ثالثاً: إعداد الجيل الجديد لميراث أرض الموعد (26: 1-36: 13) 1 - إعادة تنظيم إسرائيل (26: 1-27: 23) ب - (تابع) إقامة يشوع خَلَفاً لموسى (27: 18-23) الرب يأمر موسى بوضع يده على يشوع: + «فقال الرب لموسى: خُذ يشوع بن نون رجلاً فيه روحٌ، وضَعْ يدك عليه. وأوقفه قدَّام ألعازار الكاهن وقدَّام كل الجماعة، وأوصِهِ أمام أعينهم. واجعل هيبتك عليه لكي يسمع له كل جماعة بني إسرائيل. فيقف أمام ألعازار الكاهن، فيسأل له بقضاء الأُوريم أمام الرب. حسب قوله يخرجون، وحسب قوله يدخلون، هو وكل بني إسرائيل معه، كل الجماعة. ففعل موسى كما أمره الرب. أخذ يشوع وأوقفه أمام ألعازار الكاهن وقدَّام كل الجماعة، ووضع يديه عليه، وأوصاه كما تكلَّم الرب عن يد موسى.» (عد 27: 18-23) اختار الربُّ يشوعَ بن نون، ووصفه بأنه رجلٌ فيه روحٌ، أي فيه روح الله، ينبوع كل غيرة وحكمة ومخافة الله؛ فقد رأى فيه الله المواهب التي تؤهِّله لقيادة الشعب. وأمر الرب موسى أن يضع يده عليه. وفي هذا يقول سفر التثنية: «ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة، إذ وضع موسى عليه يديه، فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرب موسى.» (تث 34: 9) ووَضْع اليد كان لإعطاء البركة منذ القديم. فقد وضع إسحق يديه بالبركة على يعقوب ابنه، ووضع يعقوب يديه ليُبارِك أفرايم ومنسَّى (تك 48: 14). وفي كنيسة العهد الجديد توضع اليد أيضاً على المختارين للدرجات الكهنوتية ليتقبَّلوا عطية الروح القدس للخدمة (1تي 4: 14). أما يشوع فقد كان لائقاً لهذا الاختيار لِمَا تحلَّى به طوال حياته مع موسى من صفات فاضلة: - فقد كان خادم موسى منذ الصغر، ولازَم معلِّمه بكل إخلاص، واستأمنه موسى على كثير من الأعمال الخطيرة. - فهو الذي قاد الحرب ضد عماليق (خر 17). - وهو الذي صعد مع موسى على الجبل في سيناء. ونزل معه وشاهد الشعب في سقطتهم الشنيعة وهم يعبدون العجل الذهبي (خر 24: 13؛ 32: 17). - وكان يدخل مع موسى إلى خيمة الاجتماع حينما كان موسى يتكلَّم مع الرب وجهاً لوجه كما يكلِّم الرجل صاحبه: «وإذا رجع موسى إلى المحلة، كان خادمه يشوع بن نون الغلام لا يبرح من داخل الخيمة» (خر 33: 11). وهكذا كان دائم الصلاة أمام الله. - وكان أحد الجواسيس الاثني عشر الذين تجسَّسوا أرض كنعان بناء على إرسالية موسى لهم، وشهد عن الأرض شهادة حسنة ممجِّداً الرب مع كالب بن يَفُنَّة. لذلك استحقا دخول أرض كنعان من دون كل الجيل الذي خرج من مصر؛ بل وهوذا الرب قد اختاره ليكون قائداً للشعب لامتلاك أرض الموعد (انظر عد 14). ورغم أن الله هو الذي عيَّن يشوع ليكون خَلَفاً لموسى في قيادة الشعب، إلاَّ أنه أمر موسى أن يوقف يشوع قدَّام ألعازار الكاهن وقدَّام كل الجماعة وأن يوصيه أمام أعينهم. فهنا يتجلَّى دور الكاهن والشعب في تنصيب رئيس وقائد للشعب. وهوذا موسى بصفته قائد الجماعة يُسلِّم مقاليد قيادته ليشوع قدَّام رئيس الكهنة بصفته الأب الروحي للجماعة، وأمام كل جماعة إسرائيل الذين سيكون لهم يشوع قائداً لكي يطيعوه ويخضعوا له ويتعاونوا معه، كمشاركين ومسئولين معه عن نجاح مهمته. كما أمر الرب موسى أن يجعل من هيبته على يشوع مُقدِّماً إيـَّاه للشعب كمساوٍ له في الكرامة والتكريم والطاعة والخضوع. إلاَّ أن الرب قد رسم ليشوع أن يقف أمام ألعازار الكاهن فيسأل له بقضاء الأُوريم أمام الرب، وليس مثل موسى الذي كان يُكلِّمه الرب وجهاً لوجه كما يكلِّم الرجل صاحبه. فقد كان على يشوع أن يقف أمام رئيس الكهنة الذي يسأل له الرب عن طريق الأوريم والتميم، ويُنبئه بمقاصد الرب (خر 28: 30). والأُوريم والتميم معناهما: ”الأنوار والكمالات“. وقد كانا حجرين كريمين يوضعان في صُدرة رئيس الكهنة التي تُسمَّى صُدرة القضاء (لا 8: 8). وكانا يُدلاَّن على نور وكمال الإرشاد الإلهي. ومع أن موسى كان يُدعى رئيس الأنبياء، وكان عظيماً في خدمته، ودُعِيَ أيضاً كليم الله، وهو الذي استؤمن على تسليم الناموس وشريعة العهد القديم لبني إسرائيل، وقال عنه بولس الرسول في رسالته للعبرانيين: إنه «كان أميناً في كل بيته كخادم شهادةً للعتيد أن يُتكلَّم به» (عب 3: 5). إلاَّ أنه رغم كل هذا، فقد انتهت رسالته عند حدِّ الوصول إلى تخوم أرض الميعاد. أما الذي استؤمن على تمليك الشعب للأرض التي تفيض لبناً وعسلاً هو يشوع بن نون الذي كان رمزاً للمسيح. وفي هذا يقول القديس يوستين الشهيد في حواره مع تريفو اليهودي: [الذي أقصده هو أن يشوع... الذي كان يُدعى هوشع، عندما أُرسِل ليتجسَّس أرض كنعان (عد 13: 16،8)، دعاه موسى يسوع (يشوع)... ولكن بما أنه ليس فقط قد تغيَّر اسمه، وإنما قد عُيِّن أيضاً خَلَفَاً لموسى، إذ كان هو الوحيد الذي كان معاصراً له من الذين عاشوا من الرجال الذين خرجوا من مصر (خلاف كالب بن يَفُنَّة)، فهو الذي تعيَّن قائداً للشعب المتبقي لامتلاك الأرض المقدسة. وبما أنه هو - وليس موسى - الذي قاد الشعب إلى الأرض المقدسة، وهو الذي قسَّمها بالقرعة بين أولئك الذين دخلوا معه؛ هكذا أيضاً يسوع المسيح هو الذي سيجمع شتات الشعب (من الأمم) ويُقسِّم الأرض الجيدة على كل واحد، وإن كان بنظام مخالف. لأن الأول أعطاهم ميراثاً زمنياً، إذ لم يكن هو المسيح الذي هو الله، ولا كان هو ابن الله؛ ولكن الأخير، بعد القيامة المقدسة، سوف يعطينا المُلْك الأبدي.](1) ويقول أيضاً القديس إيرينيئوس أسقف ليون (القرن الثاني): [لأنه كان مُناسباً أن موسى يقود الشعب إلى خارج مصر، أما يشوع فيقودهم إلى أرض الميراث. وكان مناسباً أيضاً لموسى، كما هو الحال مع الناموس، أن يتوقف عن الوجود. أما يشوع، بصفته الرمز المطابق للكلمة الذي صار جسداً، فكان لائقاً به أن يصير هو كارزاً للشعب، كما هو الحال مع الكلمة. وأيضاً فقد كان لائقاً أن موسى يُعطي المنَّ طعاماً للآباء؛ أما يشوع فيُعطيهم الحنطة، كأول ثمار الحياة (في أرض الموعد)، كرمز لجسد المسيح، كما أعلنت الأسفار أيضاً أن المنَّ الذي من عند الرب توقَّف عن النزول عندما أكل الشعب الحنطة من الأرض (التي ورثوها في كنعان).] (2)(يتبع) (1) ANF, chap. 113, p. 818. (2) Fragments XIX,1184. |