بحث تاريخي |
|
|
ملخص البحث
مقدمة:
- المسيح وعد بقيامة المؤمنين به.
- تلاميذ المسيح كتبوا وسجَّلوا شهادتهم عن رؤية المسيح بعد قيامته.
- المسيح يتنبَّأ عن نفسه بموته ثم بقيامته.
- كيف مات المسيح؟
- أمرٌ ما قد حدث.
أربعة شكوك حول موت وقيامة المسيح،
ثم الاختيار الخامس هو الحقيقة أن القيامة حدثت بالفعل:
1. حقيقة موت المسيح.
2. معضلة القبر الفارغ:
- كيف يظهر أولاً لنسوة؟
- إصرار على الإنكار حتى النهاية.
3. هل الكلام عن القيامة هذيان أو هلوسة؟
4. هل كان حدث القيامة أسطورة؟
5. النهاية المفاجئة: المسيح قام، حقّاً قام.
خاتمة: قيامة المسيح فعلان:
زمني تاريخي، واختباري تحت الآلام والضيقات في هذا الدهر.
المسيح وعد بقيامة المؤمنين به:
لقد علًَّمنا المسيح – له المجد – أنَّ حياتنا لا تنتهي بموت أجسادنا، وأوضح ذلك بإعلان مُذهل: «أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل مَن كان حيّاً وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد» (يو 11: 26،25). وبعد ذلك وفي الحال، أقام ميتاً إلى الحياة الذي هو ”لعازر“. وهكذا تحقَّق الشطر الأول من هذا الإعلان: «ولـو مات فسيحيا»، حيث أقام إنساناً قد مات.
لقد أوضح الرب يسوع قدرته على إبطال الموت، وذلك حسب شهادة القريبين منه الذين رأوا معجزات إقامته للأموات، ثم رأوا عياناً قيامته هو من الموت بعد ما صُلِبَ ودُفن لمدة 3 أيام. وهكذا حقَّق المسيح في نفسه أن يكون أول القائمين من الموت، لأنه صار – بحسب تعبير القديس بولس - ”باكورة“ أو ”بكر“ الراقدين و”أول“ القائمين من بين الأموات بالنسبة لكل الأحياء المؤمنين بالمسيح: «وكل مَن كان حيّاً وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد»، حسب الشطر الثاني من إعلان القيامة من بين الأموات.
+ لكن بعض الناس ليس عندهم هذا الرجاء في الحياة بعد الموت. فالفيلسوف الوجودي (الملحد) برتراند راسل Bertrand Russel، كتب: ”أنا أعتقد بأني عندما أموت سوف أتحلَّل، ثم لن يبقى مني أيُّ أثرٍ حيٍّ“. فلم يكن راسل يؤمن بكلمات الرب يسوع.
تلاميذ المسيح كتبوا وسجَّلوا شهادتهم
عن رؤية المسيح بعد قيامته:
+ إن تلاميذ الرب يسوع كتبوا وسجَّلوا شهادتهم بأن المسيح – بعد صلبه ودفنه – ظهر لهم حيّاً، وأعلنوا أنهم ليس فقط رأوه، بل وأكلوا وشربوا معه، ولمسوه، وقضَوْا معه أربعين يوماً قبل صعوده وانطلاقه إلى السماء.
+ والآن، هل يا تُرى تكون هذه القيامة وببساطة – كما يتشكك فيها البعض – مجرد قصة تناقلها الزمن، أم أنها تأسَّست على حقيقة ثابتة ولها براهينها؟ الإجابة على هذا السؤال هو أساسي في المسيحية، لأن قيامة المسيح تُصادِق رسمياً وتُعلن شرعية وصدق كل ما قاله الرب يسوع عن نفسه وعن الخلاص الذي أتى من أجل إتمامه. يقول الأب متى المسكين عن هذا: ”إن سرَّ القيامة هو مركز الإيمان المسيحي كله“(1)، ”وهي الباب الوحيد والمفتاح السرِّي الذي ندخل به إلى كافة أسرار المسيح، وبالأخص سرَّي التجسُّد والفداء، ثم سرُّ مجيئه الثاني للدينونة“(2).
+ كثيرون من المتشكِّكين اجتهدوا أن يدحضوا القيامة. ونحن نعرض لبعض هذه الحالات لأنها تظهر كثيراً في الغرب، ولكن وسائل الإعلام تنقلها إلى بلادنا وتنشرها وسط المؤمنين بالمسيح عندنا. لذلك نعرض لها، لأنهم يعتمدون على عقولهم فقط، فكيف لا يشكُّون وهم غير متسلحين بالإيمان. لكن مقابل هؤلاء ينقل الأب متى المسكين شهادة أحد النقاد: ”إنه لو جمعنا كل النقد الذي اعترض به العلماء على حَدَث القيامة الذي استخلصوه من روايات الإنجيل الأربع تاريخياً، لحصلنا على نتيجة حتمية، وهي أن القيامة حَدَثٌ حقيقيٌّ تمَّ بالفعل!“(3). وهذا ما سنسرد له مثلاً في الصفحات التالية، وهي قصة ناقد بدأ يكتب كتاباً يدحض به القيامة، وفي النهاية ألقى الكتاب جانباً، وكتب كتاباً جديداً يُثبت فيه حقيقة القيامة.
المسيح يتنبَّأ عن نفسه بموته ثم بقيامته:
لقد أتى المسيح بما لم يأتِه أيٌّ من مؤسِّسي الأديان كلهم، ولا من أيِّ حاكم سياسي أو رائد من روَّاد الفكر والفلسفة. فقد أخبر الرب يسوع تلاميذه قبل موته، بأنه سيُقبض عليه ويُصلَب، ولكنه وعدهم بأنه سوف يعود حيّاً بعد ثلاثة أيام. هذه مسألة غريبة! وماذا سيكون وراءها. لقد وعدهم بأن موته وقيامته سوف يُثبتان للناس – إن انفتحت عقولهم وقلوبهم لنعمة الله – أنه بالحقيقة هو ”المسيَّا“ الذي ينتظره اليهود. وبمعنى آخر، فمِن حيث إن الرب يسوع قد أخبر تلاميذه بوضوح بأنه سيقوم من الموت، فلو كان قد أخفق في تحقيق وعده، فماذا كان سيكون مصير تعاليمه ومبادئه ووعوده التي وعد بها كل مَن يؤمن به، إلاَّ أن تتبدَّد ولا يكون لها إلاَّ أثر من بعد عين!
كيف مات المسيح؟
الجميع (الذين يقرأون الإنجيل) يعلمون أن ساعات الرب يسوع الأخيرة على الأرض كانت مُحزنة ومروِّعة. والذين شاهدوا فيلم ”ميل جيبسون“ عن ”آلام المسيح“، الذي عُرض في مصر منذ سنوات، أغمضوا عيونهم مراراً أو رُوِّعوا من بعض مناظر الآلام.
+ وكما أنبأ الرب يسوع تلاميذه أنه سيُسلَّم بيد واحد من تلاميذه، فقد تحقَّق ذلك على يد يهوذا الإسخريوطي. وقد اتُّهم المسيح بالخيانة العظمى للدولة الرومانية، في محاكمة زائفة، بإيعاز من رؤساء الكهنة الذين اتهموه حسب الناموس بأنه ”مُجدِّف“ و”فاعل إثم“. ولما لم يجد الحاكم الروماني أية علَّة شرعية قانونية حسب القانون الروماني تُبيح له الحُكْم على المسيح بالموت، تركه في يد الذين أسلموه حسداً ليحكموا عليه بحسب ناموسهم. وهكذا حُكِمَ عليه بالموت على صليب خشبي. وقبل أن تُسمَّر يداه ورجلاه بالمسامير، ضُرب بسَوْط روماني مزوَّد بقطع من العظام والمعدن ما مزَّق لحمه، ثم لكموه مراراً، وضُرب على رأسه، ثم بصقوا في وجهه، ولطموه على خدَّيه. ثم استخدم الجلاَّدون الرومان المطرقة لدقِّ المسامير الحديدية الصلبة في يديِّ وقدميِّ يسوع. وفي النهاية، ثبَّتوا الصليب في حفرة عميقة في الأرض، بين صليبين آخرين يحملان لصَّين مُجرمين.
وهكذا ظل يسوع مُعلَّقاً ست ساعات على الصليب. ففي الساعة الثالثة بعد الظهر – وكان ذلك هو نفس الوقت الذي سيُذبح فيه خروف الفصح في هذا اليوم من السنة، والذي كان هو عيد الفصح عند اليهود، ليكون كفَّارة عن الخطية، حسب ناموس موسى، وهكذا صار هذا الخروف رمزاً للحقيقة المُعلَنة والمُعلَّقة في نفس الوقت على خشبة الصليب. وفي هذه الساعة صرخ يسوع باللغة الأرامية: ”قد أُكمِل“، أُكمل الرمزُ بالحقيقة، أي أُكمل العمل الخلاصي بالموت على الصليب، ثم نكَّس يسوع رأسه ومات. وفجأة، أَظْلَمَت السماء، وحدث زلزال مُريع على الأرض.
+ ولما أراد بيلاطس أن يتأكَّد من موت يسوع قبل إنزاله من على الصليب لدفنه، أرسل واحداً من الحُرَّاس الرومان ليطعن الرب يسوع بالحربة في جنبه، ففاض منه دم وماء، علامة على أنه مات.
+ ولما تأكَّد الوالي الروماني من موته، أَمَرَ بإنزاله من على الصليب. وكان هذا إجراءً رومانياً حتمياً لمنع حدوث أي لَبْس في موت المسيح.
+ وأُخِذ جسد يسوع من على الصليب، ودُفِنَ في قبر يوسف الرامي. ولكي يُبدِّد رؤساء الكهنة اليهود خوفهم لئلا يسرق تلاميذ الرب يسوع جسده، أَمر بيلاطس الحاكم الروماني حُرَّاسه بوضع حجر ضخم يبلغ وزنه اثنين من الأطنان على قبره، وأن تتناوب على حراسته نوبات من الحُرَّاس الرومان الأشدَّاء على مدى 24 ساعة.
+ كل هذا والتلاميذ كانوا في ذهول.
+ يذكر الإنجيل، ويشرح الشُّرَّاح، كيف تحطَّمت نفوس التلاميذ، واختلطت عليهم الأمور بعد موت الرب يسوع على الصليب. فالآن، ما عادوا يثقون أن يسوع مُرسل من الله، لأنهم كانوا قد تعلَّموا من الناموس أن الله لن يترك مسيحه يرى موتاً؛ فلهذا تشكَّكوا في رسالة يسوع التي كانت، ولكنها الآن توقفت.
أمرٌ ما قد حدث:
لكن لم تكن هذه هي النهاية. فحركة يسوع لم تخفت، وها هي المسيحية كائنة تكرز بالمسيح الحيِّ من أقاصي المسكونة إلى أدناها. وعلينا أن نعرف ما الذي حدث للرب يسوع بعد إنزاله من على الصليب ووضعه في القبر.
يقول الأب متى المسكين شارحاً ما حدث بهذه الكلمات: ”إن خبر قيامة الرب يسوع من بين الأموات حَدَثٌ هائل جديد كل الجدَّة، دوَّى في أورشليم كلها وفي الجليل وكل فلسطين. فالقيامة... كانت حَدَثاً مُفاجئاً كل المفاجأة على العقلية اليهودية لم يكن قد مُهِّد له بالتعليم؛ بل صار الحَدَث واقعاً ظهر في أُفق الأوساط الدينية، فأحدث ارتباكاً وانزعاجاً شديدين، أمرٌ لم يكن متوقَّعاً في الديانة اليهودية، وكان مرفوضاً رفضاً كاملاً من الوثنية، ولكن ما العمل؟ ها هوذا يسوع المسيح حيٌّ بعد أن قام من بين الأموات!!“(4)
+ إذن، فهناك أمر خطير ومفاجئ قد حدث، وما هو بالضبط؟ هذا هو السؤال الذي نريد أن نُجيب عليه في استيضاح للحقائق.
أربعة شكوك حول موت وقيامة المسيح،
ثم الاختيار الخامس أن القيامة حدثت بالفعل:
ويضع المتشكِّكون في القيامة 4 اختيارات سلبية تُفسِّر ما حدث، أما الاختيار الخامس فهو الحقيقة واليقين كما ورد في الأناجيل. يقولون إنَّ:
1. المسيح لم يَمُت حقّاً على الصليب.
2. القيامة كانت خدعة!
3. الكلام عن القيامة كان ”هذياناً“.
4. الحَدَث هو أسطوريٌّ.
5. القيامة حدثت بالفعل.
والآن، فلنفحص هذه الاختيارات – بالرغم من إيماننا اليقيني بالقيامة – وذلك فقط لنوضِّح بعض الحِيَل العقلية التي يلجأ إليها المتشكِّكون، ويمكن أن تُحيِّر بعض المؤمنين البسطاء.
1. حقيقة موت الرب يسوع:
+ تصوَّر البعض من المتشكِّكين أن الرب يسوع لم يَمُت حقّاً على الصليب، بل كان في إغماءة، ثم عاد إلى الحياة نتيجة للرطوبة والبرودة التي في داخل القبر. والآن، كيف يكون هذا؟ لقد اتضح أن هذه النظرية لا تبدو متفقة مع الدليل الطبي:
+ يشرح البحث الذي نُشر في جريدة الهيئة الطبية الأمريكية Journal of the American Medical Association لماذا تُعتبر هذه النظرية المُسمَّاة بـ ”نظرية الإغماء swoon theory“ غير منطقية ولا مقبولة. فالبرهان الطبي يُشير إلى أن المسيح كان ميتاً فعلاً حينما أُنزل عن الصليب:
+ فإنَّ الحربة التي طعنت جنب المسيح بين ضلوع الجهة اليُمنى، غالباً ما تكون قد اخترقت الرئة اليُمنى، وأيضاً الغشاء الخارجي للقلب pericardium، وأيضاً القلب نفسه، ما يُفسِّر ظاهرة استنزاف دمائه والماء الذي في جسمه، وبالتالي موته(5).
+ ثم نجد في تقارير المؤرخين غير المسيحيين الذين عاصروا زمن حياة يسوع، قد ذكر ثلاثة منهم موت يسوع، وهم:
+ لوسيان (120-180م)، يُشير إلى يسوع باعتباره فيلسوفاً، وأنه قد صُلِبَ(6).
+ يوسيفوس (مؤرخ يهودي) (37-100م)، كتب أن رجلاً ظهر، وكان اسمه يسوع، وهو رجل حكيم، وكان يصنع أعمالاً عجائبية. ولما حَكَمَ عليه بيلاطس بالموت على الصليب، كان رؤساؤنا قد اتهموه؛ أما الذين كانوا يحبونه فلم يُسايروهم فيما فعلوه(7).
+ تاسيتوس (56-120م) يقول: ”خرستوس“ الذي أُخذ منه اسمه ”المسيح“، نال عقوبة الإعدام... على يديِّ والينا بيلاطس(8).
+ بالإضافة إلى هذه الإفادات الإيجابية، فلا يوجد أي تقرير تاريخي معاصر، لا من المسيحيين ولا من الرومان ولا من اليهود، يُنكر فيه واقعة موت يسوع؛ حتى العالِم المعاصر John Dominic Grossan (الإيرلندي الأصل الأمريكي الجنسية – 1934م) رغم أنه مُتشكك في القيامة، لكنه يوافق على أن يسوع عاش ومات، قائلاً: ”كونه صُلِب، فهذا مؤكَّد مثل أية حادثة تاريخية حدثت“.
والآن، وفي ضوء هذه الشهادات، يكون الخيار الأول من الخيارات الخمسة الأولى (يسوع لم يَمُت) غير مُقنع. فيسوع واضحٌ جداً أنه مات، بما لا يَدَع مجالاً للشكِّ.
(يتبع)
(1) كتاب: ”القيامة والصعود“، ص 278.
(2) المرجع السابق، ص 298.
(3) المرجع السابق، ص 278.
(4) المرجع السابق، ص 206.
(5) William D. Edward, M.D., et al., "On the Physical Death of Jesus Christ", Journal of the American Medical Association 255:11, March 21, 1986.
(6) Lucian, Peregrinus Proteus.
(7) Josephus, Flavius, Antiquities of the Jews, 18. 63, 64. [Although portion of Josephus' comments about Jesus have been disputed, this reference to Pilate condemning him to the cross is deemed authentic by most scholars.]
(8) Tacitus, Annals, 15, 44. In Great Books of the Western World, ed. By Robert Maynard Hutchins, Vol. 15, The Annals and The Histories by Cornelius Tacitus (Chicago: William Benton, 1952).