بحث تاريخي |
|
|
الأستاذة الدكتورة/ شيرين صادق الجندي
أستاذ الآثار والفنون القبطية
ورئيس قسم الإرشاد السياحي بكلية الآداب - جامعة عين شمس
يُعدُّ دير العزب من أكبر الأديرة القبطية الباقية حالياً في مدينة الفيوم ولاسيما بعد أن تم تجـديده وتوسعته. وملحق بهذا الدير مباني للخدمات والمؤتمرات وأماكن الخلوات الجماعية والفردية والورش الفنية والحدائق الواسعة والخلابة. وقد شُيِّد متحف كبير بدير العزب يضم كثير من التحف الأثرية الخشبية والمعدنية والأواني الفخارية والأيقونات والمخطوطات النادرة التي عثر عليها داخل هذا الدير. وتعتبر رفات القديســين والشهداء من أهم مقتنيات دير العزب. ويفتح مدخل الدير في منتصف الحائط الجنوبي وهوعبارة عن بوابة بارزة كبيرة الحجم يعلوها صليب. وأقدم الأبنية من الناحية الأثرية والموجودة بالدير حالياً هي كنيسة العذراء مريم. وقد أعيد ترميمها عدة مرات بداية من القرن الثاني عشر الميلادي.
وتوجد واجهة الكنيسة الرئيسية مستطيلة الشكل في الناحية الغربية وهي غُفل من الزخارف. ويسبق الكنيسة فناء خارجي به بائكة ذات عقود دائرية خشبية. وللكنيسة مدخلان الأول منها في الشمال الشرقي والآخر في الغرب. وقسمت الكنيسة من الداخل إلى أربعة أروقة طولية مفصولة عن بعضها البعض عن طريق ثلاث بائكات تحتوي كل منها على أربعة عقود نصف دائرية محمولة على ثلاثة أعمدة مسـتديرة إضافة إلى دعامة مستطيلة. وتنتهي هذه الأروقة مباشرة في الشرق بأربعة هياكل غير منتظمة الشكل باستثناء الهيكل الثاني الجنوبي وهو نصف دائري. ويسبق الدهليز المستعرض الأروقة الطولية الأربعة من الغرب.
دير الحمام:
Dair al-Hammam – Dair Abu Ishaq
يوجد دير أبي إسحق المعروف بدير الحمام في جنوب الفيوم على بعد من بلدة اللاهون بحوالي 9 كم شمالاً. ويحمل الدير اسم قرية الحمام إضافة إلى اسم الشهيد اسحق الدفراوي المولود بمحافظة الغربية (شكل رقم 5). ويتم الاحتفال سنويًّا بعيده يوم 6 من شهر بشنس وقد كرست له كنيسة صغيرة. ويتم الوصول إلى الدير عن طريق اللاهون – الواسطى.
وبُنى دير الحمام، الذي يعتبر من أهم الأديرة القبطية القديمة كما تؤكده عمارة مبانيه القديمة والتي لم يُعاد بناؤُها، بُني على ربوة رملية مرتفعة، وبه كنيستين تعـرف الأولى منهما باسم السيدة العذراء والثانية باسم أبي إسحق. وطليت قباب الدير مؤخراً أكثر من مرة باللون الأبيض.
وورد ذكر هذا الدير الهام في مؤلف أبو المكارم/ أبو صالح الأرمني Abu Salih the Armenian غير أنه لم ترد إليه أية إشارة في كتاب الخطط المقريزية للمؤرخ المملوكي الشهير المقريزي al-Maqrizi والذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي. وقد وصف أبو صالح الكنيسة الرئيسية بدير الحمام والمكرسة للسيدة العذراء بكل ما فيها من أعمدة وتيجانها المختلفة.
وفي عام 1889، عثر فلندرز بتري Fl. Petrie في هذا الدير على مجموعة برديات نادرة نشرها العالم كرام W.E. Crum سنة 1893، وترجع كلها إلى الفترة الممتدة من القرن الثامن إلى الحادي عشر الميلادي.
وقد اختفت الكنيسة الأصلية وبنيت بدلاً منها كنيسة جديدة وهو ما أوضحه تيلر سنة 1907 Teilhard de Chardin وجيمبررديني Giamberadini في سنة 1965 . وفي عام 1925، أكد الأمير عمر طوسون Omar Tousson وجود دير يحمل اسم أفيتام Afitam وربما كان بالقرب من هذا الدير. وأشار دارسيه Daressy في سنة 1917 إلى هذا الدير، وكذلك أبوت N. Abbott في سنة 1937. وفي عام 1930، أكد جوهان جورج Johann George على وجود باب مزخرف وبعض تيجان الأعمدة المؤرخة من القرن السادس الميلادي. أما المبنى الحالي لدير الحمام، فقد وصفه ميناردس Otto F.A. Meinardus سنة 1965 وكذلك في عام 1977. وكتب عن وصف هذا الدير كل من عدلي S. Adli في سنة 1980 وكذلك بيتر جروسمان P. Grossmann في عام 1991. ولم يتبقى حالياً من دير الحمام غير الكنيسة. وتحيط بها كميات كبيرة من الشقافات Ostraca. وعلى مقربة من هذه الكنيسة، توجد بقايا جبانة.
دير البنات: Dair al-Banat
ويعرف الدير أيضاً باسم دير شلا وكذلك باسم Women’s convent. ويقع هذا الدير جنوب مدينة الفيوم بالقرب من دير النقلون وبجانبه أيضاً جبانة كبيرة. وبكنيسة الدير صالة مستعرضة تؤدي إلى الرواق الرئيسي والرواقين الشمالي والجنوبي إضافة إلى مجموعة من الحجرات في الشمال وربما في الجنوب.
وبالدير أطلال مبان ترجع إلى العصرين اليوناني والروماني إلى جانب كنيسة متهدمة وبعض المقابر. وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا الدير مثل أبوت سنة 1937 وخورشيد M.F. Khorshid سنة 1982 و تيم S. Timm سنة 1984 إلى جانب بيتر جروسمان سنة 1991.
دير ســنورس: Dair Sanuris
ويعتبر دير سنورس (الشكل رقم 6) من الأديرة القبطية الهامة المشيدة في بلدة سنورس على بعد 12 كم تقريبًا شمال الفيوم. ويضم الدير حالياً جزءاً قديمًا من كنيسة تم تجديدها عام 1890م في عهد نظارة المعلم شيهات عبد السيد، إلى جانب كنيسة أخرى حديثة البناء.
وبالدير كنيسة شمالية بها جزء من الكنيسة الأثرية التي كانت تشتمل على هيكل نصف دائري تضمَّن بدوره عدة حنيات وحجرات جانبية مستطيلة الشكل. وبالقرب من الهيكل الشمالي للكنيسة، توجد لوحة حائطية قديمة من الرخام عليها نحت للسيدة العذراء مريم وهي تحمل السيد المسيح طفلاً. ويحيط بهما كل من رئيس الملائكة ميخائيل ورئيس الملائكة غبريال. كما يوجد شاهد قبر قديم قوام زخرفته صليب وبعض الكتابات اليونانية.

(شكل رقم 6) كنيسة الملاك بسنورس
دير أبو الليف: Dair Abu’l-Lif
كان هذا الدير عامراً بالرهبان من القرن السابع حتى التاسع الميلادي. ويقع دير أبو الليف على بعد 2 كم تقريباً شمال غرب قصر الصاغة وشمال بحيرة قارون. ويتبقى به حالياً مغارتين جبليتين عثر بداخلهما على سبعة نقوش باللغة القبطية. وقد استخدمت إحدى المغارتين ككنيسة إلى أن تهدمت أغلب المغارات بالمنطقة.
دير الحامولي: Dair al-Hamuli
شيد هذا الدير على بعد 11 كم جنوب أبشواي وعثر فيه على عدة عناصر معمارية أثرية وبالأخص بعض الأعمدة إلى جانب مجموعة من المخطوطات التي نقل أغلبها إلى مكتبة P. Morgan بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي سنة 1938، وجد أعضاء البعثة الأثرية الإيطالية في دير أم البرجات جنوب تاطون غرب قلمشاه بقايا أثرية لكنيستين عثر فيهما على كتابات باللغتين القبطية والعربية وكذلك بعض الرسومات الجدارية التي نفذت بأسلوب الفريسكFresco وكلها ترجع إلى القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي، ولعل أهم هذه التصاوير الجدارية تلك التي يزينها منظر زخرفي لآدم وحواء قبل وبعد الخطيئة. ويعد هذا الرسم الجداري من أهم معروضات المتحف القبطي بالقاهرة.
دير الشهيد تاوضروس:
Dair the martyr Tawadros

(شكل رقم 7) دير الشهيد تاوضروس بدسيا
يوجد دير الشهيد تاوضروس على بعد ما يقرب من 6 كم غرب مدينة الفيوم. وقد تجددت كنيسة الدير المؤرخة من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي، في عصر الأنبا إبرام أسقف الفيوم (شكل رقم 7). وتنتمي هذه الكنيسة إلى نوعية الكنائس التي تحتوي على اثني عشر قبة لتغطية الهياكل الثلاثة الشرقية والصحن. ويحتوي كل هيكل على حنية أو شرقية كبيرة الحجم ودائرية الشكل. وعثر في كنيسة الدير على بعض الأيقونات النفيسة والمخطوطات الهامة.
دير القديس أبي السيفين بفيديمين:
Dair Saint Mercurios
يبعد هذا الموقع الأثري عن مدينة الفيوم بحوالي 12 كم تقريباً. كما يبعد عن عين السيلين بما يقرب من 2 كم في اتجاه الشمال. وتوجد كنيسة الدير في الشارع الرئيسي للبلدة وهي محاطة بالمقابر المسيحية (شكل رقم 8). وفي شمال شرق الكنيسة التي ترجع إلى القرنين بداية الثامن عشر ونهاية التاسع عشر الميلادي مخبأ صغير لإخفاء كل ما هو ثمين بطريقة آمنة. ومن أهم الأيقونات والمخطوطات المحفوظة في هذا الدير مخطوطة البصخة.

(شكل رقم 8) دير القديس أبي السيفين بفيديمين
وفي مدينة ماضي الواقعة غرب أطسا ومنشأة سيف النصر بالفيوم، اكتشف علماء البعثة الأثرية الإيطالية في نهاية القرن العشرين بقايا أثرية لثلاث كنائس مشيدة في الجنوب الشرقي للموقع ومؤرخة من القرن الخامس - السادس الميلادي (شكل رقم 9). وعثر في كل كنيسة منها على صحن ورواقان شمالي وجنوبي. كما تم العثور على حوض مياه شرق هيكل كنيسة واحدة من الثلاثة كنائس، وهو أمر غير معتاد في عمارة الكنائس القبطية.

(شكل رقم 9) كنائس أثرية بمدينة ماضي بالفيوم
الخاتمة:
مما سبق، يتضح أن مدينة الفيوم كانت ومازالت تعتبر من أهم المدن المصرية التي شهدت ميلاد وظهور الرهبنة القبطية في القرن السابع الميلادي على يد القديس صمويل المعترف Samuel the Confessor. وأدى هذا فيما بعد إلى التوسع في تشييد الأديرة والكنائس المختلفة التي كرست لأهم القديسين والقديسات في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ومازالت هذه المدينة تزخر حتى الوقت الراهن بالعمائر القبطية التراثية المؤرخة من عصور تاريخية مختلفة بما يسهم في التعريف بأدق تفاصيل حياة النساك والرهبان الأوائل الذين عاشوا في هذه المباني الأثرية تاركين خلفهم تراث ديني وتاريخي وحضاري جدير بأن ينهض المتخصصون والدارسون ومحبي التراث لدراسته وتوثيقه وحمايته من الاندثار والفناء.