المسيح
- 8 -

مَنْ هو هذا؟
”ابن الله“ ”كلمة الله“

المولود من الآب قبل كل الدهور

”الابن“ قبل التجسُّد:

نحن نؤمن بأنه بدون الإيمان بسَبْق وجود الابن قبل التجسُّد، لا يمكن أن نؤمن بتجسُّد ابن الله الكلمة الأزلي.

فالميلاد في الزمن من العذراء القديسة مريم يؤكِّد ويتطلَّب الوجود السابق قبل الزمن لكلمة الله، أي وجود ”الكلمة“ قبل التجسُّد حسب قول بولس الرسول في رسالة فيليبِّي 2: 6-11:

+ «الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب خُلْسةً أن يكون مُعادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شِبْه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل رُكبة مِمَّن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب».

المسيح يعترف ويُعلِن أزليته:

في حوار بين الرب يسوع واليهود، قال المسيح لهم صراحةً: «الحقَّ الحقَّ أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائنٌ» (يو 8: 58). وقول المسيح: ”أنا كائن“ له معنى الأزلية. فهو لم يَقُل: ”أنا مولود“ أو ”أنا وُلدتُ“ قبل إبراهيم؛ بل: ”أنا كائن“. وهو نفس معنى التعبير الذي قاله الله لموسى النبي عندما كلَّمه أمام العُلَّيقة المشتعلة ناراً ردّاً على سؤاله: «فإن سألوني (بنو إسرائيل) ما اسمه، فماذا أُجيبهم؟». ردَّ عليه الرب: «أنا هو الذي هو، هكذا تُجيب بني إسرائيل. هو الذي هو أرسلني إليكم» (خر 3: 14،13 الترجمة العربية الحديثة). وهذا ليس اسماً، بل هو فعل الكينونة، أي ”الكائن منذ الأزل“، ما قبل الخِلقة ومعها الزمن.

+ ليس هناك مَن هو قبله: ”كلمة الله“ هو أزلي، أي موجود منذ الأزل مع الله. فكلمة الله لا تُفارِق الله أبداً. فلا يمكن أن يكون الله غير متكلِّم، أو صامتاً، أو بلا ”كلمة“.

+ في بداية الرسالة إلى العبرانيين يقول القديس بولس: «كلَّم الله آباءنا من قديم الأزمان، بلسان الأنبياء مرات كثيرة وبمختلف الوسائل، ولكنه في هذه الأيام الأخيرة كلَّمنا في ابنه» (عب 1: 2،1 الترجمة الحديثة). ”كلمة“ الله تكلَّمت في ”ابن“ الله. هذان التعبيران المترادفان: ”الكلمة“ و”الابن“ هما اللقبان الأساسيان المنسوبان إلى ذلك ”الواحد“ الذي اتَّخذ جسداً، الذي هو ”الرب يسوع المسيح“. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي واصفاً هذه الحقيقة:

[إنه مدعوٌّ ”الابن“، لأنه هو من نفس الجوهر الإلهي الذي للآب. وهـو المدعو ”الكلمة“، لأنه مرتبط بالآب، مثل ارتباط ”الكلمة“ بـ ”العقل“](1).

+ ”الكلمة“ أقنوم - ”شخص“ في أسفار العهد القديم: المصدر الأساسي لاستخدام لقب ”Logos“، ليس اللغة اليونانية ولا الأدب اليوناني القديم؛ بل هو مشتقٌّ من الكلمة العبرية ”دابار يَهْوه“ التي تعني ”كلمة الله“ الذي به خُلِق العالم، وبه كانت النبوَّات للأنبياء.

+ وما يدلُّ على ذلك تشابه بداية إنجيل يوحنا (1: 1-3): «في البدء (الأزلي) كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مِمَّا كان»؛ تشابهاً مع بداية سفر التكوين (1: 1): «في البدء (الزمني) خلق الله السموات والأرض».

+ وفي سفر إشعياء (55: 11): «كذلك كلمتي، تلك التي تخرج من فمي، لا ترجع فارغة إليَّ؛ بل تعمل ما شئتُ أن تعمله، وتنجح في ما أرسلتُها إليه». وكلمة ”مِن فمي“ تعني: ”مِن جوهري“، لأن الله ليس له جسد وفم.

+ وفي أسفار العهد القديم، نجد أنَّ ”كلمة الله“، ليس مجرد ”قَوْل“ بصوت الله، فالله ليس له صوت؛ بل يمكن أن يكون ”الكلمة“ مُشخَّصاً، كما في نص إشعياء المذكور في الفقرة السابقة: «تعمل ما شئتُ أن تعمله، وتنجح في ما أرسلتُها إليه». وفي سفر الأمثال نجد ذِكْراً لكلمة الله باعتبارها ”الحكمة“، وهي تتكلَّم عن نفسها هكذا:

+ «الرب قَنَاني أول طريقه من قَبْل أعماله، منذ القِدَم. منذ الأزل مُسِحْتُ، منذ البدء، منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غَمْرٌ أُبْدِئتُ، إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. مِن قبل أن تقرَّرت الجبال، قبل التلال، أُبْدِئتُ. إذ لم يكن قد صَنَعَ الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار (تراب) المسكونة» (أم 8: 22-26).

ويذكر القديس يوحنا ذهبي الفم أن هذا الكلام عن ”الحكمة“ يمكن أن يكون هو الخلفية لكتابة القديس يوحنا البشير لكلماته الأولى عن ”الكلمة“(2).

”كلمة الله“ هو الذي به خُلِقَت الخليقة:

يتكلَّم إنجيل يوحنا عن ”الكلمة“ Logos باعتباره الذي به خلق الله العالم «كل شيء به كان»، وهو نفس الذي يقوله بولس الرسول: «ولكن لنا إله واحد: الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له. وربٌّ واحد: يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء، ونحن به» (1كو 8: 6).

+ إنه ”الكلمة“ الأزلي ”اللوغوس“ الذي صار جسداً، وهذا عكس وضد ما كان اليونانيون القدماء يُفكِّرون فيه أو يتوقَّعونه.

+ ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: ”إنه الابن – الكلمة خالق كل الخلائق. إنه الكلمة الذي يسمع الآب، ثم يُعلِن للبشر ما سمعه“(3).

الوجود الأزلي لكلمة الله السابق للتجسُّد

في إنجيل يوحنا:

إن المجد الأزلي للكلمة الذي رآه التلاميذ في المسيح، جعل القديس يوحنا يراه، ليس فقط في الزمن، بل أيضاً ”في البدء“ الذي يعني ”في الأزل“ أي ”قبل الزمن“. وهذا ما صوَّره القديس يوحنا البشير في بدء إنجيله: «في البدء كان الكلمة»، أي: ”منذ الأزل كان الكلمة“. «والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله» (يو 1: 1)، و«كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان» (1: 3). وحينما يقول: «والكلمة كان عند الله»، فهذا يعني اتحاده بالله الآب، وأيضاً تميُّزه ”كأقنوم“، وهذه هي صورة التعليم عن الثالوث الأقدس.

+ إنَّ علاقة ”الابن“ ”الكلمة“ بـ ”الآب“ قبل التجسُّد كان التعبير عنها بكلمات ”المحبة“ و”المجد“. وآية «والكلمة كان عند الله» تشرحها وتُصوِّرها الآية رقم 18: «الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب». هذا تعبير عن «الله محبة» (1يو 4: 6)، ومضمونها في هذه الكلمات: «الآب يحب الابن» (يو 3: 35؛ 5: 20).

هذه المحبة هي جوهر الله، طاقة متأجِّجة منذ الأزل، فيها ”المُحبُّ“ الآب، و”المحبوب“ الابن، طاقة لا تنطفئ ولا تخبو. طاقة خلاَّقة، بنَّاءة، أي قادرة أن تخلق من العدم، وتبني ما خَلَقَتْه، وتُبدع في خلقها، ما يُعطيها ”المجد“ من الخليقة كلها.

+ وفي صلاة المسيح إلى الآب، وهو في بستان جثسيماني، يقول للآب: «المجد الذي كان لي عندك قبل تأسيس العالم (أي منذ الأزل، ما قبل الزمن)» (يو 17: 5). وفي نفس الصلاة، يقول: «مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم (أي منذ الأزل، ما قبل الزمن)» (يو 17: 24).

وهنا واضح: ”المحبة“ و”المجد“ من الآب للابن منذ الأزل.

عمل ”الابن“ الكلمة قبل التجسُّد

(الخلقة - العناية الإلهية - تدبير الخلاص)

”الابن“ ”الكلمة“ السابق كينونته قائمٌ منذ الأزل، لم تُصوِّره الأسفار الإلهية في الكتاب المقدس كأنه ”ساكن، غير نشط، غير عامل“، وكأنه كان ينتظر فقط لحظة التجسُّد ليصير حيّاً نشِطاً؛ بل بالعكس فقد كان نشطاً قبل التجسُّد.

1. كان هو الخالق:

+ الابن الكلمة كان هو العامل الفعَّال، كخالق. فبكلمة الله خلق الله الكون ومـا فيه (يو 1: 3)، «الذي به أيضا خلق العالم» (عب 1: 2 الترجمة الحديثة.)

+ وكان للخليقة قصْدٌ، وهو إعلان عمل الله الخلاصي: «الكلُّ به وله قد خُلِقَ» (كو 1: 16).

+ وهذه الخليقة ليست هدفاً في حدِّ ذاتها، بل هي تخدم الغرض الخلاصي لله. فحيثما يتكلَّم ”الابن“ ”الكلمة“، أو تُستعلَن ”حكمة الله“ قبل التجسُّد؛ فهناك يكون ”الابن“ ”الكلمة“ الأزلي قبل التجسُّد.

2. وكان هو القائم بالعناية الإلهية للخليقة:

+ ”كلمة الحياة“ ”ابن الله“، كان هو الحاضر دوماً وبلا انقطاع والقائم بعملية مساندة الخليقة وعَوْنها وضبط قوانينها الطبيعية: «السموات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء» (2بط 3: 5)، «الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل» (كو 1: 17)، «ابنه... الذي وهو بهاء مجده، ورَسْم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته» (عب 1: 3).

+ كل هذا الحفظ والمساندة للخليقة لاستمرار قيامها بدون هلاك أو تدمير، هو قائمٌ ”بكلمة قدرة الله“، ما قبل التجسُّد والقيامة وما بعدهما.

3. المُلْهِم والمُوحي:

+ نفس ”كلمة الله الأزلي“ كان حاضراً وفعَّالاً خلال التاريخ الطويل لتدبير الخلاص. ويرى مفسِّرو الكتاب المقدس من آباء الكنيسة القدامى أنَّ ”كلمة الله“ ”الابن الأزلي“ الذي تجسَّد وصار إنساناً في المسيح، كان هو المتكلِّم والحاضر في النبوَّات، وكان هو رسول ”يَهْوه“ الذي كان يظهر مراراً وتكراراً في العهد القديم مُتكلِّماً باعتباره الله، مُظْهِراً صفات الله؛ بل ومُعتَبَراً أنه الله. وكأمثلة ما ورد في (تك 21: 18،17 – ملاك الله الذي ظهر لهاجر زوجة إبراهيم؛ خر 3: 2 – ملاك الرب الذي ظهر لموسى النبي من وسط العُلَّيقة؛ قض 2: 1-4 – ملاك الرب لبني إسرائيل؛ 6: 11-22 – الظهور لجدعون؛ 13: 3-22 – ظهر لامرأة عاقر؛ نبوَّة زكريا 1: 13،12 – الظهور لزكريا؛ 3: 1 – الظهور ليهوشع الكاهن العظيم؛ 12: 8).

+ وكذلك كان – الابن كلمة الله الأزلي – هو الرسول الإلهي لشعب إسرائيل (تك 16: 7-14؛ 22: 11-18؛ 31: 11-13)؛ وقاضياً (سفر أخبار أيام الأول 21: 1-27)؛ والمُشجِّع (سفر الملوك الأول 19: 5-7)، والذي يقود شعب الله (خر 14: 19؛ 23: 20).

شهادة مجمع نيقية المسكوني سنة 325م:

هو الوحيد الذي كان موجوداً،

من قبل أن يُولَد:

+ الابن كلمة الله الأزلي السابق وجوده قبل ميلاده الجسدي من العذراء مريم مُتجسِّداً، اعتبره آباء مجمع نيقية المسكوني سنة 325م بأنه الابن الوحيد للآب، المولود أزلياً، ليس في الزمن، ”بل هو الابن الأزلي“ – القديس أثناسيوس الرسولي(4).

(يتبع)

(1) Gregory Nazianzen, Theol. Orat., XXX,20.
(2) John Chrysostom, Hom. on John XV,1; NPNF, 1st Ser., Vol. XIV, p. 51.
(3) Cyril of Jerusalem, Catech. Lect., IV,8.
(4) Athanasius, Defence of the Nicene Council; NPNF, 2nd Ser., Vol. IV, pp. 149-73.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis