-112-


الكنيسة القبطية في القرن السابع عشر
البابا متاؤس الرابع
البطريرك الثاني بعد المائـة
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري
(1660 - 1675م)
- 3 -


«وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 18)

+ تكملة ما كتبه الأب فانسليب الدومينيكاني من إيطاليا عمَّا شاهده أثناء زيارته لمصر في حبرية البابا متَّاؤس الرابع (وقد تمَّ نشر ما كتبه الأب فانسليب في العدد الماضي، أكتوبر 2013، ص 31-35).
في الزيارة الأولى سنة 1664م، وضع الأب فانسليب فيها تاريخاً للكنيسة القبطية نشره سنة 1677م بالفرنسية؛ وفي الزيارة الثانية في سنتَي 1672-1673، وضع عنها مؤلَّفاً عنوانه: ”علاقات جديدة في شكل يوميات للسياحة في مصر“.

وفي الكتاب الأول ذَكَرَ تاريخ الكنيسة حسبما نَقَله عن ”ابن كبر“ (أحد علماء الأقباط في القرن الثالث عشر) في كتابه: ”مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة“، وعن ”زكريا بن يوحنا بن سباع“ (القرن الثالث عشر) من كتابه: ”الخريدة النفيسة في علوم الكنيسة“.

وهذا ما سنذكر مُلخَّصاً له في هذا المقال.

أما الكتاب الثاني (وهو ما نشرنا مُلخَّصاً له في العدد الماضي)، فكتب فيه الأب فانسليب عن أخبار حوادث هامة خاصة بالكنيسة القبطية.

عقائد وطقوس الكنيسة القبطية

في القرن السابع عشر:

قال الأب فانسليب:

+ ”إن البطريرك القبطي له الرئاسة أيضاً على كنيسة إثيوبيا والنوبة والخمس المدن الغربية، وقبرص كذلك، لأن القديس مرقس الرسول كان قد بشَّر تلك الجزيرة“.

+ ”والقبط يُوقِّرون الأماكن المقدسة أشدَّ التوقير. وهم يرون أنه من الضروري أن يكون مبنى الكنيسة مُزداناً بمختلف الوسائل البصرية الجمالية. فيُوقدون الشموع والثريَّات أثناء إقامة الطقوس الدينية، ذلك لأن الكنيسة هي رمز "السماء على الأرض"، والأنوار هي رمز للنجوم“.

+ ”وإن سُئلوا: لماذا لا يستعملون غير زيت الزيتون في الزيت المقدس المستخدم في الكنيسة؟ أجابوا: إن ذلك يرجع إلى أن هذه الشجرة هي الوحيدة التي نجت من غضب الله أثناء الطوفان، وهذه النجاة تتضمن سرّاً عظيماً“.

+ ”كذلك يعتقدون بأنه يجب وضع الأيقونات في الكنيسة، لأنهم تسلَّموا مثل هذه العادة من المسيحيين الأوائل. وهم يحتفظون بها في كنائسهم أمام أنظار المؤمنين لكي يستثيروا عبادتهم، ويهيِّئوا لأنفسهم أن يتذكَّروا دائماً وبأكثر جلاء القديسين الذين عاشوا في تلك العصور“.

+ ”وثمة أيقونة هي أيقونة السيدة العذراء، تحمل طفلها الحبيب بين ذراعيها، وقد رسمها القديس لوقا. وقد وجدتُ في هذه الأيقونات صفة ممدوحة للغاية، هي الوداعة والاحتشام، فهم يُصوِّرون القديسة العذراء وعلى رأسها طَرْحة وعباءة تُغطِّي جسمها كله، بحيث لا يتعرَّى جزء من جسمها ولا من صدرها، ويُصوِّرون ابنها على نفس النمط“.

وقال الأب فانسليب الدومينيكاني، الإيطالي الجنسية والكاثوليكي المذهب:

+ ”وهذا درسٌ لنا نحن معشر المبشِّرين يجب أن نعمل به، فلا نعرض صُوراً للسيدة العذراء وفيها يبدو صدرها مكشوفاً، وهي مُمسكة بابنها العاري تماماً؛ لأن مثل هذا التصوير يُعثر المؤمنين، والأتراك أيضاً الذين كثيراً ما يدخلون كنائسنا ويسخرون من ديننا“.

+ ”والأقباط لا يضعون أية أيقونة في الكنيسة قبل تكريسها بزيت الميرون المقدس مع إقامة صلوات خاصة بذلك“.

+ ”المبخرة أو الشورية: وإليكم الأسرار التي يعتقدون أن المبخرة تتضمَّنها: فالسلاسل الثلاث التي تتدلَّى منها والمصنوعة من نفس معدن المبخرة، ترمز إلى الأقانيم الثلاثة. وغطاء المبخرة رمزٌ لقُبة السماء، وطرفه المثني إلى أسفل يرمز إلى نزول ابن الله في سرِّ التجسُّد. واستدارة المبخرة تُشير إلى الحشا البتولي الطاهر. والفحم هو رمز للجسد الإنساني الذي اتَّخذه ابن الله من السيدة العذراء، في حين أنَّ النار الملتهبة في الفحم رمزٌ إلى الطبيعة الإلهيـة؛ فجمرة الفحم الملتهبة هي رمـز إلى اتحاد الطبيعتين الإلهية والإنسانية في كلمة الله المتجسِّد“.

+ ”وهم لا يركعون بعد التناول، ولا يقومون بأية انحناءة في ذلك اليوم، لأن الركوع والسجود والانحناء علامات الحقارة. وعُنصرَي التناول هو شخص ذاك الذي انتصر على الشيطان وجهنم، مما يُثير الفرح والبهجة في النفس التي تناولت من الأسرار المقدسة. لذلك فهم يعتبرون أنه غير لائق بالنفس في ذلك اليوم، حيث تناولوا الأسرار المقدسة، أن تُؤدِّي أية حركة تدلُّ على الحزن أو الحقارة“.

+ وبعد الحديث عن معتقدات الأقباط، وصف بعض الشخصيات التي رآها والأماكن التي زارها. فقال عن ”أنبا ميخائيل“ أسقف الفيوم، إنه رجل شريف مشهور بالعلم والتقوى، وعلى جانب كبير من التواضع، إذ قد ارتضى بأن يبيت معه في بيته عدة أيام، أوضح له خلالها معتقدات الكنيسة القبطية وطقوسها.

+ ثم زار فانسليب مدينة ”سنورس“ بالفيوم. وبعد أن استراح في بيت العمدة واستمتع بضيافته، زار الكنيسة المُكرَّسة على اسم الملاك ميخائيل. ومع أن الفقر بدا عليها، إلاَّ أنه لاحَظ في رُكن منها قطعة من الحجر مُربَّعة الشكل، محفور عليها ثلاث أيقونات صغيرة: الأولى لرئيس جُند السمائيين ”ميخائيل“، والوسطى للسيدة العذراء حاملة ابنها على ذراعيها، والثالثة لرئيس الملائكة روفائيل. وقد حُفِرَ اسم صاحب الصورة تحت صورة كلٍّ منها.

+ ثم انتقل فانسليب بعد ذلك إلى منطقة تبعد مسيرة ساعتين من الفيوم لزيارة دير باسم ”دير الخشاب“، وكان مُذَّاك خَرِباً لم يبقَ منه سوى كنيسته المُكرَّسة باسم رئيس الملائكة غبريال. وهي كنيسة غاية في الإبداع، منقوشة كلها بصور تاريخية من الكتاب المقدس أو القديسين، ويرتفع سقف صحن الكنيسة على أعمدة مبنيَّة من الحجارة. وتحت هذه الكنيسة كنيسة أخرى لم تَعُد تُستعمَل للصلاة.

+ وقصة هذه الكنيسة على جانب من الطرافة: فقد بناها شخص اسمه ”أور بن أبرسيت“ الساحر المعروف. وأُم ”أور“ هذا هي بنت ملك المشرق. ثم ترك ”أور“ السحر الذي تلقَّنه من أبيه وآمن بالمسيح - له المجد - وسار في طريق الصلاح والنُّسك إلى حدِّ أنه أصبح أسقف الفيوم. ولأنه وصل إلى درجة سامية من الروحانية والتقوى، فقد بنى الكنيسة التي قد وضعتْ أساساتها وأساس مذبحها السيدة العذراء بنفسها! والتي خطط خورسها وباقي أجزائها رئيس الملائكة ميخائيل بنفسه!

+ وعلى مقربة من هذه الكنيسة، وفي وجهتها القبلية، توجد خرائب قرية قديمة كانت متَّصلة بها، قيل لفانسليب إن سُكَّانها من عشيرة يعقوب أبي الآباء، ولذلك فهي معروفة باسم: ”مِصْلاة يعقوب“. كما يـوجد في الجبل الواقع خلف هـذه القرية مغارات عديدة كان يسكنها المتوحِّدون.

وتحدَّث فانسليب بعد ذلك عن دير القديسة دميانة الذي زاره في أسبوع تذكارها (12-20 مايو)، فقال:

+ ”إن كنيسة القديسة دميانة شهيرة، وقد أُقيمت في سهل منبسط خصب... ويحوي بناء هذه الكنيسة على خمس وعشرين قبة ما يجعل منظرها من بعيد جميلاً جداً، على الرغم من عدم انتظام وضعها واختلاف أحجامها. والكنيسة من الداخل ليست تامة البناء، وليس بها غير هيكل واحد مُبيَّض بالجير، وهو الذي يتم فيه الظهور "الطَّيْفي". والهدف من بناء القباب هو تزيين المباني من الخارج وإضاءة الكنيسة من الداخل، لأنه في كل كُوَّة أو كوَّتين يتسرَّب منهما نور الشمس. ويعتقد المصريون – أقباطاً ومسلمين – أن القديسة دميانة تظهر في قبة كنيستها مدة أيام العيد الثلاثة“.

- (عن كتاب فانسليب من النسخة المحفوظة في مكتبة نيويورك العامة في القسم الخاص بالدراسات الشرقية)، نقلاً عن: إيريس حبيب المصري، ”قصة الكنيسة القبطية“، الكتاب الرابع، 1975، صفحات من 68-71.

(+(+(

البابا يؤانس السادس عشر

البطريرك الثالث بعد المائـة

في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري

(1676 - 1718م)

بعد نياحة البابا متَّاؤس الرابع يوم 16 مسرى سنة 1391ش/ 15 أغسطس 1675م، كانت نفوس الأقباط هادئة مُطمئنة من جهة اختيارهم للبابا الجديد، من حيث إنَّ البابا الراحل كان أباً عطوفاً حقّاً ومعلِّماً لاهوتياً أميناً للمعتقد الأرثوذكسي؛ لذلك لم يتأخَّر الأراخنة والأساقفة في اتِّخاذ إجراءات انتخاب أسقف جديد لكرسي الإسكندرية.

نشأة ورهبنة البابا يؤانس:

كان هذا الأب من أهالي ”طوخ النصارى“ بكرسي المنوفية بالوجه البحري، وكان اسمه ”إبراهيم“. وكان أبواه من المسيحيين الأتقياء، فأنشآه بكل معرفة وأدب، وكانت نعمة الرب حالَّة عليه منذ صغره.

+ ولما تنيَّح والده، وكان قد بلغ حدَّ الشباب، اشتغل بأعمال الصرافة وتحصيل المال، إلاَّ أنه رأى أنَّ الأعمال التي يُباشرها لا تتفق مع أخلاقه وتربيته الدينية المسيحية، لِمَا فيها من المخالفات وسوء التصرُّفات؛ ففكَّر في السعي نحو خلاص نفسه، فهجر المدينة والعالم المملوء بؤساً وشقاءً. ثم تسلَّط عليه فكر الهروب من العالم والالتجاء إلى البرية، فقادته عناية الله إلى دير القديس أنطونيوس العظيم ببرية العَرَبَة وترهَّب فيه.

+ وبعد أن تزوَّد ”إبراهيم“ بعلوم الكنيسة ودرس الكتاب المقدس، وممارسة كل أنواع الفضيلة، وظل على هذه الحال زمناً ليس بالقصير مُنكَبّاً على الدرس والتحصيل؛ بعد ذلك ألبسوه الشكل الملائكي الذي هو ”الإسكيم المقدَّس“.

+ ولما رأى شيوخ الرهبان في الدير فَضْل ”الراهب إبراهيم“ ونسكه وعلمه، زّكُّوه لدرجة القسيسية؛ فقام البابا متَّاؤس الرابع (البطريرك الـ 102) بتكريسه ”قسّاً“ بكنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة على الدير المذكور.

+ واستمر القس إبراهيم يرعى شئون ديره، إلى أن انتقل البابا متَّاؤس الرابع إلى الأخدار السماوية.

اختياره للبطريركية:

بَقِيَ الكرسي الرسولي خالياً بعد انتقال البابا متَّاؤس الرابع مدة سبعة شهور، اجتمع الآباء الأساقفة والكهنة والأراخنة في أثنائها للتشاور فيما بينهم عمَّن يختاره الله لخدمة الكرسي المرقسي الإسكندري كرئيس أساقفة الإسكندرية، ليُقدِّموه بطريركاً عليهم.

+ وحسب التقليد الساري منذ أكثر من 15 قرناً، قرَّ الرأي في مجمع الآباء الأساقفة على إيفاد بعض الأراخنة إلى الأديرة، فتوجَّهوا إلى دير القديس الأنبا أنطونيوس للبحث والاستقصاء.

وهناك دلَّهم شيوخ الرهبان على القس إبراهيم، فزكُّوه لهذا المركز السامي الخطير، لكنهم لسببٍ غير معروف اختاروا معه بعض الكهنة الرهبان.

وعلى خلاف القوانين الرسولية وقوانين الكنيسة السائدة من قبل، قرَّروا أن يُعمَل بينهم قرعة هيكلية، حيث إن الإجراءات الأصلية السائدة هو اختيار الشعب للبطريرك وليس بالقرعة. وهكذا أقاموا القدَّاسات لمدة 3 أيـام متتالية وهم يتضرعون إلى الله أن يُقيم لهم راعياً صالحاً. فكانت القرعة تُسفِر كل مرة عن اختيار الراهب إبراهيم. فاطمأن الأراخنة والرؤساء أن هذا القس هو المختار من قِبَل الله.

+ وهكذا أخذوه من الدير ونزلوا به إلى مصر أول برمهات سنة 1392ش/ 1676م، وقدَّموه إلى المجمع المقدس. فبارك المجمع الاختيار، وقام بتكريسه بطريركاً في صبيحة يوم الأحد المبارك التاسع من برمهات، باسم: ”البابا يؤانس السادس عشر“ البطريرك الثالث بعد المائة في عداد بطاركة الكرازة المرقسية.

+ وكان والي مصر آنذاك هو ”حسن باشا الجنبلاط“ في عهد السلطان العثماني في تركيا ”محمد إبراهيم خان“. وقد شمل الجميع الفرح برسامته.

(يتبع)

***********************************************************************

دير القديس أنبا مقار صدر حديثاً

بستان الرهبان

إعداد الراهب (الأنبا) إبيفانيوس المقاري

تحقيق النص على عشرات المخطوطات القديمة،

مع فهارس وملاحق في نهاية الكتاب

536 صفحة من القَطْع الكبير (تجليد فاخر) الثمن 50 جنيهاً

يُطلب من:

دار مجلة مرقس

القاهرة: 28 شارع شبرا - تليفون 25770614

الإسكندرية: 8 شارع جرين - محرم بك - تليفون 4952740

أو من مكتبة الدير

أو عن طريق موقع الدير على الإنترنت:

www.stmacariusmonastery.org

************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis