I?? C??I?? C??U?? ??EC ??C?
الصفحة الرئيسية مجلة مقس الشهرية - محتويات العدد

كلمات مختصرة للحياة اليومية

لماذا يجب إرضاء الله

في عصر إرضاء الذات؟

 

نحن نعيش في عصر غريب لم يألفه آباؤنا وأجدادنا إلى ما قبل ستين عاماً على الأقل. فنحن نعيش في عالم يسعى الناس فيه بلهفة إلى إرضاء ذواتهم. وهذا نراه ونلمسه في حملات الدعاية والإعلان التي تملأ الشوارع والمجلات وشاشات التليفزيون وحتى تليفونات المحمول أخيراً، والتي تخاطب عقلية المستهلك الذي يعيش في وسط وسائل الإعلام الموجَّهة تجارياً وفي مجتمع النَّهَم في الاستهلاك، باستخدام السيكولوجيا نحو مداعبة الذات وإثارة الشهية نحو إرضاء الذات خوفاً عليها من الجوع والمرض والموت. وهنا يدور الصراع حول ما يجب أن نفعله لإرضاء ذواتنا استجابة لهذه الدعايات.

وفي مثل هذه الثقافة التي تتزايد حدَّتها لإرضاء الذات، لابد لنا من وقفة لنسأل السؤال الأهم: ”وماذا عن إرضاء الله“؟ ليس من وجهة نظر ما هو الأهم: الذات أم الله؟ ومَن الذي يجب أن يأخذ الأولوية: إرضاء الذات أم إرضاء الله؟ أم الاثنين معاً، ولكن بنسَب متفاوتة كما في كفة ميزان؟

وهنا لابد أن نرجع إلى كلمة الله وصوت الله في الكتاب المقدس حيث نجد أول ما نجد هذه الكلمات الصريحة للقديس بولس الرسول:

+ «فمِنْ ثمَّ أيها الإخوة نسألكم ونطلب إليكم في الرب يسوع، أنكم كما تسلَّمتم منا كيف يجب أن تسلكوا وتُرضوا الله، تزدادون أكثر. لأنكم تعلمون أية وصايا أعطيناكم بالرب يسوع» (1تس 4: 2،1).

إذن، فهناك ضرورة وحتمية في إرضاء الله. هذه الحتمية راجعة أولاً إلى قداسة الله. فهو يطلب منا أن نرضيه، ليس لأنه محتاج أن نرضيه كأنه يربح شيئاً من وراء إرضائنا له، كما يحدث بين البشر؛ بل بالعكس فإن إرضاءنا لله هو بسبب قداسته هو لكي نمتلئ نحن من قداسته، فتفيض علينا وتتغلغل أعضاء أجسادنا وخبايا وأعماق نفوسنا. فنحن الرابحون أولاً وأخيراً من وراء إرضائنا لله.

وفي موضع آخر يتكلَّم القديس بولس عن إرضائنا لله باعتبارنا بنينَ لله نتأدَّب بأُبوَّته ونخضع له فنحيا، و«لكي نشترك في قداسته» (عب 12: 10).

وما لابد أن نعرفه هو أن الخلاص - بحسب المفهوم الأرثوذكسي - ليس مجرد النجاة من الجحيم أو العذاب الأبدي. فالخلاص هو إشعاع سمات ونعمة وقوة ونور الله على حياتنا، بينما نحن نعيش في عالم مظلم ضائع في موت الخطية. لذلك فإرضاء الله ليس اختياراً من بين اختيارات في الحياة المسيحية، ولا هو درجة عالية للقديسين فقط أو للرهبان العائشين في البراري فقط، بل هو إلحاح من داخل نفوسنا لنجد الحياة والخلاص. والحياة والخلاص هما فيض وانعكاس لمجد الله وحياته على نفوسنا حينما نعيش في رضا الله كقول المزمور «حياةً في رضاه» (مز 30: 5).

كيف أُرضي الله؟

سؤال قديم جديد. ففي القديم كانت الذبائح تُنحَر وتُقدَّم لإرضاء الله. ولكن الله رجع وقال على فم نبيِّه إشعياء: «لماذا لي كثرة ذبائحكم؟ يقول الرب... وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسرُّ» (إش 1: 11). وداود النبي يسبق ويقول: «بذبيحة وتقدمة لم تُسرَّ... وذبيحة خطية لم تطلب» (مز 40: 6)، لكنه يُكمِّل: «أن أفعل مشيئتك يا الله سُررتُ».

لذلك يصرخ داود النبي قائلاً: «علِّمني أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهي»، ويُكمِل قائلاً: «روحُك الصالح يهديني (في الطريق السويِّ)» (مز 143: 10).

وما أجمل أن يبدأ المؤمن يومه بالصلاة إلى الله لكي يُعلِّمه كيف يُرضيه، وأن يجعل روحه القدوس الساكن فيه يُهديه في طريق مرضاة الله.

الثبات في المسيح: الطريق إلى رضا الله:

- ويجب أن يعرف كل مؤمن أن ثباته في المسيح سيجعله يسير في إثر خطوات المسيح نفسه الذي قيل عنه إنه: «لم يُرضِ نفسه» (رو 15: 3)، والذي قال بفمه الطاهر: «والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يُرضيه» (يو 8: 29). فالله هو الكفيل بأن «يُكمِّلكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته، عاملاً فيكم ما يُرضي أمامه بيسوع المسيح» (عب 13: 21).

لذلك، فلابد أن نثبت في المسيح لكي نعرف أن نرضي الله. كثيرون لا يعرفون الثبات في المسيح، ربما لأنهم لم يتعلَّموه أو لأنهم يستبدلونه بثبات في أنفسهم دون المسيح. ولكننا نريد أن نُوعِّي المؤمنين بأن الثبات في المسيح هو الذي يجعلنا في حالة ودائرة إرضاء الله.

فلأن الله يُسرُّ جداً بابنه الوحيد، لأنه هو «ابن محبته» (كو 1: 13)، ولأن الله قصد أن يتمجَّد المسيح في كل شيء، فرضاء الله يتم فينا من خلال ثباتنا في المسيح. فالله يُسرُّ بنا حينما ينظر إلينا ونحن في المسيح الذي سُرَّ به، فنصير نحن في المسيح موضوع مسرَّة ورضا الله، فيتمجَّد المسيح فينا، لأن الله لا يمكن أن يُسرَّ بنا إلاَّ ونحن في المسيح، إذ ليس فينا أي برٍّ أو سبب يجعله يَرْضَى عنا إلاَّ برُّ المسيح؛ حينئذ يَرْضَى عنا الله ويفرح ويُسرُّ بنا. وهذا هو معنى الإيمان في المسيحية أن نثبت في المسيح، ويكون المسيح فينا، «وبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه» (عب 11: 6).

ولابد أن نعرف أن رضا الله عنا في المسيح يضعنا أمام حتمية أن نُرضي الله بأن نفعل مشيئته، كما ورد في المزمور (40: 6-8) الذي تعلَّم فيه داود أن الله لا يُسرُّ بتقديم الذبائح الحيوانية، بل «أن أفعل مشيئتك يا الله سُررتُ». وهنا لابد أن ننظر إلى المسيح رئيس إيماننا ومُكمِّله حينما سلَّم مشيئته للآب قائلاً: «يا أبتاه إن شئتَ أن تُجيز عني هذه الكأس (كأس الموت من أجل البشرية كخاطئ وهو الذي لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه غش). ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك» (لو 22: 42). لذلك طلب منا المسيح أن نصلِّي للآب نفس الصلاة: «لتكُن مشيئتك» (مت 6: 10)، وجعل كل مَن يصنع مشيئة الآب، عضواً في أهل بيته: «لأن مَن يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأُمي» (مت 12: 50).

وهنا تظهر مشيئة الآب من جهتنا أن نشرب الكأس الذي شربه المسيح - وإن كان مع الفارق - بأن نُرضي قريبنا كانعكاس لإرضائنا لله ورضا الله علينا.

انعكاس رضا الله على علاقتنا بالآخرين:

هناك فيض من إرضائنا لله، وهو أن نُرضي قريبنا كما أوصانا بولس الرسول: «فلْيُرضِ كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان» (رو 15: 2).

- وهكذا يُعدِّد القديس بولس كل أنواع الرضا المقدَّس للقريب (من رسالة كولوسي الأصحاح الثالث والأصحاح الرابع).

- ثم يقول في رسالته الأولى إلى كورنثوس:

+ «أما المتزوِّج فيهتم في ما للعالم كيف يُرضي امرأته».

+ «وأما المتزوِّجة فتهتم في ما للعالم كيف تُرضي رجلها» (1كو 7: 34،33).

- ويُقدِّم نفسه قدوة:

+ «كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين (غير اليهود) ولكنيسة الله. كما أنا أيضاً أُرضي الجميع في كل شيء، غير طالبٍ ما يُوافق نفسي، بل الكثيرين، لكي يَخلُصوا» (1كو 10: 33،32).

- وللأولاد في طاعتهم للوالدين:

+ «أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في كل شيء، لأن هذا مَرْضِيٌّ في الرب» (كو 3: 20).

- وللوالدين:

+ «أيها الآباء، لا تُغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا» (كو 3: 21).

- وللعاملين وكل مَن هو تحت سلطان:

+ «أيها العبيد (وكل مَن هو تحت سلطان)، أطيعوا في كل شيء سادتكم حسب الجسد (رؤساءكم في العمل وفي كل مجال)، لا بخدمة العين (أي ليس بمراءاة) كمَن يُرضي الناس، بل ببساطة القلب... كما للرب وليس للناس... لأنكم تخدمون الربَّ المسيح. وأما الظالم فسينال ما ظلم به، وليس محاباة» (كو 3: 22-25).

- وللرؤساء والمتولِّين على الآخرين:

+ «أيها السادة (الرؤساء في العمل وفي كل مجال)، قدِّموا للعبيد (المرؤوسين في العمل وفي كل مجال) العدل والمساواة، عالمين أن لكم أنتم أيضاً سيِّداً في السموات» (كو 4: 1).

ونفس الوصايا في رسالة أفسس:

- للأولاد:

+ «أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حقٌّ» (أف 6: 1).

- وللآباء:

+ «وأنتم أيها الآباء، لا تُغيظوا أولادكم، بل ربُّوهم بتأديب الرب وإنذاره (أي بكلمة الله)» (أف 6: 4).

- وللعاملين:

+ «أيها العبيد (وكل مَن هو تحت سلطان)، أطيعوا سادتكم (رؤساءكم) حسب الجسد بخوفٍ ورعدة، في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمَن يُرضي الناس، بل كعبيد المسيح» (أف 6: 6،5).

- وللسادة:

+ «وأنتم أيها السادة (الرؤساء)، افعلوا لهم هذه الأمور، تاركين التهديد، عالمين أن سيِّدكم أنتم أيضاً في السموات، وليس عنده محاباة» (أف 6: 9).

هذه مجرد أمثلة لكيف نطيع مشيئة الآب في أن نُرضي الآخرين للخير من أجل البنيان.

++++++++++++

أخيراً، هناك مجد عظيم في أن نُرضي الله. فكل ما نعمله ونحن نُرضي الله - وقريبنا بالضرورة - إنما نعمله من أجل المسيح ولمجد المسيح، ولكي يتمجَّد المسيح أمام العالم. الضرورة موضوعة علينا أن نُرضي الله من خلال المسيح ومن أجله، ناظرين إلى سلطان المسيح وإلى طاعتنا لهذا السلطان، لمجد المسيح.

إن كل هدفنا من إرضاء الله هو أن نضع مجد المسيح ونوره على منارة لكي يرانا الناس وأنظارنا واشتياق قلوبنا مثبَّتين على مجد المسيح ونوره، فيُمجِّدوا هم أيضاً الآب الذي في السموات.