+ «ونحن أمـواتٌ بـالخطايا أحيانـا مـع المسيح... وأقامنا معه.» (أف 5:2و6) nvUvn في ليلة عيد القيامة: يجتمع المؤمنون معاً في ليلة أعظم الأعياد ليُشاركوا في مجد قيامة المسيح. لقد عَبَرَ موسم التوبة والحزن (الصوم الكبير وأسبوع الآلام)، وفي هذه الليلة نأتي بفرح ويملأ قلوبنا رجاء مقدس وثقة. فنتيقظ وننتظر لنرى ”رجل الأحزان“ وقد تحوَّل إلى ظافر يدعونا أن نكون مُشاركين في نصرته. وتتصف ألحان العيد بنغمات الفرح، وتطيل الكنيسة من إيقاع ألحانها لتتأمل وتكرِّم فاديها الذي أكمل اليوم خلاصها، وهو ما يُعبِّر عنه القديس أوغسطين بقوله: [إننا نطيل ألحاننا في هذه الليلة لأن الذي نكرِّمه بألحاننا سيمنحنا أن نملك معه في حياة أبدية.](*) في هذه الليلة نحقِّق معموديتنا، لأنه كما أن المسيح مات ليقوم ومعه حياة جديدة؛ فنحن أيضاً قد متنا معه في المعمودية وأُقمنا في جدَّة الحياة. وهذه الممارسة قد أُعطيت لنا عندما تعمَّدنا، كبذرة علينا أن نتعهَّدها لكي تمتد وتنمو على مدى الحياة! إن عبورنا (أي فصحنا) من حالتنا العتيقة إلى حياة جديدة، وطرحنا لصورتنا الدنيوية لنستبدلها بشخصية روحانية سماوية فائقة، إنما هو موت وقيامة! في قداس عيد القيامة نجتمع معاً حول المذبح كما اجتمعت النسوة القدِّيسات عند القبر، فنتعلَّم كما تعلَّمن من الملاك كيف نتصرف في أقدس ليلة في السنة، فلا نعود نطلب الحيّ بين الأموات، ومن القبر الفارغ ــ الذي يشير إليه المذبح ــ نأخذ مسيحنا القائم لتقوم الأعضاء مع رأس الجسد! اليوم نضيء شموع الفصح، رمز النور الحقيقي، في موكب دورة القيامة، فهو موكب المفديين الذي بدورانه في الكنيسة كلها يشير إلى تبشير المفديين للمسكونة كلها بقيامة الرب التي صار لكل مَن يؤمن نصيبٌ فيها! وألحان دورة القيامة تسبِّح النور العظيم الذي صار مُضيئاً في قلوب المؤمنين، لأنه إن كانت الخطية تختبئ في الظلمة والتشويش؛ فالحياة صارت الآن تُبهج بنورها الذين قادتهم في موكب النصرة: «شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين» (2كو 14:2). كما أننا ندرك التغيير الرائع: فنحن نسير من ظلمة الموت إلى بهاء نور الحياة، لأن المخلِّص أعدَّ أرضنا الجديدة وأعطانا عليها موطئاً أكيداً لأقدامنا! المسيحيون الأوائل شهدوا لقيامة الرب بواسطة الفرح المجيد الذي ملأ حياتهم. وقد سَرَى فرحهم فينا كالعدوى إذ أعطوا لنا مثالاً لروح الفرح الذي يجب أن نعود ونعطيه لعالمنا الممتلئ بالوحل والتشويش. إن الاحتفال، بل بالحري الفرح والبهجة، بعيد قيامة المسيح، يُشاركنا وينضم إلينا فيه حتى القوات السماوية. فالملائكة ورؤساؤهم والقديسون بأنواعهم ورُتَبـِهم يحتفلون معنا بهذه المناسبة التي كانوا قد وقفوا فيها بتيقُّظ منتظرين رجوع المسيح الرب ملك السماء المنتصر من الأرض بعد أن سبى سبياً من البشر الذين فداهم، وذلك بعد أن فرحت الأرض بهم لأنهم اغتسلوا بالدم الإلهي. نعم إنه ملأنا بالفرح في هذا اليوم لأنه بآلامه خلَّصنا، وبموته وهبنا الخلود، وبقيامته شفى جروحنا ورفعنا معه إلى المجد! ويقول القديس إغناطيوس الأنطاكي: [بمجرد أن جسَّ تلاميذه جسده وعظامه ونبضه آمنوا، ولهذا السبب ازدروا بعد ذلك بالموت؛ بل إنهم أظهروا أنهم أسمى من الموت]. وقيامة الرب كانت هي بداية عودته المنتصرة إلى الآب، ولأننا تشكَّلنا على هيئة قيامته، فمشاركتنا له فيها تعني أننا نحن أيضاً بدأنا فعلاً في العودة إلى أبينا السماوي، كما يقول القديس أوغسطين: [قام الرب ليُعطينا رجاءً أن الذي يموت سيقوم أيضاً مرةً أخرى لئلا يجعلنا الموت نيأس ويخدعنا بالظن أن حياتنا قد انتهت! ففي الحقيقة إننا نقلق على نفوسنا، ولكنه بقيامته أعطانا اليقين بأنه نزل من السماء ليشفينا، وعاد إليها ليرفعنا إليها معه]. وفي إحدى عظات القديس أوغسطين الأخرى يثبِّت إيماننا بتأكيده على وحدانية جسد المسيح السرِّي بقوله: [هو رأس الكنيسة، والكنيسة هي جسده. فالمسيح كله الذي يشمل الرأس والجسد قام من الموت. إذن، فرأسنا هي في السماء، وحيثما توجد الرأس توجد بقية الأعضاء، فلا نيأس لأننا سنتبع رأسنا]! معاني روحية للقيامة: عندما اقتربت المريمات من القبر تزلزلت الأرض: «عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت» (مت 1:28و2). وفي ذلك يقول القديس هيلاري أسقف بواتييه: [أشارت الزلزلة إلى قوة القيامة. الآن قد اهتزّ الجحيم بانزعاج، لأن شوكة الموت قد سُحِقَت، والأماكن المظلمة قد امتلأت بالنور بقيامة رب القوات]! وقد اهتم الإنجيل بذِكْر أن ملاك القيامة كان «لباسه أبيض كالثلج» (مت 3:28)، ويذكر كل من القدِّيسَيْن لوقا ويوحنا أن المريمات رأيْنَ ملاكَيْن «بثياب برَّاقة» (لو 4:24)، أو «بثياب بـِيض» (يو 12:20). وهذا يُذكِّرنا بالثياب البيضاء التي لبسناها بعد المعمودية ــ وهي أيضاً ثياب الفرح ــ مما يجعلنا نجدِّد ما تعهَّدنا به في معموديتنا بأن نتبع مخلِّصنا بكل قلوبنا وأن نموت معه لنقوم معه! جدَّدت قيامة الرب وأصلحت كل خليقته كما يقول الأب بطرس كريسولوغوس: [قد رأيتم أنه دُفن حتى لا يمكن أن يقول أحدٌ إن موته كان خيالياً. وقد جدَّد كل ما في السماء، وأصلح كل ما على الأرض، وفكَّ أَسْر الذين تحت الأرض (أي الذين في الهاوية) خلال فترة الأيام الثلاثة التي قضاها في القبر]. والقديس يوحنا ذهبي الفم يوضِّح أن النصرة ليست بالعنف والشر؛ بل باحتمال الظلم بقوله: [ذاك الذي بدا أنه مهزوم يوم صلبه، ها هو يقوم الآن بنصرة باهرة، هكذا أيضاً هو الأمر معنا. إن الذي يؤخذ إلى الاستشهاد ينتصر بتقييده وضربه وتشويه جسده وذبحه. فنحن لا نغلب أبداً بأن نؤذي الآخرين؛ بل إننا في جميع الأحوال ننتصر بتحمُّلنا للظلم، وهذا يُظهر أن النصرة الحقيقية هي من الله. إذن، فلنتبع النصرة الحقيقية التي تُكتَسَب بالآلام الظالمة ولنهرب من كل عمل شر. وبذلك فإننا نعيش هذه الحياة الحاضرة بكل سكينة، وفي نفس الوقت ننال كل خيرات الحياة العتيدة بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح]. ويُعتبر هذا العيد أعظم عيد للرجاء، وهو يوضِّح الفرق بين النور والظلمة وبين مجد السماء وعذاب الجحيم، ويقول في ذلك القديس أمفيلوخيوس (أسقف إيقونية بآسيا الصغرى: 339ــ400م): [إن كان الموت قد بدا أنه أمسك بربنا يسوع المسيح، إلاَّ أنه لم يَدُمْ قابضاً على الحياة. فبعودة الرب إلى الحياة يُعيدنا جميعاً إلى الحياة. بإرادته الحُرَّة قبض عليه الموت، ولكنه قام وترك الجحيم فارغاً. بالأمس وهو على الصليب احتجب نور الشمس حتى صار النهار ليلاً. واليوم فَقَدَ الموت قوته وبدا أن الموت ذاته تقريباً قد مات. بالأمس ناحت الأرض وفي حزنها التحفت برداء الظلمة، واليوم «الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً» (إش 2:9)]. نصرة الرب صارت لنا ومجده حُفِظَ لنا. لقد سما الرب بنا ورفعنا إليه جاذباً إيَّانا إلى نفسه، وفيه وجدنا حياتنا الجديدة. ولذلك فإننا نصيح في هذا العيد بملء الفرح: «هلليلويا، الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا» (رؤ 1:19). هذه التسبحة لن تنقطع من أفواهنا في الأبدية، ولكنها تبدأ من هنا! لقد خُلقنا لكي نسبِّحه، هذا هو فرحنا ومجدنا وقيامتنا! وعلينا أن نواصل هذه التسبحة ليس في عيد القيامة فحسب! بل لتقديس حياتنا بأكملها، وإذا زحف أي خطأ على حياتنا فلنحطِّمه على الفور بتوبة أمينة، وهكذا نقوم باستمرار من خطايانا ونستحق أن نشترك في القيامة الأبدية بأجسادنا الجديدة الممجَّدة في المسيح. قيامة الرب يمكنها أن تجدِّد كل البشر وتُعيد ولادتهم من جديد: «مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة وَلَدَنا ثانية لرجاء حي، بقيامة يسوع المسيح من الأموات» (1بط 3:1). والرب بقيامته يشحن الجميع بشرارة مجده، إذ يجتذب كلاًّ منا إلى فرح قيامته. أي أن القيامة لها فاعلية لا تنتهي، فمسيحنا يقول لنا في فجر كل عيد قيامة: «ثقوا، أنا قد غلبتُ العالم!» (يو 33:16) لقد قضينا أيام الصوم الكبير مكرِّسين أنفسنا في نسكيات الصوم، تابعين المخلِّص حتى إلى الجلجثة، ولكننا لا يمكننا أن نتوقف هناك. فالمسيح قاسى آلام الصليب كطريق للقيامة، فرجل أوجاع جمعة الصلبوت هو ملك المجد لكل الأزمنة. والمسيحي يجب أن يتألَّم، ولكن الألم هو إجازة المرور إلى المجد، بينما الفرح والمجد هما جوهر المسيحية، وفي ذلك يقول القديس أوغسطين: [الأيام المقدسة التي نحتفل فيها بعد عيد القيامة تشير إلى الحياة الآتية بعد قيامتنا. فالصوم الكبير قبل العيد يشير إلى آلام هذه الحياة المائتة، ولكن أيام الفرح التالية تشير إلى الحياة العتيدة حيث نملك مع الرب]. رمز الفصح وعبور بني إسرائيل: كان عبور بني إسرائيل من مصر إلى أرض الموعد رمزاً لعبور (أي فصح) ابن الله من هذا العالم إلى الآب ونحن فيه! إذن، فلا منفعة من احتفالنا بعيد الفصح هذا إن لم نتشبَّه بالرب الذي نعبده. وهذا يعني أنه يجب أن نعبر من مصر ــ أي من الظلمة وأعمال الشر ــ إلى نور الحياة الجديدة في المسيح، من محبة العالم إلى اشتهاء بيتنا السماوي. والعبور من موت الخطية إلى الحياة في المسيح إنما هو الخطوة الأولى للعبور من الفرح الأرضي إلى المجد الأبدي. والحياة في المسيح إنما هي بداية وجود السماء على الأرض. والقيامة تُعدُّنا للصعود إذا اقتفينا آثار خطوات مخلِّصنا. حالتنا بعد قيامتنا: ينبغي أن نؤمن أن أجسادنا سيُنعَم عليها بمجد سماوي بعد قيامتنا. هذا هو رجاؤنا المقدس في فرح الحياة العتيدة. هذا هو اليقين الذي يناله كل منا هذه الليلة، لأن مخلِّصنا قد أعدَّ لنا نصيباً في قيامته ومكاناً في ملكوته. إنه هو بكر الخليقة الجديدة التي انبثقت من قيامته، وقد تنازل وجعلنا إخوة له ومُشاركين له في تلك الحياة الجديدة. وهكذا يتقوى إيماننا ويتجدَّد رجاؤنا ومحبتنا الأخوية لأننا اتحدنا في جسد الرب الواحد القائم المنتصر. وهنا يقول القديس أمبروسيوس: [إذا لم نَقُم مرةً أخرى يكون المسيح قد مات باطلاً، بل إنه ما كان قد قام من الموت قط، لأنه يقيناً إن لم يكن قد قام لأجلنا فهو لم يَقُم لأجل أي أحد، حيث إنه لم يكن في حاجة أن يقوم لأجل نفسه وحده. لقد قام الكون كله فيه، لأنه ستوجد سماء جديدة وأرض جديدة]!
(*) كتابات الآباء مقتبسة من المرجع الرئيسي لهذا المقال وهو كتاب: Death and Resurrection, by Vincent A. Yzermans, Minnesota, USA, 1963.
|