دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

بمناسبة عيد الميلاد المجيد

 

 

رموز العهد القديم التي تشير إلى

والدة الإله

- 3 -

لقد شرح الآباء القديسون علاقة إشارات العهد القديم بالعذراء، واهتموا بكشف معانيها الرمزية العميقة. وقد تكلَّمنا في العددين السابقين (نوفمبر 2007، ص 19 - ديسمبر 2007، ص 20) عن: سُلَّم يعقوب، والعُلَّيقة المشتعلة، والطلّ (أي الندى)، والملكة. ونستكمل في هذا العدد سرد بقية الإشارات التي وردت في العهد القديم والتي تشير وترمز إلى والدة الإله.

الجبل المقدس:

في ليتورجيات التسابيح الكنسية توجد إشارات كثيرة لوالدة الإله باعتبارها الجبل، مثل: الجبل المقدس، والجبل الروحي، وجبل بيت الرب، الجبل غير الدنس، الجبل المُدخَّن (أي المُظلَّل عليه)، الجبل الدسم. وهذه الألقاب لها مصادر مختلفة في العهد القديم كما أن لها صدًى في العهد الجديد.

ولقب ”الجبل“ يُقصَد به جبل سيناء الذي استلم عليه موسى النبي لوحَي العهد، والذي ظلَّلت عليه سحابة من دخان النار الإلهية بسبب الحضرة الإلهية: «صارت رعودٌ وبروقٌ وسحابٌ ثقيلٌ على الجبل... وكان جبل سيناء كله يُدخِّن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأتون» (خر 19: 16-18)، «وحلَّ مجد الرب على جبل سيناء وغطَّاه السحاب ستة أيام» (خر 24: 16). فقد كان هذا الجبل هو الذي تميَّز بأهم استعلان إلهي في العهد القديم، أما نظيره في العهد الجديد فهو جبل التجلِّي الذي غطَّته أيضاً سحابةٌ سماويةٌ.

والكنيسة تُردِّد في ثيئوطوكية الثلاثاء قائلةً: ”لأن كلمة الله الحي الذي للآب نزل ليُعطي الناموس على جبل سيناء، وغطَّى رأس الجبل بالدخان والظلام والضباب والعاصف... هو أيضاً نزل عليكِ أيتها الجبل الناطق بوداعة ومحبة بشرية؛ وهكذا أيضاً تجسَّد منكِ بغير تغيير بجسد ناطق“. ومن تسابيح الكنيسة اليونانية: ”أيها المسيح، لقد انطلقتَ من العذراء. جئتَ من الجبل المظلَّل عليه، وأخذتَ جسداً من تلك التي لم تعرف زيجة“.

كما ان ”الجبل المُظلَّل عليه“ قد يشير إلى الجبل الذي رآه حبقوق النبي كما يقول لحن الكنيسة اليونانية: ”الجبل المُظلَّل عليه الذي سبق أن رآه حبقوق وتنبَّأ قديماً مُعلِناً أنه سكن (أو قام) في محراب الهيكل. هناك أعطت (العذراء) زهور الفضيلة، وبظلها غطَّت أقاصي الأرض“؛ إذ يقول حبقوق النبي: «الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. جلاله غطَّى السموات، والأرض امتلأت من تسبيحه» (حب 3: 3). وهكذا يصف اقتراب الله من البشر بظهور سحابة. وكان ذلك امتداداً لجبل سيناء الذي ظلَّلت عليه سحابة دخان النار الإلهية، حيث كان الله حاضراً ولكنه كان مُخفياً نفسه في عنصرٍ سرِّي رهيب هو العاصفة.

وفي الشروحات الآبائية، ولاسيما ما أورده القديس غريغوريوس النيسي في كتابه ”حياة موسى“، ما يُشير إلى والدة الإله: فكما أن الله غطَّى بحضرته جبل الشريعة وجبل التجلِّي المشار إليهما بالسحابة المُظلِّلة؛ هكذا فإن الله ”غطَّى“ العذراء كما قال لها الملاك: «الروح القدس يحلُّ عليكِ وقوة العليِّ تُظلِّلكِ» (لو 1: 35).

ومن بين الإشارات إلى والدة الإله: ”الجبل غير المنهدم“ و”الجبل غير الدنس“، وهما لقبان يُشيران إلى البتولية الدائمة للعذراء مريم. ونرى ذلك بصفة خاصة في حلم نبوخذنصَّر الذي فسَّره له دانيال النبي. فقد حلم ملك بابل «بتمثال عظيم... رأس هذا التمثال من ذهب جيد، صدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف» (دا 2: 31-33). وإذ كان الملك يتأمل في هذه الرؤيا يقول الكتاب: «قُطِعَ حجرٌ (”من الجبل“ - حسب السبعينية) بغير يدين، فضرب التمثال... فانسحق الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافـة البَيدر في الصيف، فحملتها الريـح فلم يُوجـد لها مكان. أمـا الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً ومـلأ الأرض كلها» (دا 2: 35،34).

وقد فسَّر دانيال الحلم للملك قائلاً إن أجزاء التمثال المختلفة المصنوعة من موادٍ مختلفة، هي ممالك ستخلف بعضها البعض، ابتداءً من مملكة بابل ونبوخذنصَّر ذاته. ثم قال إن الحجر الذي حطَّم الممالك الأخرى التي يُمثِّلها التمثال فهو يشير إلى أنه من أصل إلهي: «يُقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكُها لا يُترَك لشعبٍ آخر، وتَسحق وتُفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيتَ أنه قد قُطِعَ حجرٌ من جبلٍ لا بيدين، فَسَحَقَ الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب» (دا 2: 45،44).

وقد جاء في ثيئوطوكية الثلاثاء أيضاً: ”لأن هذا هو الحجر الذي رآه دانيال قد قُطِعَ من جبل، ولم تلمسه يد إنسان البتة؛ هو الكلمة الذي من الآب، أتى وتجسَّد من العذراء بغير زرع بشر حتى خلَّصنا“.

والرب يسوع يستخدم أيضاً تلك الإشارات من العهد القديم، فيُعرِّف نفسه بأنه «الحجر الذي رفضه البنَّاؤون هو قد صار رأس الزاوية. مِن قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا! لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطَى لأُمَّة تعمل أثماره. ومَن سقط على هذا الحجر يترضَّض، ومَن سقط هو عليه يسحقه» (مت 21: 42-44). والرب يُردِّد هنا كلام المزمور (مز 118: 23،22)، وهو ما تنبَّأ عنه إشعياء النبي: «هأنذا أؤسِّس في صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية كريماً أساساً مؤسَّساً، مَن آمن لا يهرب (”لن يخزى“ حسب السبعينية)» (إش 28: 16).

ولذلك، فإن الآباء، مثل: يوستينوس الشهيد وإيرينيئوس أسقف ليون، يعتبرون أن المسيح هو الحجر الذي رآه ملك بابل في الحلم. فإن ولادة المسيح من عذراء لها مكانة مرموقة في كتاب القديس يوستينوس ”حوار مع تريفو“، وهو يستعمل حجر ذلك الحلم ليُدعِّم به براهينه بخصوص هذا الميلاد البتولي، فيقول:

[كَوْن الحجر قُطِعَ بدون يد بشرية، يُظهِر أن هذا ليس عمل إنسان، بل إنه عمل مشيئة الآب إله الكل الذي أوجده](1).

ويتضح من حوار تريفو اليهودي مع هذا القديس أن القديس يوستينوس أشار في عدة مناسبات إلى أن هذا الحجر يشير غالباً إلى المسيح.

أما القديس إيرينيئوس فيقول:

[المسيح هو الحجر الذي قُطِعَ من الجبل بدون يدين، والذي يسحق الممالك الوقتية، ويأتي بالمملكة الأبدية (أي الملكوت الذي يدوم إلى الأبد)، التي هي قيامة الأبرار، لأنه مكتوبٌ: «يُقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً» (دا 2: 44)](2).

والقديس إيرينيئوس هو الذي رأى وجود علاقة بين الجبل الذي قُطِعَ منه الحجر والعذراء مريم، وذلك في شرحه لمغزى هذا التعبير: ”بدون يد بشرية“، فيقول:

[مجيء المسيح إلى العالم لم يكن بفعل أيدٍ بشرية، أي من الذين اعتادوا على قطع الأحجار، أي أن يوسف (النجار) لم يكن له نصيبٌ في هذا العمل، ولكن للقديسة مريم وحدها، مشتركةً مع الخطة الإلهية المُدبَّرة مُسْبقاً. لأن ذلك الحجر الذي من الأرض حصل على وجوده من كلٍّ من قوة الله وحكمته](3).

ويؤكِّد أوريجانوس على بتولية العذراء مما قاله دانيال النبي، فيقول:

[لم يُبنَ هيكل جسد الرب بيد بشر في بطن العذراء، ولكن كما تنبَّأ دانيال، فإن الحجر قُطِعَ بغير يدين وصار جبلاً كبيراً. وهكذا أُخِذَ و”قُطِعَ“ هيكل الجسد من جبل الطبيعة البشرية وجوهر الجسد ”بغير يدين“، أي بدون عمل البشر](4).

ويرى القديس أوغسطينوس في تشبيه هذا الحجر بالمسيح تطبيقاً روحياً مجازياً على الحجر الذي صار جبلاً، فيقول:

[إذ يكبر الحجر ويملأ الكون، فإن الجبل ذاته يأتي إلينا. فلماذا نبحث عن هذا الجبل وكأنه لم يوجد، ولا نتسلَّقه في وقتنا الحاضر حتى يكون فينا الرب العظيم والمستحق لكل تسبيح؟](5).

كما أن الكنيسة تُردِّد في الهوس الكيهكي ما جاء في المزامير قائلةً: ”جبل الله الجبل الدسم، الجبل المتجمِّد الجبل الدسم، ما بالكم تظنون جبالاً مجبَّنة، الجبل الذي سُرَّ الله أن يسكن فيه، فإن الرب يسكن فيه إلى الانقضاء“. وهو مأخوذ من المزمور: «جبل الله جبل باشان، جبل أسنمة جبل باشان. لماذا أيتها الجبال المسنَّمة ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد» (مز 68: 16،15).

”جذع يسَّى“:

بالإضافة إلى نبوَّة إشعياء النبي بأن العذراء تلد عمانوئيل (أصحاح 7)، فإن قول هذا النبي: «يخرج قضيبٌ من جذع يسَّى» (إش 11: 1) هو من نصوص العهد القديم التي تشير كثيراً في الشروحات المسيحية إلى تجسُّد الرب يسوع. فقد أعلن هذا النبي أن روح الرب سيكون على هذا الغصن أو القضيب من يسَّى، الذي هو داود النبي، ويصف السجايا الروحية والأخلاقية التي سيُنعم بها الروح على نسل يسَّى، وأنه إبان مُلك هذا النسل سيكون عصر سلام للخليقة كلها (انظر إش 11: 1-10).

وربما كان القديس إيرينيئوس هو أول مَن ربط بين العذراء ونبوَّة إشعياء، إذ قال:

[بهذا الكلام يعني إشعياء النبي أن المسيح سيُولد من تلك التي هي من جنس داود وإبراهيم، لأن يسَّى كان من نسل إبراهيم ووالد داود، وأن العذراء التي حبلت بالمسيح كانت هي نفسها الغصن (أو القضيب)، وكلمة ”ينبت“ تشير إلى جسده لأنه نبت بواسطة الروح القدس](6).

فقول القديس إيرينيئوس يعني أن والدة الإله هي الغصن الذي نبت من جذع يسَّى، وأن المسيح الكلمة المتجسد هو الزهرة التي نبتت من هذا الغصن.

والقديس يوحنا ذهبي الفم يُطبِّق أيضاً هذه النبوَّة على المسيح بقوله:

[والد داود هو يسَّى، ليس السبط وحده بل حتى الأسرة التي يأتي منها المسيح يُشار إليها بالآية: «يخرج قضيبٌ من جذع يسَّى وينبت غصن من أصوله»، وهذا يشير ليس إلى غصن عادي، بل إلى المسيح نفسه. ويتضح ذلك أكثر من الكلام التالي: «يحلُّ عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم» (إش 11: 2). ولا يمكن أن يكون الإنسان غبياً لدرجة أنه يقول إن روح الرب يحلُّ على قطعة خشب، فلا يمكن أن يكون شيء أوضح من ذلك، فهذا الهيكل الذي هو بدون شائبة هو الذي يحلُّ عليه](7).

كما أن نبوَّة إشعياء النبي القائلة: «نبت قدَّامه كفرخ وكعِرق من أرض يابسة» (إش 53: 2)، تعني أن الأرض اليابسة هي رَحِم العذراء الذي حَمَل ابنها بطريقة خارجة عن قوانين الطبيعة(8).

ويذكر القديس مار أفرآم السرياني في ”تسابيح على التجسُّد“ نفس المعنى، فيقول:

[الأُجراء جاءوا ليُعطوا مجداً، للغصن الذي برز من جذع وأصل يسَّى، العنقود البكر من كرمة يابسة. ”فلنكن نحن أواني خمرك الجديد الذي يُجدِّد الكل“](9).

باب الهيكل:

كثيراً ما تُسمي تسابيحنا الليتورجية والدة الإله ”الباب“، أي باب الهيكل الذي رآه حزقيال النبي ناحية المشرق عندما كان مسبياً مع شعب الله في بابل في رؤيته التي كشفت له عن هيكل بيت الله الذي سيبنيه شعبه بعد رجوعه من السبي. وقد استغرق وصفه لهذه الرؤيا الجزء الأخير كله من سفره (الأصحاحات 40-48). فبعد أن قال له الرب إنه سيسكن في وسط شعبه إلى الأبد، جاء به إلى الباب المتَّجه إلى الشرق وقال عنه إنه يظل مغلقاً لأن الرب دخل منه: «حملني روحٌ وأتى بي إلى الدار الداخلية، وإذا بمجد الرب قد ملأ البيت... وقال لي: يا ابن آدم، هذا مكان كرسيِّي ومكان باطن قدميَّ حيث أسكن في وسط بني إسرائيل إلى الأبد... ثم أرجعني إلى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلق. فقال لي الرب: هذا الباب يكون مغلقاً لا يُفتَح ولا يدخل منه إنسان، لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً» (حز 43: 5-7؛ 44: 2،1).

ففي تسابيح كنيستنا نرتل قائلين: ”حزقيال شهد وأظهر لنا هذا قائلاً: إني رأيتُ باباً ناحية المشرق، الرب المخلِّص دخل فيه وبَقِيَ مغلقاً جيداً بحاله“ (إبصالية على ثيئوطوكية الأحد). كما أن لُبش الأربعاء يبدأ بالقول: ”حزقيال النبي يشهد قائلاً: إنني رأيتُ باباً ناحية المشرق مختوماً بخاتم عجيب، ولم يدخل فيه أحد إلاَّ رب القوات. دخل وخرج وبَقِيَ مختوماً على حاله. الباب هو العذراء التي ولدت مخلِّصنا، وقد بقيت عذراء بعد ولادته“.

وهكذا فإن باب الهيكل الشرقي مُخصَّصٌ لدخول الرب، ودخوله من ناحية الشرق يمكن مقارنته مع بعض الإشارات إلى الشرق في العهد الجديد. فالمجوس مثلاً جاءوا من المشرق ورأوا نجم الرب في المشرق (مت 2: 2). وقد تعزَّزت طبيعة الباب الشرقي المقدسة بالتوجيه الذي أُعطِيَ للنبي: إن هذا الباب يكون مغلقاً لأن الرب دخل منه. والعلاَّمة أوريجانوس في شرحه لسفر حزقيال يعتبر أن الباب المغلق رمزٌ لسر الأسفار المقدسة أي ”السفر المختوم“ الذي يمكن للمسيح أن يفتح ختومه (رؤ 5: 5)(10). ويشير هنا إلى قول إشعياء النبي: «صارت لكم رؤيا الكل مثل كلام السفر المختوم» (إش 29: 11). فيقول أوريجانوس: [ظلَّ الناموس مغلقاً وكلمة النبوَّة مغلقة، وهكذا ظل نص العهد القديم محجوباً، حتى مجيء ربي](11).

فإن كان المسيح بمجيئه يفتح ”أبواباً“ معينة لمعرفة مفهوم الكتاب المقدس، ولكن باباً واحداً يظل مغلقاً، فيقول أوريجانوس:

[يوجد باب واحد فقط مغلق، ولا يدخل منه أحد، لأنه توجد حقائق غير معروفة للخليقة كلها ولكنها معروفة عند واحد فقط، لأن كل ما يعرفه ابن الله لم يكشفه لهذا العالم. فالخليقة لا يمكنها أن تُدرك ما يفهمه الله، فهناك حقائق لا يُدركها إلاَّ المسيح، ولهذا السبب يكون باب هيكل الله مغلقاً](12).

ثم أعلن المسيح أنه هو الباب الذي يمكن لمَن يدخله أن يخلُص: «الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف... إن دخل بي أحد فيخلُص» (يو 10: 7-9).

ويمتد أوريجانوس في شرحه للآية: «الرئيس يجلس فيه ليأكل خبزاً أمام الرب» (حز 44: 3)، وهو يرى أن ”الرئيس“ هو المخلِّص قائلاً إنه يأكل خبزاً روحياً، وهو الطعام الذي يتغذَّى هو وحده عليه، لأن طبيعته التي تسمو على الخليقة كلها تأكل ”الخبز اليومي“ من طبيعة الآب(13)!

كما أن اعتبار والدة الإله أنها ”باب“ يجعلنا نلتقط هتاف يعقوب أبي الآباء بعد رؤيته للسُّلَّم الصاعد إلى السماء: «ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلاَّ بيت الله وهذا باب السماء» (تك 28: 17)! وبذلك فإن العذراء باعتبارها ”باب“، فإنَّ من خلالها يمكن للمؤمنين أن يقتربوا من الله سواء بواسطة تجسُّد الرب منها، أو بشفاعتها أمام الله عن الكنيسة.

وفي سفر النشيد يبدو أن سليمان يتنبَّأ عن العذراء بقوله: «أختي العروس جنَّة مُغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم» (نش 4: 12). ولأن الباب مغلق، حسب نبوَّة حزقيال، فقد قالت محبوبة الرب: «حبيبي مدَّ يده من الكوَّة، فأنَّت عليه أحشائي» (نش 5: 4). ولما دخل الحبيب من الباب وُلد كلمة الله من العذراء مريم لكي يصل إلى المحبوبة، أي الكنيسة، ومنها إلى البشرية كلها. ?

(انتهى)

**** الطفولة الروحية *******************************

[ اسمح اليوم، يا ابن الله، قرِّبنا إلى قلبك، وأعطِنا أن لا نتعظَّم في خبراتنا، بل نتصاغر إلى هذه القامة عينها (قامة الطفولة)، حتى نستطيع أن نكون قريبين منك، لأننا إن اقتربنا إليك فسوف نأخذ منك المزيد والمزيد من تواضع ووداعة. فلا تحرمنا من استعلانك، استعلان طفولتك في قلوبنا، لكيما نداوي بها كل تعظُّم وكبرياء.

نحن في أحوج ما نكون إليك، أن تُعلِن لنا بساطتك وتُقرِّبنا إليك، بل تُقرِّب الكنيسة والعالم كله إليك... العالم مُثخن بجراح مُرَّة، لأن مصيبته العُظمى: مَن هو الكبير فيهم؟ ولكن اليوم رأينا دواءنا فيك يا ابن الله. لا خلاص لنا ولا راحة لنا وللعالم كله إنْ لم يَعُد مرةً أخرى ويتقابل معك في بيت لحم. آمين].

*********** (”صلوات الأب متى المسكين“ - الطبعة الأولى 2007 - صفحة 14،13)

 

(1) Dial., 76.

(2) ضد الهرطقات 11:20:4.

(3) المرجع السابق: 7:21:3.

(4) شرح سفر الخروج: 12،6.

(5) Cited in André Chouraqui, Daniel, 142.

(6) Irenaeus, Epid. 59.

(7) Chrysostom Jud. Gent. 2 (Jeannin, 2. 369).

(8) شرح إنجيل متى: 3،39،26.

(9) Hymns on the Nativity, 7. 8.

(10) Origen, Hom. Ezech. 14. 2. SC 352,437.

(11) Ibid., 439.

(12) Ibid., 439-440.

(13) Ibid., 441-443.