دراسة الكتاب المقدس |
|
|
الأصحاح الثالث:
الانتصار على عوج ملك باشان:
ما زال موسى النبي في حديثه الأول مع الشعب بخصوص ما عمله الله لشعبه إسرائيل منذ كلَّمهم في جبل حوريب وحتى بداية استيلائهم على شرق الأردن (2: 1-3: 29).
وقد انتهى من سرد الأحداث التي وقعت لهم بعد تجاوزهم لبلاد موآب دون التعرُّض لهم حسب أمر الرب لهم، ولكنهم بعد عبورهم وادي أرنون دفع الرب في يدهم سيحون ملك الأموريين، وكان هذا هو باكورة انتصارهم وتملُّكهم للأرض. وهكذا بدأ إسرائيل يتذوَّق طعم تحقيق وعد الرب لهم بتملُّك الأرض، ولو أنها لم تكن هي أرض الميعاد، لأنها كانت تقع في الجانب الشرقي من نهر الأردن. لذلك فقد كان لهذا الانتصار رنَّة فرح خاصة ظلوا يترنَّمون بها على مدى الأيام، واقترنت بذِكر انتصارهم على عوج ملك باشان الذي تحدث عنه موسى في هذا الأصحاح الثالث قائلاً:
+ «ثم تحوَّلنا وصعدنا في طريق باشان، فخرج عوج ملك باشان للقائنا هو وجميع قومه للحرب في إذرعي. فقال لي الرب: لا تخف منه لأني قد دفعته إلى يدك وجميع قومه وأرضه. فتفعل به كما فعلتَ بسيحون ملك الأموريين الذي كان ساكناً في حشبون. فدفع الرب إلهنا إلى أيدينا عوج أيضاً ملك باشان وجميع قومه، فضربناه حتى لم يبقَ له شاردٌ. وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت، لم تكن قرية لم نأخذها منهم. ستون مدينة كل كورة أرجوب مملكة عوج في باشان. كل هذه كانت مدناً مُحصَّنة بأسوار شامخة وأبواب ومزاليج سوى قرى الصحراء الكثيرة جداً. فحرَّمناها كما فعلنا بسيحون ملك حشبون مُحرِّمين كل مدينة، الرجال والنساء والأطفال. لكن كل البهائم وغنيمة المدن نهبناها لأنفسنا، وأخذنا في ذلك الوقت من يد مَلكَى الأموريين الأرضَ التي في عَبْر الأردن من وادي أرنون إلى جبل حرمون» (تث 3: 1-8).
بعد ذكرى انتصارهم العظيم على سيحون ملك الأموريين، كان لابد لموسى أن يُذكِّرهم أيضاً بما صنعه الرب معهم في حربهم ضد عوج ملك باشان. وتقع باشان في أقصى شمال المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن، وكان حدُّها الجنوبي هو نهر اليرموك.
ويبدو أنه لم يكن في خطة موسى أن يُهاجم باشان لأنها لم تكن في طريقه إلى أرض الموعد، بل كانت متطرفة شمالاً. ولكن عوج ملك باشان خرج للقائهم ومحاربتهم مع جميع قومه، والتقى بهم عند عاصمته ”إذرعي“ الواقعة في الجنوب الشرقي من بحيرة طبرية. وقد جاء خبر هذه الحرب في سفر العدد 21: 33-35. ولا شكَّ أن خروج عوج للحرب كان بدافع الخوف من هذا الشعب الزاحف الذي انتصر على جاره الملك سيحون وشعبه، فرأى أن الهجوم عليه هو خير وسيلة للدفاع عن نفسه، كما أنه كان يريد الانتقام لسيحون جاره وحليفه.
ولكن الله الناظر من سماه والعارف بكل خفايا البشر وأعمالهم؛ إذ رأى أن كأس الغضب على هذا الشعب الخارج للحرب لمهاجمة شعبه المختار، قد اكتمل حتى نهايته، وخطيتهم قد عظمت جداً أمام عينيه، قرر أن يدفع عوج وشعبه إلى يد بني إسرائيل ويفنيهم عن آخرهم، مثلما فعل مع سيحون ملك حشبون. حينذاك كلَّم الله موسى مُشجِّعاً إيَّاه أَلاَّ يخاف من ملاقاة عوج وكل جيشه، ووعده بأنه سيُعطيه النصرة عليه ويهزمه هو وكل شعبه، كما فعل بسيحون ملك الأموريين.
وهنا يُذكِّر موسى الشعب كيف كان انتصارهم على عوج عظيماً وباهراً، وكيف أمر الرب لهم بعدم الإبقاء على أحدٍ منهم، لأن بقاءهم وهم في حال الشر الذي استفحل فيهم سيكون سبب عثرة وهلاك لبني إسرائيل إذا أبقوا عليهم: «الذين استبدلوا حقَّ الله بالكذب، واتَّقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق... وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق. مملوئين من كل إثم وزنى وشر وطمع وخبث، مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً... الذي إذ عرفوا حكم الله أن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت، لا يعملونها فقط بل أيضاً يسرُّون بالذين يعملون» (رو 1: 25-32). فلا شك أن هلاكهم وإبادتهم خير من بقائهم عثرةً ومفسدةً لشعب الله.
لقد استولى الإسرائيليون على كل مدن وقرى باشان، التي كانت تتضمن ستين مدينة مُحصَّنة بأسوار شامخة وأبواب ومزاليق في إقليم أرجوب الخصب؛ عدا قرى كثيرة في الصحراء المتاخمة. وقد عثر المكتشفون فيما بعد على آثارٍ لأكثر من مائة مدينة وقرية في هذه المنطقة. وهكذا صارت كل الأراضي التي كان يمتلكها ملكا الأموريين الممتدة من نهر أرنون جنوباً حتى جبال حرمون شمالاً، في أيدي الإسرائيليين.
وصف موسى للأراضي التي امتلكوها في شرق الأردن وللملك الذي هزموه:
+ «والصيدونيون يدعون حرمون سِرْيُون، والأموريون يدعونه سَنير. كل مدن السهل وكل جلعاد وكل باشان إلى سَلْخَة وإذرعي مدينتي مملكة عوج في باشان. إن عوج ملك باشان وحده بَقِيَ من بقية الرفائيين. هوذا سريره سريرٌ من حديد. أليس هو في رَبَّة بني عمُّون؟ طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع بذراع رجل» (تث 3: 9-11).
كان جبل حرمون بارتفاعه الشاهق مثار انتباهٍ لكل الشعوب التي حوله. فقد دعاه أهل صيدون باسم ”سريون“ أي الدرع؛ بينما دعاه الأموريون ”سنير“ أي القمة. وذلك لأنه بسبب ارتفاعه كانت قمته مغطَّاة بالجليد الناصع البياض طوال العام، مما يجعله يلمع ببريق انعكاس ضوء الشمس عليه، وهو يمثِّل حدود الأرض التي تملَّكوها من جهة الشمال. وهو الآن يُدعى جبل الشيخ الواقع على الحدود بين سوريا ولبنان. أما باقي الأرض التي امتلكوها، فكانت تتضمن مدناً تقع في السهل المنبسط أسفل الجبل وأرض جلعاد المليئة بأعشاب الراعي، وكل بلاد باشان بمدنها وقُراها وأهمها مدينتي سلخة وإذرعي، وهما في أقصى الحد الشرقي لباشان.
أما عوج ملك باشان فيصفه موسى بالوحي مُبيِّناً مدى ضخامته وقوته، حتى يكتشف بنو إسرائيل مقدار عِظَم المعجزة التي صنعها الله معهم بإخضاعه لهم هو كل شعبه، فيقول عنه إنه هو الوحيد الباقي من نسل الرفائيين، الذين هم الجبابرة القدامى (تث 2: 11،10)، ويصف سريره الذي كان ينام عليه، الذي كان مصنوعاً من الحديد لكي يتحمل وزنه الثقيل، أما أطواله فكانت تسع أذرع بما يساوي حوالي أربعة أمتار، وعرضه أربع أذرع أي حوالي 180 سم، مما يُظهِر مدى ضخامته. وقد ظلَّ هذا السرير أثراً يشهد على جبروت هذا الملك، أخذه بنو عمون واحتفظوا به في عاصمتهم ربة، التي هي الآن ”عمان“ عاصمة المملكة الأردنية.
ومما هو جدير بالذكر أن أحد علماء الآثار، وهو المستر دالمان، قد عثر في هذه المنطقة على عرش من الحجر، له نفس هذه الأطوال، لعلَّه كان هو عرش الملك عوج ملك باشان(1).
تقسيم الأرض شرقي الأردن على سبطَى رأوبين وجاد ونصف سبط منسَّى:
+ «فهذه الأرض التي امتلكناها في ذلك الوقت من عروعير التي على وادي أرنون ونصف جبل جلعاد ومدنه أعطيتُ للرأوبينيين والجاديين. وبقية جلعاد وكل باشان مملكة عوج أعطيتُ لنصف سبط منسَّى. كل كورة أرجوب مع كل باشان، وهي تُدعى أرض الرفائيين، يائير ابن منسَّى أخذ كل كورة أرجوب إلى تُخم الجشوريين والمعكيين ودعاها على اسمه باشان حوُّوث يائير إلى هذا اليوم. ولماكير أعطيتُ جلعاد. وللرأوبينيين والجاديين أعطيتُ من جلعاد إلى وادي أرنون وسط الوادي تُخماً، وإلى وادي يبُّوق تُخم بني عمُّون. والعَرَبَة والأردن تُخماً من كِنَّارة إلى بحر العربة بحر الملح تحت سفوح الفِسْجَة نحو الشرق» (تث 3: 12-17).
كان سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسَّى قد تقدَّموا لموسى وألعازر الكاهن ورؤساء جماعة بني إسرائيل بأن يعطوهم هذه الأرض التي امتلكوها حينذاك لتكون من نصيبهم. ووافق موسى على طلبهم بشرط أن يعبروا الأردن مع إخوتهم بكل رجالهم المهيَّئين للحرب، ومتى أُخضعت أرض الموعد لهم، تُعطى لهم الأرض التي في شرق الأردن ملكاً لهم (عد 32: 1-42).
وقد تعهَّد سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسَّى بتنفيذ كل ما طلبه موسى منهم، وقام موسى بتقسيم تلك الأراضي التي استولوا عليها في شرق الأردن عليهم. فأعطى أراضي مملكة سيحون ملك الأموريين لسبطَي رأوبين وجاد، ثم أعطى بقية أرض جلعاد وكل باشان مملكة عوج لنصف سبط منسَّى، حيث قسَّمها بين ابنيه يائير وماكير.
ثم عاد موسى وكرر ثانية نصيب كل واحد، موضِّحاً لهم حدود كل سبط، فكانت حدود الرأوبينيين والجاديين من جبال جلعاد إلى وادي نهر أرنون الذي يصب في البحر الميت جنوباً، ثم يمتد شمالاً إلى وادي نهر يبُّوق الذي يصب في نهر الأردن شمالي البحر الميت بنحو 23 ميلاً. ويحدُّه من الغرب نهر الأردن من كِنَّارة التي هي بحيرة جنيسارت (وتُدعى أيضاً كنورت أو بحر الجليل أو بحيرة طبرية) وتمتد الحدود إلى بحر العربة الذي هو البحر الميت تحت سفوح رأس الفسجة، وهو أحد قمم جبل نبو الذي صعد إليه موسى حسب أمر الرب له وتطلَّع منه إلى أرض الموعد (تث 3: 27). أما نصف سبط منسَّى فقد أخذوا نصيبهم في الشمال حيث كان حدُّهم الجنوبي أراضي جلعاد وبحيرة كنَّارة (وهي بحيرة طبرية).
(يتبع)
في موسم الصوم المقدس
+ مجموعة عظات ”هجرة المسيحي“ (7 شرائط) وأولها الثلاثاء: ما هو الصوم؟ 81 / 1 - 81 / 7 + على جبل الصوم، جبل التجربة (رفاع الصوم الكبير 1982) 82 / 3 + عظات على أناجيل أيام قدَّاسات الصوم المقدس عام 1990 (10 شرائط) 90 / 6 - 90 / 15 + الصوم والفكر الذي في المسيح يسوع (بدء الصوم الكبير - 19/2/2001) 2001 / 3(1) Werner Keller, The Bible as History, chap. 14, p. 153.