طعام الأقوياء
- 53 -


«فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً»
(في 2: 4)

ما هو هذا الفكر الذي في المسيح يسوع،
والذي ينبغي أن يكون فينا نحن أيضاً؟

ومَن ذا الذي يستطيع أن يَسبُر أغوار الفكر الذي في المسيح يسوع «المُذَّخَر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم» (كو 2: 3)؟

فلا شكَّ أنه فكر يسمو على كلِّ فكر، ولكنه لا يستحيل أن نتمثَّل به، طالما أنه مطلوب منَّا أن نقتدي بـه. فالمسيح نفسه دعانـا كلَّنا - نحن المتعبين والثَّقيلي الأحمال - قائلاً: «احملوا نِيري عليكم وتعلَّموا مني، لأني وديعٌ ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم» (مت 11: 29). كما أنه أيضاً بعد أن غَسَلَ أرجل تلاميذه، قال لهم: «لأني أعطيتكم مِثالاً، حتى كما صنعتُ أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً» (يو 13: 15).

لذلك، فإنَّ الكنيسة – على مدى العصور والأجيال – أَخذت هذا المثال وجعلته طقساً تُمارسه كتذكارٍ لِمَا عمله المسيح مع تلاميذه حينما انحنى وهو المعلِّم والسيِّد، بل والرب والإله، وغَسَل بيديه الطاهرتين الطوباويتين أرجل تلاميذه المُتَّسخة؛ لعلنا نُدرك من هذا الطقس قَصد الرب من تنازُله ونتمثَّل به. ولقد أحس بطرس الرسول بهذا التنازُل الفائق عن كل تصوُّر من الرب، حينما جاء دوره ليغسل الربُّ رجليه، فهاله الأَمر وتمنَّع بشدَّة قائلاً: «لن تغسل رِجْلَيَّ أبداً»! فأجابه الرب: «إنْ كنتُ لا أَغسلك فليس لك معي نصيبٌ»! حينئذ قال له بطرس: «”يا سيِّد، ليس رِجْلَيَّ فقط بل أيضاً يديَّ ورأسي“. قال له يسوع: ”الذي قد اغتسل ليس له حاجةٌ إلاَّ إلى غَسْل رِجليه...“» (يو 13: 8-10).

وفي هذا يُعلِّق القديس كيرلس الإسكندري قائلاً:

[لأنه إنْ كان ذاك الذي هو بالطبيعة رب يقوم بعمل عبد، فكيف يرفض مَن هو عبدٌ أن يعمل أيَّ عملٍ من الأعمال الخاصة بوضعه، دون أن ينال نتيجةً لذلك أقسى عقوبة مُمكنة!](1)

كان تمنُّع بطرس الرسول في البداية هو بسبب عدم فهمه قَصْد الرب من قيامه بعمل العبد بين تلاميذه، لذلك قال له الرب: «لستَ تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد» (يو 13: 7). فكان من اللائق أن يُذعِن بطرس ويخضع لِمَا يريد الرب أن يعمله، ولكنه تمادَى في اندفاعه واعتداده برأيه حتى سمع تحذير الرب الرهيب له: «إنْ كنتُ لا أغسلك فليس لك معي نصيبٌ»! فانصاع الرسول فوراً لأَمْر الرب، لأنه لم يكن يحتمل قط أن يخسر نصيبه مع الرب.

أمَّا الرب فكان يقصد بإخلائه لذاته عن مجده ومكانته، واتِّخاذه وَضْع العبد بين تلاميذه حتى إلى أحطِّ ما يمكن أن يعمله لأجلهم وهو غسل أرجلهم، هو أن يُعطيهم ذاته مثالاً: فإنْ كان وهو السيِّد والمعلِّم قد غسل أرجلهم، فإنهم يجب عليهم أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بالمحبة والتواضع كعبيد لبعضهم البعض؛ بل إنَّ المسيح، له المجد، رغم كونه هو الله الكلمة المتجسِّد: «الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب خُلْسةً أن يكون مُعادِلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخِذاً صورةَ عبدٍ، صائراً في شِبْه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسانٍ، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب» (في 2: 6-8).

وهنا يحاول الرسول بولس أن يكشف لنا فكر المسيح وعُمق تنازُله بقوله:

«الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب

خُلسة أن يكون مُعادِلاً لله» (في 2: 6):

فالمسيح هو بالحقيقة ”صورة الله غير المنظور“، كما قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل كولوسي (كو 1: 15)، وكما قال عنه أيضاً في رسالته إلى العبرانيين: «الذي وهو بهاء مجده، ورَسْم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته...» (عب 1: 3). أما يوحنا الرسول والإنجيلي فيقول عنه أيضاً: «الله لم يَرَه أحدٌ قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر» (يو 1: 18).

ولما شفى الربُّ يسوع الرجلَ المخلَّع الذي كان له ثمانٍ وثلاثين سنة مطروحاً في الفراش عند بِرْكة بيت حِسْدَا، وأَمَره بأن يحمل سريره ويمشي، وكان ذلك في يومِ سبت؛ هاج اليهود على الرب يسوع وطلبوا أن يقتلوه لأنه عمل هذا في سبت. «... فأجابهم يسوع: ”أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل“. فمِن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم يَنْقُض السبت فقط، بل قال أيضاً إنَّ الله أبوه، مُعادِلاً نفسه بالله» (يو 5: 16-18).

ثم لمَّا «كان عيد التجديد في أورشليم، وكان شتاءٌ. وكان يسوع يتمشَّى في الهيكل في رواق سليمان، فاحتاط به اليهود وقالوا له: ”إلى متى تُعلِّق أنفسنا؟ إنْ كنتَ أنت المسيح فقُل لنا جَهْراً“. أجابهم يسوع: ”إني قلتُ لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي، كما قلتُ لكم. خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أُعطيها حياةً أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحدٌ من يدي. أبي الذي أعطاني إيَّاها هو أعظم من الكلِّ، ولا يقدر أحدٌ أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحدٌ“» (يو 10: 22-30).

ثم عاد الرب وقال لهم: «فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم، أَتقولون له: إنك تُجدِّف، لأني قلتُ إني ابن الله؟! إنْ كنتُ لستُ أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي. ولكن إنْ كنتُ أعمل، فإنْ لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أنَّ الآب فيَّ وأنا فيه» (يو 10: 36-38).

وفي حديث الرب الختامي مع تلاميذه، في الليلة التي أَسْلَم فيها ذاته لصالبيه، كَشَفَ لهم عن حقيقةٍ كانت خافية عليهم، إذ بينما كان يُطمئِن قلوبهم المضطربة بسبب قُرْب مفارقته لهم، قـال لهم: «”لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازلُ كثيرةٌ، وإلاَّ فإني كنتُ قد قلتُ لكم. أنا أمضى لأُعِدَّ لكم مكاناً، وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكُم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً، وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق“. قال له توما: ”يا سيِّد، لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟“. قال له يسوع: ”أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاَّ بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتُم أبي أيضاً. ومِن الآن تعرفونه وقد رأيتموه“. قال له فيلُبُّس: ”يا سيِّد، أَرِنا الآب وكفانا“. قال له يسوع: ”أنا معكم زماناً هذه مُدته ولم تعرفني يا فيلُبُّس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أَرِنَا الآب؟ ألستَ تؤمن أني أنا في الآب والآب فيَّ؟“» (يو 14: 1-10).

وهكذا أَظْهَر المسيح لتلاميذه أنه بالرغم من كونه أمامهم إنساناً، فهو بالحقيقة الله الكلمة المتجسِّد، صورة الله غير المنظور، المساوي للآب في الجوهر، وهو والآب واحد، وهو في الآب والآب فيه، ومَن رآه فقد رأى الآب، وهو «الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب خُلْسةً أن يكون مُعادِلاً لله».

وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

[فإنه إله بحسب الطبيعة لكونه ابن الله الوحيد، ولكونه غير منفصل عن جوهر أبيه، بل وماسكٌ بهذا الجوهر، بل ويُعتَبَر من ذات هذا الجوهر؛ ثم إنه إنسانٌ أيضاً من حيث إنه صار جسداً، وجعل نفسه مُشابهاً لنا، لكي يربط بالله - بواسطة نفسه - ما كان منفصلاً جداً عنه بحسب الطبيعة](2).

«لكنه أخلى نفسه، آخِذاً صورةَ عبدٍ،

صائراً في شِبْه الناس» (في 2: 7):

هذا الإله الحق من الإله الحق، المساوي للآب في الجوهر، الذي لم يَحْسِب خُلْسةً أن يكون مُعادِلاً لله؛ أخلى نفسه، أي تنازَل بإرادته عن مجد ألوهيته، آخِذاً صورة عبد، صائراً في شِبْه الناس. وقد عبَّر عن ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً:

[إنه مع كونه ابناً خاصاً للإله غير المبتدئ، قد احتمل أن يُدعى ابناً لداود، لكي يجعلك أنت ابناً لله. لقد احتمل أن يصير العبد (داود) أباً له، لكي يجعل السيِّد الرب أباً لك أيها العبد... فحينما تسمع أنَّ ابن الله هو ابن داود ابن إبراهيم، تيقَّن أنك أنت يا ابن آدم ستصير ابناً لله. فليس جُزافاً أو باطلاً قد وضع نفسه إلى هذا الحدِّ، إلاَّ لأنه كان ينوي أن يرفعنا معه إلى فوق! فإنه قد وُلد بحسب الجسد لكي تولد أنت بحسب الروح...](3).

لقد تنبَّأ إشعياء النبي عن هذا الإخلاء العجيب الذي صنعه ابن الله في نفسه من أجل خلاصنا بقوله: «هوذا عبدي الذي أَعْضُدُه، مختاري الذي سُرَّتْ به نفسي. وضعتُ روحي عليه، فيُخرِج الحق للأُمم. لا يصيحُ ولا يَرْفَعُ ولا يُسْمِعُ في الشارع صوته. قصبةً مرضوضةً لا يَقْصِفُ، وفتيلةً خامدةً لا يُطفئ» (42: 2،1)، «فقال: قليلٌ أن تكون لي عبداً، لإقامة أسباط يعقوب، وَرَدِّ محفوظي إسرائيل» (49: 6)، «مِن تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البارُّ بمعرفته يُبرِّر كثيرين، وآثامهم هو يحملها» (53: 11).

«وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان،

وضع نفسه وأطاع حتى الموت،

موت الصليب» (في 2: 8):

وفي هذا يتنبَّأ أيضاً إشعياء النبي قائلاً:

+ «مُحتَقَرٌ ومخذولٌ من الناس، رجل أوجاع ومُختبر الحزن، وكمُسَتَّر عنه وجوهنا. مُحتَقَرٌ فلم نعتدَّ به. لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمَّلها، ونحن حسبناه مُصاباً مضروباً مـن الله ومذلولاً. وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُره شُفينا. كلُّنا كغنمٍ ضللنا، مِلنا كل واحد إلى طريقه، والربُّ وضع عليه إثم جميعنا. ظُلِمَ، أما هو فتذلَّل ولم يفتح فاه. كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجةٍ صامتة أمام جازِّيها فلم يفتح فاه» (إش 53: 3-7).

ويُعلِّق على ذلك القديس كيرلس الكبير قائلاً:

[حينما تبدو لك أمور إخلائه صعبة القبول، تعجَّب بالأحرى مِن عِظَم محبة الابن لنا! لأن ما تعتبره غير لائقٍ به هذا قد فعله بإرادته من أجلك، فقد بكى بشريّاً لكي يمسح دموعك، وانزعج تدبيرياً تاركاً جسده ينفعل بما يُناسبه لكي يملأنا شجاعة... ووُصف بالضعف في ناسوته لكي يُنهي ضعفك. وقدَّم بكثرة طلباتٍ وتضرُّعات للآب لكي يجعل أُذُن الآب صاغيةً لصلواتك](4).

أما القديس أنبا مقار الكبير فيرى أنه في اتضاع الرب وطاعته حتى الموت موت الصليب من أجلنا، دعوة لنا أن نتضع ونحتمل من أجل خلاصنا، وذلك في قوله:

[إنَّ الرب نفسه الذي هو الطريق والإله، قد جاء ليس من أجل نفسه، بل من أجلك، لكي يُعطيك نفسه مثالاً لكل عمل صالح؛ فانظر إلى أيِّ اتضاع بلغ لمَّا ”أَخَذ شكل العبد“ (في 2: 7)، وهو الإله ابن الله، والملك ابن الملك... لكن لا تحتقر جلاله الإلهي حينما تراه في الظاهر متضعاً كشبهنا، لأنه من أجلنا صار هكذا وليس من أجل نفسه... فما أعظم اتضاعه حينما بصقوا في وجهه، ووضعوا عليه إكليل الشوك ولطموه!... فإنْ كان الله قد نزل إلى مثل هذه الإهانات والاتضاع؛ فأنت ذو الطبيعة الطينية بل والمائتـة، مهما وضعتَ ذاتك، فلن تُجارِي أبداً (اتضاع) سيِّدك! إنَّ الله نفسه اتضع من أجلك، أفلا تتضع أنت من أجل نفسك؟!](5)

«لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً

فوق كل اسم» (في 2: 9):

يُوضِّح لنا الرسول بولس هنا أنه كنتيجةٍ طبيعية لإخلاء الرب لنفسه، إذ كان في صورة الله، ومُعادِلاً لله، ورغم أنه هو ابن الله بالحقيقة، الأقنوم الثاني المساوي للآب في الجوهر، الذي هو بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته؛ أَخَذَ صورة عبد، صائراً في شِبْه الناس، وتنازَل ووُجِدَ في الهيئة كإنسان، ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، «لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم».

وفي الرسالة إلى أهل أفسس، يقول بولس الرسول أيضا: «إذ صَعِدَ إلى العَلاء، سبى سبياً وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صَعِدَ، فما هو إلاَّ أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السُّفْلَى. الذي نزل هو الذي صَعِدَ أيضاً فوق جميع السموات، لكي يملأ الكلَّ» (أف 4: 8-10).

فحسب تقليد الكنيسة، فإنَّ المسيح بعد أن أَسْلَم روحه فوق الصليب، نزل بنفسه المتَّحدة بلاهوته إلى الجحيم حيث الأرواح التي كانت في انتظار ذلك اليوم منذ سقوط آدم وموته حتى يوم الصلبوت، لكي يُبشِّرها المسيح بفدائه لها، كما جاء في رسالة بطرس الرسول الأولى: «الذي فيه أيضاً ذهب فكَرَزَ للأرواح التي في السجن، إذ عصت قديماً، حين كانت أَناة الله تنتظر مرة في أيام نوح، إذ كان الفُلْك يُبْنَى، الذي فيه خَلَص قليلون، أي ثماني أَنفس بالماء» (1بط 3: 20،19). وهكذا صعد الرب من الجحيم حاملاً أرواح الذين آمنوا بكرازته، وأصعدهم معه إلى أعلى السموات.

وهذا ما شهد به بطرس الرسول في سفر أعمال الرسل في يوم الخمسين قائلاً: «فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعاً شهودٌ لذلك. وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سَكَبَ هذا الذي أنتم الآن تُبصرونه وتسمعونه» (أع 2: 33،32).

كما شهد بولس الرسول أيضاً قائلاً: «لأنه كان يليق بنا رئيسُ كهنةٍ مثل هذا، قدُّوسٌ بلا شرٍّ ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات» (عب 7: 26).

أما القديس أثناسيوس الرسولي فيُعلِّق على ذلك قائلاً:

[كما أنَّ المسيح الذي يُقدِّس الجميع يقول لأبيه إنه من أجلنا يُقدِّس ذاته (يو 17: 19)، ليس لكي يصير اللوغوس نفسه مُقدَّساً، بل لكي يُقدِّسنا نحن جميعاً في نفسه؛ هكذا أيضاً بنفس المعنى قيل إنَّ ”الله رفَّعه“ (في 2: 9)، ليس لكي يزداد هو في الرِّفْعَة، إذ أنه هو نفسه العَليُّ، بل لكي يصير هو نفسه لنا برّاً (1كو 1: 30)، ولكي نرتفع نحن فيه، بل وندخل أبواب السموات التي افتتحها هو أيضاً من أجلنا عندما قيل أمامه: «ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد» (مز 24: 7). وفي هذا أيضاً لم تكن الأبواب مُغلَّقة أمامه هو، إذ أنه هو الرب وخالق الكل، بل من أجلنا نحن أيضاً قد كُتِبَ ذلك، نحن الذين كان باب الفردوس مغلقاً أمامنا](6).

(يتبع)

(1) ”تفسير إنجيل يوحنا“ للقديس كيرلس الإسكندري، المجلد الثاني، مؤسسة القديس انطونيوس، ص 101.
(2) القديس كيرلس الكبير، ”تفسير إنجيل يـوحنا“، 5: 46 (PG 73,429).
(3) القديس يـوحنا ذهبي الفم، ”تفسير إنجيل متى“، 1: 1، عظة 2: 3 (PG 57,25-26).
(4) Apolog. XII Cap Contra Theodoret.
(5) Homily 26, 25-26.
(6) Against the Arians, Disc. 1,41; NPNF, 2nd Ser., Vol. IV, p. 330.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis