|
|
|
مُقدِّمة:
يتكلَّم داود النبي في المزمـور 65، وخاصةً في العدد 11 - في منظـرٍ واقعي - عـن سنة المحصول الغزير الإنتاج الذي يَهَبَه الرب للمُزارع المجتهد العمَّال: «كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ». فبعد شقاء وتعب السنة كلها في الحرث والزرع والرعايـة، يحصد الفلاَّح ثمـر الأرض: «هُـوَذَا الْفَلاَّحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ مُتَأَنِّياً عَلَيْهِ حَتَّى يَنَـالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ» (يع 5: 7). ولا ينسى الإنسـان أن يشكر الرب الذي كـلَّل السنة بجُوده وصلاحه ورزقه الوفير: «كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ».
أمَّا قـول النبي: «وَآثَارُكَ تَقْطُرُ دَسَماً»، فهو يستكمل صـورة الحصاد المُبهج للفلاَّح، عندما يُحَمِّل العربات بالمحصول الوفير، حتى أنه من ثِقَـل ومـلء العربـات بالإنتاج الغزير، يتساقط بعضٌ مـن المحصول من العربات على جنبات الطريق، وفي هـذا إشارةٌ واضحة إلى بركـة الرب التي «هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَباً» (أم 10: 22). وهكـذا تَظهر بركـة الرب وغِنَى عطايـاه التي تفيض بالخير والسخاء.
وهذا ما نُلاحظه في حياتنا، إذ نجد أنها تُشبه الأرض التي تحتاج من الفلاَّح إلى تعبٍ وجهادٍ، وتنتظر مـن قِبَل الـرب هطول الأمطار وفيض النعمة. وفي كـلِّ هـذا كما قيل في سِفْر التثنية: «أَرْضٌ (أو نفسٌ) يَعْتَنِي بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ. عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِـكَ عَلَيْهَا دَائِمـاً مِـنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا» (تث 11: 12). وهنا يسترعي انتباهنـا أنَّ جهادنا وتعبنا وحده لا يكفي لكي تُثمر حياتنا ثمر البر لمجد اسم الرب القدوس؛ كما أنَّ الرب لا يعمل بـدون رغبتنا أو بدون إرادتنا وسَعْينا. فلابد، إذن، مـن توافُق نعمة الرب مـع سَعْي وجهاد الإنسان، حتى يُثمر في النهاية ثمار الروح القدس: «مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُـولُ أَنَـاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ» (غلا 5: 23،22).
هـذا التوافُق بين نعمة الرب وجهاد الإنسان، شبيهاً بمركبٍ ذات شِرَاع، فمَـن يقـود المركب يُمسِك بالمجدافـين؛ لكـن في نفس الوقت تسوق المركب رياحٌ تُحرِّك الشِّرَاع وتدفع المركب إلى الأمام. فـالمجدافان والشِّرَاع معاً، وبتوافقٍ تام، يسوقان المركب، فتتقدَّم إلى الأمام وتمخُر عُباب البحر حتى ولو كان هائجاً.
فعنايـة الرب وسَتْره نُلاحظهما دائماً من أول السنة إلى آخرها، بل أقول: من أول اليوم إلى آخره: «إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَـزُولُ. هِيَ جَدِيـدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ» (مراثي: 3: 23،22).
«سنة الرب المقبولة»:
في نبوءة إشعياء النبي، يتكلَّم الرب على فم النبي قائـلاً: «رُوحُ السَّيِّدِ الـرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الـرَّبَّ مَسَـحَنِي لأُبَشِّـرَ الْمَسَاكِـينَ، أَرْسَـلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِـرِي الْقَلْـبِ، لأُنَـادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بـِالْعِتْـقِ، وَلِلْمَأْسُورِيـنَ بِـالإِطْلاَقِ. لأُنَـادِيَ بِسَـنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلهِنَا. لأُعَزِّيَ كُـلَّ النَّائِحِينَ. لأَجْعَـلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضـاً عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْـنَ فَرَحٍ عِوَضاً عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضاً عَـنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ، غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ» (إش 61: 1-3).
وفي أيام تجسُّد الرب يسوع وخدمته، عندما جاء إلى الناصرة، دخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ، فدُفِعَ إليه سِفْر إشعياء النبي، «وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: ”رُوحُ الـرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّـهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّـرَ الْمَسَاكِـينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنكَسِـرِي الْقُلُوبِ، لأُنَـادِيَ لِلْمَأْسُورِيـنَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ“. ثُمَّ طَـوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَـادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِيـنَ فِي الْمَجمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو 4: 16-20).
ونُلاحِِظ جليّاً عند مقارنة النبوءة التي قالها إشعياء النبي، مع ما قرأه الرب من نفس النبوءة، أنَّ الربَّ ذَكَرَ: «وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ»، ولم يُكمِل ما جاء بعد ذلك في النبوءة، أي: «وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلهِنَا».
فالآيـة: «وَأَكْرِز بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ»، إنما تُشير إلى المجيء الأول للرب في الجسـد فاديـاً ومُخلِّصاً لجنس البشر. فقـد أتى الرب في مجيئه الأول متواضعاً، فهـو «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (في 2: 6-8).
لقد تجسَّد ابن الله وصار في الهيئة كإنسان لكي يُتمِّم تدبير الخلاص، ولكي ”يُبشِّر المساكين، ويَعصب المنكسـري القلوب، ويُنـادي للمسبيين بـالعِتْق، وللمأسوريـن بالإطلاق، ويُعزِّي كـل النائحين“. هـذه هي ”سنة الرب المقبولة“، أو ”زمن الخلاص“. ونحن مـا زلنا حتى الآن في إطار ”سنة الرب المقبولة“، طالما نحن ما نزال أحياء حتى هذه الساعة. وهذا مـن مراحم الرب وجُوده وصلاحه. فكـلُّ مَن يؤمن ويعتمد، يدخل في زمـن الخلاص؛ وهكذا كـلُّ مَن يتوب عن ذنوبه ويرجع إلى الرب بكلِّ قلبه، يُقْبَل في سنة الرب المقبولة.
فالفرصة ما تزال سانحةً لكلِّ إنسان أن يدخل في ”سنة الرب المقبولة“ ما دام يحيا على هذه الأرض، فقد «ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَـا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُـورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْـدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصًّا غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ» (تيطس 2: 11-14).
أَمَّا ما ذَكَره إشعياء النبي في نبوءته: «وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلهِنَا»، وهـو مـا لم يذكُره الرب يسوع عندما قرأ نبوءة إشعياء النبي في المجمع؛ فهـذا سيكون في مجيء الرب الثاني المخوف المملوء مجداً، عند استعلانـه «مِـنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِـهِ، مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ» (2تس 1: 7-10).
فهنـاك ”تـدبير الخلاص“، الذي استُعْلِنَ في المجيء الأول لابـن الله متجسِّـداً، وهـذا مـا تشملـه الآيــة: «وَأَكْــرِز بِسَـنَةِ الـرَّبِّ الْمَقْبُـولَـةِ». وهنـاك ”تـدبير الدينونـة“ في المجـيء الثـاني لابـن الله في نهـايـة الدهـور، بعد أن تُستَكمَل أزمنـة الخـلاص وتصل إلى مِلْئها الذي يعرف موعده ويُحدِّده الله بحسـب عِلْمـه السابـق ومشورتـه الأزليـة. وحينئـذ، كمـا يقـول بولـس الرسول، فـإنَّ «الضِّيقَـاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا، بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ، أَنَّكُـمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُـوتِ اللهِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضاً. إِذْ هُـوَ عَـادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُـمْ يُجَازِيهِـمْ ضِيقاً، وَإِيَّـاكُمُ الَّذِيـنَ تَتَضَايَقُـونَ رَاحَـةً مَعْنَا، عِنْـدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ» (2تس 1: 4-7).
فـالشكر والحمـد لإلهنا الصالح، أننا والعالم أجمع ما نزال في ”زمن الخلاص“، أو في ”سنة الرب المقبولة“. والـرب يُعطي الفرصـة تـلو الأخرى، بطول أناته، لكـلِّ إنسانٍ على وجـه الأرض، حتى يُقبِلَ إلى الرب ويتمتَّع بخلاصه الثمين، إنْ آمن واعتمد وقَبِلَ ثمار الخلاص التي وهبها الرب للبشريـة كنتيجة لتجسُّده وصَلْبه وموته وقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السموات، ثم حلول الروح القدس الذي ينقل ثمار الخلاص إلى كـلِّ إنسان يؤمن ويعتمد على اسم الثالوث القدوس ويشترك في جسد الرب ودمه الكريم.
وفي شرحـه لـ ”سنة الرب المقبولة“، يقول القديس كيرلس الكبير:
[وما معنى ”الكرازة بسنة الرب المقبولة“؟ إنها تُشير إلى الأخبار المُفرحة عـن مجيئه (الأول)، أي أنَّ الابن قد جاء (متجسِّداً). فتلك كانت هي ”السنة المقبولة“، التي فيها صُلِبَ المسيح لأجلنا، لأننا عندئذ صرنا مقبولين عند الآب كثمارٍ حملها المسيح. لذلك فقد قـال هو نفسه: «وأنا إنْ ارتفعتُ عن الأرض، سأجذبُ إليَّ الجميـع» (يـو 12: 32). وحقّـاً فقـد عـاد إلى الحياة في اليوم الثالث حينما داس على قـوَّة الموت، وبعد ذلك قـال لتلاميذه: «دُفِعَ إليَّ كل سلطان» (مت 28: 18).
أيضاً مـن كلِّ ناحيةٍ، هي سنةٌ مقبولة، التي فيها، إذ قـد انضممنا إلى عائلته؛ فقد دخلنا إليه بعـد أن اغتسلنا مـن الخطية بالمعموديـة المقدَّسـة، وصـرنـا شركاء طبيعتـه الإلهية بواسطة شركة الروح القدس.
تـلك أيضاً هي سنةٌ مقبولة، إذ أَظْهَرَ فيها مجده بمعجزاتٍ تفـوق الوصف، ونحن قـد استقبلنا زمـن خـلاصه بفـرحٍ عظيم، وهـو الزمن الذي يُشير إليه بولس الحكيم قائلاً: «هوذا الآن وقتٌ مقبول، هـوذا الآن وقت خـلاص» (2كو 6: 2). وهـو اليوم الـذي فيـه صـار أولئك المساكين الذيـن كـانوا سـابقاً مرضى بسبب انعدام كـلِّ بركة، والذين لم يكـن لهم رجاء، وكانوا بـلا إله في العالم - أي شعوب الأُمم - هـؤلاء المسـاكين صـاروا أغنياء بالإيمان بـه، إذ حصلوا على الكـنز الإلهي السماوي، كنز رسالة إنجيل الخـلاص، الذي بـه جُعِلوا شـركاء في ملكـوت السمـوات، وصـاروا مُشاركـين مـع القدِّيسين، ووارثين البركـات التي لا يستطيع عقلٌ أن يُدركها ولا لسانٌ أن يُخْبِر عنها. لأنه مكتوبٌ: «ما لم تَرَه عين، وما لم تسمع به أُذن، وما لم يخطر على قلب بشر، ما أعدَّه الله للذين يحبُّونه» (1كو 2: 9). وهـذا الكلام يمكـن أن ينطبق أيضاً على فيض النِّعَـم السخيَّـة المُعطـاة مـن المسيح والمُنسكبة منه على المساكين بالروح...
وأخيراً، (فالربُّ يسوع) هـو الذي كَرَزَ بـ ”سنة الرب المقبولة“، تلك التي فيها جاء المخلِّص كارزاً. فإني أَظنُّ أن المقصود بالسنة المقبولة، هـو مجيئـه الأول؛ أمَّـا المقصود بيوم العودة، فالمقصود به يوم الدينونة](1).
«اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم»:
وكما تكلَّمنا عن ”سنة الرب المقبولة“ باعتبارها هي زمن الخلاص الذي تجسَّد ابن الله لكي يُتمِّمه؛ فكذلك كلمة الرب: «اليوم قد تمَّ...»، فهي تُشير إلى يوم الخلاص: «”فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ“. هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (2كو 6: 2).
نُكرِّر مـا قالـه بولس الرسول: «هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ»، فليكُن يوم خلاصنا ماثلاً نصب أعيننا، حتى لا نُسوِّف العمر باطلاً، بـل «يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ أَكْثَرَ إِلَى مَا سَمِعْنَا لِئَلاَّ نَفُوتَهُ... فَكَيْفَ نَنْجُـو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هـذَا مِقْدَارُهُ؟» (عب 1: 3،1). فـ ”الآن وقتٌ مقبول“، فمَن يُقبِلُ إلى الرب لا يُخرجـه خارجاً، بل يَهَبَه كـل بركـات وثمار الخلاص، ولذلك يقول بولس الرسول: «”اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِـنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَـكَ الْمَسِيحُ“. فَـانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَـلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أف 5: 14-16).
وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:
[حينما قرأ الرب هذه الكلمات (أي نبوءة إشعياء النبي) للشعب المجتمع، فإنه جذب أنظارهم إليه، إذ كانوا ربما مُندهشين: كيف يعرف الكُتُب وهو لم يتعلَّم؟... ولكن لكي لا يُسيئوا فَهْم هذه النبوَّة أيضاً، لذلك نـراه يحرص على تنبيههم للخطأ بقوله: «إنه اليوم قد تمَّت هذه النبوَّة المكتوبة في مسامعكم»، واضعاً نفسه أمامهم بوضوح بهـذه الكلمات، بـاعتباره الشخص الذي تتكلَّم عنـه النبوَّة، لأنـه هـو الذي كَرَزَ بملكوت السموات للأُمم، الذين كـانوا مساكين، إذ لم يكـن لهم شيء... أو بالحري لقد كَرَزَ بالملكوت لكلِّ الذين كانوا محرومين من كنوز الغِنَى الروحي... وقد أفاض النور الإلهي الروحي على الذيـن كـانوا مُظْلمي القلب... إنه هو نفسه الذي حـلَّ سلاسل الخطية عـن أولئـك الذيـن سحقتهم الخطية، والذي أَظْهَرَ بوضوح أنَّ هناك حياةً آتية](2).
(1) ”تفسير إنجيل لوقـا“، للقديس كيرلس الإسكندري، 4: 19.
(2) ”تفسير إنجيل لوقـا“، 4: 21.