الشمس، لأنه فقير وإليها حاملٌ (أَمَلَ) نفسه» (تث 24: 15). المرارة: كما في قوله: «أتمشَّى متمهِّلاً كل سنيَّ من أجل مرارة نفسي» (إش 38: 15).

إذن، فلكي نحب الرب من كل النفس ينبغي أن نضع كل مشاعرنا ورغباتنا في خدمة الرب ونُسخِّرها طوع إرادته، فيكون هو الماء الذي نعطش إليه، والخبز الذي نشتهي أكله، والرجاء الذي نصبو إليه ونسعد به، مثل قوله: «إلى اسمك وإلى ذِكْرك شهوة النفس. بنفسي اشتهيتك في الليل، أيضاً بروحي في داخلي إليك أبتكر» (إش 26: 9،8).

أما القوة: فهي في العبرية (مِعُود = me’od)، وهي تعني حرفياً: الكثرة، أو الوفرة. ففي (2مل 23: 25) جاء عن يوشيا الملك قول الكتاب: «ولم يكن قبله ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل شريعة موسى».

إذن، فمحبة الرب من كل القوة تعني سعي الإنسان بكل كيانه وعزيمته وغيرته أن يحقِّق كل مشيئة الله ويزيل عنه كل ما يُعارِض إرادته(1).

وهكذا فإن محبة الله من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القدرة، تعني أن يصبح الله عند الإنسان هو القطب الجاذب للحب الصادق والعمل الصالح. ولاحِظ هنا أن ”كل“، تعني أنه لا يوجد شخص آخر يُقاسم حب الإنسان لله، بمعنى أن يكون الله هو الأول والآخِر عندي، وأن أحبه أكثر من الأب والأم والزوجة والأولاد والإخوة والأخوات ومن أعزّ مَن لديَّ وما عندي.

[وحينما يُسرِّب القلب حبه الصادق للنفس، تسهر النفس تناجي الله متشبِّثةً بحبه بإخلاص يساوي الحياة ولا يقطعه إلاَّ الموت. وبكل إرادته يعمل ما تُملي عليه النفس وما يدفعه إليه القلب. فالقدرة هي نتاج حركات القلب ومشاعر النفس المتحرِّكة للعمل. فما يحمله القلب وما تحمله النفس ينصبُّ في الإرادة المهيَّأة للفعل. ولكن إذا تقاعست الإرادة عن التنفيذ ضاع رأس مال القلب وكل آمال النفس وشهوتها. فالإرادة تتحرَّك بضعفٍ أو بقوةٍ إلى اليمين أو اليسار كما يتحكَّم فيها الفكر. والفكر يُصفِّي كل الحواس ويخرج منها بالحكم على الأمور. فإذا تشبَّع الفكر بالحقائق الإلهية وامتلأ بمعرفة الإنجيل ووصايا الله، اغتنى بالروح](2).

وصايا الله هي شغلنا الشاغل ولهجنا النهار والليل:

أما وصايا الله فهي الإطار الذي يستطيع من خلاله أن يُعبِّر بنو إسرائيل عن حبِّهم لإلههم، لذلك يقول لهم: «ولتكن هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك، وقُصَّها على أولادك، وتكلَّم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم، اربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك» (6: 6-9).

هذه الكلمات التي أوصيك بها هي الجسر المؤدِّي إلى محبة الله وطاعته، لذلك فموقعها بالنسبة لك هي أن تكون دائماً على قلبك، بمعنى أن تجعلها أساس تفكيرك واهتمامك وشغلك الشاغل: «يا ابني أعطني قلبك، ولتُلاحظ عيناك طرقي» (أم 23: 26)، فتصير طاعة الوصية ليست مجرد تطبيق شكلي لها، ولكن استجابةَ حبٍّ مبنيةً على استنارة الذهن لفهمها: «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني» (يو 14: 21). وهكذا بفهمهم لوصايا الله باعتبارها الطريق المؤدِّي إلى الحياة، والتي بموجبها أظهر الله محبته لهم، يستطيعون أن يشرحوها لأولادهم، وتصير محور حديثهم وهم جلوسٌ في البيت أو خارجه، أثناء سيرهم في الطريق، منذ بداية اليوم حتى نهايته: «حين تنام وحين تقوم». وبالاختصار، ينبغي أن تتخلَّل وصايا الله كل مجال الحياة.

أما الأمر بربط الوصايا علامة على اليد، ووضعها عصائب بين العينين، وكتابتها على قوائم أبواب البيت، فهي تأكيد لأهمية حفظ الوصايا، حتى تكون مرشداً وضابطاً لكل حركة من اليد، ولكل نظرة للعين، ولكل دخول وخروج: «إذا ذهبتَ تهديك، إذا نِمْتَ تحرسك، وإذا استيقظتَ فهي تُحدِّثك» (أم 6: 22).

إلاَّ أن هذه النصوص قد طُبِّقت فيما بعد حرفياً، حتى أنهم بدأوا يربطون على معصم يدهم اليسري كيساً صغيراً من الجلد يحتوي على بعض الآيات من التوراة (خر 12: 2-10؛ 13: 11-21؛ تث 6: 4-9؛ 11: 18-21) مكتوبة بمداد خاص على ورق أو رِق، ويسمُّونه بالعبرية (تيفيلِّيم = tephillim). كما كانوا يثبِّتون على قوائم أبواب بيوتهم صندوقاً صغيراً مماثلاً يُسمُّونه بالعبرية (ميزوزاه = mezuzah). وقــد وُجدت بعضٌ مـن هذه التيفيلِّيم والميزوزاه في الكهوف المكتشفة مـع مخطوطات البحر الميت في وادي قُمران(3).

ولكن هذا التطبيق الشكلي ليس هو المقصود، ولن ينفع صاحبه شيئاً؛ بل انطبق عليهم قول إشعياء النبي القائل: «فقال السيد: لأن هذا الشعب اقترب إليَّ بفمه وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني، وصارت مخافتهم مني وصية الناس مُعلِّمة» (إش 29: 13). لأن محبة الله لها ثمارها الظاهرة، لأنه «إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب. لأن مَن لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره» (1يو 4: 20).

لذلك يقول القديس غريغوريوس النيصي (330-395م):

[إذا لم يحب الإنسان الله من كل قلبه ومن كل نفسه، كيف يمكنه أن يحب إخوته محبة خالصة بريئة مُخلصة، طالما لم يُحقِّق محبة الواحد الذي من أجله يسعي جاهداً أن يحب إخوته؟ فالإنسان في هذه الحالة، إذا لم يُعطِ كل نفسه لله ولم يشترك في حبه، يجده الشرير متجرِّداً من سلاحه ويسهل عليه غلبته](4).

(يتبع)


(1) مقتبس بتصرُّف من كتاب: "Word & Presence"، "Deuteronomy"، للكاتب: IAN Cairns.
(2) مقتبس من كتاب: ”شرح إنجيل مرقس“، للأب متى المسكين.
(3) See DJD II (1961) & DJD III (1962) pp. 83f & 149-161 cited in PC Craigie, The Book of Deuteronomy.
(4) St. Gregory of Nyssa, On the Christian Mode of Life, FC 58:148.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis