من الفكر الأرثوذكسي المسكوني



عظمة سر الشكر المقدَّس
لنيقولا كاباسيلاس



+ يقول نيقولا كاباسيلاس في كتابه: ”الحياة في المسيح“(1):

بتناولنا نصير شركاء في جسد الرب ودمه:

نتقدَّم من المائدة السريَّة mystical لنصير شركاء في جسد الرب الطاهر ودمه الكريم. يستقي المسيحي مـن المناولة الإلهيـة الحياة الروحية بقوتها العظيمة. لا يستطيع الإنسان أن يتصوَّر سعادة أسمى من سعادة الاشتراك في هذا السر العظيم. فالمقصود هنا ليس فقط الحياة الفُضلَى، بل مـا هـو أسمى. بالمناولة المقدسة لا نأخذ بعض العطايا من الروح القدس، بل الرب القائم من بين الأموات نفسه، المُحسِن الكبير، الهيكل الحاوي لكل النِّعَم والمواهب الإلهية. لا شكَّ أنَّ المسيح موجودٌ في كلِّ أسرار كنيستنا. إنه حاضرٌ في الذين يشتركون فيها، ويُعطي النِّعَم بطُرُق مختلفة. ولكنه عندما يقود المؤمن إلى سرِّ الشكر الإلهي ويُعطي جسده طعاماً روحياً ودمه، فإنه يُجدِّد الإنسان. يبقى الإنسان حتى المناولة طيناً، ولكنه بعد المناولة لا يبقى كما كان طيناً؛ بل يأخذ شكلاً ملوكياً، يصبح جسد المسيح الملك. أية سعادة أعظم من ذلك؟

بتناولنا يسكن المسيح فينا:

إنَّ المسيح، وفقاً للوعد الذي قطعه، يسكن فينا ونحن فيه بالمناولة المقدسة: «مَن أكل جسدي وشرب دمي يبقى فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56). وعندما يسكن المسيح فينا على الدوام، عندما يسكن في قلوبنا، فماذا نحتاج بعد؟ أيمكن أن نُحرَم من أية خيرات حقيقية؟ إن المسيح يصير مسكناً لنا، وساكناً فينا بآنٍ واحد. إننا سعداء لأن لنا بيتاً كهذا. إننا سعداء أيضاً لأن المسيح جعل بيته فينا. أية خيرات هذه ما لم تكن في متناول يدنا؟ أية خيرات روحية تنقصنا إذا كُنَّا مرتبطين بهذا الرباط مع السيِّد؟ عندما نصل إلى هذا البهاء الروحي، أيمكننا أن نهتم ببُطل العالم وفساده؟ أي شرير، أي ماكرٍ يمكنه أن يقف في وجه غِنَى الخيرات الروحية؟ إذا كان المسيح فينا فلن يدخل شر واحـد إلى قلوبنا. بينما هـو يملأ قلوبنا بحضوره، ويسكن في أعماق نفوسنا ويدخل إليها، ويسود ويحوطنا من كل جانب؛ فإنه يطرد من داخلنا كل اندفاعٍ مُجَرَّم، لأنه ساكنٌ فينا. إنه يريد أن يملأ بذاته كل البيت، يريد أن يملأ قلوبنا. ففينا لا يسكن قِسْمٌ من المسيح، بل المسيح كله؛ ولا أنوار قليلة وأشعة روحية معينة، بل الشمس الروحية كلها. إننا نصبح مع المسيح روحاً واحداً، وبالمسيح يصبح الجسد والروح والقُوَى كلها روحية. إنَّ القُوَى الإلهية السامية تسود على القُوَى البشريـة الوضيعة، ويحدث مـا يقولـه الرسول بولس عن القيامة: «لكي يُداس الموت بالحياة» (2كو 5: 4)، أو: «أحيا لا أنـا بل المسيح يحيا فيَّ» (غل 2: 20).

يا للسر العظيم الذي لا يُدرَك غَوْره! نتَّحد مع المسيح اتِّحاداً يصبح فيه عقل المسيح عقلنا، وإرادته إرادتنا، وجسده جسدنا، ودمه دمنا. كما يرتفع عقلنا في الواقع عندما يسوده عقل المسيح! وكم ترتفع إرادتنـا إذا هي خضعت لإرادتـه المغبوطة! إنَّ جسدنا كم يتنقَّى وهو الطين عندما يوجد وسط شعلة المسيح! أيمكن أن نُحقِّق مثل هذا الارتباط مع المسيح؟ إنَّ الرسول بولس يُجيب على ذلك لأنه تمكَّن أن يجعل من عقله عقل المسيح، ومن إرادته إرادة له: «لنا نحن فكر المسيح» (1كو 2: 16)، «إني لأعتقد بأني أملك روح المسيح»، «ومن المسيح المتكلِّم فيَّ اطلبوا برهاناً» (2كو 13: 3)، «وأشتاق أن يكون المسيح في أحشائكم جميعاً» (في 1: 8).

يُستدَل من كل ذلك، أنَّ الرسول بولس كانت له إرادة المسيح، ويُعلن هذه الحقيقة إعلاناً صارخاً عندما يكتب ويقول: «لا أحيا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ». يا لعظمة سر الشكر المقدَّس! إنه يقود الإنسان إلى قمة الخيرات ويُشكِّل الكلمة الأخيرة للارتفـاع البشري، لأن الله يتَّحد بنا بواسطة هذا السر اتِّحاداً كلِّياً ونهائياً.

جسد الرب ودمه هو دواء ضد الخطيئة:

إنَّ جسد المسيح هو الدواء ضد الخطيئة، ودمه الكريم هو السبيل الوحيد الذي به يتخلَّص الإنسان مـن جريرته وثـقل خطيئته. فجسد المسيح صار كنزاً للكمال الإلهي، وكان دائماً نقيّاً من كل خطيئة؛ فأكمل كل عدالة، وبشَّر بالآب بين البشر، وكان وقتئذٍ مجهولاً عندهم. بشَّر به قولاً وفعلاً. هـذا الجسد الذي نتناوله ذُبِحَ فـوق الصليب، وقاسَى العذاب عندما اقتربت الساعة للتضحية، فـاستحمَّ وسط عـرقٍ من دم. خانه يهوذا، وقُبِضَ عليه وسِيق مُقيَّداً إلى أمام فـاعلي الإثم. وشهد أمـام بيلاطس الشهادة الصالحة، كما يقول الرسول بولس. وبسبب شهادتـه العُظمى تحمَّل الموت، مـوت الصليب. تحمَّل هـذا الجسد الـذي نتناولـه الجَلْد أيضاً، وسُمِّرت اليـدان والرجـلان، وطُعِنَ الجنب بحربة، وتألَّم وقت الجَلْد آلاماً عظيمة، وعانَى أشدَّ العذاب عندما سُمِّر على الصليب. وهذا الدم الكريم، دم المسيح الذي نتناوله عندما انسكب من الجراح، أظلمت الشمس وتزلزلت الأرض، وتقدَّس الفضاء وتنقَّى العالم كله من رجس الخطيئة.

لم يكـن للناموس الحرفي - ناموس العهد القديم - قوة تجعل الذين يُحافظون عليه كاملين لأنه ناموس ناقص. كـان مـن الضروري أن يُكشَف عن ناموس الروح، ناموس العهد الجديد الكامل والقادر أن يقود الإنسان إلى الكمال. إنَّ الألم الذي يُعانيه المسيحيون والدموع التي يسكبونها ليحوزوا من جديد على النعمة التي خسروها بسبب الخطايا بعد المعمودية، لا يفيدهم في شيء إذا هم لم يركضوا ويُسارعوا إلى دم العهد الجديد وإلى جسد المسيح الذي ضُحِّيَ على الصليب. إنَّ سرَّ الشكر هو السر الذي يعتق أمام عدالة الله أولئك الذين اعترفوا بانسحاق قلب أمام الله بخطاياهم. نعتمد مرة واحدة، ولكننا نتناول مراراً لأننا كبشر نُخطئ. ولكي نتخلَّص من خطايانا، من الضروري أن نهرع إلى التوبة وإلى الجهاد والصراع ضـد الخطيئة. ولكي نَحْظَى بالغلبة، علينا أن نتناول جسد المسيح ودمه الذي يُشكِّل الدواء لشفاء الشرور الإنسانية.

النِّعَم التي نحوزها بتناولنا:

إنَّ الزيتونة البريَّة إذا طُعِّمَت بطُعْمٍ صالح، تتحوَّل وتصبح زيتونة مُثمرة، وهذا ما يحدث تماما معنا نحن المسيحيين. ولكن عندما نكون وحدنا نبقى بدون ثمر روحي؛ أما عندما نرتبط بالمسيح ونتناول جسده ودمه، ننال سريعاً عِظَم الخيرات، غفران الخطايا وملكوت السموات، أي ثمار التبرير التي يُعطيها المسيح.

نتناول جسد المسيح الذي يُشكِّل ضمانة لتحقيق الانتصار الروحي. ومـن الواضح أن حياتنا بعد المناولة الإلهية يجب أن تصير مسيحية النوع، أي على شكل المسيح: «أنتم جسد المسيح وأعضاء من أعضائـه» (1كـو 12: 27). إنَّ كلمات الرسول تنطبق بالأكثر على أرواحنا وتنطبق على جسدنا، ويُشير الرسول بولس عندما يقول: «الملتصق بالرب فهو روحٌ واحد» (1كو 6: 17) إلى الرباط الذي يربط نفسنا بالمسيح. ويُشدِّد كثيراً على هذا الرباط. لذلك، فـالمسيح ليس فقط أَخَذَ جسداً فحسب؛ بـل وروحاً وعقلاً وإرادة وكل ما هو بشري، ما عدا الخطيئة لأنها ليست من طبيعة البشر، حتى يتَّحد كلِّياً مع وجودنا ويربط كل ما لنا بما له. مع الخطاة لا يتَّحد المسيح، لأنه خلوٌ من كل خطيئة ولا علاقة له بها، لأنه بريء من الخطأ. لقد قَبِلَ الرب كإله رحيم كل عناصر حياتنا ما عدا الخطيئة، وتنازَل ليتَّحد بنا بتنازُله الذي لا يُحَدُّ.

”أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له“:

فالمسيح الإله الحقيقي نزل إلى الأرض ليرفعنا إلى السماء. صار إنساناً ليرفع الإنسان إلى الله، وبَقِيَ كإنسان خُلواً مـن كل خطيئة، وصار الغالب الأزلي، وأعتق الطبيعة البشرية من الخطيئة والعار، وكمُخلِّص أعتق الإنسان مـن جريـرة الخطايا، وصالَحه مع الله. لم يكن بإمكاننا أن نصعد إلى السماء، وأن ننال هذه المواهب الكبرى، ولذلك نزل المُخلِّص إلى الأرض، فأخذ الذي لنا وأعطانا ما لا ثمن له(2)، أي جعلنا من خاصته. أعطانا جسده ودمه. وبهذه الطريقة نستقبل الله ونقبله في نفوسنا.

بالمناولة نصير رائحة المسيح الذكية:

من الواضح أنَّ المسيح يُدخِل ذاته إلى داخلنا بالمناولة المقدسة، ويتَّحد معنا ويُحوِّل وجودنا وفقاً لحياته الخاصة. إذا سقطت قطرة من الماء في محيط من العبير، فالقطرة تندمج في المحيط وتتَّحد به وتأخذ كل خواصه، وتتحوَّل إلى عبير كالمحيط الذي سقطت فيه. فالمسيح هو الأريج الروحي، وله كل القوة ليُحوِّل المؤمنين الذين يدخلهم بواسطة المناولة المقدسة إلى أُناس ليست فقط حياتهم مُعطَّرة، بل وإلى أُناس يحملون كل عطر المسيح: «نحن عطر (رائحة) الطِّيب لله ولأولئك نفخة حياة للحياة» (2كو 2: 16).

إنَّ سـرَّ الشكر يَهَبُ القوة والنعمة إلى نفوس المؤمنين الذيـن يتناولـون بقلوبٍ نقيـَّة ويبقون بعيديـن عـن الخطيئة. ويتَّحد المسيح بالذيـن يستعدُّون قبل المناولة روحياً بطريقةٍ لا تستطيع قوة مهما كانت أن تفصم عُرْوَتها: «إن هذا السر لعظيم جداً، وأنا أقول هذا بالنسبة للمسيح والكنيسة» (أف 5: 32)، هذا ما يقوله الرسول بولس عـن الوحدة الروحيـة بـين المسيح والمسيحيين الذيـن هـم أعضاء حقيقيون في الكنيسة. سر الشكر نور للذين يملكون قلوباً نقية، ونفحة تُعطي التقديس، وقوة تُشدِّد إرادة أولئك الذين يحتاجون إلى التقديس. لا يوجد غير هذا النبع أمام أولئك الذين يُصارعون ويُجاهدون ضد الخطيئة ليستقوا القوة المقدَّسة. «دم المسيح ابن الله ليُنقيكم مـن كل خطيئة» (1يو 1: 7)، هذا ما يقوله يوحنا الإنجيلي الذي تمتَّع بمحبة المسيح الخاصة. المسيح هو الوحيد الذي غلب الشر، لذلك يُشكِّل جسده الطاهر الذي مات على الصليب، رايـة غلبة ضد الشر وعـوناً قوياً للمُجاهدين ضد الأهواء الخاطئة.

من الضروري أن نتقدَّم باستمرار من المائدة الروحية لنتناول جسد المسيح ودمه حتى تبقى الحياة الروحية في داخلنا نشيطة. علينا أن نتقدَّم، لا مرة واحدة، بل تكراراً ودائماً. علينا أن نتناول الدواء الإلهي ليسكن الخالق في الطين الذي هو ”الإنسان“، ويُصلح صورته التي فقدت شكلها الحقيقي بسبب الخطيئة. إنَّ يد الطبيب، يد المسيح، يجب أن تكون دائماً فوقنا، لأننا متعرِّضون لخطر الموت بشتَّى الأنواع: «وكنَّا أمواتاً في الخطايا فعشنا مع المسيح» (أف 2: 5). «ودم المسيح... يُنقِّي وجدانكم من أعمال مائتة لتعبدوا الله الحي» (عب 9: 14)، كما يقول الرسول.

إنَّ المائدة الروحية السامية تُعطينا الحياة الروحية السامية. وسر الشكر المقدس، هذا الجاذب الإلهي الكُلِّي القدرة، يجذب أرواحنا إلى فوق. فبسرِّ الشكر تُقدَّم العبادة النقية الحقيقية لله. لأنه إذا كانت العبادة النقية هي الخضوع الكامل لله الذي يُحرِّك ويُوجِّه الكل، فمن الواضح أننا سنحصل على هذا الخضوع عندما نصبح أعضاء في المسيح بواسطة سر الشكر. الرأس يُعطي الأوامـر للأعضاء، أمَّـا ”خبز الحياة“ فيجعلنا أعضاء في المسيح. وكما أنَّ أعضاء الجسد تعيش بالنسبة لعلاقتها بالرأس والقلب، كذلك يقول الرب: «مَن يأكلني يحيا بي» (يو 6: 57). لا شكَّ أنَّ الإنسان يحيا بما يُدخِله إلى أعضائه من غذاء، والتغذية المادية ليست حيَّة، لذلك لا تُعطي الحياة. إنها تُساعد على الحفاظ على الحياة الموجودة. ولكن خبز الحياة، المسيح، ليس مجرد غذاء فحسب يُساعد الحياة، بل هـو نبع الحياة، والذين يتناولونه يملكون حياة روحية حقيقية. إنَّ خبز الحياة، المسيح، يُحرِّك المتناول وينقله ويُدمجه بذاته.

التناول يهبنا الحياة الأبدية:

إننا نسجد بواسطة سر الشكر لله، بالروح والحق، ونُقدِّم له عبادة نقية. والعشاء الروحي هذا يُقيمنا من الموت الروحي ويُعطينا حياة، ويؤهِّلنا أن نعبد ونحن أحياء، إلهاً حيّاً. لكن الانعتاق من أعمال الخطيئة المائتة ممكن فقط للذين يتناولون دائماً طعام الحياة هذا. وكما يجب أن نسجد «بالروح والحق» (يو 4: 23) لأن الله روح، هكذا يجب أن نعبده بملء الحياة الروحية، لا أمواتاً روحياً لأن الله هو الحياة: «ليس الله إله أموات بل إله أحياء» (مت 22: 32).

وقد يدَّعي البعض أنَّ عبادة الله تتمُّ عندما نقوم بأعمال الفضيلة. هذه العبادة هي من صفات العبيد: «عندما تفعلون كل ما أُمرتم به تكونون عبيداً بطَّالـين، لأنَّ مـا يجب فعله فعلناه» (لو 17: 10). المدعـوون إليها، لا العبيد، لـذلك نتناول جسد المسيح ودمه، الأولاد يتناولون جسداً ودماً. فكما أنَّ المسيح اتَّخذ جسداً ودماً بشريَّيْن، فقال: «هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله» (إش 8: 18)؛ كذلك نحن لكي نصبح أولاداً لله، علينا أن نتناول جسد المسيح ودمه. بالمناولة نصبح، ليس فقط أعضاء في المسيح، بل وأبناء، نُقدِّسه ونخضع له بكل نيَّة قلب، وكما يليق بالأبناء.

عندما نتناول، نشعر بقُربَى نحو المخلِّص أشد من القُرْبَى التي تربطنا بأهلنا الذين ولدونا. إنَّ الوالدين بعد مُضيِّ وقت مُعيَّن، يتحرَّرون من الاهتمام بأبنائهم؛ أما المسيح الذي خلقنا في الحياة الروحية وولدنا، فهو حاضرٌ دائماً ومتَّحد معنا. يستطيع الأبناء أن يعيشوا حتى ولو فقدوا آباءهم؛ أما نحن فإذا انفصلنا عن المسيح، فمِن المستحيل أن نحتفظ بالحياة الروحية، بل ننقاد حتماً إلى الموت الروحي. إنَّ خبز الحياة يدخل إلى أعماق الإنسان الجديد ويجتثُّ أصول إنسان الخطيئة العتيق. المناولة المقدَّسة تُعطي هذا المقدار من الخيرات الروحية، وبها - أي بمناولة جسد المسيح ودمه - ننعتق من الحُكْم الأبدي، ونطرح عالم الخطيئة، ونملك بهاء الصورة الإلهية، ونتَّحد وثيقاً بالمسيح، محمولين دائماً إلى سموِّ الكمال.

يمنع الرسول بولس من المائدة (المقدسة) أولئك الذين لا يعملون، لأنهم لا يُريدون: «مَن لا يعمل لا يأكل» (2تس 3: 10). فإذا كان الاشتراك في المائدة الأرضية يحتاج إلى عملٍ؛ فأيَّ عملٍ سامٍ ورفيع، وأية حياة روحية، تلزمنا نحن الذين نتناول جسد المخلِّص ودمه؟ علينا أن نقترب لنتناول القرابين المقدَّسة بعد تهيئة عظيمة، وبعد أن نُنقِّي أنفسنا مـن كـل دنس الخطيئة بواسطة الاعتراف.

علينا أيضاً أن نعرف أنَّ المسيح الذي يُقدِّم لنا وليمة سر الشكر الروحية، هو قائد جهادنا، يمدُّ يد المعونة، لا إلى أولئك الذين يرمون أسلحتهم ضعفاً خائري العزائم خائري القُوَى؛ بل إلى أولئك الذيـن يُجاهـدون بشجاعة ورجولة ضد خصمهم، والسيِّد الذي في كـل سرٍّ يصبح كـل شيء بالنسبة لنا عندما نُجاهد روحياً. إنه خالقنا، ويصير أيضاً مؤدِّبنـا ورفيقنا في الكفاح الحسن. إنه يُحمِّمنا بالمعمودية، ويمسحنا فيما بعد، ويُغذِّينا دائماً بسرِّ الشكر.

(1) وقد قام بترجمة الكتاب عن اللغة اليونانية البطريرك إلياس الرابع، تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر. وقد قمنا بنشر هذا الفصل عن هذه الترجمة بتصرُّف. ونيقولا كاباسيلاس: هو أحد الكُتَّاب اللاهوتيين اليونانيين المشهورين في الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية. وهو مشهور بكتابه: ”الحياة في المسيح“. وهو من الآباء النُّسَّاك المتصوفين mystic اليونانيين. وقد وُلد عام 1322م في تسالونيكي باليونان، وتنيَّح في 20 يونية عام 1391م. ويُعتَبَر أحد قدِّيسي الكنيسة البيزنطية.
(2) تُسبِّح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كل يوم جمعة وتقول في كتاب ”الأبصلمودية المقدسة“: [هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. نُسبِّحه ونُمجِّده ونُزيده علواً].

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis