سفر التثنية
سفر توصيات موسى الوداعية لبني إسرائيل
- 71 -



ثالثاً: الحديث الثالث :
ما سيفعله الله لإسرائيل
(27: 1-34: 12)
5. نهاية حياة موسى ودفنه

(تابع) الأصحاح الرابع والثلاثون

صعود موسى إلى جبل نَبُو:
يسرد هذا الأصحاح عن نهاية حياة موسى وموته ودفنه، بعد أن أكمل رسالته واطمأنَّ إلى مَن يتسلَّم مسئولية قيادة الشعب من بعده، فقد كان مثالاً للراعي الأمين إلى الموت على رعيته. لذلك، فإنه عندما أنبأه الرب عن قُرْب انتقاله من هذا العالم، لم يتوسَّل إلى الرب أن يُطيل من عمره؛ بل طلب من الرب أن «يُوَكِّل إلهُ أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويُخرجهم ويُدخِلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها» (عد 23: 17،16). فحدَّد له الرب حينذاك يشوع بن نون ليخلفه في رعاية الشعب.

أما الآن، ففي هذا الأصحاح الأخير من سفر التثنية، يُحدِّثنا الكتاب عن الأيام الأخيرة في حياة موسى على الأرض. هذا النبي العظيم الذي «لم يَقُم بعدُ نبيٌّ في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الربُّ وجهاً لوجه، في جميع الآيات والعجائب التي أرسله الربُّ ليعملها في أرض مصر بفرعون وبجميع عبيده وكل أرضه. وفي كل اليد الشديدة وكل المخاوف العظيمة التي صنعها موسى أمام أعين جميع إسرائيل» (34: 10-12). فهذه هي آخر حلقة من حلقات حياة هذا النبي العظيم كليم الله. لذلك، فإنه يُرجِّح علماء الكتاب أنَّ الذي كتب هذا الأصحاح هو يشوع بن نون، ولكنه أُلحق بسفر التثنية لكي يكون الخاتمة المناسبة لحياة موسى. ويبدأ هذا الأصحاح هكذا:

+ «وصَعِدَ موسى من عربات موآب إلى جبل نَبُو إلى رأس الفِسْجَة الذي قُبالة أريحا، فأراه الربُّ جميعَ الأرض من جلعاد إلى دان. وجميع نفتالي وأرض أفرايم ومنسَّى وجميع أرض يهوذا إلى البحر الغربي والجنوب والدائرة بُقعة أريحا مدينة النخل إلى صوغر. وقال له الربُّ: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً: لنسلك أُعطيها. قد أريتُك إيَّاها بعينيك، ولكنك إلى هناك لا تَعبُر. فمات هناك موسى عبدُ الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودَفَنَه في الجِواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسانٌ قبره إلى هذا اليوم» (34: 1-6).

كان موسى وكل شعب إسرائيل ما زالوا في عربات (سهول = plains) موآب شرقي الأردن قبالة أريحا التي تقع غرب نهر الأردن. أما جبل نبو الذي صعد إليه موسى، فقد ورد ذِكْره في مواضع كثيرة من قبل، منها (عد 33: 47؛ تث 32: 49)؛ ومعروف أيضاً باسم ”جبل رنبا“، ومعناه: مُنبئ أو مُخبر للأنباء. وهو يرتفع عن سطح البحر بحوالي 2600 قدم، وهو أحد سلسلة جبال عباريم، وأعلى رؤوسه هو رأس الفِسجة. وكلمة ”الفِسجة“ كلمة عبرية معناها: ”قِسْم“ أو ”جزء“، وكانت تقع في الطرف الشمالي الشرقي من البحر الميت. وبسبب ارتفاعها، كان يمكن للناظر منها أن يرى معظم الأراضي شرقي الأردن وأرض كنعان. ومنها أَطلع الربُّ موسى على كل أرض الموعد؛ كما ذُكِرَ:

أولاً: من جلعاد إلى دان: وهي المنطقة التي امتلكوها شرقي الأردن، وجلعاد هي التي أخذها سبط رأوبين وسبط جاد ونصف سبط منسَّى (تث 3: 13،12؛ يش 13: 25). أما دان فهي المنطقة التي استولى عليها سبط دان في أقصى شمال البلاد، ودُعِيَت على اسم أبيهم ”دان“، وكان اسمها القديم: ”لايش“ (قض 18).

ثانياً: جميع نفتالي وأفرايم ومنسَّى وجميع أرض يهوذا إلى البحر الغربي: وجميع هذا الجزء يقع غربي الأردن، ويمتدُّ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب؛ ويشتمل على: أ – نصيب سبط نفتالي مقابل المنطقة التي أخذها دان في الشمال؛ ب – أرض أفرايم: وتقابل نصيب جاد الذي أخذه شرقي الأردن، ويمتدُّ نصيب أفرايم في الجزء الغربي؛ ج – ومنسَّى: وهو القِسْم الذي أخذه نصف سبط منسَّى الثاني غربي الأردن، وهو امتدادٌ لنصيبه الذي أخذ نصفه الآخر شرقي الأردن؛ د – وجميع أرض يهوذا: وقد وقع نصيبه وسط وجنوبي أرض كنعان، الذي امتد من البحر الميت شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً؛ هـ - إلى البحر الغربي: وقد أخذت بعض الأسباط نصيبها على ساحل البحر الغربي، الذي هو البحر المتوسط والمدعو أيضاً البحر الكبير؛ ومِن هذه الأسباط: أشير ويهوذا وشمعون، ومنسَّى الغربي.

ثالثاً: والجنوب والدائرة بقعة أريحا مدينة النخل إلى صوغر: الجنوب هي الأراضي الواقعة جنوب أرض كنعان، وهي التي يُطلَق عليها بالعبرية ”نِجِب = Negeb“، والمعروفة حالياً بصحراء النقب، ومعناها: ”الجاف“ لأنها تُمثِّل المراعي النادرة الأمطار جنوبي حبرون بقليل. وهي تقع جنوب أرض يهوذا. أما الدائرة فهي تُشير إلى منطقة سهل الأردن، وهي التي سكنها لوط قديماً وكانت في غاية الخصب (تك 13: 10)، ولكنها الآن جافة وتقع شمال البحر الميت مباشرة. أما ما يُشير إليه الوحي بقوله: «الدائرة بُقعة أريحا مدينة النخل»، فهي منطقة أريحا الواقعة غرب الأردن بنحو خمسة أميال، وموقعها الآن ”تل السلطان“. وأريحا كانت من أشهر المدن وأقواها قديماً (انظر يش 6). وكان يكثر بجوارها النخيل. وأخيراً انتهت الرؤية إلى صوغر، وهي البلدة التي سكنها لوط بعد خروجه من سدوم وعمورة (تك 13: 14،2،1؛ 19: 30).

+ ولما أكمل الرب إطلاع موسى على كل أرض الموعد من فوق جبل نبو: «قال له الربُّ: هذه هي الأرض التي أقسمتُ لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً: لنسلك أُعطيها، قد أريتك إيَّاها بعينيك، ولكنك إلى هناك لا تَعبُر»: فإن كان الرب قد حَكَم على موسى بحرمانه من عبور الأردن ودخول أرض كنعان، لأنه زلف بلسانه ولم يؤمن بقدرة الرب على إخراج ماءٍ من الصخرة بمجرد كلمةٍ منه حسب أََمْر الرب له (انظر عد 20: 6-13)؛ إلاَّ أنَّ الله بمحبته لموسى وتقديره له، لم يَضِنَّ عليه برؤية الأرض كلها من على الجبل قبل موته، لكي تكون رؤيته لها تعزيةً له، فيموت قرير العين ومُطمئن القلب على مصير الشعب والنعمة التي حَظِيَ بها. وفي هذا يقول العلاَّمة باولينوس أُروسيوس Paulinos Orosius: ”غُفِرَ لموسى قبل موته مباشرةً. هذا الرجل (العظيم) الذي كان بسبب هذا الذنب، قد أُمِرَ بأن يموت دون أن يدخل أرض الميعاد“(1).

+ «فمات هناك موسى عبدُ الرب في أرض موآب حسب قول الرب»: وهكذا مات موسى عبد الرب الأمين ورئيس الأنبياء بعد أن أكمل سعيه وأتمَّ رسالته واطمأن على رعيته، وكان موته في أرض موآب في الموضع الذي حدَّده الرب حسب قوله.

+ «ودَفَنَه في الجِواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسانٌ قبره إلى هذا اليوم»: ورغم أنَّ الله دفنه بنفسه أو بواسطة ملائكته، تكريماً له أعظم تكريم، ودفنه في موضع مُحدَّد، ”في الجواء“ أي في سهل موآب فوق جبل نبو، مقابل بيت فغور، المكان الذي كان مُخصَّصاً لعبادة بعل فغور إله الموآبيين والمديانيين، وهو نفس المكان الذي وقف فيه بلعام ليلعن شعب الله بناءً على طلب بالاق ملك موآب (عد 23: 28)، والذي فيه أيضاً سقط الشعب في خطية النجاسة مع المديانيات والموآبيات، مما جلب عليهم غضب الرب (عد 25)؛ إلاَّ أنَّ دفن موسى مقابل هذا المكان كان تحدِّياً لتلك الآلهة الكاذبة وعبادتهم الباطلة.

+ كما أنَّ اهتمام الرب بدفن موسى بنفسه أو بواسطة ملائكته، يُبرهن على إكرام الرب لقدِّيسيه واهتمامه بأجسادهم بعد موتهم، كقول المزمور: «عزيزٌ في عينَي الرب موت أتقيائه» (مز 116: 15). والمؤمنون في كل العصور يُكرمون أجساد القدِّيسين تكريماً للرب الذي خدموه، ويُخلِّدون ذِكْراهم للبركة، كقول الكتاب أيضاً: «ذِكْر الصدِّيق للبركة» (أم 10: 7)، وأيضاً قوله: «الصدِّيق لذِكْرٍ أبدي» (مز 112: 6).

+ أمَّا قوله: «ولم يعرف إنسانٌ قبره إلى هذا اليوم»، فيُعلِّق على ذلك القديس أفراهات (270-350م) قائلاً: ”فائدتان تَقوِيَّتان حقَّقهما الرب لموسى في كونه جعل مكان قبره غير معلوم لبني إسرائيل. فلقد سُرَّ الله أن يجعله غير معروف لأعدائه وخصومه لئلا يطرحوا عظامه ويلقوها خارج قبره. والقصد الثاني: لئلا إذا عرفه بنو إسرائيل يجعلون من مكان قبره موضعاً للعبادة، لأنه كان مُعتَبَراً كإله في أعين بني إسرائيل“(2).

وقد جاء في رسالة يهوذا الرسول عن جسد موسى قوله: «وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس مُحاجّاً عـن جسد موسى، لم يجسُر أن يُورِدَ حُكْم افتراء، بل قال: لينتهركَ الربُّ» (يه 9). ويقول ترجوم يوناثان إنَّ الرب كلَّف رئيس الملائكة ميخائيل أن يقوم بحراسة قبر موسى النبي. أما مخاصمة رئيس الملائكة ميخائيل لإبليس، فربما تكون قد وقعت لأنَّ إبليس أراد كَشْف قبر موسى وإظهار جسده، ولكن رئيس الملائكة انتهره باسم الرب(3). إلاَّ أنَّ القديس كليمندس الإسكندري يُعلِّق على ذلك قائلاً: ”عندما خاصم رئيسُ الملائكة ميخائيل إبليسَ مُحاجّاً إيَّاه عن جسد موسى، فإنَّ ذلك يدل على افتراض رَفْع جسد موسى إلى السماء“(4). وقد أظهر الرب كرامة هذا النبي العظيم بعد دفنه بأجيالٍ كثيرة عندما ظهر بمجدٍ مع إيليا النبي متجلِّياً على جبل تابور مع الرب يسوع المسيح، ورآهم بطرس ويعقوب ويوحنا (مت 17؛ مر 9؛ لو 9).

وداع الشعب لموسى النبي:

+ «وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تَكِلَّ عينُه ولا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوماً. فكَمِلَتْ أيام بكاء مناحة موسى. ويشوع بن نون كان قد امتلأ روحَ حكمةٍ، إذ وضع موسى عليه يديه، فسَمِعَ له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الربُّ موسى. ولم يَقُمْ بعدُ نبيٌّ في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الربُّ وجهاً لوجه، في جميع الآيات والعجائب التي أرسله الربُّ ليعملها في أرض مصر بفرعون وبجميع عبيده وكل أرضه. وفي كل اليد الشديدة وكل المخاوف العظيمة التي صنعها موسى أمام أعين جميع إسرائيل» (34: 7-12).

مات موسى في سنِّ المائة والعشرين، ومع ذلك لم يضعف بصره ولا ذهبت نضارته ولا وهنت قواه. وظلَّ يُدبِّر شعبه ويرعاهم إلى يوم انتقاله. ولا عجب في ذلك، فإنَّ موسى الذي تحدَّث مع الرب في العُلَّيقة (خر 4،3)، ثم على الجبل حينما ظل معه 40 يوماً صائماً لا يأكل ولا يشرب، حينما قال الرب له: «اصعد إليَّ إلى الجبل وكُن هناك، فأُعطيك لَوْحَي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتُها لتعليمهم... ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل. وكان موسى في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة» (خر 24: 12-18)؛ ثم عندما كان موسى يدخل خيمة الاجتماع ين‍زل عمود السحاب ويقف عند باب الخيمة ويتكلَّم الرب مع موسى، «فيرى جميع الشعب عمود السحاب واقفاً عند باب الخيمة. ويقوم كل الشعب ويسجدون كل واحد في باب خيمته. ويُكلِّم الربُّ موسى وجهاً لوجه كما يُكلِّم الرجلُ صاحبَه» (خر 33: 11،10)؛ كما أنه «لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى عند نزوله من الجبل، أنَّ موسى لم يَعْلَم أنَّ جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه» (خر 34: 29)؛ فلا عجب أنه بعد كل هذه المواجهة مع الله والوجود المتواتر في حضرته، أن يحفظ الله لموسى نور عينيه ونضارة طلعته وقوة صحته. وفي هذا يقول القديس غريغوريوس النيصي: ”يُسجِّل الوحي موت موسى كأمر أكثر سموّاً من حياته. فقد مات على قمة جبل، ولم يترك خلفه أثراً ولا تذكاراً عن جهاده الأرضي في الحياة. وكانت نضارته لم تذبل بمرور الأيام، بل بَقِيَتْ بلا تغيير في الطبيعة المتغيِّرة“(5).

كما علَّق أيضاً على ذلك القديس أمبروسيوس قائلاً: ”لم نقرأ عن موسى، كما قرأنا عن آخرين، أنه مرض قبل موته، إنما قرأنا أنه مات بناءً على كلمة الله. لأن موسى لم يضعف ولا خضع لنقص أو إضافة. ومِن ثمَّ، فقد أضاف الكتاب: «ولم يعرف إنسانٌ قبره إلى هذا اليوم» (34: 6). وبذلك فعلينا أن نفهم أنه قد أُخِذَ إلى السماء من أن نعتبر أنه دُفن، لأن الموت قد يُدعَى أيضاً مُفارقة النفس للجسد. فهو قد مات، إذن، كما ذَكَرَ الكتاب حسب قول الرب (34: 5)، وليس وفقاً لقول الرب، حتى يُعرَف أنه لم يكن الأمر إعلاناً عن موته؛ بل كان أكثر مما هو في الطبيعة، هبة النعمة لواحدٍ قد نُقِلَ إلى مرتبة أسمى من كونه تُرك (على الأرض). ولذا فإنَّ قبره لم يُعرف من أحد“(6). ويقول في هذا أيضاً القديس بَوْلينوس (سيناتور روماني: 355-431م): ”كرَّم الرب واحداً فقط من أحبَّائه بأن يُدفَن في موضع سرِّي. لأنه جيِّدٌ حقّاً هو هذا التمييز العظيم الذي يليق بذلك الجسد الذي كان يلمع بضياء من كثرة حضوره اللصيق وحديثه مع الله. وهكذا لما أكمل موسى سعيه كإنسان، استحقَّ أن يُطوَّب بأن يكون الله هو الشاهد الوحيد على مكان قبره“(7).

وقد بكى شعب إسرائيل على فراق موسى ثلاثين يوماً، كما فعلوا ذلك عند موت هارون رئيس الكهنة وأخي موسى (عد 20: 29). ويبدو أنها كانت تقليداً وعُرفاً لدى اليهود أن ينوحوا على موتاهم مدة ثلاثين يوماً، كتعبيرٍ عن منتهى حبِّهم وتقديرهم واعترافهم بفضل هذين النبيَّيْن اللذين قاداهم إلى معرفة الله الذي خلَّصهم من عبودية المصريين، وسارا بهم ليرثوا أرض الميعاد، الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. أمَّا المصريون فقد بكوا على يعقوب عند موته سبعين يوماً (تك 50: 3)!

(يتبع)

(1) Defense Against the Pelagians 28 (FC 99: 154-55).
(2) Demonstration 8.9; NPNF, 2nd Ser., 13: 378.
(3) جاء ذلك في كتاب من كتب الأبوكريفا: ”Assumption of Moses“.
(4) Fragments from Cossiodoros II, Comments on the epistle of Jude; ANF, Vol. II, p. 573.
(5) Inscriptions of the Psalms 1.56 (CNTIP 102-3).
(6) Cain & Abel 1.2.8 (FC 42: 364).
(7) Poem 15.213 (ACW 40: 90).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis