دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

تدبير الروح القدس:

الروح القدس

وتأسيس الكنيسة

-1-

الكنيسة

- 6 -
علامات الكنيسة
(3)
”كنيسة جامعة“


   في النص اليوناني لقانون الإيمان الذي صِيغَ في مجمعي نيقية عـام 325م والقسطنطينية عـام 381م، تُسمَّى الكنيسة بأنها katholiki، وينطقها الشماس هكذا في القداس حينما يقول مرد أوشية السلامة باللغة القبطية katholiki، وتُنطق ”كاثوليكية“ ولكن لا يُقصَد بها اسم الطائفة المسيحية المسمَّاة الكنيسة الكاثوليكية؛ بل هي صفة ”الجامعية“ للكنيسة المسيحية الأرثوذكسية.

وكذلك يَرِد في كتابات آباء الكنيسة نفس الصفة لوصف التعليم المسيحي الصحيح (الأرثوذكسي)، فيقولون: ”التعليم الكاثوليكي“، ولا يُقصَد به تعليم الطائفة المسيحية الكاثوليكية؛ بل يُقصَد به التعليم الصحيح الذي استلمته الكنيسة الأرثوذكسية من الرسل مروراً بآباء الكنيسة الأبرار.

ولنفهم معنى هذه الصفة، فهي تتكون من مقطعين: (H)olos، kata؛ حيث تعني أول ما تعني: الصحيح، أي الذي لم يُقتطع منه شيء، لأن كلمة Holos تعني السلامة والصحة، أي غير الناقصة أو المشوَّهة (كما يُقال: ”رغيف سليم أو صحيح“، أي رغيف ”كامل“ لم يُقتطع منه شيء). فالكنيسة كاثوليكية بمعنى أنها شاملة كاملة غير منقسمة، وتعليمها كاثوليكي أي غير ناقص، بل كامل كما استلمته من الرسل.

الكنيسة جامعة بسبب أنها جسد المسيح الجامع الحاضن الكل:

وتعود صفة جامعية الكنيسة أول ما تعود على جسد المسيح الجامع لكل الطبيعة البشرية، والذي هو ملء الذي (أي المسيح) يملأ الكل في الكل (أي يملأ كل إنسان بكل ملء) (أف 1: 23). بمعنى أن الجنس البشري كله مدعوٌّ في جسد المسيح إلى الخلاص ليكون كل البشر أعضاءً فيه أي في كنيسة المسيح، بالرغم من أنه ليس الكل الآن ينتمون إلى هذا الجسد. وهذا ما يقوله القديس بولس في رسالة أفسس: «لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السموات وما على الأرض، في ذاك» (أف 1: 10). وحرف ”لـ“ في ”لتدبير“ وفي ”ليجمع“، يُعبِّر عن مشيئة الله: «الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون» (1تي 2: 4).

وقد كانت وصية المسيح لرسله الأبرار قبل صعوده إلى السموات أنْ «اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها» (مر 16: 15). فجامعية الكنيسة كانت أيضاً مهمة مُلقاة على عاتق الرسل. لذلك بعد حلول الروح القدس على التلاميذ، وهم في عليَّة صهيون في أورشليم، لم تَعُد حدود الكنيسة تقتصر على عليَّة صهيون وأورشليم، بل تخطَّتها إلى كل العالم المتحضِّر آنذاك ”من كل أُمة“، كما يصف ذلك سفر أعمال الرسل 2: 5.

ويصف القديس إغناطيوس الشهيد أسقف أنطاكية، وهو من الآباء الرسوليين، سر جامعية الكنيسة هكذا:

[حيث يكون يسوع المسيح، فهناك الكنيسة الجامعة](1).

جامعية الكنيسة لا تُفرِّق بين إنسان وآخر:

الكنيسة جامعة باعتبارها بلا حدود محلية، فهي منتشرة في كل العالم، ورسالتها أن تحتضن في عضويتها كل طبقات وأجناس وأنواع البشر بلا استثناء لتوحِّد وتجمع معاً الكل في المسيح ما في السماء وما على الأرض.

ويشرح هذه الجامعية القديس كيرلس الأورشليمي قائلاً:

[إنها تُدعى جامعة، لأنها تمتد إلى كل العالم، من أقصاه إلى أدناه، ولأنها تُعلِّم بالتمام والكمال التعليم الواحد وكل التعاليم التي لابد أن تدخل في معرفة الإنسان، ما هو مرئي وما هو مخفي، السماوي والأرضي... من أجل اتحاد الكنائس المنتشرة المتفرِّقة في كل العالم، والتي كلها تحت قيادة الروح القدس، مُكوِّنة الكنيسة الواحدة الجامعة](2).

هذه الجامعية هي ضد الانحصارية والاقتصارية، أي أن تظن طائفة مسيحية أو جماعة مسيحية أن ”الكنيسة الجامعة“ منحصرة فيها ومقتصرة عليها وحدها، وتـنعت غيرها بأنها خارجة ومنشقة و... و... إلى آخر هذه الأوصاف التي تُفرِّق. وقد حدث هذا للأسف في القرن الخامس وما بعد القرن الخامس، وأصبحت الكنائس كلها مُعتَبَرة في نظر بعضها البعض ليست هي الكنيسة الجامعة، إلى أن حدثت الكارثة.

ولكن قبل ذلك كانت الكنائس كلها في كل المسكونة تمثِّل الكنيسة الجامعة، وذلك بسبب الروح الرسولية التي كانت متغلغلة فيها، ولهذا كان يصحُّ وصفها بأنها كنيسة جسد المسيح الجامع الحاضن. أما الآن، فكنيسة جسد المسيح الجامعة الحاضنة، هي قائمة ولم تنقص ولم تفصل أحداً من عضويتها، والمسيح الرأس هو الذي يرعاها ويدبِّرها لأنه رأسها، والرأس لا يمكن أن تغفل عينه عن الجسد. أما كيف ذلك؟ فهذا ما سيُستعلن بلا شك في الدهر الآتي لأصحاب العيون المفتوحة التي سترى وتفرح بجسد المسيح الجامع الحاضن الذي لم يكفَّ لحظة واحدة عن جمع واحتضان جسده وأعضائه الذين هم معروفون عنده، والذين هم له.

أما كيف يدبِّر المسيح كنيسته، أي جسده الجامع الحاضن؟ فذلك بواسطة الروح القدس الذي لم يُفارق جسده الجامع في كل مكان من أنحاء الأرض. فهو الذي يُدبِّر ويقود ويصحح، ثم يستعلِن الوحدة السرِّية المخفية الآن، ولكن سيستعلنها في ملء الدهور.

الكنيسة جامعة، بمعنى التعليم الأرثوذكسي الصحيح:

الكنيسة جامعة بمعنى التعليم الأرثوذكسي الصحيح، عكساً للجماعات الهرطوقية والمنفصلة (كما يسميها القديس كيرلس الأورشليمي في القرن الرابع) في محاضرته الثانية عشرة - بند 27،26(3)؛ و”التعليم الذي عُلِّم به في كل مكان وفي كل زمان، وأومن به“ حسب وصف القديس فنسنت أسقف الليران(4).

وهذا معناه أن الكنيسة هي جامعة بقدر ما تُعلِّم وتعترف بنفس التعليم الأرثوذكسي المنحدر من الرسل بخصوص الإيمان بالمسيح، وذلك دائماً وبدون توقُّف.

جامعية الكنيسة هي القدرة على التلمذة والكرازة والتعميد:

وكما يشرح الأب متى المسكين بُعْداً آخر لجامعية الكنيسة قائمٌ على اتحاد المؤمن بالمسيح بالإيمان بالروح القدس للخلاص، والذي لا يمكن أن يتم بين الفرد والمسيح إلاَّ بواسطة ولادته الجديدة من بطن المعمودية في الكنيسة؛ وهكذا يتم اتحاد آخر بجسم الكنيسة أي المؤمنين، فيقول:

[وبذلك صارت الكنيسة بالضرورة جامعة وليست مجتمعاً، فأعضاؤها لا يجتمعون فيها، وإنما يجتمعون بها. وجامعية الكنيسة تشير إلى مقدرتها على الولادة، أو بالحري إلى خصبها ونمائها ثم امتدادها. وهي لا يمكن أن تمتد لتصير جامعة إلاَّ بقدرتها المتجددة على الولادة. وهي لا تستطيع أن تلد إلاَّ إذا كانت تستطيع أن تأتي بأولاد إلى معموديتها، أي يكون لها قدرة على الكرازة. فجامعية الكنيسة قدرة على التلمذة، وقدرة على الكرازة، وقدرة على التعميد](5)!! (يتبع)

********************************************************

اقرأ في موسم أسبوع الآلام للأب متى المسكين

مع المسيح في آلامه حتى الصليب 7 جنيهات

من جمعة ختام الصوم إلى جمعة الصلبوت 75 قرشاً

خميس العهد 60 قرشاً

جمعة الصلبوت 60 قرشاً

يوم الصليب - يوم القضاء ويوم البراءة 50 قرشاً

مع المسيح في آلامه وموته وقيامته 175 قرشاً

 

(1) الرسالة إلى أزمير 8 - Migne PG 5,713.

(2) المحاضرة 18، 23 - Migne PG 33,1044.

(3) المحاضرة 18، بند 27 - 26 - Migne PG 33,1848.

(4) Commonitory, Prim 2; Migne PL 50,640.

(5) كتاب: ”الكنيسة الخالدة“، للأب متى المسكين، الطبعة الخامسة 2002، ص 148.