طعام الأقوياء
- 103 -



«بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً»
(يو 15: 5)

لم يكتفِ الرب يسوع أن يقول: «أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ» (يو 15: 1)، بل أراد أن يؤكِّد على العلاقة العضويَّة بين الكرمة والأغصان، وذلك بقوله: «أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ» (يو 15: 5). وكان هدفه كله أن يُبيِّن مدى الارتباط بيننا وبينه، بعد تجسُّده واشتراكه معنا في الجسد الذي أَخَذَه من العذراء القديسة مريم، والتي حلَّ عليها الروح القدس، وظلَّلتها قوَّة العَلي. وقد بيَّن الرب شدَّة هذا الارتباط بقوله: «اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ... الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَـا فِيهِ هـذَا يَأْتِي بِثَمَـرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُـمْ بِـدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُـوا شَيْئاً» (يو 15: 5،4).

المسيح يُشدِّد هنا على أننا بدونه لا نقدر أن نفعل أي شيء. فالضرورة تُلزمنا، إن كنَّا نُريد أن نتبع المسيح، أن نُنكر ذواتنا ونتبع المسيح ونحمل الصليب ونقتدي به في كلِّ شيء؛ مُعتمدين، لا على الجهد الإنساني، والبر الذاتي، والذكاء البشري، بل على الاتِّحاد بالمسيح والثبوت فيه؛ حيث يصير المسيح نفسه هو العامل فينا وبنا أن نُريد وأن نعمل من أجل المسرَّة.

وبذلك يكون العمل هو عمل الله، ولمجده. فكلُّ عملٍ ليس مصدره الله، فهو لا يُمجِّد الله، بل يُمجِّد ذواتنا. والمسيح نفسه سبق وأعطى نفسه مثالاً للعمل الذي يكون مصدره الله، رغم أنه هو والآب واحدٌ، إذ قال: «لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ» (يو 5: 19). كما يقول بولس الرسول: «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (في 2: 13).

لذلك لم يَكُفَّ الرب عن أن يُحذِّر تلاميذه ويُحذِّرنا نحن أيضاً بقوله: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجاً كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ» (يو 15: 6). كما لم يتغافل الرب عن أن يُشجِّع تلاميذه ويُشجِّعنا على الثبات فيه، بقوله بعد ذلك: «إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ. بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي» (يو 15: 8،7).

«كما أحبَّني الآب كذلك أحببتُكم أنا.

اثْبُتُوا في محبتي» (يو 15: 9):

ولكي يؤكِّد الرب عُمق علاقته بأبيه وبتلاميذه وبنا، وعُمق علاقة الآب بالابن وبنا، قال: «كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي» (يو 15: 9). وهنا يُوضِّح المسيح مدى المحبة الأبويَّة التي أحبَّنا هو بها، فهي محبة الآب للابن. فالمسيح أحبَّنا كما أحبه أبوه الصالح: «اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ» (1يو 3: 1). لذلك حقَّ للمسيح أن يُطالبنا ويلحَّ في طلبه، أن نثبت في محبته لكي نَحظَى بمحبة الآب لنا، ونستحق أن نصير له أبناء، ونَنْعَم بالاتِّحاد به، ونؤهَّل أن نرث الحياة الأبدية.

? ويُعلِّق على ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم، قائلاً:

[أليس القديس بولس في كلِّ مناسبة يُظهِر لنا موت المسيح كأعظم دليل لحبِّه لنا؟ فيقول: «وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو 5: 8). ثم أليس بذلك يفتخر ويتسامَى ويتهلَّل وكأنه يطير من شدَّة الاشتياق، كاتباً لأهل غلاطية: «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (غل 6: 14)؟ بل إنَّ المسيح نفسه الذي احتمل هذه الآلام، يدعوها مجداً له (يو 17: 1). وحينما أراد أن يُبيِّن حبَّه لنا، فماذا ذَكَر؟ هل آياته ومُعجزاته وعجائبه! لا أبداً، بل رفع صليبه في الوسط قائلاً: «هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو 3: 16). وهكذا أيضاً يقول بولس (الرسول): «(الآب) اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رو 8: 32). وحينما يدعو (بولس الرسول) إلى المحبة، ينصب هـذا المثـال أيضاً في الوسط، قائـلاً: «اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ (”أحبُّوا بعضكم بعضاً“) كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أف 5: 2)](1).

«إن حفظتم وصاياي تثبُتُون في محبتي، كما أني أنا قد حفظتُ وصايا أبي وأثبُتُ في محبته» (يو 15: 10):

متى وكيف حفظ المسيح يسوع ابن الله، وصايا الآب؟ لقد كَشَف الله الآب عن سرِّ ذلك لبولس الرسول، ليرى شخص المسيح على حقيقته، قبل التجسُّد وبعده، كيف أنه أطاع وصايا الآب، وذلك بقوله: «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (في 2: 6-8).

هذا ما سبق وتنبَّأ عنه إشعياء النبي حوالي سنة 700 ق.م، ليُعلنه مُسبقاً، وهي الأمور التي كانت في عِلْم الابن، كما أُعطيت له من الآب منذ الأزل. وقد ذَكَرها إشعياء النبي هكذا قائلاً:

+ «لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ» (إش 53: 2).

+ «مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ» (إش 53: 3).

+ «لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إش 53: 5،4).

+ «الرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ.َ وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ... وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ» (إش 53: 6-9).

+ «أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا» (إش 53: 11،10).

? ويُعلِّق على ذلك الأب متى المسكين قائلاً:

[علاقة حِفْظ الوصية بالثبوت في محبة المسيح، هي أنَّ الثانية نتيجة حتميَّة للأُولى، أي أننا إنْ كنَّا نُريد أن نثبُت في محبة المسيح ثبوتاً مستمرّاً ودائماً لا ينقطع، فلتكن الوصية بين أعيننا، نحفظها كمُقلة العين. ولا يمكن شرح ذلك شرحاً نظريّاً، وإلاَّ نكذب، فسِرُّ المحبة كائنٌ وكامنٌ في طاعة الوصية.

كيف يكون ذلك؟ هذا يعرفه مَن يُنفِّذ الوصية. الأمر يختصُّ بخبرة عمليَّة وليس فكرة نظريَّة، لأننا بصدد ”سر المحبة“ التي تفوق العقل والمعقول. اسمعْ هذا التقرير من فم المسيح: «لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي» (يو 16: 27). فمَن ذا الذي يستطيع أن يصف محبة الآب، أو يشرح ماهيتها؟ هي سِرٌّ مُطلق داخل سرِّ محبة الابن، ومحبة الابن في متناول يدنا، لأن الوصية هي المفتاح الذهبي لهذا الكنز السمائي](2).

? كما يشرح القديس كيرلس الكبير كيف حفظ الابن وصايا الآب وثبت في محبَّته، لذلك يدعونا أن نثبُت في محبَّته بأنْ نحفظ وصاياه، متمثِّلين بابن الله الوحيد حتى نثبُت في محبة الآب، فيقول:

[ ربنا يسوع المسيح، يُقدِّم نفسه هنا كمثالٍ ونموذج لحالة الحياة المقدَّسة، وهو هنا يضع نفسه تحت الناموس، ولا ينفر من أن يكون في مستوى فقرنا، لكي يوحِّد نفسه - بحسب خطته - مع طريقة تفكيرنا. وذلك لكي يكون رمزاً لخاصَّته الذين يؤمنون به، ومُرشداً للطريق المؤدِّي إلى استعادة حالة حياة غريبة عنَّا، وهو طريق لم يسبق لنا السير فيه. والآن ينبغي أن نسأل: ما هي وصية الآب التي حفظها؟ وبأيَّة طريقة أو أيَّة كيفية يُقال إنَّ الآب أحبَّه؟ هيَّا بنا ندعو بولس الحكيم جدّاً أن يأتي لمُساعدتنا، ويُدخِلنا إلى هذا السرِّ بكلماته التي قالها عنه: «لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُـورَةَ عَبْدٍ صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَـوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ» (في 2: 7-9).

لقد سمعتم، كيف رغم أنه كان الإله الحقيقي، الذي كان في نفس صورة أبيه، فإنه وَضَعَ نفسه وأخلاها، وصار طائعاً حتى الموت. لأنه حينما أراد الله أن يُخلِّص الجنس البشري الذي فسد على الأرض، ولم يكن لائقاً أنَّ أي مخلوق يمكن أن يُتمِّم هذا العمل، فإنَّ الابن الوحيد، الذي يعرف مشيئة الآب، أَخَذَ على عاتقه هذه المهمَّة التي تفوق قُدرة أي كائن في العالم. وهكذا نزل إلى خضوعٍ إرادي، نزل حتى الموت، موت العار الفظيع. فكيف يكون الصَّلْب على صليبٍ أمراً مُكرَّماً، أليس بالحري هو لعنة؟ وحيث إنه احتمل كل هذه الأمور، فإن الله (الآب) مجَّده مجداً عالياً. لذلك، فإنَّ طاعته الإرادية حقَّقت مقاصد الآب، هذه المقاصد التي اعتبرها الابن أنها وصايا. فلأنه هو الكلمة الذي يُدرك مشورات الآب، ويفحص الأفكار السرِّيَّة التي لذاك الذي ولده، بل بالحري إذ هو نفسه حكمة الآب وقوَّته؛ فإنه يُتمِّم خطَّته، حاسباً إيَّاها كوصيَّة. وهكذا يُسمِّيها وصية بحسب التشبيه البشري.

انظروا مقدار محبة الله. فالرسول (بولس) يقول إنَّ الله قد مجَّده مجداً عالياً. إنه يُرفِّع ويُمجِّد ذاك الذي هو مرتفعٌ ومُمجَّدٌ أصلاً، فهو بالطبيعة إلهٌ حقيقي، إذ أنه ليس مثل أي واحدٍ من المخلوقات؛ بل هو من جوهر الآب ذاته. ولهذا فهو يعلو فوق كلِّ علوٍّ بالحقيقة، بل هو ”ربُّ المجد“ حسب الكُتُب المقدَّسة (1كو 2: 8). لكن ما يقوله الرسول (بولس): إنه يُرَفَّع ويُمجَّد، هو حقٌّ.

إذن، كيف أو متى وبأيِّ طريقةٍ حدث هذا؟ هذا قد حدث حينما صار في صورة عبد، ومُماثِلاً لوضاعتنا، أي صار إنساناً مثلنا؛ لأنه يعود إلى الآب لابساً جسدنا، لكي يُمجَّد مجداً عالياً، ويُرفَّع مع الآب بهذا الجسد. فقد أحبَّه الآب، وذلك ليس للمرّة الأولى - فهو محبوبٌ منه أزليّاً - أمَّا الآن، فالآب يحبُّه حينما تمَّم خضوعه الإرادي في الجسد. فالمسيح، بحسب إنسانيته، لم يكن مُمجَّداً وعالياً بذات المجد والعلو الذي لطبيعته الإلهيَّة، ولذلك يُقال إنه مُجِّدَ ورُفِّعَ حينما صار إنساناً. فلأنه محبوبٌ دائماً منذ البداية من الآب، لذلك يُقال إنَّ الآب يحبُّه حينما لَبِسَ الجسد](3).

لذلك يقول الرب يسوع: «كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي» (يو 15: 9). فهو يُطالبنا أن نحفظ وصاياه، كما حفظ هو وصايا أبيه وثبت في محبَّته. أي أن نجعل كل اهتمامنا أن نحبه بحِفظنا وصاياه، كما أوصى هو تلاميذه قائلاً: «اَلَّذِي عِنْدُه وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي... إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يو 14: 23،21).

(يتبع)

(1) St. John Chrysostom, Homily on Divine Providence 17: 1-7. (2) ”شرح إنجيل القديس يوحنا“، الجزء الثاني، الطبعة الأولى: 1990، ص 917 (يو 15: 10). (3) ”شرح إنجيل يوحنا“، المجلَّد الثاني، (يو 15: 4)، ص 279-281 (مؤسَّسة القديس أنطونيوس).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis