ذِكر الصدِّيق للبركة


في الذكرى السنوية السابعة
لنياحة أبينا الروحي
القمص متى المسكين

الأب متى المسكين والإنسان الجديد

كان موضوع ”الإنسان الجديد والخليقة الجديدة“، وما يدور حولها من موضوعات متعلِّقة بها مثل: ”قيامة المسيح أنشأت طبيعة جديدة للبشرية“، و”إنسان المعمودية الجديد“، و”الإفخارستيا والإنسان الجديد“، و”الإنسان الجديد وعمل الروح القدس“، ثم الكتابان عن: ”الخليقة الجديدة للإنسان في الإيمان المسيحي“؛ كانت هذه الموضوعات من أهم ما شغل بال أبينا الروحي واهتمامه، ودار حولها الكثير من كتاباته وعظاته. ويقول في مقدِّمة إحدى كتبه عن ”الخليقة الجديدة للإنسان في الإيمان المسيحي“:

[سألني صديق: هل يمكن أن تُلخِّص لي موضوع الخليقة الجديدة التي تقول عنها إنها الميلاد الثاني للإنسان؟ فقلتُ له: لقد تولَّى نيقوديموس عني وعن البشرية كلها هذا السؤال لَمَّا تعثَّر في خطوات الخوف والريبة ليُقابل المعلِّم ويسأله هذا السؤال بصورة أخرى أهم وهي: كيفية الدخول إلى ملكوت الله؟ ومَن هو الذي يؤهَّل لهذا الشرف الأسمى؟](1)

والواقع أنَّ نيقوديموس كان واقعاً في حيرة عظيمة من جهة إرسالية الرب يسوع! فكل ما أمكنه أن يصل إليه أن الرب يسوع قد أتى من الله مُعلِّماً، وقد خرج بهذا القرار حسب ما قاله للرب: «ليس أحدٌ يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل، إنْ لم يكن الله معه» (يو 3: 2). فأجاب الرب على تساؤل نيقوديموس بإجابةٍ تُشير له من طرفٍ خفي عن السرِّ المخفي وراء قدرة الرب على عمل الآيات، وهو الولادة من فوق، فقد قال له: «الحقَّ الحقَّ أقول لك: إنْ كان أحدٌ لا يولَد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (يو 3: 3).

فقد أراد الرب أن يُحوِّل تفكير نيقوديموس من الدهشة من عمل الآيات إلى ضرورة الاهتمام بالولادة من فوق حتى يمكنه أن يرى ملكوت الله، لأن هذا هو الهدف الرئيسي لحياة الإنسان.

لكن نيقوديموس برْهَن على عدم استعداده للفهم، وإذا به يغفل قول الرب عن ضرورة الولادة من فوق، فيردُّ على الرب بسؤال ينمُّ عن انغلاق الذهن بقوله: «كيف يمكن الإنسان أن يُولَد وهو شيخ، ألعلَّه يقدر أن يدخل بطن أُمِّه ثانيةً ويُولَد؟». ويُعلِّق أبونا الروحي على ذلك موضِّحاً:

[فَعَلِمَ الرب صعوبة الأَمر على ذهن اليهودي وأعطاه كيفية الميلاد من فوق، بينما الإنسان ما زال على الأرض، فقال له: «الحقَّ الحقَّ أقول لك: إنْ كان أحدٌ لا يُولَد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يو 3: 5). ولكي يقطع المسيح خط الرجعة على تفكير نيقوديموس حتى لا يُفكِّر في إمكانية الولادة الثانية من الجسد، قال له: «المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح» (يو 3: 6)، بمعنى أن الميلاد الثاني هو ميلاد روحاني ولا يمتُّ للجسد بصِلَة.

ولكي يرفع التعجُّب عن فكر نيقوديموس، قال له: «لا تتعجَّب أني قلتُ لك: ينبغي أن تُولَدوا من فوق. الريح تَهُبُّ حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهَب؟ هكذا كلُّ مَن وُلد من الروح» (يو 3: 8،7).

يقصد المسيح بذلك أمراً خطيراً وهاماً، وهو أنَّ الميلاد الثاني من فوق، الذي يكون من الماء والروح، أي المعمودية، هو عمل فوقاني يتمُّ فيه ميلاد الإنسان ثانية بالروح وهو على الأرض، إنما بسرٍّ فائق لا يستطيع الفكر أن يتتبَّعه](2).

ويسترسل الأب متى المسكين في شرحه لموضوع الميلاد الثاني للإنسان من فوق، في سائر كتاباته وعظاته، فيقول:

[إنَّ هذا الموضوع هو الموضوع الأساسي الذي جاء المسيح ليُتمِّمه للإنسان في نفسه أولاً، وقد تمَّمه أولاً باتحاده بجسدنا الذي أخذه من العذراء القديسة مريم ومن الروح القدس ليضمن مسيرتنا معه من البداية حتى النهاية، وبميلاد جديد روحاني من فوق هتفت له الملائكة يوم تمَّ مُهلِّلة بالمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة. بمعنى أن بهذا الميلاد تمَّ بالفعل المجد لله، والسلام للإنسان، والمسرَّة بعد عداوة وأحزان... وإذا سِرنا مع المسيح في حياته، ونحن معه، حتى مماته وقيامته من بين الأموات، نراه أول إنسان جديد يقوم من موت اللعنة الأبدي الذي حلَّ على آدم وذريته. فكانت قيامة المسيح أول صورة للخليقة الروحية الجديدة للإنسان، ودعاه القديس بولس ”بِكْر الأموات“، باعتباره المولود الأول للإنسان القائم من بين الأموات، ونحن معه قمنا بقيامته (بالمعمودية) ليُقدِّمنا إلى الله أبيه كخليقة جديدة للإنسان.

ثم بصعود المسيح إلى أعلى السموات وجلوسه عن يمين الآب بجسده الروحاني المُقام ونحن فيه، يكون هو أول مَن افتتح ملكوت الله ودخل، ومعه البشرية الجديدة المُفدَّاة](3).

لذلك يقول معلِّمنا بولس الرسول: «الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبَّنا بها، ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح، بالنعمة أنتم مُخلَّصون، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع، ليُظهِر في الدهور الآتية غِنَى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع» (أف 2: 4-7).

وفي هذا يقول الأب متى المسكين:

[لقد اكتشف القديس بولس - كما استُعلِن له من أسرار الله عن خلقته للإنسان - أنَّ هذه الخلقة الروحية التي قصدها الله أن تكون من طبيعة ابنه بحال قيامته من بين الأموات، كانت قائمة في تدبير الله قبل أن يخلق الإنسان من تراب الأرض، بل وقبل تأسيس العالم المادي؛ وأنَّ خلقة الإنسان من تراب الأرض لم تأتِ كخطأ في حسابات الله، بل كدرجة أولى في الخلق، يتدرَّج فيها الإنسان من خليقة مادية إلى خليقة روحانية، وينتقل من حالة الضعف والفساد إلى حالة الكمال والبر، شأن كل أعمال الله التي يبتدئها من الصفر ليبلغ بها إلى القمة، لأن هذا معنى كمال الخلقة عند الله...

«مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويَّات في المسيح. كما اختارنـا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قدِّيسين وبـلا لوم قدَّامه في المحبة، إذ سبق فعيَّننا للتبنِّي بيسوع المسيح لنفسه، حسب مسرَّة مشيئته، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب» (أف 1: 3-6)...](4).

الإنسان الجديد،

وقيامة المسيح من بين الأموات:

يقول أيضاً الأب متى المسكين:

[لَمَّا قام المسيح من بين الأموات، قام بجسده هو هو، ولكن في وضعه الجديد الذي لا يسود عليه الموت بعد كنموذج كامل للخليقة الجديدة.

هو ليس من الخليقة الجديدة، ولكن الخليقة الجديدة منه، فهو خالقها في نفسه من أجلنا لكي يمنحها لنا بالميلاد الجديد بالروح القدس في سرِّ المعمودية. فكما وهَبَ لنا آدم خليقته الميتة بالتناسُل بالميلاد الجسدي، هكذا وهَبَ لنا المسيح بشريته الجديدة لتكون خليقة جديدة لنا بالنعمة لحياة لا يَقْوَى عليها الموت.

الخليقة الجديدة مُبتدئة منه، وقد أخذت بدايتها الأولى فيه، ولكنه كان هو قبلها وقبل كل الخليقة، فهو كلمة الله الخالق مع الآب منذ البدء. فالخليقة الجديدة به قامت، ومن أجله أيضاً تقوم وتنتهي دائماً إليه، لأنه هو رأسها وكلها أعضاء فيه...](5).

روح المسيح يكشف فينا الخليقة الجديدة:

يقول أبونا الروحي:

[الخليقة الجديدة لا يكشفها ولا يُعلِن عنها بوضوح إلاَّ روح المسيح الناطق فينا والشاهد لضمائرنا، وذلك بمقدار شركتنا اليومية بالموت مع المسيح في السلوك حتى نظهر بطبيعة الحياة الجديدة: «حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدَّة الحياة» (رو 6: 4)، «لأنـه إن كُنَّا قـد صرنا متَّحدين معه بشِبْه موته، نصير أيضاً بقيامته» (رو 6: 5).

والخليقة الجديدة إذا أُعطيت فرصاً قوية بالصلاة والالتصاق بالكلمة لتعيش مع المسيح، فإنَّ المسيح يُعلِن نفسه فيها أو بواسطتها أكثر فأكثر.

الخليقة الجديدة لا نستطيع أن نخلقها نحن لذواتنا، فهي من فوق؛ أما نحن فمن الأرض. ولا نستطيع أن نُنمِّيها بقدراتنا الذاتية أو نُعلنها بأعمالنا أو نُبرهن عليها بأقوالنا، لأنها حقٌّ. والحق ينمو بكلمة الله فقط وبسرِّ نعمته الفائقة، فالله وحده هو الذي يكشفها ويُعلنها ويُصدِّق على وجودها لنا وللناس كعمل من أعماله الخاصة «لأننا نحن عمله» (أف 2: 10). إنها ستبقى إلى الأبد سر المسيح المخفي فينا، بالرغم من أننا سنتحوَّل إليها في النهاية كلِّية، ونُستعلن فيها: «لقد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهِرَ المسيح حياتُنا، فحينئذ تُظهَرون أنتم أيضاً معه في المجد» (كو 3: 3)...](6).

إنسان المعمودية الجديد والكنيسة:

ويوضِّح الأب متى المسكين هذا المفهوم قائلاً:

[ميلاد الإنسان ثانية من الماء والروح، أي المعمودية، حسب قول المسيح، هو امتداد سرِّي فائق لقيامة المسيح بجسد الإنسان، وهو حالة روحية جديدة مُمجَّدة، وقد سقطت عنه عقوبة الموت وانتصر ضد الشيطان والخطية. هذا الإنسان الروحي الجديد المحسوب أنه خليقة جديدة في المسيح، أصبح عضواً حيّاً فعَّالاً في الكنيسة، وأصبحت الكنيسة به كنيسة الإنسان الجديد القائم من بين الأموات مع المسيح، والمتَّحد به...

انظروا، أيها الإخوة، المصدر الجديد لجبلتنا الجديدة الروحانية التي أعطتنا حالة شركة قوية فعَّالة، إنما غير منظورة في المسيح، وأصبحنا حقّاً وفعلاً أعضاء جسمه، مِن لحمه ومن عظامه. وليت القارئ يلتفت إلى عمق ودقة القول، فبولس الرسول لا يقول: ”أعضاء في جسمه“، بل «أعضاء جسمه». والمعنى هنا خطير، إذ يُقصِر جسد المسيح علينا فقط، ويُحدِّد أعضاء جسمه بنا فقط!

فهنا تمثيل المسيح شمولي، فالقول إننا: «أعضاء جسمه»، ينطبق تمام الانطباق على قول بولس الرسول: ”نحن جسده“! هذا قول قاطع مانع يجمعنا في المسيح في اتحاد ووحدة كيانية غير منظورة...

فنحن، الآن، نحمل صورة المسيح المُقام في جسدنا الجديد، ليس من جهة الشكل، ولكن من جهة طبيعة القداسة والبر: «وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب (= بشِبه) الله في البرِّ وقداسة الحق» (أف 4: 24). وواضح أن هذه الصفات طبيعية، وهي ذات الطبيعة التي قام بها المسيح من بين الأموات لحسابنا، وهي طبيعة عديمة الموت والفساد، ولا يمكن أن تُخطئ لأنها انفصلت نهائيا عن طبيعة الناس والتراب، وهي الطبيعة التي تؤهِّلنا الآن للحياة الأبدية التي نعيش عربونها الآن بالاتحاد بالمسيح روحيّاً إلى أن يحين انطلاقها بعد أن يسقط عنها الجسد العتيق الترابي. وبولس الرسول يصف بصورة زاهية نوع وعمق العلاقة التي تربطنا الآن بالمسيح هكذا: «فإنه فيه (في المسيح) يحلُّ كل ملء اللاهوت جسديّاً. وأنتم مملوؤون فيه، الذي هو رأس كل رياسة وسلطان. وبه أيضاً خُتنتُم ختاناً غير مصنوع بيدٍ، بخلع جسم خطايا البشرية، بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أُقمتم أيضاً معه، بإيمان عمل الله، الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغَلَف جسدكم، أحياكم معه، مُسامحاً لكم بجميع الخطايا» (كو 2: 9-13)...](7).

الإفخارستيا والإنسان الجديد:

ويواصل الأب متى المسكين كلامه عن الإنسان الجديد قائلاً:

[لقد كشف المسيح بكل وضوح عن طعام جديد روحاني يتعاطاه الإنسان الجديد المخلوق على صورة الله «في البرِّ وقداسة الحق» (أف 4: 24)، ليحيا به وتدوم حياته إلى الأبد، عِوَض الطعام المادي الذي يتعاطاه الإنسان العتيق ويموت. وقد أوضح المسيح ذلك في قوله: «الحقَّ الحقَّ أقول لكم: مَن يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المَنَّ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء. إنْ أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم» (يو 6: 47-51)...

ثم عاد المسيح ليُوثِّق هذا الأكل والشُّرب الفصحي من جسده ودمه كعهدٍ أبدي معنا، فقال باختصار ووضوح: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير» (يو 6: 54). ولكي يرفع عن ظنِّ الإنسان أنه يأكل خبزاً ساذجاً وخمراً ممزوجاً ساذجاً، عاد فأكَّد: «لأن جسدي مأكلٌ حقٌّ، ودمي مشربٌ حقٌّ» (يو 6: 55)... بمعنى أنَّ الذي يأكل الجسد ويشرب الدم الكائن بالقوة الإلهية في سرِّ الخبز المكسور والخمر الممزوج إنما ”يأكل الحق“ و”يشرب الحق“. وهو أعمق تعبير سرِّي عن استيعاب لاهوت المسيح الكائن في الجسد والدم الفصحي العامل لغفران الخطايا والحياة الأبدية، الذي عبَّر عنه المسيح بعد ذلك تعبيراً مُبدِعاً بقوله: «مَـن يأكلني فهو يحيا بي» (يو 6: 57)، الذي في صميم معناه قـال بولس الرسول: «فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ» (غل 2: 20)...

كما أعطى المسيح استعلاناً جديداً لفاعلية الأَكل من الجسد والشُّرب من الدم الفصحي بقوله: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56)...](8).

مصادر قوة الخليقة الجديدة العاملة فينا الآن:

ويتكلَّم أبونا الروحي عن مصادر قوة الخليقة الجديدة فينا فيقول:

[ أولاً: الكلمة: قوة الخليقة الجديدة تعمل فينا الآن بواسطة الروح القدس، وهي تنمو وتزداد وتتغذَّى على كلمة الله. أي أنَّ كلمة الله هي قوام الخليقة الجديدة وحياتها ونورها التي عليها تعيش، وبدونها لا حياة ولا نمو: «مولودين ثانيةً لا مِن زرع يفنى، بل مِمَّا لا يفنى، بكلمة الله الحيَّة الباقية إلى الأبد» (1بط 1: 23)، «شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه» (يع 1: 18)...

فكلمة الله كلما استوعبها الذهن ازدادت صورة المسيح فينا وضوحاً، وكلما حفظها القلب كلما تكمَّلت فينا مشيئة الله، وكلما تقبَّلناها بالسرِّ أحيت وجدَّدت.

ثانياً: انتظار الرب: إنْ كانت الكلمة هي مصدر ولادة ونمو وغذاء واستنارة بالنسبة للخليقة الجديدة، فمعروف أنه كلما ازدادت صورة المسيح فينا وضوحاً بقوة الكلمة، كلما ازدادت شهوة اللُّقيا. فالمثيل يحنُّ للمثيل، والحنين الجارف بانتظار مجيء الرب هو الشهوة العُظمى وقمة العزاء الذي يُعوِّض الخليقة الجديدة في غربتها عن وطنها: «منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب» (2بط 3: 12)، «نعم، أنا آتي سريعاً، آمين تعالَ أيها الرب يسوع» (رؤ 22: 20)...

ثالثاً: أن نكون خُدَّام عهد جديد ورُسل الخليقة الجديدة، أي خدمة المصالحة الكلِّية بين الله والناس](9).

( هكذا كان الأب متى المسكين يحثُّنا دائماً على أن نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا: «إذاً إنْ كان أحدٌ في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً» (2كو 5: 17)، «أن تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرِّ وقداسة الحق» (أف 4: 22-24).

كما كان يُذكِّرنا دائماً بكلمات القديس أنطونيوس الكبير:

[فإذا أردتم أن تقبلوه – هذا الروح الناري العظيم – فقدِّموا أولاً أتعاب الجسد، وتواضُع القلب، وارفعوا أفكاركم إلى السماء في الليل والنهار] (الرسالة الثامنة).

وكذلك قول القديس أنبا مقار الكبير:

[أحبُّوا، إذاً، حلاوة الجهاد، لأن التعب والحِرص يأتي بالإنسان إلى النياح، ويشفي جميع أوجاع قلبه، ويجلب له خيرات السماء، وفي النهاية يصير مسكناً للروح القدس] (الخطاب الأخير لأنبا مقار).

(1) من كتاب: ”الخليقة الجديدة للإنسان في الإيمان المسيحي“، الجزء الثاني، المقدِّمة.
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) من كتاب: ”الخليقة الجديدة للإنسان في الإيمان المسيحي“، الجزء الأول، ص 10.
(5) ”القيامة والصعود“ ص 82،79.
(6) المرجع السابق.
(7) ”الخليقة الجديدة للإنسان في الإيمان المسيحي“، الجزء الأول، ص 105-109.
(8) المرجع السابق، ص 116-119.
(9) ”القيامة والصعود“، ص 116،115.