|
|
|
+ «الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يو 7: 39). لقد وَعَد الرب يسوع تلاميذه قائلاً: «وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو 24: 49). وبالفعل حقَّق الرب يسوع وعده؛ إذ بعد صَلْبه وموته ودفنه، ثم قيامته من بين الأموات في اليوم الثالث، وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب وهو متَّحدٌ بطبيعتنا البشرية التي تمجَّدت فيه؛ أرسل موعد الآب، الروح القدس، ليحلَّ على باكورة الكنيسة المجتمعة في العلِّيَّة مـن: رُسُل، ونساء، ومـريم العذراء، وإخوتـه، نحو مائـة وعشرين، الذيـن «كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِـدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ» (أع 1: 14).
لقد خاطب الرب يسوع التلاميذ قائلاً: «أَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّـهُ مَاكِـثٌ مَعَكُـمْ وَيَكُـونُ فِيكُمْ» (يو 14: 17،16). هـذا معنـاه أن انسـكاب الـروح القدس على المؤمنين بالرب، ليس انسكاباً وقتياً، وإنما ليمكث معنا وفينا إلى الأبد، وليعمل عمله المُغيِّر للطبيعة البشرية لتنال مـا اقتناه ناسوت الرب مـن مجـدٍ ورِفْعةٍ مـن جـراء مـوت الرب وقيامته وصعوده إلى أعلى السموات بهذا الناسوت عينه الذي جعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وأيضاً بغير انقسام ولا افتراق.
ولذلك فكلُّ ثمار الخلاص التي اكتسبها الرب يسوع لنا واقتناها في ناسوته من أجلنا، لا يمكن أن تنتقل إلى الطبيعة البشرية عامةً إلاَّ من خلال الروح القدس الذي ”يأخذ مِمَّا للمسيح ويُخبرنا (ويَهَبنا)“ (يو 16: 15،14).
ولكن مـا الذي يُظهِر عمل الروح القدس في المؤمنين بالرب يسوع؟
السلوك بالروح:
مـن العلامـات الواضحة التي تُظهِر عمل الروح القدس في الإنسان هو سلوكه بالروح، كما قال بولس الرسول: «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ» (غـل 5: 16)، فـ «الَّذِيـنَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ» (غل 5: 24).
وبالتالي تكون تصرُّفات هذا الإنسان في ”جدَّة الروح“، أي كخليقة جديدة في المسيح يسوع، قد ”خَلَعَتْ من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغـرور، ولَبِسَت الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرِّ وقداسة الحق“ (أف 4: 21-24). وبالتالي فـإنَّ اسم الله يتمجَّد بسبب سلوك هـذا الإنسان المؤمن الذي استقرَّ وارتاح فيه روح الله.
ولا ننسى توبيخ بولس الرسول لأهل غلاطية الذين كـادوا أن ينتقلوا إلى إنجيلٍ آخر، أي إلى التمسُّك بأعمال الناموس وليس إلى برِّ المسيح حتى أنه قال لهم: «أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَـاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِيـنَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَـدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوباً! أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيْمَانِ؟ أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَـا ابْتَدَأْتُمْ بِـالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟» (غل 1: 3).
الانقياد بالروح:
لقد ظهر هـذا الانقياد لروح الله بقوَّة في حياة التلاميذ والمؤمنين بعد انسكاب الروح القدس عليهم. فنجد مثلاً في قصة الخَصِيِّ وزيـر كنداكة ملكة الحبشة، فبينما «كَانَ رَاجِعاً (من أورشليم) وَجَالِساً عَلَى مَرْكَبَتِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إِشَعْيَاءَ»، إذا بالروح القدس يُلهِم فيلُبُّس الشمَّاس بأن «تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هذِهِ الْمَرْكَبَةَ». وعندما سأل الخَصِيُّ فيلُبُّسَ عـن معنى هذا الأصحاح من سِفْر إشعياء النبي، «فَتَحَ فِيلُبُّسُ فَاهُ وَابْتَدَأَ مِنْ هذَا الْكِتَابِ فَبَشَّرَهُ بِيَسُوع». وكان من نتيجة هذا أن آمن الخصِيُّ بالرب يسوع واعتمد على يدَي فيلبُّس الشماس (أع 8: 26-39).
وأراد الرب أن يُنبِّه بطرس الرسول إلى إيمان كرنيليوس وأوضح له أنَّ «مَـا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!»، فإذا برجال مُرسلين من قِبَل كرنيليوس يسألون عن بطرس الرسول، وبينما كان بطرس مُتفكِّراً في الرؤيـا التي رآها وهـو على السَّطح يُصلِّي، «قَـالَ الـرُّوحُ: ”هُـوَذَا ثلاَثَـةُ رِجَالٍ يَطْلُبُونَكَ. لكِنْ قُمْ وَانْزِلْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَـابٍ فِي شَيْءٍ، لأَنِّي أَنَـا قَـدْ أَرْسَلْتُهُمْ“». وكـانت نتيجة انقياد بطرس الرسول لإلهـام الروح، أن ذهـب إلى بيت كرنيليوس وبشَّره وكـل الحاضرين بالرب يسوع، و«بَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهذِهِ الأُمُورِ حَـلَّ الـرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِيـنَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ. فَانْدَهَشَ الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ، كُـلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ، لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضاً»، الأمـر الذي جعل بطرس الرسول يقول: «”أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَـدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هـؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضاً؟“. وَأَمَـرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ» (أع 10).
وهكـذا أيضاً بينما كـان التلاميذ «يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: ”أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَـا وَشَـاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ“»، «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلَّوْا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا» (أع 13: 3،2).
وبولس الرسـول يُخاطـب أهـل روميـة، ويُخاطبنا نحن معهم: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَـانَ رُوحُ اللهِ سَاكِناً فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَـانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَـذلِكَ (أي المسيح) لَيْسَ لَهُ... لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِـرُوحِ اللهِ، فَـأُولئِكَ هُـمْ أَبْنَاءُ اللهِ» (رو 8: 14،9). هـذه هي سمات أولاد الله الذين يسكن روح الله فيهم، ويَظْهَر عمله واضحاً في حياتهم.
برهان الروح:
إن كُنَّا قد تكلَّمنا عـن الانقياد بالروح، فلابد أن يَظهر برهان الروح بوضوح في تصرُّفات وكلمات الإنسان المؤمن. فمكتوبٌ عن التلاميذ أنهم «خَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ» (مر 16: 20). فعمل الرب معهم كان بقوَّة الروح القدس العامل فيهم، وكلامهم كان ممسوحاً بالروح القدس الذي ينطق فيهم وعلى لسانهم، أمَّـا الآيـات التابعة المؤيِّدة لكلامهم فكانت ببرهان الروح.
ونتذكَّـر مـا قـاله بولس الرسـول لأهـل كورنثوس: «وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَـا بِكَلاَمِ الْحِكْمَـةِ الإِنْسَانِيَّـةِ الْمُقْنِعِ، بَـلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، لِكَيْ لاَ يَكُـونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ» (1كو 2: 5،4). وأيضاً: «إِذْ أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ بُرْهَانَ الْمَسِيحِ الْمُتَكَلِّمِ فِيَّ، الَّذِي لَيْسَ ضَعِيفاً لَكُمْ بَلْ قَوِيٌّ فِيكُمْ» (2كو 13: 3). هذا البرهان قد ظَهَرَ وتحقَّق بالفعل في كـرازة وكلمات وأعمال بـولس الرسول، مِمَّا جعل الكنيسة حينئذ قويَّة بعمل الروح القدس، الذي كان الرب يضمُّ إليها كل يوم الذين يَخْلصون من المؤمنين الجُدُد.
وهنا لا يسعنا إلاَّ بـأن نُـردِّد كلمات الروح القدس على فم بولس الرسول: «وَالْقَادِرُ أَن يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ (بـرهان الروح، أي) الْقُـوَّةِ الَّتِي تعْمَلُ فِينَا، لَهُ الْمَجْدُ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ» (أف 3: 20).
الصلاة بالروح:
هناك صلواتٌ كثيرة تُرفَـع ليس فيها مَسْحَةُ الروح القدس، تخرج مـن الفم ولا تتجاوز سقف المكان الذي يجتمع فيه المُصلُّون، كما قال الرب: «يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً» (مت 15: 8).
ولذلك ضمن سلاح الله الكامـل الذي ذَكَـره بولس الرسـول في رسـالته إلى أهـل أفسس، الصلاة بالروح: «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الـرُّوحِ، وَسَاهِرِيـنَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُـلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، وَلأَجْلِي» (أف 6: 19،18).
الحياة الروحيـة كـلٌّ لا يتجزَّأ، فإذا كانت سلوكيات الإنسان مُنقادة بالروح القدس، ويَظهر عمل وقوَّة الروح القدس في كلامه وتصرُّفاته؛ تكون حينئذ صلاتـه بالروح القدس، تصل إلى عنـان السماء، إلى حضـرة الله، وتعمل عملها المُغيِّر فيه وفي مَـن يُصلِّي من أجلهم: «غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاِجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ، فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيقِ، مُوَاظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ (بالروح القدس)...» (رو 12: 12،11).
سيف الروح:
لقد ذكرنا آنفاً ضمن سلاح الله الكامل الصلاة بالروح، ويُضيف بولس الرسول أيضاُ: «وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ» (أف 6: 17). «لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَـةٌ إِلَى مَفْـرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا» (عب 4: 13،12).
والرب يسوع قال بفمه الطاهر: «اَلرُّوح هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئاً. الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ» (يو 6: 63). فكلام الرب يُحيي ويُشدِّد ويُخلِّص ويُعزِّي مَن يؤمن به، كما أنـه أيضاً يوبِّـخ ويُبكِّـت ويـؤدِّب ويُقوِّم تصرُّفات الإنسان الخاضع لـه، كمـا قـال بـولس الرسول لتلميذه تيموثـاوس: «كُـلُّ الْكِتَابِ هُـوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيـبِ الَّـذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُـونَ إِنْسَـانُ اللهِ كَـامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُـلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2تي 3: 17،16).
وفي سِفْر الرؤيـا، مكتوبٌ: «وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْـلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِـنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُم، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: ”حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَـقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟“. فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَانـاً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَـلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً الْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ» (رؤ 6: 9-11).
الامتلاء بالروح:
لابد أن تكـون حياةُ المؤمن حياةً في ملء الروح القدس، أي أنَّ روح الله الذي هو فعلاً ساكنٌ وكائنٌ في الإنسان المُعمَّد والممسوح بزيت الميرون، لابـد أن يكـون مـالئاً كيان الإنسان. والإنسان يسعى ويجتهد ويُصلِّي طـالباً الامتلاء بالروح في كلِّ وقتٍ وفي أيِّ ظرفٍ من ظروف حياته المتنوعة. ولذلك كـان أَمْر بولس الرسول: «وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيـهِ الْخَلاَعَةُ، بَـلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أف 5: 18). وإلاَّ تكون حياة الإنسان عقيمة غير مثمرة، لا يشعر فيها بتقدُّم. فـالحياة الروحية حياةٌ متجدِّدة نامية في الرب، لا تتوقَّف عند حدٍّ مُعين، ولكن تمتدُّ بالإنسان إلى آفاقٍ روحية رَحْبَة؛ هـذا النمو والامتداد لا يكون إلاَّ بالامتلاء بالروح القدس.
ولذلك نجـد في صلواتنا سـواء في صلاة الساعـة الثالثة مـن النهار (أي التاسعة صباحاً بالتوقيت الحالي)، أو في الخِـدَم الثلاث لصـلاة نصف الليل، يقول المُصلِّي: ”أيها الملك السمائي المُعزِّي، روح الحـق الحاضر في كـلِّ مكـان والمالئ الكـل، كـنز الصالحات ومُعطي الحياة. هَلُمَّ تفضل وحـلَّ فينا، وطهِّرنـا مـن كلِّ دنسٍٍ أيها الصالح، وخلِّص نفوسنا“.
فالمُصلِّي لا يطلب حلول الروح القدس كما لو كـان لم يقبله من قبل ولم يسكن فيه، لأن الروح القدس فعلاً ساكنٌ فيه وماكثٌ معه؛ ولكنه هنا في هذه الصلوات يطلب بإيمانٍ الامتلاء بالروح القدس، لكي تَظْهَر ثماره في حياته: في كلامه، في صمته، في سلوكه، في كل ما يقوم به. وبهذا ينمو في النعمة وفي معرفة ربنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح؛ كما أنَّ نموَّه الروحي هـذا يكون لمجد الثالوث القدوس، وبنيان كنيسة الله الواحدة الوحيدة المقدَّسة الجامعة الرسولية، وهَدْماً ودَحْضاً لمملكة الظلمة التي تُقاوِم عمل الله بكل وسيلة شيطانية وبكل ما أُوتِيَت من قوَّة شريرة. ولكننا لنا الإيمان القوي بالرب يسوع الذي ”سيَسْحَق الشيطان (وكـل قوَّاتـه الشريـرة) تحت أرجلنا سريعا، آمينً“ (رو 16: 20).