أهمية معرفة المؤمن لأصول ومصادر التعليم:
إن على المسيحي الأرثوذكسي أن يعرف مضمون إيمانه المسيحي كما علَّمَت به الكنيسة. ولابد له أن يسترشد في دراسته بدراسة ما تقتنيه الكنيسة من تعليمها المدوَّن (أي الإنجيل)، وغير المدوَّن (أي التقليد المقدس). ومعروف عن الكنيسة الأرثوذكسية أنها حفظت منذ البدء شرحاً متكاملاً لتعليمها. وتوصي الكنيسة كل عضو أن يقرأ ويدرس، سواء وحده أو مع العامة، ما يختص بإيمانه. لكنها لا تُشجِّعه على استنباط مفاهيم ونتائج من وحي فهمه الشخصي، كما يتضح من هذه الحادثة في الكنيسة الأولى: + «فبادر (فيلبُّس الشماس) إليه (أي إلى الرجل الإثيوبي)، وسمعه يقرأ النبي إشعياء، فقال: ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟ فقال: كيف يمكنني إن لم يُرشدني أحدٌ؟» (أع 8: 30و31) وهذا ”المرشد“ هو الكنيسة نفسها وليس الفرد مرشداً لنفسه بإمكانياته المحدودة مع نقص في معرفته الكاملة بأصول المعرفة عن الإيمان المسيحي. وقد كان هناك - وما يزال يوجد - الشخصيات في الكنيسة التي كرَّست حياتها لدراسة الإنجيل وحِفظ وصَوْن التقليد المقدس وشرحه. فالكنيسة الأرثوذكسية تحفظ هذا ”التسليم paradosis“، أي التقليد المدوَّن وغير المدوَّن كاملاً غير منقوص. والكنيسة لا تمنع أعضاءها من سَبْر أغوار المعاني العميقة للإنجيل ليجدوا فيه الفائدة الروحية والمنفعة الخلاصية لحياتهم الشخصية، أو باستخدام التعبيرات الجديدة عن الحقائق القديمة، مسترشدين بتعاليم الكنيسة. وهنا لابد أن نعرف كيف تعمل حرية المؤمن مع سلطان التقليد يداً بيد في التعليم والتدبير في الكنيسة. إن كل عضو في الكنيسة، سواء كان من الإكليروس أو من الشعب له الحق وعليه الواجب أن يصون الإيمان الأرثوذكسي من أي تفسير خاطئ أو تعبيرات أو تعاليم خاطئة، وذلك بمعرفته المُسْبقة بتعليم الكنيسة الصحيح من مصادره الأساسية، التي هي: 1 - الإنجيل، وهو الأساس الراسخ غير المتزعزع الذي قاد المؤمنين المسيحيين عَبْرَ الأجيال في طريق معرفة مشيئة الله. 2 - حياة وكتابات آباء الكنيسة ومعلِّميها وأنبيائها، وهم الأداة الذين بواسطتهم تُوصَّل مشيئة الله إلى أعضاء الكنيسة حتى يمكنهم أن يقتدوا بما عمله وأوصى به الرب يسوع المسيح. والكنيسة، على مدى الأجيال، منذ عصر العبادة في السراديب (تحت الأرض) في القرنين الثاني والثالث إلى عصر الكاتدرائيات في القرنين الرابع والخامس، ومن التعليم البسيط إلى تكامُل العقيدة والتعليم المُفصَّل، ومن التوجيهات الابتدائية إلى عمق التعليمات الكنسية؛ كانت تقتفي أثر الخطوات والتعليم عن الإيمان التي أعلنها لها ابن الله الضابط الكل في استمرارية وتكامُل معاً. ويجب أن نعرف أن السلطة العُليا للتعليم في الكنيسة الأرثوذكسية هي ”ضمير ووعي الكنيسة“، أي موافقة الشعب الدارس والواعي لإيمانه على شرح الإيمان أو عدم موافقته في أزمنة المجادلات. وتجتمع المجامع العامة في الكنائس الأرثوذكسية التي تضم أساساً الإكليروس - وعلى الأخص الأساقفة - لتقرَّ برأي واحد، وبإجماع، فيما يخص الإيمان في أوقات الخلافات، مُعبِّرين بذلك عن ضمير ووعي الكنيسة هذا. ويُلاحَظ أن الكنائس الأرثوذكسية في المسكونة كلها لها نفس التعاليم والقوانين وأنماط العبادة الليتورجية، وهي تُكوِّن معاً الكنيسة الواحدة، بالرغم من اختلاف انتماءاتها العِرْقية والوطنية، كأسرة واحدة لها نفس الفكر الواحد والعقائد الواحدة، الذي هو فكر المسيح. ولابد لكل مسيحي أرثوذكسي أن يعرف ويفهم هذه الحقائق حتى يشترك اشتراكاً فعلياً في نشاط الكنيسة ويُدافع عن صحة الأقوال والآراء المتداولة حول الإيمان في أزمنة المجادلات. وإنه واجبٌ على كل مسيحي أرثوذكسي أن يعرف هذه المصادر والأصول لتعاليم الكنيسة، حينما يضطر - على الأخص - إلى مواجهة التعاليم والمذاهب المخالفة والمتخالفة، كما حدث على مدى العصور الأولى وحتى الآن. ففي العصور الأولى حينما لم تكن العقيدة قد صِيغَت رسمياً في تعبيرات دقيقة محددة؛ ظهر أعضاء في الكنيسة تحوَّلوا ليصيروا ”هراطقة“، أو غنوسيين، أو أتباعاً لشِيَع أخرى. ومنذ القرن الرابع وبعد أن صِيغَت العقيدة في منطوقات إيمان؛ ظهر أفراد من الشعب ومن الإكليروس من كافة الدرجات - كهنة وأساقفة وبطاركة - علَّموا تعاليم وأدلوا بآراء منحرفة عن الإيمان المسيحي الذي استلمته الكنيسة من الرسل، وشرحه آباء الكنيسة، وقنَّنته المجامع المسكونية. وفي القرن الخامس حدث أول انشقاق بين الكنائس الشرقية(1) إثر مجمع خلقيدونية سنة 451م. وفي القرن الحادي عشر (1054م) حدث انشقاق كبير بين الكنائس الشرقية البيزنطية وبين الكنيسة في الغرب. وفي كل هذا جاهدت الكنيسة الأرثوذكسية لتحفظ نفسها - في إخلاصٍ - للدفاع عن الحقائق التي علَّمها إيـَّاها مؤسِّسها، الرب يسوع المسيح، ورسله الأطهار، والتي هي الأسس التي قامت عليها تعاليم الكنيسة. هذه الظروف التي ألَمَّت بالكنيسة، ألزمت الكنيسة بأن تدافع عن تعاليمها، وأكَّدت على المصادر والأصول الأساسية لشروحاتها الدقيقة، والتي حفظتها على مدى الأجيال، وجعلتها المقياس والمعيار الذي تفرز به بين الخطأ والصحيح. ومما يجدر الإشارة إليه هنا، أن هذه المصادر والأصول الأساسية استُخدِمَت في مواجهة الاختلافات التي نشأت حتى داخل الكنيسة الواحدة، والتي نشأت عن تجاهُل أو عدم فهم الشروحات الصحيحة للإيمان المسيحي. وهنا في هذا المقال نُعدِّد المصادر والأصول الرئيسية للتعاليم الصحيحة للكنيسة في مواجهة الاختلافات التي تنتج عن الأفكار الشخصية القائمة على الفهم الشخصي غير الصحيح للإيمان:
المصادر والأصول الأساسية للتعليم في الكنيسة الأرثوذكسية
1. الإنجيل. 2. التقليد الكنسي. 3. كتابات الآباء الرسوليين (أي الذين شاهدوا الرسل وتتلمذوا على أيديهم)، والمدافعين عن الإيمان المسيحي في مواجهة الوثنيين. 4. قرارات المجامع المسكونية والمكانية، ومنطوق الإيمان الذي حدَّدته للنُّطق الصحيح بالإيمان. وعلى الأخص قانون الإيمان (الذي تقرَّر في مجمع نيقية المسكوني الأول عام 325م، وأُكْمِل في مجمع القسطنطينية المسكوني الثاني عام 381م). 5. الكتابات الآبائية التي كتبها آباء القرنين الرابع والخامس الذين انخرطوا في شرح الإيمان الأرثوذكسي والدفاع عنه، فيما يخص الثالوث الأقدس وسر التجسُّد، في مواجهة الهرطقات، وأخطرها الأريوسية ثم النسطورية. وإليك شرح مختصر ووافٍ لهذه المصادر: الكتاب المقدس: الكتاب المقدس ليس كتاباً منهجياً يحوي التعبيرات عن الإيمان في قوانين إيمان وألفاظ محددة، ولكن يوجد في الكتاب المقدس مقاطع متعددة تُعبِّر لنا عن أساسيات الإيمان بالمسيح وبالروح القدس وبالآب، أي بالثالوث الأقدس، وهذه الآيات استُخدِمَت كتعبيرات مختصرة عن الإيمان. ونجد هذه الآيات المختصرة في العهد الجديد كما في إنجيل متى بعد أن قام المسيح من بين الأموات وأوصى تلاميذه الرسل القديسين بالكرازة لجميع الأمم: + «فاذهبوا وتلْمِذوا جميع الأُمم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به.» (مت 28: 19و20) وقد كان الرسل يدعون الناس أن يؤمنوا بـ ”المسيح مُخلِّصاً“. وكان لابد للكنيسة الأولى أن تحفظ هذه المنطوقات لاستخدامها - أساساً - للتعبير عن الإيمان المسيحي لكي ينطقها المتقدِّمون لسرِّ المعمودية المقدسة، ليُعبِّروا عن صحة إيمانهم بسرِّ الثالوث الأقدس وسرِّ التجسُّد. ومثل هذه الآية السابقة نجد لها المزيد في: + رسالة رومية 1: 3و4: «... ابنه (يسوع المسيح)، الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات، يسوع المسيح ربنا». + رسالة كورنثوس الأولى 15: 3-8: «فإنني سلَّمتُ إليكم في الأول ما قَبـِلْتُه أنا أيضاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفِنَ، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب...». + رسالة فيليبي 2: 5-11: «فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً: الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب خُلْسة أن يكون مُعادِلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخِذاً صورة عبد، صائراً في شِبه الناس. وإذ وُجـِدَ في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل رُكبة مِمَّنْ في السماء ومَنْ على الأرض ومَنْ تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب». + رسالة تيموثاوس الأولى 3: 16: «وبالإجماع عظيمٌ هو سرُّ التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرِز به بين الأُمم، أُومِنَ به في العالم، رُفـِعَ في المجد». التقليد الكنسي: وحينما بدأت الكنيسة - لاحقاً - في النمو، وصارت أكثر تنظيماً، كتب الأساقفة والمعلِّمون تعبيرات عن الإيمان، مؤسَّسة على تعاليم الرسل، صارت أصولاً ومصادر للإيمان الصحيح. ومثل هذه التعبيرات نجدها في كتابات القديس إغناطيوس الأنطاكي (35-107م)، والقديس يوستينوس (100-165م) في دفاعه المشهور، والقديس إيرينيئوس أسقف ليون (130-200م)، والعلاَّمة أوريجانوس الإسكندري (185-254م). وأهم هذه التعبيرات والمنطوقات الإيمانية نجدها في ما يُسمَّى ”قانون الإيمان الرسولي“ (الذي كان يُستخدم في طقوس المعمودية) منسوباً إلى الرسل الاثني عشر، وقد كتب فيه كل رسول بنداً من بنوده. هذا القانون كان مُستخدماً في كل الكنيسة قديماً، وهو أحد ثلاثة قوانين إيمان مسكونية استُخدِمَت بالأكثر في القسم الغربي من الكنيسة، وذلك قبل صدور قانون إيمان نيقية عام 325م. المجامع المسكونية: التعليم العقيدي في الإنجيل، وكذلك في المجامع المسكونية، يحتويان على مضمون الإيمان والأساس الراسخ للعقائد الإيمانية الأرثوذكسية. والكنيسة - إكليروساً وشعباً - هي الحاملة للتعليم الصحيح للإيمان، حيث يحميه ويصونه الروح القدس من أي خطأ. وأما صوت الكنيسة المُعبِّر عن هذا التعليم الصحيح، الذي هو السلطة العُليا للتعليم في الكنيسة الأرثوذكسية؛ فهو المجامع المسكونية التي تُمثـَّل فيها الكنيسة بكل كمالها وملئها: أي شعب الله الجديد، والشعب يمثله أساقفتهم الذين اختارهم أصلاً شعب كل إيبارشية، بقصد أن يحفظوا الإيمان المُسلَّم مرة للكنيسة بواسطة الرسل، ولكي يعلنوه وينطقوه صحيحاً سليماً من على المنابر، ويُسلِّموه للأجيال اللاحقة كما هو. وقرارات هذه المجامع هي مصادر التعليم الكنسي الصحيح. وتحتوي قرارات هذه المجامع على ما يُسمَّى بـ ”الحدود“، أي التي لا يحيد عنها أحد، إذ تُعبِّر مباشرة عن تعليم الكنيسة العقائدي، كما تحوي بعض القوانين المختصة بالتعاليم العقائدية والنظام والتدبير في الكنيسة. فالمجامع المسكونية هي المصادر الرئيسية للحق الكنسي. ويُتلى قانون الإيمان الذي صدر عن كِلاَ المجمع المسكوني الأول (325م) والمجمع المسكوني الثاني (381م) دائماً في كل خدمة ليتورجية بالكنيسة. وعلى قرارات هذه المجامع المسكونية يجب أن تقوم أية تعاليم ترد في المجامع الكنسية اللاحقة، وفي التعاليم التي تُتلى في الكنائس من على المنابر حتى اليوم. والمجامع المسكونية التي نشير إليها هي ثلاثة: المجمع المسكوني الأول عُقد في نيقية عام 325م، والثاني في القسطنطينية عام 381م، والثالث في مدينة أفسس عام 431م. آباء الكنيسة(2): والمصدر الأساسي الآخر الذي ساهم في تزويدنا بمعرفة الإيمان الأرثوذكسي هو آباء الكنيسة البارزون الذين كتبوا ووعظوا على موضوعات الإيمان، وقد قبلت المجامع المسكونية كتاباتهم كتعاليم قانونية. وهؤلاء الآباء المشهورون هم: - القديس أثناسيوس الرسولي (295-373م). - القديس باسيليوس الكبير (330-379م). - القديس غريغوريوس اللاهوتي المُلقَّب أحياناً بالنزينزي (329-390م). - القديس كيرلس الكبير (381-444م). وذلك بسبب كتاباتهم التي تحوي شرحاً وافياً للإيمان المسيحي، وما يتفرع عنه من التعليم عن الحياة الروحانية الميستيكية الأرثوذكسية. إن كتابات هؤلاء الآباء الأربعة بالذات تحمل خاتم التصديق القانوني. ولكن بخلاف هؤلاء الآباء، فهناك كوكبة من الآباء الآخرين اعتُبـِرَت بعض كتاباتهم بمثابة قوانين تتناول شئون النظام والطقس في الكنيسة، والبعض الآخر شملت كتاباتهم موضوعات مختلفة من التعليم العقيدي والحياة الروحانية وشروحات وتفاسير الكتاب المقدس. ولكن المذكورة أسماؤهم هنا هم المصادر الرئيسية والمرجع لشرح الإيمان المسيحي. الأهمية المعاصرة لمصادر التعليم الأرثوذكسي: إن قانون الإيمان (النيقاوي - القسطنطيني) والتعبيرات العقائدية التي قررتها المجامع المسكونية، هي المصادر الأولى والمميَّزة لإيمان الكنيسة الأرثوذكسية. وقد اعتمدتها وصدَّقت عليها المجامع اللاحقة (المسكونية والمكانية)، وهي غير قابلة للتغيير لا في الشكل ولا في الجوهر. أما المصادر الأخرى، وهي قرارات المجامع المكانية أو التي عُقدت بعد القرن الخامس (لدى البيزنطيين)(3)، فهي ذات أهمية في المرتبة الثانية، لكنها ذات أهمية جداً في تتبُّع الامتداد التاريخي لتعليم الكنيسة الأرثوذكسية، وهي تكون معتمَدة على قدر عدم تعارُضها مع قوانين المجامع المسكونية (التي انعقدت قبل الانشقاق). لذلك، فعلى المؤمن المسيحي في الكنيسة الأرثوذكسية أن يدرس بعمق المصادر الرئيسية، كما ويقرأ أيضاً المصادر الثانية الأخرى. وأهمية التفريق بين المصادر الرئيسية وتلك الثانية هام جداً؛ لأن الأولى قامت في حياة وتعليم الكنيسة الواحدة قبل الانقسام في القرن الخامس، وقد تبنَّتها الكنائس كلها وأعطت لها قدرها من الاحترام. ولأن التقليد المقدس يتساوى في شرعيته مع الإنجيل، فإن التمييز بين المصادر أساسي، لأن التقليد مؤسَّسٌ على المصادر الرئيسية. والكنيسة تتخذ قراراتها وتُفسِّر الإنجيل وتستبعد - بناءً على هذه المصادر الرئيسية - أي سوء فهم ممكن حدوثه من الأفراد. ويُعلِّمنا القديس بطرس الرسول: + «عالمين هذا أولاً أن كل نبوَّة الكتاب ليست من تفسيرٍ خاص، لأنه لم تأتِ نبوَّة قط بمشيئة إنسان؛ بل تكلَّم أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط 1: 20و21). ولأن الكنيسة الأرثوذكسية لا تؤمن ولا تتبنَّى فكرة كتابة ”كاتشيزم“ (أي تسجيل رسمي محدَّد قاطع للتعليم) يحوي التعليم الكنسي عن الإيمان (لأن هذا يتنافى مع روح وتعليم آباء الكنيسة، أنَّ حقائق الأسرار الإلهية من الصعب التعبير عنها بطريقة قاطعة باللغة البشرية)؛ لذلك فإن عمل العالِم أو الكاتب اللاهوتي في منتهى الأهمية، حيث يجمع بين حرية الروح مع سلطان التعليم يداً في يد، ليُعبِّر بطريقة جديدة عن نفس الحقائق غير المتغيِّرة المختصة بالإيمان بالمسيح. ولكن ظهر على مدى الأجيال - منذ عصر الرسل - أفراد كانوا ذوي معرفة محدودة بالحقائق اللاهوتية وغير محيطين جيداً بالمصادر الأساسية للتعليم، فأفرزوا تعاليم وأقوالاً غير صحيحة عن الإيمان. ويُحذِّرنا القديس بطرس الرسول من التفسيرات الشخصية للإيمان بقوله: + «كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها مُتكلِّماً فيها عن هذه الأمور، التي فيها أشياء عسرة الفهم يُحرِّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب لهلاك أنفسهم» (2بط 3: 15و16). (وهو يقصد بـ ”غير العلماء وغير الثابتين“ بعض المسيحيين من أصل يهودي، وبعض اليهود الذين ناقضوا القديس بولس واتهموه بأنه يُهاجم الناموس ويلغيه، وأنه يدعو للانحلال الأخلاقي بسبب تعليمه عن برِّ الله بالإيمان بالمسيح بديلاً عن برِّ الإنسان بالناموس). والمؤمن المسيحي الأرثوذكسي الذي نال بركة أن يكون عضواً في كنيسة الله الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية والتي حفظت كمال الإيمان المسيحي بلا نقصان؛ عليه أن يعرف ويفهم تعليم وتفسير الكنيسة لتعاليم المسيح كما علَّمت به الكنيسة، من خلال تقليدها المقدس. ولننصت أخيراً إلى تعليم القديس بطرس الرسول: + «... مستعدين دائماً لمجاوبة كل مَنْ يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف» (1بط 3: 15).
(1) ولكن في القرن العشرين، وبعد اجتماعات عدة بين علماء الكنائس الشرقية اللاهوتية بشقَّيها (الشرقية القديمة والبيزنطية)، سُوِّيـَت هذه الخلافات حيث اعتُبـِرَت أنها لفظية ولا تمس جوهر الإيمان، ولم يبقَ إلاَّ خطوات رسمية أخيرة لاستعادة الوحدة الكاملة. (2) يستطيع القارئ الذي يتصفح الإنترنت أن يطلب الموقع الذي يحوي كافة كتابات آباء الكنيسة المنشورة في المجموعة المعروفة اختصاراً Ante N.F. & N. P. N. Fathers على هذا العنوان: www.ccel.org/fathers2/. (3) وعددها أربعة مجامع مُعتبرة مسكونية لدى هذه الكنائس، وبهذا تكون الكنيسة الشرقية البيزنطية تعترف بسبعة مجامع مسكونية. |