دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

دراسة الكتاب المقدس: سفر العدد
سفر التيه والتجربة في البرية
ــ 17 ــ

ملخَّص خطة دراسة السفر:
أولاً: إعداد الجيل القديم ليرث أرض الموعد (1:1ــ10:10).
1 ــ تنظيم الجماعة تمهيداً للارتحال ( 1:1ــ49:4).
2 ــ تقديس الجماعة (1:5ــ10:10).

ثانياً:
فشل الجيل القديم في أن يرث أرض الموعد (11:10ــ18:25).
1 ــ بدايات الفشل في الطريق إلى قادش (11:10ــ16:12).
2 ــ أزمة قادش برنيع (1:13ــ45:14).
3 ــ إخفاق إسرائيل المتواصل (1:15ــ22:19).
4 ــ حوادث في الطريق إلى موآب (1:20ــ18:25).

ثالثاً: إعداد الجيل الجديد لميراث أرض الموعد (1:26ــ13:36).
1 ــ إعادة تنظيم إسرائيل (1:26ــ23:27).
2 ــ شرائع للتقدمات والنذور (1:28ــ16:30).
3 ــ الانتصار على الشعوب في شرق الأردن وتقسيمها على أسباط إسرائيل (1:31ــ13:36).

ثانياً: فشل الجيل القديم في أن يرث أرض الموعد (10: 11-25: 18)

2 - أزمة قادش برنيع (13: 1-14: 45)

ب - تذمُّر الشعب ورفضهم الصعود لامتلاك أرض الموعد (14: 1-35)

رأينا في المقال السابق كيف كان تقرير الجواسيس الذين تجسَّسوا أرض الموعد مليئاً بالمتناقضات. فبينما أقرُّوا بأن الأرض التي تجسَّسوها تفيض لبناً وعسلاً، وهذا ثمرها الذي حملوه معهم؛ نجدهم ينشرون الرُّعبة والخوف في قلوب الشعب بقولهم إن سكان الأرض عمالقة ومدنهم حصينة جداً، وبالتالي فإنهم لا يقدرون أن يصعدوا إليهم ليمتلكوا أرضهم لأنهم أشد منهم. وهكذا نسوا كل أعمال الله العظيمة معهم منذ أخرجهم من أرض مصر بيد قوية وذراع رفيعة.

ولم يكن هذا هو تقرير الجواسيس كلهم؛ بل قد انقسموا إلى مجموعتين:

فعشرة منهم أشاعوا المذمـة عـن الأرض التي تجسَّسوها، بينما شهد اثنـان منهم هما كالب بن يَفُنَّة من سبط يهوذا ويشوع بن نون من سبط أفرايم، بأنها أرض جيدة وأنهم قادرون على امتلاكها. فلقد نظر العشرة إلى الأمر نظرة مادية خالية من الإيمان، بينما حكم الاثنان في الأمر بعين الإيمان واثقين أن ما تراه عين الإيمان يعمى عنه تماماً مَن ينظرونه بالعيان.

ولكن الشعب العديم الإيمان صدَّق تقرير الجواسيس العشرة ولم يصدِّق حُكْم الاثنين، وهكذا:

+ "فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت وبكى الشعب تلك الليلة. وتذمَّر على موسى وهارون جميع بني إسرائيل، وقال لهما كل الجماعة: ليتنا متنا في أرض مصر أو ليتنا متنا في هذا القفر. ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف؟ تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة؟ أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر؟ فقال بعضهم لبعض نقيم رئيساً ونرجع إلى مصر." (عد 14: 1-4)

هذه هي نتيجة عدم الإيمان الذي ولَّد فيهم الخوف والهلع من مواجهة قوم عمالقة يسكنون مدناً محصَّنة. فماذا كان يُنتظر من شعب نظروا أنفسهم كالجراد أمام أُناس جبابرة لا يمكنهم التغلُّب عليهم، وليس لديهم أي ثقة في إلههم الذي يستطيع أن يقهر أعداءهم وينصرهم على كل ما يُقابلهم من صعوبات؟ وكيف نسوا سريعاً كل الخيرات التي اجتازوها منذ اجتيازهم البحر الأحمر وتهليلهم للرب بترنيمة الظفر والغلبة قائلين:

+ "ترشد برأفتك الشعب الذي فديته، تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك. يسمع الشعوب فيرتعدون. تأخذ الرعدة سكان فلسطين. حينئذ يندهش أُمراء أدوم، أقوياء موآب تأخذهم الرَّجفة. يذوب جميع سكان كنعان، تقع عليهم الهيبة والرُّعب. بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر، حتى يَعْبُر شعبك يا رب، حتى يَعْبُر الشعب الذي اقتنيته. تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك، المكان الذي صنعته يا رب لسكنك. المَقْدِس الذي هيَّأته يداك يا رب..." (خر 15: 13-17)

أليست هذه هي الأرض التي كانوا يتطلَّعون إليها والميراث الذي كانوا ينتظرون تحقيقه بفارغ الصبر؟! والآن هوذا قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الظفر بما كانوا يصبون إليه! فلماذا تبخر إيمانهم هكذا سريعاً بإلههم الذي اختبروا قوته وعاينوا بأنفسهم عجائبه وقواته التي صنعها معهم؟! وهل إلى هذا الحدّ يصل بهم الرُّعب من مواجهة أعدائهم، أن يفكِّروا في العودة إلى مصر التي ذاقوا فيها مذلة العبودية؟! ولم يقف الأمر عند هـذا الحد بـل أخذوا في التخطيط لإقامة رئيس لهم بدلاً من موسى ليُرجعهم إلى مصر!! أما علَّة ما وصلوا إليه من إحباط فقد فسَّره بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين بقوله: "فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا (أرض كنعان) لعدم الإيمان." (عب 3: 19)

موسى وهارون يتوسَّلان إلى الشعب، ويشوع وكالب يحاولان إقناعهم:

+ "فسقط موسى وهارون على وجهيهما أمام كل معشر جماعة بني إسرائيل. ويشوع بن نون وكالب بن يَفُنَّة من الذين تجسَّسوا الأرض مزَّقا ثيابهما، وكلَّما كل جماعة بني إسرائيل قائلَيْن: الأرض التي مررنا فيها لنتجسَّسها، الأرض جيدة جداً جداً. إن سُرَّ بنا الرب يُدْخِلنا إلى هذه الأرض، ويُعطينا إيَّاها أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. إنما لا تتمرَّدوا على الرب ولا تخافوا من شعب الأرض، لأنهم خبزنا. قد زال عنهم ظلهم، والرب معنا، لا تخافوهم." (عد 14: 5-9)

لم يكن أمام موسى وهارون إزاء تذمُّر الشعب وتهديده بإقامة رئيس لهم بدلاً من موسى ليُرجعهم إلى مصر، إلاَّ أن يسقطا على وجهيهما أمام كل الجماعة، لعلهما يستطيعان بتذلُّلهما واتضاعهما أن يصرفا عن الجماعة روح التذمُّر والتمرد، ويمنعا غضب الله عليهم بسبب تذمرهم وعصيانهم وعدم إيمانهم.

كما تقدَّم يشوع بن نون وكالب بن يَفُنَّة، اللذان كانـا ضمن الذيـن تجسَّسوا الأرض، محاولَيْن أن يُهدِّئا مـن ثورة الشعب. فمزَّقا ثيابهما تعبيراً عن خوفهما من غضب الله على الجماعة، وتحذيراً للشعب من إسخاطهم الرب عليهم، ونطقا بالشهادة الصادقة لِمَا رأوه، معلنَيْن ثقتهما وإيمانهما بالله القادر أن يُعطيهم الأرض التي تفيض بالخيرات رغم كل الصعوبات. وطالبوهم بأن لا يتمرَّدوا على الرب ولا يخافوا من الشعوب الساكنين في الأرض: "لأنهم خبزنا. قد زال عنهم ظلهم، والرب معنا، لا تخافوهم".

لقد كان هذا هو صوت الإيمان والرجاء الذي شهد به هذان الجاسوسان الأمينان. ولكن، بالرغم من تذلُّل موسى وهارون واتضاعهما أمام الشعب، وبالرغم من شهادة الجاسوسين لهم وتشجيعهم بأن لا يخافوا وأن يثقوا في وعود الرب لهم، ولكن:

+ "قال كل الجماعة أن يُرجَما بالحجارة." (عد 14: 10)

فقد ازدادوا عناداً وقساوة، ورفضوا تذلُّلات موسى نبيهم العظيم وهارون رئيس كهنتهم، ونبذوا واحتقروا شهادة أخويهم الأمينة المُخلِصة، حتى أنهم قرَّروا أن يرجموهما بالحجارة. وهنا تدخَّل الله في الوقت المناسب ليمنع أذية أصفيائه وخدَّامه الأمناء، لأنه مكتوب: "مبارك الرب الذي لم يُسلِمنا فريسة لأسنانهم" (مز 124: 6)، فقد:

+ "ظهر مجد الرب في خيمة الاجتماع لكل بني إسرائيل. وقال الرب لموسى (بصوت مسموع وإن كان لم يفهمه الشعب): حتى متى يُهينني هذا الشعب، وحتى متى لا يُصدِّقونني بجميع الآيات التي عَمِلْتُ في وسطهم؟! إني أضربهم بالوبـإ وأُبيدهم وأُصيِّرك شعباً أكبر وأعظم منهم." (عد 14: 10-12)

لقد أكَّد الرب حضوره بظهور مجده وبهاء نوره في سحابةٍ غطَّت خيمة الاجتماع، كما حدث قبل ذلك في مواقف كثيرة (انظر خر 16: 10؛ 24: 16و17؛ 40: 34، لا 9: 23)، وسمع الشعب صوت الرب يخاطب موسى دون أن يفهم ما يقوله له، مما جعله يرتعب ويقف عند حدِّه. وكان حديث الرب لموسى إعلاناً لسخطه الشديد على هذا الشعب الذي أهانه وتمادى في إهانته إلى أبعد الحدود، وذلك بعدم إيمانه وتمرُّده بالرغم من كل الآيات التي عملها الرب في وسطهم. وقد قرر الرب أن يضربهم بالوبأ ويبيدهم ويجعل من موسى شعباً أكبر وأعظم منهم، كما جعل من نوح من قبل أباً لشعوب وأُمم العالم بعد الطوفان.

ويُعلِّق على ذلك العلاَّمة أوريجانوس قائلاً:

[إذا كان الرب قد نطق بمثل هذا التهديد، فليس لكون الطبيعة الإلهية خاضعة للعواطف وثورة الغضب، ولكن لكي تظهر محبة موسى للشعب، ولطف الله الذي لا يمكن إدراك أغواره نحو كل الخطاة... فإذا كان لدى الله أسباب للسخط ضد الإنسان، فإن غضبه يهدأ إزاء ابتهالات الإنسان وتضرُّعاته. ويمكن للإنسان أيضاً أن يحصل على تغيير الله لأحكامه التي سبق وأصدرها؛ حيث إن اللطف الذي تبع الغضب يُبيِّن مكانة موسى لدى الله، ويرينا كيف أن الطبيعة الإلهية لا تخضع لانفعال الغضب...

كما أن هذا التهديد بإبادة الشعب وإقامة شعب آخر أكبر وأعظم منهم، لم يكن ناتجاً عن الغضب لكنه نبوة، حيث إن أُمة أخرى يجب أن تُختار، وهي الشعب الوثني الذي لن يكون اختياره عن طريق موسى... بل بيسوع المسيح...]

فقد كان ردُّ موسى على الرب مقابل تهديده بإبادة شعب إسرائيل وإقامة شعب أعظم منهم من نسل موسى ومن ذريته، مليئاً بإنكار الذات والمحبة والتشفُّع في شعبه رغم جحودهم لنِعَم الله وأفضاله عليهم، وتطاولهم على موسى وهارون أيضاً. ومع ذلك فقد أخذ موسى في تقديم الحجج والأسباب التي يُحنِّن بها قلب الرب لكي يرجع عـن سخط غضبه، مُطالباً الرب أن يتصرف مـع هذا الشعب بطول أناتـه وكثرة إحسانه وغفرانه للذنب والسيئة، ذاكراً عهده المقدس مع شعبه، وحتى لا يُقال بين الأمم إن الرب قد تخلَّى عن شعبه، وإنه لم يقدر أن يُدخلهم الأرض التي وعدهم بامتلاكها. وظل موسى يتشفع في شعبه متوسلاً إلى الرب بلا فتور أن يصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمته، إلى أن حَظِيَ بقول الرب له: "قد صفحت حسب قولك". وهوذا نص شفاعة موسى الراعي الأمين:

+ "فقال موسى للرب: فيسمع المصريون الذين أصعدتَ بقوتك هذا الشعب من وسطهم، ويقولون لسكان هذه الأرض الذين قد سمعوا أنك يا رب في وسط هذا الشعب الذين أنت يا رب قد ظهرتَ لهم عيناً لعين وسحابتك واقفة عليهم، وأنت سائر أمامهم بعمود سحاب نهاراً وبعمود نار ليلاً. فإن قتلتَ هذا الشعب كرجل واحد يتكلَّم الشعوب الذين سمعوا بخبرك قائلين: لأن الرب لم يقدر أن يُدخِل هذا الشعب إلى الأرض التي حلف لهم، قتلهم في القفر. فالآن لتعظم قدرة سيدي كما تكلَّمتَ قائلاً: الرب طويل الروح كثير الإحسان، يغفر الذنب والسيئة، لكنه لا يُبرئ بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع. اصفَحْ عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك، وكما غفرتَ لهذا الشعب من مصر إلى ههنا. فقال الرب قد صفحتُ حسب قولك، ولكن حيٌّ أنا فتُمْلأ كل الأرض من مجد الرب. إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عَمِلتُها في مصر وفي البرية، وجرَّبوني الآن عشر مرات، ولم يسمعوا لقولي؛ لن يروا الأرض التي حلفتُ لآبائهم، وجميع الذين أهانوني لا يرونها. وأما عبدي كالب فمِن أجل أنه كانت معه روح أخرى وقد اتَّبعني تماماً، أُدخِلُه إلى الأرض التي ذهب إليها وزرعه يـرثها. وإذ العمالقة والكنعانيون ساكنون في الوادي، فانصرِفوا غداً وارتحِلوا إلى القفر في طريق بحر سوف." (عد 14: 13-25)

لقد صفح الرب عن ذنب أولئك الذين أهانوه، واستجاب لشفاعة موسى من أجلهم. ولكنه كأب صالح لابد أن يُؤدِّب الذين أخطأوا. فكما أخذت رحمته مجراها في عدم إبادتهم فوراً، لابد أن يأخذ العدل مجراه في عدم دخولهم الأرض التي لم يثقوا في مواعيد الرب بتوريثها لهم. وبذلك يتمجَّد الرب في عدله ورحمته، فتُملأ كل الأرض من مجد الرب. لأنه هكذا يتمجد الرب دائماً بلطفه وصرامته.

الله ينطق بتأديباته التي حكم بها على شعبه:

+ "وكلَّم الرب موسى وهارون قائلاً: حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ. قد سمعتُ تذمُّر بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليَّ. قُلْ لهم: حيٌّ أنا يقول الرب، لأفعلنَّ بكم كما تكلَّمتم في أُذنيَّ. في هذا القفر تسقط جثثكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعداً الذين تذمَّروا عليَّ. لن تدخلوا الأرض التي رفعتُ يدي لأُسْكِنَـنَّكم فيها ما عدا كالب بن يَفُنَّة ويشوع بن نون. وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة، فإني سأُدخلهم فيعرفون الأرض التي احتقرتموها، فجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر. وبنوكم يكونون رعاةً في القفر أربعين سنة ويحملون فجوركم حتى تفنى جثثكم في القفر. كعدد الأيام التي تجسَّستم فيها الأرض أربعين يوماً، للسنة يوم تحملون ذنوبكم أربعين سنة فتعرفون ابتعادي. أنا الرب قد تكلَّمتُ لأفعلنَّ هذا بكل هذه الجماعة الشريرة المتفقة عليَّ. في هذا القفر يفنون وفيه يموتون." (عد 14: 26-35)

لقد غفر الله للشعب استجابة لصلاة موسى، ولكنه يتساءل مستنكراً كثرة تذمُّرهم الذي زاد عن الحدِّ، وذلك بقوله: "حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ"؟! فلابد من تقويم لهذا الشعب المتذمر، حتى يكونوا مثالاً للأجيال الآتية بعدهم: "فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً، وكُتبتْ لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور." (1كو 10: 11)

كان قد مضى على خروج بني إسرائيل من مصر نحو سنتين تقريباً، وكانوا قد وصلوا إلى أبواب كنعان، أرض الميعاد، ولكن بسبب عدم إيمانهم وتذمُّرهم قضى الرب أن يظلوا تائهين في البرية حتى يفنى الجيل المتمرد الذي خرج من مصر، فيما عدا كالب بن يَفُنَّة ويشوع بن نون اللذان كانا أمينين في شهادتهما عن أرض الميعاد.

أما أطفالهم الذين وُلدوا في القفر، والذين قالوا عنهم إنهم سيقعون غنيمة الأَسْر في أيدي شعوب أرض كنعان، فهؤلاء هم الذين سيُدخلهم الرب الأرض التي احتقروها. أما هم فكعدد الأيام التي تجسَّسوا فيها الأرض أربعين يوماً، سوف يُعاقبهم الرب بالتيه في البرية سنة عن كل يوم، لكي يظلوا تائهين في البرية أربعين سنة حتى تسقط جثث كل الذين تذمروا منهم في القفر. وفي هذا يقول عنهم المرتل في المزامير: "رذلوا الأرض الشهية، لم يؤمنوا بكلمته، بل تمردوا في خيامهم، لم يسمعوا لصوت الرب. فرفع يده عليهم ليُسقطهم في البرية" (مز 106: 24-26). كما قال أيضاً: "أربعين سنة مقتُّ ذلك الجيل وقلتُ هم شعب ضالٌّ قلبهم، وهم لم يعرفوا سبلي، فأقسمت في غضبي لا يدخلون راحتي." (مز 95: 10و11)

وبولس الرسول يُحذِّرنا نحن أيضاً قائلاً:

+ "فمَن هم الذين إذ سمعوا أسخطوا. أليس جميع الذين خرجوا من مصر بواسطة موسى؟ ومَن مَقَتَ أربعين سنة؟ أليس الذين أخطأوا الذين جثثهم سقطت في القفر؟ ولِمَن أقسم لن يدخلوا راحته إلاَّ للذين لم يطيعوا. فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الإيمان. فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يُرى أحدٌ منكم أنه قد خاب منه... فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عِبرة العصيان هذه عينها." (عب 3: 16-19؛ 4: 1و11)

لقد كان الجيل القديم الذين سقطت جثثهم في البرية ولم يستطيعوا أن يرثوا أرض الموعد، رمزاً للإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، الذي لابد أن نخلعه ونلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق، الذي به نرث ملكوت السموات، لأنه: "لا يرث الفساد عدم الفساد." (1كو 15: 50)

(يتبع)