ب - التقليد. 2 - الليتورجية. 3 - المجامع. 4 - آباء الكنيسة. 5 - القديسون. 6 - القوانين الكنسية. 7 - الفن المقدس (الأيقونات). أهمية معرفة المؤمن الأرثوذكسي لمصادر وأصول التعليم الصحيح:
ما هو التسليم الرسولي، أو التقليد؟ ما يجب أن يعرفه كل مسيحي أرثوذكسي أن التسليم (أو التقليد) الرسولي يشمل أول ما يشمل: الإنجيل، وكل الأسفار المقدسة في العهد القديم. فالتسليم الرسولي والإنجيل ليسا هما شيئين بل شيء واحد. فالبشارة الشفاهية والتعليم الشفاهي بالخلاص الذي أكمله المسيح من أجل حياة البشرية، كان هو الإنجيل قبل أن يُكتب الإنجيل. فالإنجيل المدوَّن هو الجزء المدوَّن من تسليم الرسل، أما التسليم كله فهو يشمل ما كُتب في الإنجيل، وأيضاً ما احتفظته الكنيسة من التعاليم والليتورجية وغيرها (ما سنعرضه بالتفصيل فيما بعد). الكنيسة الأرثوذكسية هي ”كنيسة الإنجيل“: نعم، فالكنيسة الأرثوذكسية هي ”كنيسة الإنجيل“ منذ البدء، بالمفهوم المتَّسع للإنجيل: أي البشارة والتعليم الشفاهي المسلَّم من الرسل (ونؤكِّد على كلمة ”الرسل“ الذين كانوا شهوداً لقيامة المسيح)، جنباً إلى جنب مع الإنجيل كما دوَّنه البشيرون الأربعة (ومن بينهم القديس مرقس الذي كرز في الإسكندرية قبل عام 60م، وأسَّس بهذه الكرازة كنيسة الإسكندرية الرسولية). فهذا الإنجيل المتكامل تستمد منه الكنيسة على مدى تاريخها (21 قرناً) حياتها اليومية، ودستور نظامها وخدمتها ومعاملاتها المتنوعة، وهو خبزها اليومي الذي لا تستطيع أن تتوقف عن التغذِّي منه كل يوم. وهذا تجده في قراءاتها اليومية لدى المؤمنين في عبادتهم الخاصة، وفي كل صلاة من الصلوات السبع وفي صلاة نصف الليل (بخدماتها الثلاث)، أو في عبادتهم الجمهورية في الليتورجية المقدسة، ثم في تفسيرها وشرحها للإنجيل من على منابر الكنيسة، المكرَّسة أساساً والمخصصة فقط لقراءة كلمة الإنجيل وتفسيرها والوعظ بها (ولأن ”الأنبل“ أو ”المنجلية“ أو ”منبر التعليم“ في الكنيسة قد دُشِّن وكُرِّس ومُسح بالزيت المقدس يوم تدشين الكنيسة). لذلك أصبح غير مسموح استخدام هذه المنابر في غير ما وُضِعَت له: منبراً فقط لقراءة كلمة الله وتفسيرها والوعظ بها، وعلى المؤمن الأرثوذكسي أن ينتبه لهذا الأمر جيداً، ولا يُسمح لغيره. لقد انطبع شعبنا القبطي المبارك بهذا التسليم الرسولي، فصار إنجيلياً بروحه وسلوكه، وكان آباؤنا وأُمهاتنا وأجدادنا وجدَّاتنا يحفظون عن ظهر قلب مقاطع من الإنجيل والمزامير والرسائل بسبب تكرار إلقائه على مسامعهم مع الشرح والتفسير والوعظ من على هذه المنابر العتيدة. فليت لا يُدنِّسها أحد بإلقاء ما ليس من الإنجيل وما حول الإنجيل من على هذه المنابر، فتتشتَّت أذهان الرعية، ويضيع فهم الإنجيل والتسليم الرسولي. كيف يُبشَّر بالتسليم الرسولي من على المنابر في الكنيسة؟ قراءة الإنجيل وتفسيره يُقدِّمها التقليد الكنسي الأرثوذكسي، بالأسلوب الروحي: «قارنين الروحيات بالروحيات» (1كو 2: 13)، ومصبوغة بروح آباء الكنيسة الذين فسَّروا الإنجيل، ومشفوعة باختبارات هؤلاء الآباء (وعلى الأخص الآباء النسَّاك منهم)، لأن كنيستنا استلمت الإنجيل من القديس مرقس الرسول من أجل الحياة في المسيح وبهدف نوال الخلاص الذي أكمله المسيح. لذلك، لا يجب أن ينزل التفسير للإنجيل من على منابر الكنيسة إلى مستوى التحليل العقلي ومماحكات الألفاظ، أو المنفعة الدنيوية، أو ”المجادلات الغبية“ (2تي 2: 23)؛ بل يسمو به ليضبط العقل والنفس والجسد والسلوك لدى السامع، ليسمو بالروح إلى فوق حيث المسيح جالس. لذلك، فالإنجيل في الكنيسة الأرثوذكسية لا يمكن فصله عن الحياة اليومية التي يتسلَّمها الابن عن أبيه وعن الكنيسة. وإليك أيها القارئ بعض الآيات من تعاليم الرسل التي تُعبِّر عن الروح السائدة في عصر الرسل بشأن التسليم الرسولي، وكيف كان يُلقى ويُعلَّم من الخدَّام، وكيف يتلقَّاها المؤمن في الكنيسة: وصية للمؤمن: + «كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسكم. لأنه إن كان أحدٌ سامعاً للكلمة وليس عاملاً، فذاك يُشبه رجلاً ناظراً وجه خِلْقته في مرآةٍ، فإنه نظر ذاته ومضى، وللوقت نَسِيَ ما هو. ولكن مَن اطَّلع على الناموس الكامل، ناموس الحرية، وثبت، وصار ليس سامعاً ناسياً بل عاملاً بالكلمة، فهذا يكون مغبوطاً في عمله» (يع 1: 22-25). وصية للمعلِّمين الذين يقفون على المنابر: + «تمسَّك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني (تسليم الرسل)، في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع. احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا» (1تي 1: 13و14). + «لاحِظ نفسك والتعليم وداوم على ذاك، لأنك إذا فعلتَ هذا، تُخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضاً» (1تي 4: 16). + «اذكُرْ يسوع المسيح المقام من الأموات... بحسب إنجيلي، الذي فيه أَحتَمِلُ المشقَّات حتى القيود كمُذنب، لكن كلمة الله لا تُقيَّد... صادقة هي الكلمة: أنه إن كنا قد مُتنا معه، فسنحيا أيضاً معه. إن كنا نصبر، فسنملك أيضاً معه. إن كنا نُنكره، فهو أيضاً سيُنكرنا. إن كنا غير أُمناء فهو يبقى أميناً، لن يقدر أن يُنكر نفسه» (2تي 2: 8-13). (هذا هو التطبيق العملي لِمَا أكمله المسيح من أفعال الخلاص). تحذير من الكلام على المنابر لهدم السامعين: + «فكِّر بهذه الأمور، مُناشِداً قدَّام الرب أن لا يتماحكوا بالكلام، الأمر غير النافع لشيء، لهدم السامعين. اجتهد أن تُقيم نفسك لله مُزكَّى، عاملاً لا يُخْزَى، مُفصِّلاً كلمة الحق بالاستقامة. أما الأقوال الباطلة الدنسة فاجتنبها» (2تي 2: 14-16). + «اسكندر النَّحاس أظهر لي شروراً كثيرة... فاحتفِظ منه أنت أيضاً، لأنه قاوم أقوالنا جداً» (2تي 4: 14). + «وعبد الرب لا يجب أن يُخاصم، بل يكون مُترفِّقاً بالجميع، صالحاً للتعليم، صبوراً على المشقَّات، مؤدِّباً بالوداعة المقاومين، عسى أن يُعطيهم الله توبة لمعرفة الحق، فيستفيقوا من فخِّ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته» (2تي 2: 24-26). أخطر تحذير لخدَّام الكنيسة وأساقفتها في أفسس، في حديث بولس الرسول لهم: + «احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه. لأني أعلم هذا: أنه بعد ذهابي (أي بعد انقضاء عصر الرسل وعلى مدى الأجيال) سيدخل بينكم ذئابٌ خاطفة لا تُشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجالٌ يتكلَّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم» (أع 20: 28-30). قوة الإنجيل تظهر في التعليم الصحيح بفم إنسان تتلمذ على آخر: إن الإنجيل يأخذ نوراً خاصاً عندما يشرحه الأسقف أو الكاهن بالنعمة الحالَّة فيه، في حدود العقيدة، وبروح آباء الكنيسة وفكرهم، فيفهمه الشعب، ويثق في صوته، ويُقبـِل على تعاليمه ليعيشها كما عاشها هؤلاء الآباء القديسون واختبروها. فالإنجيل، لا ينكشف الحق الإلهي الذي فيه، ولا تنبعث منه القوة الضابطة المحرِّكة والمجدِّدة والمرشدة التي فيه، إلاَّ بواسطة آخر، أي بواسطة إنسان سبق أن انكشف له الحق الإلهي وعاش مع قطيع الله، ونال قوةً وتجديداً وإرشاداً من آخر. وهذه هي التلمذة التي تميِّز الحياة الرسولية الأرثوذكسية، وهذا هو التسليم الرسولي الأبوي الذي تناقل إلينا وتسلَّم لنا من جيل إلى جيل حتى القرن الحادي والعشرين، من خلال الأُبوَّة الروحية والتلمذة. وهكذا ظل الإعلان الإلهي والبشارة بتجسُّد المسيح وخلاصه الكامل الذي صنعه للبشرية، يتسلَّم للكنيسة من جيل إلى جيل، حاملاً معه الإنجيل المدوَّن والإنجيل المُعاش، في صمت وفي أمانة للمسيح، جنباً إلى جنب، حتى صار إلينا نحن العائشين في هذا القرن الحادي والعشرين. ليت الأجيال الصاعدة، والشباب على وجه الخصوص، يجتهدون ويغيرون على ميراثهم الرسولي الذي تناقل إليهم على مدى الواحد والعشرين قرناً؛ فيقرأونه بإمعان، ويدرسونه بأمانة وبعمق، حتى يكتشفوا حقوقهم في خلاص المسيح وأمجاد السماء المُعدَّة لهم، إذا آمنوا وعرفوا وتعلَّموا واختبروا. (يتبع) |
|||
(1) راجع كتاب: ”التقليد وأهميته في الإيمان المسيحي“، للأب متى المسكين، 1987، ص 10. |