العناصر الرئيسية: أولاً: المسيح يعلن أنه الرب ابن الله والواحد مع الآب. ثانياً: المسيح يُعرِّفنا عن الروح القدس. ثالثاً: المسيح يكشف عن لاهوته وسلطانه وصفاته. رابعاً: الشهادات: أ - شهادة الشهود؛ ب - شهادة الأحداث؛ جـ - شهادة النبوَّات والرموز.
+في الجزء الأول من هذا المقال (عدد نوفمبر 2006، ص 27) رأينا الرب يحثـُّنا أن نفتش الكتب عنه فشهادتها لا تخطئ، وهو نفسه استشهد كثيراً بالنبوَّات، وعلى نهجه سار التلاميذ والرسل في كرازتهم. ونستكمل هنا بإيراد النبوَّات الرئيسية التي سجَّلها البشيرون، والرموز الكثيرة التي تشير إلى الرب، وبها نختم هذه الدراسة. + نبوَّات العهد القديم تشهد للعهد الجديد: عمد كتَّاب الأناجيل والرسائل إلى ذِكْر النبوَّات التي تؤيِّد إرسالية المسيح وتشهد أنه ابن الله الذي يرفع خطية العالم، والذي تحقَّقت فيه كل رؤى الأنبياء على امتداد القرون. وقد حرص القديس متى بالذات (الذي كتب إنجيله أساساً إلى اليهود) أن يستشهد عند سرده للأحداث بالنبوَّات أو الرموز المتعلِّقة بها، بما يجعل المقابلة بين ما كُتِبَ قبل قرون وتحقيقه حرفياً في ملء الزمان أمراً لا مجال فيه للصدفة أو الشك؛ وإنما يشهد بصدق كلمة الله وأن يسوع هو المسيح مخلِّص العالم. - فعن ميلاد يسوع من عذراء، يذكر القديس متى نبوَّة إشعياء (إش 7: 14): «هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (مت 1: 23). - وعن ولادته في بيت لحم، يذكر نبوَّة ميخا (مي 5: 2): «وأنتِ يا بيت لحم، أرض يهوذا، لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منكِ يخرج مُدَبِّرٌ يرعى شعبي إسرائيل» (مت 2: 6). [وهو ما كان يعرفه اليهود من أن المسيح يأتي من نسل داود، ومن بيت لحم القرية التي كان داود منها (يو 7: 42)]. - وعن هربه إلى مصر، يسترجع نبوَّة هوشع (هو 11: 1): «مِنْ مصر دعوتُ ابني» (مت 2: 15). - وعن قتل هيرودس للأطفال، يُشير إلى نبوَّة إرميا (إر 31: 15): «صوتٌ سُمِعَ في الرامة، نوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزَّى، لأنهم ليسوا بموجودين» (مت 2: 18). - وعن رجوع يسوع من مصر وسكنه في الناصرة، يكتب القديس متى: «لكي يتمَّ ما قِيل بالأنبياء: إنه سيُدعى ناصرياً» (مت 2: 23). - ويستشهد القديس متى (والقديس مرقس) عند ذِكْر مهمة المعمدان كسابق للرب بنبوَّة إشعياء (إش 40: 3): «صوتُ صارخ في البرية، أعِدُّوا طريق الرب، اصنعوا سُبُله مستقيمة» (مت 3: 3؛ مر 1: 3). - ولما ذكر الإنجيل انتقال الرب من الناصرة ليسكن في كفر ناحوم على بحيرة طبرية في تخوم زبولون ونفتاليم، والتي شهدت جانباً من كرازته؛ أشار القديس متى إلى نبوَّة إشعياء (إش 9: 2،1): «أرض زبولون، وأرض نفتاليم، طريق البحر، عَبْر الأردن، جليل الأُمم. الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور» (مت 4: 16،15). - وعند ذِكْر وداعة المسيح وتسامحه مع أعدائه، استعاد القديس متى نبوَّة إشعياء (إش 42: 1-4): «هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سُرَّت به نفسي. أضع روحي عليه فيُخبر الأُمم بالحق. لا يُخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحدٌ في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مُدَخِّنة لا يُطفئ، حتى يُخرِج الحقَّ إلى النُّصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الأُمم» (مت 12: 18-21)(1). - ولما دخل الرب أورشليم للمرة الأخيرة على أتان وجحش ابن أتان، ذكر القديس متى هذه الحادثة وقرنها بنبوَّة زكريا (زك 9: 9): «قولوا لابنة صهيون: هوذا مَلِكُكِ يأتيكِ وديعاً، راكباً على أتان وجحش ابن أتان» (مت 21: 4). - وفي سياق تداعيات خيانة يهوذا وطرحه الفضة في الهيكل، ثم انتحاره وشراء رؤساء الكهنة بالفضة حقل الفخاري مقبرة للغرباء (مت 27: 3-10)؛ يستعيد معلِّمنا متى النبوَّة: «وأخذوا الثلاثين من الفضة، ثمن المُثمَّن الذي ثمَّنوه من بني إسرائيل، وأعطوها عن حقل الفخاري، كما أمرني الرب» (مت 27: 10،9؛ انظر زك 11: 12). - ويُسجِّل القديسان متى ويوحنا ما جرى عند صليب المسيح: «ولما صلبوه، اقتسموا ثيابه مقترعين عليها» (مت 27: 35؛ يو 19: 24،23) على أنه إتمام ما قيل في المزامير: «اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي (القميص) ألقوا قرعة» (مز 22: 18،17). - ومن المثير أن تشير النبوَّة إلى دفن الرب بعد موته في قبر جديد لرجل غني (وهو يوسف الرامي) (مت 27: 57-60؛ مر 15: 43-46؛ لو 23: 50-53)، وهي ضمن ما سجَّله أصحاح 53 الشهير من سفر إشعياء: «وجُعِلَ مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته» (إش 53: 9). - والقديس يوحنا يُشير إلى نبوَّة إشعياء (إش 53: 1): «يا رب مَن صدَّق خبرنا، ولمِنُ استُعلنت ذراع الرب» (يو 12: 38) إزاء رفض اليهود للمسيح برغم الآيات التي صنعها أمامهم. كما يشير (يو 19: 28-30) إلى عطش الرب على الصليب، وتقديمهم اسفنجة مُشبَّعة بالخل له، أنه إتمام للنبوَّات («في عطشي يسقونني خلاًّ» - مز 69: 21)، وإلى أن الرب مات سريعاً فلم تُكسر ساقاه (يو 19: 33) (عظم لا يُكسر منه - مز 34: 20: «يحفظ جميع عظامه، واحدٌ منها لا ينكسر»). - ويُلمِّح القديس يوحنا إلى حيرة التلاميذ أمام قبر المسيح الفارغ بعد قيامته: «لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات» (يو 20: 9) [«لأنك لا تترك نفسي في الهاوية. لن تَدَعَ تقيَّك يرى فساداً» (مز 16: 10)]. - لم يغفل القديس بولس عن الاستشهاد بالنبوَّات في رسائله، فيُشير في رسالة أفسس (أف 4: 8) إلى صعوده مُستعيداً نبوَّة داود: «صَعِدْتَ إلى العلاء. سبيتَ سبياً. قَبِلْتَ عطايا بين الناس» (مز 68: 18). وفي رسالته إلى العبرانيين يُشير إلى موقع المسيح الفريد، والذي هو أعظم من الملائكة: «لأنه لِمَن من الملائكة قال قط: ”أنت ابني. أنا اليوم ولدتك“» (مز 2: 7؛ عب 1: 5)، «كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب مُلكك» (مز 45: 6؛ عب 1: 8)، «اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك» (مز 110: 1؛ عب 1: 13). كما أنه أعظم من موسى خادم البيت، بينما هو «ابن على بيته» (عب 3: 3-6). كما أنه أعظم من هارون، فالآب مجَّده قائلاً: «أنت ابني» (مز 2: 7؛ عب 5: 5)، و«أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق (الذي هو أعظم من إبراهيم الذي قسم له عُشْراً من كل شيء)» (مز 110: 4؛ عب 5: 6؛ 7: 1-10)، الذي «بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءً أبدياً» (عب 9: 12)، «ذبيحة وقرباناً لم تُرِد، ولكن هيَّأت لي جسداً» (مز 40: 6؛ عب 10: 5). وهي إعلان على نقص الكهنوت اللاوي (عب 7: 11)، وعظمة كهنوت المسيح (عب 7: 14)، «فمِنْ ثمَّ يقدر أن يُخلِّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدَّمون به إلى الله، إذ هو حيٌّ في كل حين ليشفع فيهم» (عب 7: 25،24). وعن تمتُّع الأُمم بخلاص المسيح ابن داود، يُشير القديس بولس إلى نبوَّة إشعياء: «سيكون أصل يسَّى والقائم ليسود على الأُمم، عليه سيكون رجاء الأُمم» (إش 11: 10؛ رو 15: 12). ? نبوَّات أخرى عن المسيح: - إنه يأتي من نسل المرأة ويسحق رأس الحيَّة (الشيطان): «وأضع عداوة بينكِ (الحيَّة) وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عقبه» (تك 3: 15). - ويأتي من نسل إبراهيم، وفيه تتبارك كل قبائل (أُمم) الأرض: «وتتبارك فيك (في نسلك) جميع قبائل (أُمم) الأرض» (تك 12: 3؛ 22: 18). - ومن نسل يعقوب: «يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل» (عد 24: 17) (نبوءة بلعام). - ومن سبط يهوذا: «لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه، حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب» (تك 49: 10) (بركة يعقوب ونبوءاته لأولاده). - ويرث كرسي داود: «ويخرج قضيبٌ من جذع يسَّى، وينبُت غُصن من أُصوله، ويحلُّ عليه روح الرب...» (إش 11: 1). - وهو الإله القدير الأبدي ورئيس السلام والملك سليل داود: «لأنه يولَد لنا ولدٌ، ونُعطى ابناً، وتكون الرياسة على كَتِفِه، ويُدعى اسمه: عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام. لنموِّ رياسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود وعلى مملكته، ليُثبِّتها ويَعْضُدَها بالحق والبر، من الآن إلى الأبد» (إش 9: 7،6؛ لو 1: 33،32) (الملاك يُشير إلى النبوَّة في بشارة العذراء). - وفي محاكمته لم يُدافع عن نفسه وبَذَلَ نفسه للموت: «ظُلِمَ أما هو فتذلَّل ولم يفتح فاه. كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازِّيها فلم يفتح فاه» (إش 53: 7)، ويُقابلها: «فلم يُجِبْ يسوع أيضاً بشيء (أمام بيلاطس)» (مر 15: 5). - وعن خيانة يهوذا له: «رجل سلامتي الذي وثقت به، آكل خبزي، رفع عليَّ عقبه» (مز 41: 9). - وعمَّا تعرَّض له من إهانات (وهو ما تنبَّأ به الرب): «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويُسلِّمونه إلى الأُمم (الرومان)؛ فيهزأون به (ويُشتم) ويجلدونه ويتفلون عليه (ويجلدونه)» (مت 20: 19،18؛ مر 10: 34،33؛ لو 18: 32،31). وهو ما سجَّله البشيرون: «فعرَّوْه... وكانوا... يستهزئون به... حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه، وآخرون لطموه... وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه» (مت 26: 67؛ 27: 28-30). وجاء في النبوَّات: «بذلتُ ظهري للضاربين، وخدَّيَّ للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق» (إش 50: 6). - وعن جراحاته وآلامه: «وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُره شُفينا» (إش 53: 5)، «ثقبوا يديَّ ورجليَّ، أُحصي كل عظامي» (مز 22: 17،16)، «فينظرون إليَّ الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيد له» (زك 12: 10). دكتور جميل نجيب سليمان
|
|||
(1) عدم التطابُق الحرفي أحياناً بين نص النبوَّة كما هي في العهد القديم، وما هو في الإنجيل (والذي لا يصيب المعنى)؛ راجع إلى الترجمة من وإلى اللغات المختلفة أو لتطوُّر اللغة الطبيعي بمضيِّ الزمن. فالوحي ليس لفظياً بصورة عامة. |