دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

12 عاماً من المثابرة
قرية إثيوبية كنيستهم؟

دامت الصلوات طيلة الليل، استعداداً لليتورجية صباح الأحد. ففي يوم السبت ليلاً اجتمع 20 كاهناً في الكوخ الصغير المشيَّد بالطوب النيئ بالقرب من بابوجايا، وهي قرية إثيوبية تبعد 80 ميلاً جنوب أديس أبابا عاصمة إثيوبيا.

كاهن القرية يوزِّع لقمة البركة

ويُسرِّح الشعب بعد القداس

وظل الكهنة يُرتِّلون حتى السادسة صباحاً حينما بدأ المؤمنون الإثيوبيون في القرية يتوافدون. يقول: ”إيريسي ميجيرسا“ وهو شيخ في رعوية الكنيسة الإثيوبية في القرية: ”إنهم مزارعون تعوَّدوا أن يستيقظوا مُبكِّراً“.

وتُسمَّى الليتورجية الإفخارستية باسم ”القِداسي“ (بنفس الاسم العربي ”القداس“)، والتي تستمر لعدة ساعات كما هي العادة في كافة الكنائس الإثيوبية.

وتُسمع أصوات الطبول من داخل هذا الكوخ، الذي ضاق على مئات المؤمنين الإثيوبيين في القرية، مما دفع الكثيرين منهم إلى الوقوف خارجاً يسمعون صلوات القداس من مكبرات الصوت. وكان يمر بين صفوف المصلِّين اثنان من ”الشمامسة“ الصغار في السن، وقد ارتديا تونية الشماس الملونة بالبنفسجي والمذهَّب، يجمعان تقدمات المؤمنين ليكملوا كنيسة جديدة، ظلَّت تُبنى على مدى 12 عاماً. وهذا ليس أمراً شاذاً أن يمضي على اكتمال بناء الكنائس سنوات عدة. (يقول مندوب المجلة التي نشرت هذا التحقيق: إن كاتدرائية نوتردام بباريس اكتمل بناؤها على مدى 100 عام)!

لكن هذه الكنيسة الجديدة التي تكرَّست باسم: ”ميدهاني عالم“ (أو كنيسة مخلِّص العالم(1) باللغة الأمهرية) هي مشروع بسيط كان يمكن أن يكتمل بناؤها أسرع من ذلك لو أن التكاليف كانت قد جُمعت بالطرق الحديثة. ولكن هذه الكنيسة بُنيت بالطريقة الإثيوبية التقليدية: قرش واحد من كل مؤمن.

وبالرغم من مجيء تقدمات من خارج إثيوبيا ومن هيئات غير أرثوذكسية بلغت 3000 دولار، إلاَّ أن معظم تكاليف البناء، والتي بلغت 35 ألف دولار، قد دفعها القرويون الإثيوبيون الفقراء من أعوازهم، على مدى 12 عاماً بمثابرة يُقتدى بها، حتى انتهوا من بنائها في ديسمبر 2004.

ويقول أبَّا ملاك تسيهابي ديبيكولو ميليسي راعي الكنيسة: ”لقد كنا في حاجة إلى هذه الكنيسة منذ زمان طويل، فالكوخ الذي استخدمناه مؤقتاً عمره 12 عاماً ونحن نصلِّي فيه. وقبل ذلك كان على الشعب أن يسير 6 أميال إلى أقرب كنيسة“.

وصف الكنيسة الجديدة:

تقف الكنيسة على قمة تلٍّ يشرف على القرية التي تضم بضع مئات من بيوت الفلاحين البسيطة. وتوجد في هذه القرية كهرباء، ولكن لا توجد مياه جارية. ويستقي أهل القرية المياه من بحيرة قريبة اسمها بحيرة كوريفتو، ويرعى الأطفال القطعان والحمير والماشية والماعز التي تشارك القرويين في الطرق الترابية الملوثة.

وبابوجايا قرية زراعية. ويعمل أهلها في الحقول القريبة، وهم يزرعون القمح الحبشي وهو المحصول الرئيسي للقرية. ويعمل قرويون آخرون في المستشفيات والصوبات الصناعية التي يزرعون فيها الورود والقرنفل والأعشاب الأخرى التي تستخدم في التصدير. ويبلغ متوسط دخل القروي في الشهر 55 دولاراً.

وينتظم أطفال القرية في فصول الدراسة الابتدائية، لكنهم سرعان ما يتركونها بعد هذه المرحلة. وقلة منهم يكملون دراستهم حتى الثانوية ليدخلوا الجامعة.

شعب هذه الكنيسة:

ويبلغ عدد سكان قرية بابوجايا والسكان المحيطون بالبحيرة القريبة 3000 نفس، غالبيتهم إثيوبيون أرثوذكس يتبعون الكنيسة السائدة في إثيوبيا.

الكنيسة من الداخل:

والكنيسة المثمنة الأضلاع يبلغ قطرها 33 متراً تقريباً، بحوائط من الحجارة وسطح بالصلب المموَّج مُدعَّماً بعوارض خشبية.

منظر الكنيسة الجديدة بعد بنائها

ويبرز من على سطح المصباح الذي يغمر الهيكل بالضوء، غطاء منزلق مرسوم عليه ألوان العلم الإثيوبي (الأحمر والأصفر والأخضر).

وفي أعلى برج الكنيسة صليب مثمَّن الرؤوس، مع 7 كرات معدنية هي رمز لبيض النعام الذي يرمز في التقليد الإثيوبي إلى خطايا المؤمنين غير المعترف بها!! أما المسامير التي تثبِّت هذه الكرات فهي ترمز إلى المسامير التي سُمِّر بها المسيح على الصليب.

وتنقسم الكنيسة إلى ثلاث دوائر متمركزة حول بعضها البعض:

الدائرة الأولى تُسمَّى ”الخورس“ ويجمع المؤمنين، والدبتيرا الذين هم جزء من الإكليروس الذين يُعتبرون كمثل المرتِّلين، وهم يشتركون بالطبول والرقص وترتيل الألحان أثناء الليتورجية. ويُغطَّى الخورس بسقف، وهو مفتوح على الخارج.

أما الدائرة الثانية، أو ”القُدْس“ فهو مخصَّص للمصلِّين مقسَّمين بحسب الجنس. وغالباً يكون هؤلاء هم الذين سيتقدمون للتناول.

أما الدائرة الثالثة وهي الداخلية، فتُسمَّى ”قدس الأقداس“ حيث المذبح الذي يوضع عليه ”التابوت“ رمزاً لتابوت العهد القديم، ويحوي نسخة من الوصايا العشر.

أيقونات الكنيسة:

وكمثل سائر الكنائس الإثيوبية، فإن جدران كنيسة ”ميدهاني عالم - مخلِّص العالم“ مغطاة بالرسومات الحائطية التي تُصوِّر معمودية المسيح ومعجزاته وموته وقيامته، ورسومات تذكارية لحياة العذراء مريم والقديسين. وقد كانت التكلفة الأخيرة لهذه الأيقونات 5000 دولار، تم جمعها لتنفيذ هذه الرسومات الحائطية التي تُعتبر بمثابة مرشد أساسي للإيمان الأرثوذكسي لجموع القرويين الأُميين.

ويقول المؤمنون إن عملية بناء هذه الكنيسة ”مخلِّص العالم“ تمت بتعب أيدي ومساهمات القرويين. وهم يعتبرون أن المشروع بالرغم من طول المدة التي استغرقها قد اكتمل على أحسن ما يكون.

شماس يوزِّع ماءً مقدساً على الشعب

 

ويقول أحد القرويين هناك ويُدعى ”موجاس ميكونن“ وعمره 61 عاماً، وقد شاهد عملية بناء الكنيسة: ”ببطء، ولكن بعزيمة، اكتمل بناؤها“. ويا لفرحة أهل القرية حينما عيَّدوا ثاني عيد ميلاد المسيح فيها يوم 7 يناير الماضي.

(عن مجلة: ONE)


(1) لاحِظ أن اسم الكنيسة ”مخلِّص العالم“ اسم تقليدي قديم استخدمه الأقباط منذ ما قبل القرن الثامن في الكنيسة التي بنوها في فسطاط مصر (القاهرة) أيام البابا مرقس الثاني (ارجع إلى مجلة مرقس، عدد يناير 2006، ص 38-40).