|
|
|
نشأته: وُلِدَ الشهيد ”أبو فام“ أواخر النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي في مدينة ”أوسيم“، من أبوين تقيَّيْن هما أنسطاسيوس وسوسنة. وكان والده أنسطاسيوس رجلاً غنيّاً جداً وتقيّاً مُحبّاً للفقراء والمساكين، كما كانت أُمه سوسنة امرأة مُتعبِّدة تسلك في وصايا الرب بلا لوم. وما إن اشتدَّ عود الصبي حتى أرسله والده إلى كاهنٍ قديس يُدعَى أرسانيـوس ليتتلمذ على يديـه، وبالرغم مـن الغِنَى الوفـير الذي كـان يُحيط بالصبي، إلاَّ أنه عاش حياة نُسكية زاهدة. لمَّا كبر فام، فاتحه والده في أَمْر الزواج، إلاَّ أنَّ القديس كان قد وَضَعَ في قلبه أن يحيا حياة البتولية.
استشهاده:
حين بـدأ اضطهـاد المسيحيين في عهـد الإمبراطـور مكسيميانوس، قبض أريانـا والي أنصنا على القديس أبي فام. وفي الليلة التي قُبِضَ عليه فيها، ظهر له ميخائيل رئيس الملائكة وقوَّاه وشجَّعه على احتمـال الألم. وفي الصباح ودَّع القديس والديه وأصدقاءه، ولَبِسَ حُلَّةً بهيَّة، وذهب لمُلاقاة الوالي. وعندمـا تقابَل مـع الوالي، حيَّاه أريانا بتحية السلام، إلاَّ أنَّ القديس ردَّ عليه بأن ”لا سلام قال إلهي للأشرار“. وحاول معه الوالي لكي يُقـرِّب ويُبخِّر للآلهـة الوثنيـة أبلون وأرطاميس. فأجابـه القديس: ”لن أسجد لآلهتك، لأنها صُنِعَت بالأيادي، لن أترك إلهي رب السماء والأرض الذي أحبني يسوع المسيح الذي مات من أجلي“. حين سمع أريانـا هـذا الكلام مـن القديس، بدأ في تعذيبه بقسوة، ثم أَمَرَ جنوده بربط القديس في مؤخـرة حصان وسَحْله في شوارع مدينة أوسيم.
بعد ذلك أرسله أريانـا إلى الإمبراطـور مكسيميانوس في أنطاكية، الذي بدوره أَمَر جنوده بإغراقه في البحر، إلاَّ أنَّ الرب أرسل درفيلاً حمل القديس إلى البَرِّ أمام الحشد الكبير الواقف. وبعد أن أُنقِذَ القديس مـن الغرق، عادوا به إلى الإسكندرية برسالة من الإمبراطور مكسيميانوس إلى الوالي أرمانيوس، يأمره بتعذيب أبي فام بكل أنواع العذاب حتى يرجع ويُبخِّر للأوثان. فأذاقه الوالي أرمانيوس شتَّى أنواع العذاب. وفي وسط آلام القديس، ظهر لـه رئيس الملائكة ميخائيل وشفاه وعزَّاه بكلماتٍ طيِّبة. ولما رأى أرمانيوس عجزه أمام صلابة القديس وإيمانه القوي، أرسله مرة أخرى إلى أريانا ليقتله.
وبدأ أريانا مرة أخرى في تعذيب القديس بشتَّى أنواع العذابات. فعلَّقه على خشبة، ثم أَمَر جنوده أن يثقبوا عقبَي القديس ويربطوهما بسلسلتين، ويجرّوه بهما على الأرض حتى سال دمه طول الطريق إلى أن وصلوا إلى شاطئ النهر، فركبوا سفينة سارت بهم إلى أن وصلوا مدينة ”قاو“ قبالة قرية تُدعَى ”طما“، وهناك توقَّفت السفينة، وعبثاً حاولوا - ولو بقوة السِّحر - تحريكها، فلم يستطيعوا. وحينذاك أخذ الوالي أريانا القديس أبا فام، وسلَّمه للجنود، وأمرهم بقطع رأسه بحدِّ السيف، فنال القديس أبو فام إكليل الشهادة.
وبعد استشهـاد القديس، حمله أهـل المدينة بإكرام، وهم يُرتِّلون الألحان، ودفنوه غربي قرية طما. وفيما بعد بُنِيَت كنيسة باسم الشهيد في ذلك الموضع. وفي أواخر عام 1995م، أثناء توسيع الكنيسة المبنية على اسمه، تمَّ اكتشاف جسد الشهيد أبي فام على يمين الداخل إلى باب الهيكل.
وتُعيِّد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتذكـار شهادة القديس أبي فام، في السابع والعشرين من شهر طوبة؛ وأيضاً في السابع والعشرين مـن شهر أبيب، وهو تذكار تدشين كنيسته في مدينة طما بمحافظة سوهاج، كما أنَّ نفس اليوم يوافق ذكرى ميلاد القديس.
يُلقَّب القديس أبو فام بالجندي، مع أنه لم يكن من الضباط أو الجنود، ذلك لأنه قد عاش كجندي صالح ليسوع المسيح، مُلتزِماً بوصاياه.
بركة صلواته تكون معنا، آمين.
(+( (
نياحة البار سمعان الشيخ
سمعان والترجمة السبعينية:
عندما استولي بطليموس الأول على أورشليم، أرسل كثيراً من الأسرى اليهود إلى مصر، وأعطاهم الحرية في ممارسة أعمالهم التجارية. وقد اهتم بعضهم بالفكر الهيلليني والثقافـة اليونانية، وقاموا بحركة ترجمة لبعض كُتبهم الدينية.
أنشأ بطليموس مكتبة الإسكندرية التي ضمَّت أكثر من نصف مليون مُجلَّد. وجاء عن بطليموس الثاني ”فيلادلفوس“ أي ”مُحب أخيه“ (283-246ق.م)، أنه اهتم بترجمة العهد القديم من العبرية إلى اليونانية، وهي الترجمة المعروفة بالسبعينية Septuagint، والتي تُعتبر أهم ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى اليونانية. وقد جاءت قصـة هـذه الترجمـة في خطاب أرسـتياس Aristeas في النصف الأخير مـن القرن الثاني قبل الميلاد.
أشار بطليموس إلى كاتبٍ يوناني لديه يُدعَى ”أرسكاي“ ليكتب لرئيس الكهنة ”أليعازر“ في أورشليم أن يُرسِل إليه نُسخ الأسفار المقدسة وكُتب التاريخ، مـع بعض الخبراء في اللغة العبريـة واللغة اليونانية. وقـد أرسل إليه هدية فاخرة، ووعده بإطلاق سراح 120 ألفاً من اليهود المُقيمين في مصر.
أرسل رئيس الكهنة أليعازر 72 عالماً: ستة من كل سبط، وسلَّمهم نُسخة مـن العهد القديم مُذهَّبـة لبطليموس، فـأكرمهم. وحينذاك أرسلهم بطليموس إلى جزيرة فـاروس عند مدخل مرفأ الإسكندرية، التي امتـدَّت فيما بعد إلى اليابسـة وأُقيمت فيها منارة الإسكندرية.
قسَّمهم بطليموس إلى ست وثلاثين فرقة، ووزعهم في أماكن مستقلة عن بعضها البعض، وطلب منهم أن يتُرجموا العهد القديم من العبرية إلى اليونانية. فأقاموا نحو سبعين يوماً حتى أكملوا الترجمة. وقد أجزل لهم بطليموس العطايا، وكان ذلك حوالي سنة 250 ق.م.
استُخدِمَت هذه الترجمة في مجامع اليهود في مصر، حتى يمكنهم أن يقرأوا العهد القديم يومياً بلهجة ”الكوين“ Koine التي نشرها الإسكندر الأكبر في كل الشرق.
كان إنجاز هذه الترجمة بتدبير إلهي، حيث أمكن للعالم، بثقافته اليونانية، أن يتعرَّف على النبوَّات الخاصة بالمسيح عند كرازة الرسل لهم، خاصةً وأنَّ الترجمة تمَّت بواسطة علماء يهود قبل انتشار المسيحية.
«ها العذراء تحبل»:
خَشِـيَ سـمعـان أن يُـترجـم كـلمـة ”العـذراء“+ ++++++++ (إش 7: 14)، فيسخـر بـه الملك، فأراد أن يستبدلها بكلمة ”فتاة“. ويبدو أنَّ الشكَّ دخل إليه، فتساءل: ”كيف يمكـن لعذراء أن تحبل وتـلد؟“. وفي وسـط صراعه الداخلي بين ثقته في العهد القديم وأمانته في الترجمة، وبين استحالة تحقيق ذلك؛ رأى في حُلم مَن يقول له: ”إنك لن تُعاين الموت حتى ترى عمانوئيل هذا مولوداً من عذراء“.
عاش سمعان ما يقرب من 300 عام، فكَلَّ بصره، و«أتى بالروح إلى الهيكل، وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه (العذراء مريم ويوسف النجَّار)... أخذه (سمعان) على ذراعيه وبارك الله وقال: ”الآن تُطلق عبدك يا سيِّد حسب قولك بسلامٍ، لأن عينَيَّ قد أبصرتا خلاصك، الذي أعددته قُدَّام وجه جميع الشعوب. نورَ إعلانٍ للأُمم، ومجداً لشعبك إسرائيل“» (لو 2: 27-32).
لقد مرَّت السنوات الطوال بسمعان الشيخ، وتعاقبت عليه الأجيال، وجاز الموت هنا وهناك؛ ولكنه ظل قائماً ثابتاً ومستيقظاً، ليكون شاهداً ببقائه لسيِّد الأزمان، لأن كلمة الله حفظه في هذا العالم حتى يجيء ملء الزمان، ويتجسَّد كلمة الله ويراه سمعان بعينيه ويحمله على ذراعيه، لكي يتمَّ ما قيل بإشعياء النبي: «ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه ”عمانوئيل“» (إش 7: 14).
بركة صلواته تكون معنا، آمين.