تدبير الروح القدس
|
|
|
عمل الكنيسة هو الصلاة وخدمة كلمة الله. وتزخر صلوات الكنيسة الليتورجية بكمٍّ كبير من القراءات الإنجيلية من العهد الجديد، وكذلك من قراءات مُنتخبة من أسفار العهد القديم تشير إلى أعمال الفداء والخلاص في العهد الجديد.
1. القراءات في الصلاة الأولى:
+ وأول قراءة إنجيلية في الصلاة الأولى لسرِّ مسحة المرضى، ما ورد في رسالة القديس يعقوب الرسول - الأصحاح الخامس، الذي يحوي ضمن ما يحوي الوصية الخاصة بمسحة المرضى. لكن النص الذي يقرأه الشماس يحوي وصايا نافعة للمؤمنين الحاضرين الصلاة على قريبهم، فهذه فرصة لتزويد المؤمنين بكلمة الله.
فالنص يبدأ بالدعوة إلى احتمال المشقات وطول الأناة، والصبر، وعاقبة الصبر: «لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف».
+ ثم تذكر القراءة وصية النهي عن الحلفان: «لا تحلفوا لا بالسماء ولا بالأرض ولا بقَسَم آخر». وهذه سمة الإنسان المسيحي أنه لا يحلف، لأن كلمته التي تخرج من فمه هي الصدق والحق: «ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا».
+ ثم ينتقل يعقوب الرسول إلى وصية مسحة المرضى: «أمريض أحدٌ بينكم فلْيَدْعُ قسوس (أو بالترجمة الحرفية: ”شيوخ“) الكنيسة، فيصلُّوا عليه، ويدهنوه بزيت باسم الرب. وصلاة الإيمان ”تُخلِّص“(1) المريض، والرب يُقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له». ثم تكلَّم عن فاعلية الصلاة واستجابتها، كما حدث أيام إيليا النبي في العهد القديم.
+ ثم تأتي قراءة الإنجيل، وهي عن مريض بِرْكة ”بيت حسدا“ الذي كان له 38 سنة، وشفاه المسيح. وكان شفاء المسيح له فرصة لكي يُحذِّره من العودة للخطية، باعتبار أن هذا المرض كان بسبب هذه الخطية. فكان الشفاء الجسدي واسطة لشفائه الروحي، أي الخلاص من الخطية.
2. القراءات في الصلاة الثانية:
+ وأولها القراءة من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية، وتبدأ بوصية: «يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء، ولا نُرضي أنفسنا» (رو 15: 1)، لأن المريض يحتمله عادةً أقرباؤه وذووه. فالقراءة الإنجيلية تُشجِّعهم وتحثهم على الاحتمال.
+ أما القراءة من الإنجيل فهي عن ”زكَّا العشَّار“، ودخول الرب إليه في بيته، مما جعله يتوب عن خطاياه ويُقدِّم نصف أمواله للمساكين، ويردُّ ما تقاضاه بالزيادة بوشايته أربعة أضعاف. لذلك قال المسيح: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت، لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويُخلِّص ما قد هلك» (لو 19: 10،9). فدخول المسيح إلى بيت المريض هو للخلاص أكثر منه للشفاء الجسدي. وهذا تأكيد وتكرار لكلمة القديس يعقوب الرسول: «وصلاة الإيمان تُخلِّص المريض».
3. القراءات في الصلاة الثالثة:
+ وتبدأ برسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، حيث يتكلَّم عن مواهب الروح القدس من شفاء وغيره، لكنه يُكمِل القراءة من الأصحاح 13 التالي لأصحاح المواهب (الأصحاح 12)، فيتكلَّم عن موهبة المحبة التي تفوق كل المواهب. فهذه القراءة تُكمل القراءة عن الخلاص، لتُبيِّن أن موهبة المحبة هي أفضل من موهبة شفاء الأجساد. وفي موهبة المحبة يكتمل الخلاص.
+ ثم نأتي إلى القراءة من المزمور الذي يسبق القراءة من الإنجيل، فنقرأ: «يا رب لا تُبكِّتني بغضبك، ولا برجزك تؤدِّبني، لأن سهامك قد انغرست فيَّ، وثقلت عليَّ يدك» (مز 38: 2،1). والسهام هي الآلام التي تنغرس في عظام ولحم الإنسان. وهذه القراءة مُعزِّية للمريض الذي يكون مرضه فرصة لتذكُّر خطاياه التي يظنها أحياناً أنها هي السبب في مرضه، لذلك يصرخ: «يا رب لا تُبكِّتني بغضبك، ولا برجزك تؤدِّبني». فالمرض بالنسبة للإنسان المؤمن الذي يعتبر أن كل ما يصيبه هو بركة من يد المسيح المتعهِّد خلاصه؛ هو ليس عقاباً على خطية، بل هو شركة في آلام المسيح، ونهايته الخلاص الأبدي.
+ ثم تأتي القراءة من إنجيل متى عن دعوة المسيح لتلاميذه الاثني عشر، وإعطائه لهم سلطاناً على الأرواح النجسة لكي يُخرجوها، ويشفوا كل الأمراض وكل العلل، وأمرهم: «إنه قد اقترب (منكم) ملكوت السموات. اشفوا مرضى، طهِّروا بُرْصاً، أقيموا موتى، أخرِجوا شياطين» (مت 10: 8،7). فالشفاء من المرض هو العلامة لمجيء ملكوت الله السماوي.
4. القراءات في الصلاة الرابعة:
+ وتبدأ بالقراءة من رسالة القديس بولس إلى أهل رومية، حيث يؤكِّد التعليم عن أنَّ التألُّم هو ليس عقوبة على خطية، لكنه شركة في آلام المسيح: «إن كُنَّا نتألَّم معه لكي نتمجَّد أيضاً معه. فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا» (رو 8: 18،17). فالآلام الجسدية الحاضرة هي خفيفة ويسيرة إذا قورنت بما سنناله من مجد سوف يُستعلَن فينا. وكل هذا في إطار بنويَّتنا للآب، هذه البنويَّة التي يُعلنها لنا الروح القدس، الذي يجعلنا نصرخ: «يا أبا الآب»، والذي يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله.
+ أما القراءة من المزمور السابق للإنجيل، فهي من المزمور الخمسين، مزمور التوبة: «ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، ومثل كثرة رأفتك امْحُ إثمي. اغسلني كثيراً من إثمي، ونقِّني من خطيتي». هذا المزمور موضوع لكي يُصلِّي به المريض وغير المريض. فهو نافع للتطهير والمغفرة والتوبة والسلوك بحسب الروح.
+ فإذا أنصتنا للإنجيل، فهو يذكر لنا تعيين الرب سبعين رسولاً آخرين، وكانت الوصية لهم: «وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم... اشفوا المرضى الذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله» (لو 10: 9،8). فالشفاء والخلاص هما علامة مجيء ملكوت الله.
5. القراءات في الصلاة الخامسة:
+ نسمع من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية، حيث يتكلَّم عن التبرير بإيمان الرب يسوع المسيح. هذا الإيمان هو الذي يجعل المريض المتألِّم ”المصلوب“ على سريره يصرخ: «مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا، لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي» (غل 2: 21،20)
+ وتأتي القراءة من المزمور الذي يسبق الإنجيل: «أخرِج من الحَبْس نفسي، لكي أعترف لاسمك يا رب» (مز 102: 7). صلاة حارة يمكن أن تكون في فم المريض، وفي كل فم يئن ويتألم بكل نوع من الآلام.
+ ثم تأتي القراءة من إنجيل يوحنا عن إعداد المسيح لنا مساكن ”منازل“ في بيت الآب في السماء، يُعدُّها لنا المسيح لكي يأتي ويأخذنا إليها. ثم يُقدَّم العزاء للمريض ولكل مَن هو حاضر الصلاة، بقول المسيح: «أنا أطلب من الآب فيُعطيكم مُعزِّياً آخر (المُعزِّي الأول هو المسيح نفسه، لكنه سيمضي عنهم إلى الآب بالصعود) ليمكث معكم إلى الأبد... أما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم» (يو 14: 17،16). فتعزية المريض في آلامه هو الروح القدس. وكذا تعزية كل مؤمن في آلامه وضيقاته هو الروح القدس.
6. القراءات في الصلاة السادسة:
+ وتبدأ بقراءة من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل كولوسي: «فالبسوا مثل أصفياء الله المُطهَّرين الأحباء مراحم، رأفات، صلاح، تواضع قلب، دِعة، وطول روح، تحتملون بعضكم بعضاً، وتغفرون لبعضكم بعضاً. وإذا كان لوم بين واحد وآخر منكم، فكما غفر المسيح، كذلك أنتم أيضاً». ويُكرر في هذه القراءة دعوته للشكر على المرض: «فكونوا شاكرين»، «تُسبِّحون الله في قلوبكم بشكر» (كو 3: 12-17 - الترجمة العربية الحديثة).
+ ثم قراءة المزمور السابقة على قراءة الإنجيل، حيث يصرخ إلى الله: «في الشدة فرجت عني» (مز 4: 1)، وهي صلاة يُعلِّمها الوحي لنا ولكل متألِّم، لكي يُصلِّيها فتُفرج عليه الشدة.
+ ثم ننصت بخوف ورعدة لقراءة الإنجيل من بشارة لوقا عن المرأة الخاطئة في بيت الفرِّيسي، التي غفر لها المسيح خطاياها الكثيرة، لأنها أحبت كثيراً، وآمنت بالمسيح غافر الخطايا: «إيمانكِ قد خلَّصكِ. اذهبي بسلام» (لو 7: 50). الخلاص والمغفرة هما النعمة الجزيلة التي يخرج بها المريض وذووه الحاضرون الصلاة بسرِّ مسحة المرضى.
7. القراءات في الصلاة السابعة، وهي الأخيرة:
+ حيث ننصت لرسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس: «البسوا سلاح الله الكامل»، «حربنا ليست مع دم ولحم»، «خذوا لكم جميع سلاح الله، لكي تستطيعوا أن تقفوا في يوم السوء»، ويوم السوء هو يوم التجربة: المرض أو الألم أو التجربة أو الغواية الشريرة. وفي نهاية القراءة: «خذوا لكم خوذة الخلاص، وسيف الروح الذي هو كلام الله» (أف 5: 11-17 - الترجمة العربية الحديثة). ما يزال التعليم والتذكير هو بخلاص الله، والدعوة هي إلى التسلُّح بكلام الله.
+ ثم صلاة المزمور هي: «انظر إلى تواضعي وتعبي، واغفر لي جميع خطاياي... احفظ نفسي ولا تُخزني، فإني عليك توكلت» (مز 25: 20،18). وهي صلاة تنفع لمريض تذلَّل من المرض والألم، فحقَّ له أن يقول لله: «انظر إلى تواضعي وتعبي».
+ ثم يتبعه قراءة الإنجيل من إنجيل متى: «إن غفرتم للناس زلاَّتهم، يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي (خطاياكم). وإن لم تغفروا للناس زلاَّتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاَّتكم» (مت6: 15،14). دعوة الغفران مناسبة جداً للمريض ولذويه الحاضرين؛ فكثيراً ما يكون عدم المغفرة الذي يُخزِّن في القلب الحقد والمرارة على الذين يُخطئون إلينا، سبباً في أمراضنا وآلامنا بكِلاَ نوعيها الجسدية والنفسية. إن مغفرة خطايا الآخرين هي بلسم الحياة والصحة النفسية والجسدية لأي إنسان.
إن قراءات الإنجيل تُعبِّر عن مسحة المرضى التي تُقدِّم الخلاص قبل الشفاء، لمَن يسمع ويطيع ويتوب.
الرب يشفي أمراضنا جميعاً، ويُبْلغنا الخلاص ونوال ملكوته السماوي. آمين. +
(1) هذه هي الترجمة الدقيقة لكلمة sèsei = ”تُخلِّص“، كما وردت في صلوات سرِّ مسحة المرضى بالترجمة الدقيقة ”تُخلِّص“. وقد وردت في الطبعة العربية الحديثة بهذه الترجمة الدقيقة، وليس ”تشفي“.