|
|
المتروبوليت فيلاريت مطران روسيا البيضاء |
l هذه المقالة التي ننشرها هي إحدى المحاضرات التي أُلقيت
في مؤتمر Bose بإيطاليا عن ”الروحانية الأرثوذكسية“
(انظر مقال: ”حول العالم“، ص 48).
من عمق القلب أشكر دعوة الأب الكبير إنزو بيانكي للاشتراك في الاحتفال المسكوني السابع عشر عن ”روسيا والروحانية الأرثوذكسية“. وأودُّ أن أُعبِّر عن شكري العميق لكل مَن ساهم بالمجهود خلال السبعة عشر عاماً حتى يصل هذا المؤتمر إلى ما هو عليه، وهو هام ومعنوي في زماننا هذا، وهام جداً في كنيسة المسيح المقدسة. وإني أشعر بالفرح الكبير لكوني استطعت أن أكون بينكم وأُشارك بتأملاتي في كيف يرى التقليد الأرثوذكسي الجهاد الروحي.
”مباركٌ هو ملكوت الآب والابن والروح القدس“.
بهذه الكلمات تبدأ الليتورجية الإلهية في كل الكنيسة الأرثوذكسية. ولكن كل مخاطبة لله ينبغي أن تسبقها هذه الذكصولوجية، لأنه حسب نيكولاس كاباسيلاس(1): ”لأنها تجعل الإنسان يضع جانباً كل ما هو لنفسه وكل شيء خاص به ويُمجِّد الرب لأجل الرب نفسه، ومن أجل قوته ومجده“. هناك غرضان يدفعانني لأبدأ تأملاتي على المفهوم اللاهوتي للنسك بهذه الملحوظة من هذا الأب الحامل الإله.
أولاً: هدف النسك هو اللاهَوى (أو عدم الاشتهاء). وكما نعلم فإنه في عدة ثقافات فإن اكتساب عدم الاشتهاء يُعرَّف على أنه أعلى فضيلة، ومن بين هؤلاء مَن لهم ارتباط بالإيمان بربنا يسوع المسيح.
ولكن في المسيحية فقط نجد أن أساس عدم الاشتهاء يتمركز في الطبيعة البشرية لابن الله المتجسِّد. أي أن هدف النسك المسيحي ليس تطوُّر الإمكانات الشخصية البشرية، ولكنه شيء مختلف تماماً. هذا الهدف هو البحث عن طرق للشركة مع الله: خالق الإنسان ومخلِّصه ومعزِّيه. لأجل ذلك يُعتبر تمجيد الرب لأجل الله نفسه ولأجل قوته ومجده، هو رد فعل متميز للدعوة الإنجيلية التي تقول: ”إن أردتَ أن تأتي ورائي، فانكر نفسك، واحمل صليبك، وتعال اتبعني“ (انظر مت 16: 24).
وثانياً: فإننا عُدنا إلى فكر نيكولاس كاباسيلاس لأن موضوع تأملاتنا - وهو الجهاد الروحي - يُلزم المسيحي أن يكون محترساً خاصة فيما يختص بالآخر، وفيما يختص بنفسه. هذا الانتباه الروحي - بل وأقول الإنجيلي - يتجسد في الليتورجية الإلهية. ففي هذه الخدمة الإلهية يجمعنا الرب الإله ضابط الكل بنفسه إلى وحدة كاملة. وإنه لأجل هذه الوحدة، أي الوحدة الإفخارستية للمؤمنين، لأجلها بذل الله ابنه الوحيد «لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16).
ووحدة الكل وكل واحد، ليس فقط تُقارَن بالتناغم الحادث في الجسد الواحد بين الأعضاء، بل تصبح موضوعية على وجه الإطلاق؛ لأن الكنيسة المقدسة هي جسد المسيح، جسد ابن الله، الذي أُعطي لعالم البشر، لأنه هكذا أحب الله العالم (يو 3: 16). هذه هي الرؤية الأرثوذكسية للغرض الأساسي للنسك والوسائل التي أَمَر بها الله للوصول إليه. وإلى هـذا الهدف كمرجـع لنا، سنحاول بانتباه روحي واتضاع، أن نقترب أكثر من المفهوم المسيحي العام لِمَا يعنيه الجهاد الروحي.
الأُسس المسيحية للنسك:
من أقدم الاستشهادات عن يسوع المسيح باعتباره الله المتجسِّد، هي في رسالة القديس بولس إلى أهل فيلبِّي (2: 2-11). يتفق علماء العهد الجديد أن هذه التسبحة للمخلِّص التي ذكرها القديس بولس في رسالته هي ”ذكصولوجية“ (أي تمجيد) وضعها الرب يسوع المسيح.
لذلك، وقبل قراءة هذه الفقرة، أودُّ أن أؤكِّد على السياق الذي وضع فيه القديس بولس هذا التمجيد في بداية الأصحاح، فهو يكتب حول الوحدة التي يجدها المسيحيون في المسيح حين يحبون بعضهم بعضاً ويتضعون بعضهم لبعض: «بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم» (في 2: 3). وأساس هذا – حسب هذا الكاتب المُلهَم – هو أن يكون فينا هذا «الفكر الذي في المسيح يسوع» (في 2: 5).
وهكذا، فالمسيحية تسبقها إشارات إلى هدفها: ينبغي أن نتشبَّه بالمسيح. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو لنا أن في كلمات الرسول بولس دعوة ليس فقط لكي نتبع مثال المسيح الأخلاقي؛ بل أن نعيش المسيح، كما كان بولس الرسول نفسه يعيشه: «لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح» (في 1: 21). وهنا، من المستحيل أن لا نؤكِّد على استمرار هذا الفكر على المستوى الشخصي الإسخاتولوجي: «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جداً»، ثم إنكار القديس بولس لذاته: «أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم» (في 1: 23-24).
والآن، نعبُر من هذا المضمون إلى نص ما قيل لأهل فيلبِّي عن المسيح، والذي ينبغي أن يشترك المسيحيون في هذه المشاعر، وأن تتجلَّى بواسطة النسك:
+ «الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شِبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل رُكبة مِمَّن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب» (في 2: 6-11).
هذا الفصل كان لمراتٍ عديدة الهدف من تحليلات لاهوتية دقيقة. واليوم ليس هدفي أن أدخل في مناقشة عن النواحي المتنوعة لتفسير هذه التسبحة. ولكن أتمنى أن أجتذب من هذا الوصف الكريستولوجي القديم منهجاً هاماً لفهم أفضل للمشاكل التي يطرحها علم لاهوت النسك.
هذا المنهج نجده في الإجابة على السؤال التالي: لماذا رفَّعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم؟ لماذا يعترف كل مسيحي أن الرب يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب؟
وعموماً، فإن السؤال هنا هو: لماذا صارت بشرية المسيح مستحقة للمجد الإلهي؟
وأفهم أن هذه الصيغة تصفع الانشطار النسطوري ”لبشرية يسوع“ عن ”ألوهية المسيح“. ولكن أريد فقط أن أترك السؤال كما هو، حتى نستطيع أن نُحدِّد بأقصى وضوح جوهر ”الطبيعة البشرية“ في شخص المسيح الواحد. وهذا ما يمكن أن يتحوَّل إلى درس لاهوتي عن الكيان النسكي.
في نص الرسالة إلى أهل فيلبِّي، يشرح القديس بولس المجد الإلهي للمسيح على أنه نتيجة لاتضاعه وطاعته للموت الفعلي، وهو موت ذو طابع تعذيبي ومهين. ويؤكِّد القديس بولس خاصةً على ذلك.
لكن مجده الإلهي ليس فقط ناتجاً عن اتضاعه، بل ليس مصادفة يتحدث النص في بدايته عن مساواة يسوع المسيح لله. والموت على الصليب مستحيل للطبيعة الإلهية، لكنه ممكن للطبيعة البشرية. وإنه لهذا السبب بالذات، أرسل الله ابنه في شِبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، أدان الخطية في الجسد، كما شرح القديس بولس هذا السر إلى أهل رومية (رو 8: 3).
وهكذا صرنا نتحدث عن موت ابن الإنسان على الصليب أنه موت اللوغس نفسه غير المائت، ويمكن أن نقترب من سرِّ موت غير المائت، إلى سرِّ الجهاد النسكي للإله المتجسِّد الذي لا يتألم (كإله) بأن ننصت بانتباه إلى كلمات الصلاة في جثسيماني: «يا أبتاه، إن أمكن فلتَعبُر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أُريد أنا بل كما تريد أنت» (مت 26: 39).
هنا يمكننا أن نسمع كلمة ”إرادتي“ التي للطبيعة البشرية، هنا نتنسَّم ”الإمكانية“ للحرية البشرية، ونجد هنا الضمير ”أنت“ لإخلاء الذات في شخص الإله المتجسِّد. هنا في إخلاء الله ذاته تُشفى الطبيعة البشرية، وتتجدَّد حرية كل البشر، التي مرضت بالخطية وتألمت بالشهوات. وفي هذا الاتضاع النسكي لابن الله، وجدت حرية إرادة الإنسان ووجوده إمكانية عدم الموت الأبدي أمام وجه الله.
إن طاعة الرب يسوع المسيح واتضاعه ظهرت في بستان جثسيماني ليس ببساطة مثل إخلاء ابن الله ذاته أمام الله الآب. هذا الاتضاع الكامل والطاعة الكلِّية، كانا نمط كيان الكلمة الأزلي المتجسد. وهنا في بستان جثسيماني في ليلة القبض على الرب، أتى الوقت السابق التنبُّؤ به بأن كلمة الله سيأخذ صورة العبد، بولادته في شِبه الناس، وبأخذه شكل البشر.
وبهذه الوسيلة، رفَّعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لأن بشرية يسوع الناصري تحقَّقت بكل المقاييس، وظهرت جليَّة أمام نظر الله الذي يرى كل شيء.
النسك باعتباره الحياة في المسيح:
والآن يجب أن نُفسِّر أهمية تأليه طبيعة المسيح البشرية بالنسبة للمسيحيين.
والخطوة الأولى التي توحِّدنا مع المسيح ليس على نحو تجريدي أو نظري، بل فعلي؛ هي حين ننال سر المعمودية. وفصل البولس الذي يُقرأ أثناء سر المعمودية هو من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية: «فدُفنَّا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جِدَّة الحياة» (رو 6: 4).
في هذه الكلمات، كما في التغطيس لثلاث مرات للشخص المُعمَّد، نرى إشارة أن الاتحاد الفعَّال بالمسيح يحدث من خلال اشتراكنا الشخصي معه في موته وقيامته. وفيما بعد ينتقل القديس بولس الرسول إلى هذا الفكر: «كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا» (رو 6: 11). وباتحادنا بجسد المسيح من خلال سرَّي المعمودية والمسحة المقدسة، نصير مدعوين لاستيعاب مواهب الروح القدس الذي قبلناه والنمو فيها. وهذا هو أساس معنى نسك التوبة (ميطانيا باليونانية، والتي تعني تغيير الذهن). بالتوبة يتحوَّل ذهن إنساننا العتيق (رو 6:6)، حتى يمكنه أن يقول مع القديس بولس: «أما نحن فلنا فكر المسيح» (1كو 2: 16).
وينتج عن ذلك أن معنى النسك يكمن ليس في تطوير إمكانات ”الإنسان العتيق“، بل في اتحادنا بالبشرية الجديدة في المسيح. والطريق إلى هذه البشرية يكمن في الجهاد ضد الشهوات، التي هي الجوهر الفاسد ”للإنسان العتيق“. التوبة تُفهم على أنها موت مع ضرورة جحد طريقة الحياة أو شكل الكيان الخاص بالإنسان العتيق، الذي في النهاية هو منغلقٌ على نفسه. وإني أعتقد أن هذا السلوك وشكل هذه الحياة يمكن أن يُعرَّف على أنـه سلوك فردي وحياة فردية، وبالأكثر إذا أخذنا في الاعتبار المعنى اللاتيني لكلمة ”individuum“: أي منقسم (من كلمة divide). إن مصدر الفردية يكمن في شهوة الإنسان نفسه أن يكون إلهاً بمعزل عن الخالق، وهي تنبع من الرغبة المُلحَّة في أن يُخضِع الإنسان العالم كله لنفسه، وليس بأن يقف الإنسان في مركز الكاهن أمام الله، الذي به يمكنه أن يُبدِّد الخوف من فقدان السلطان الفردي الشخصي في مواجهة المشاركة مع النفوس الأخرى التي لها نفس المركز.
إن ”الإنسان العتيق“ يُدافع عن نفسه ضد هذا الخوف بواسطة كبريائه. هذه هي الشهوة التي تجمع كل الشهوات معاً لتضع في نفسية الإنسان وَهْم المساواة بالله. في مثل هذه الحالة، لا يستطيع الإنسان أن يفرح بالحق (1كو 13: 6)، أي أن يحب كل إنسان آخر، بل يتطور الأمر حتى إلى أن يصير الإنسان الآخر تهديداً لسلطانه هو. في هذا المناخ المملوء بالكبرياء، يصبح ”الآخر“ هدفاً للغيرة والسخط والبغضة، تلك المشاعر التي تنتشر بين ”العميان روحياً“, والتي تُرَى كتعبير عن الشخصية القوية. ولكي يضع الرب الكنيسة على أرض صلبة، أعلن نمطاً آخر في العلاقات المتبادلة بين الإنسان وأخيه الإنسان. ونستدعي للذهن كلمات الصلاة في القداس الإلهي عند قسمة الحمل والتي تُظهر بوضوح هذا الفكر: ”حمل الله يُكسر ويُقسَّم، ولكن يبقى غير منقسم، دائماً يؤكل ولكن لا ينتهي، بل يُقدِّس أولئك المشاركين“.
هنا نرى دحضاً للتجزئة (أو الفردية)، فالشركة هي مثل الموت. وفي نفس الوقت هنا توجد مضادة: حمل الله يُقسَّم وفي نفس الوقت يظل غير منقسم، يؤكل ولكنه لا يتلاشى. هذه تضادة الذبيحة، إنها الاستعداد لتقديم الإنسان نفسه كذبيحة، كفكر وكمنهج للحياة. إذاً، بذل الذات يصبح مصدراً للأخذ، والموت مصدراً للحياة.
في اتباعنا هذا الفكر فإننا نتعفَّف عن الانقياد إلى ”الأنا“ بأية طريقة سواء في شكل خبرات داخلية، أو في الاجتهاد من أجل راحة الجسد.
مصدر هذا التعفُّف هو الرب نفسه. نحن نُنكر ذواتنا لكي نُعطي مكاناً لنعمة الله. هذا التعفُّف مع رغبة الإرادة بالاتجاه نحو الله هو الذي يُسمَّى صوماً، وحسب القديس يوحنا الدرجي هو ”منبع عدم الاشتهاء، غفران الخطايا، باب الفردوس والنعيم السماوي“.
ولكن الصوم سوف يكون له ثماره فقط حين يرتبط بالإفراز. فالإفراز، مثل سكينٍ حاد، ينبغي أن يقطع الشهوات ويُظهر للنفس التائبة حقيقة حالتها. ونحن نقول إننا بالصوم نُقدِّم جسدنا كذبيحة عقلية لله. في اللغة الروسية الكلمة ”جسد“ (بلوت) لها نفس الجذر من الصفة ”كثيف“ (بلوتني)، وهو ما يمكن أن نفسِّره هنا في حديثنا بأن هذا الجسد ”لا يخترقه الضوء“. وهكذا فإنهاك الإنسان الجسداني بواسطة سيف الصوم مع الإفراز، يؤدي إلى صيرورة الجسد قابلاً لاختراق نور النعمة الإلهية. عندئذ يكون هناك معنىً هام لكلمات القديس يوحنا الدرجي عن الصوم: ”مصباح في الظلمة، عودة إلى الطريق الصحيح للذين ضلُّوا الطريق، استنارة لأولئك الذين فقدوا البصر“.
بإفرازنا الخير عن الشر في نفوسنا، يمكننا أن نجمع شتات النفس إلى طريقٍ جديد. هذا الطريق الجديد يؤثِّر حتى على الشهوات، ليجعلها قوة لأنفسنا. والشهوات - بالإجمال - تظهر على أنها شر، وتأتي بالمعاناة حين تستشري في طبيعة الإنسان الخاطىء. ولكن يمكن بل ويجب أن يكون لها اتجاه جيد في فعاليتها. وليس من قبيل الصدفة أنه يوجد في الكتابات النسكية هذا التعبير: ”شهوة عدم الاشتهاء“. وهذا يعبِّر عن طموح الإنسان نحو الله الذي لا يشوبه الكبرياء.
وكما يرتبط تقديم الذبيحة بسفك الدم، هكذا الذبيحة الروحية ترتبط بذرف الدموع لأجل نفس الإنسان ولأجل العالم. فمصير العالم والإنسان هو مصير مشترك ومتبادَل تماماً مثل الارتباط بين الذبيحة والدم وبين النسك والدموع؛ تلك الخيوط الرفيعة والسلاسل الثقيلة التي لا يُدرك جوهرها الكلِّي إلا الله. وعند ”تقديم“ الإنسان نفسه (مثل قسمة الحمل) في التقدمة النسكية لله، عندئذ يتقابل الشخص مع الإله القائم من بين الأموات، والذي في مقابلته له يفتح يديه المثقوبتين موجِّهاً له هذه الكلمات: «كنتَ أميناً في القليل، فأُقيمك على الكثير، اُدخُل إلى فرح سيدك» (مت 25: 21). وفرح السيد هو فرح القيامة والخلود، إنها الأبدية، التي يتشارك فيها الخالق مع الجميع: ”أبدية“ – كما يقول بولس الرسول – يصير فيها المسيح هو الكل في الكل (كو 3: 11).
وبهذا يظهر النسك لا كانسحاب من العالم؛ بل من خلال النسك يتحد الإنسان بالمسيح الذي طبيعته البشرية هي نفسها طبيعة كل واحد منا. هذا يعني أن ارتباط إنسان واحد بالمسيح بمثابة اتحاد البشرية المتجلِّية بجسد المسيح.
وهكذا نجد كلمات القديس ساروفيم ساروفسكي: ”اقتنِ روحاً سلامية، والآلاف من حولك سوف يخلصون“، تلك الكلمات ليس لها فقط معنىً أخلاقيٌّ، بل معنىً عميق في الوجود.
ودعوة ”نيكولاس كاباسيلاس“ لتمجيد الله وحده تعود وتُحضرنا إلى هذا الاختبار: إن النسك ليس في حدِّ ذاته غاية الوجود البشري، بل هو طريق يؤدِّي من البشرية إلى البشرية المتجلِّية في المسيح الإله المتجسِّد.
وهكذا، فالثالوث الإنجيلي ”الطريق والحق والحياة“ يظهر جليّاً في الرب يسوع المسيح نفسه، الذي له المجد إلى كل الأجيال. آمين.
(عن موقع: دير Bose بإيطاليا)
************************************************************
بتصريح سابق من الأب متى المسكين بالإعلان عن مشروع معونة الأيتام والفقراء (مشروع الملاك ميخائيل)، حيث يعول دير القديس أنبا مقار منذ عام 2000 مئات العائلات المُعدمة، ويمكن تقديم التقدمات في رقم الحساب الآتي:
-
21.130.153
دير القديس أنبا مقار
بنك كريدي أجريكول مصر ــ فرع النيل هيلتون
(1) نيكولاس كاباسيلاس: هو كاتب بيزنطي تصوُّفي. وُلـد عام 1322م. لــه كتاب مشهور بعنـوان: ”الحياة في المسيح“، يُركِّز فيه على إمكانية الاتحاد بالمسيح بواسطة الأسرار الكنسية: المعمودية، والمسحة المقدسة، والتناول من الأسرار الإلهية. وله كتاب آخر بعنوان: ”تفسير الليتورجية الإلهية“.