قصة من واقع الحياة 



يهودي يؤمن بالمسيح

+ من كتاب: ”رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين“، للقمص لوقا سيداروس.

جلستُ مع هذا الشاب، وكان شاباً يافعاً طويل القامة جداً، رقيق الملامح، ظل يحكي تفاصيل قصته المثيرة. قال لي إنه شابٌ يهودي من أسرة متدينة، مُحافظة جداً، رغم أنهم يسكنون في منطقة تكثر فيها الإغراءات والخطايا. ولكنه كان مواظباً على حضور المجمع اليهودي كل سبت، وعلى تنفيذ الأوامر والوصايا والشريعة الموسوية بقدر الإمكان. كان يعمل مديراً لأعمال سيدة ثَريَّة جداً، أوكلت إليه إدارة أعمالها وثروتها الطائلة. وكان أميناً في عمله، باذلاً نفسه على قدر الطاقة، بل وفوق طاقته أحياناً.

كانت هذه السيدة الثرية في الأربعينيات من عمرهـا، تحيا حياة التَّرَف المطلق، وتحيا في خلاعة. وكان الشاب في الثامنة والعشرين من عمره. وكان كلما زاد في إخلاصه وتفانيه في عمله، زادت هي في تقديره وأغدقت عليه. وكان هو سعيداً في عمله، وكان تقديرها له يُزيده أمانةً وإخلاصاً.

ثم حدث ما لم يكن في حسبانه، لقد تعلَّقت به هذه السيدة وأحبته، وبَدَأَتْ تُراوده عن نفسها. لم يكن الشاب يُفكِّر مطلقاً في مثل هذا الأمر، وكان هذا الشيء الذي تطلبه يُثير في نفسه اشمئزازاً عجيباً. فكان يتحيَّن الفرص للهروب منها، ويُكثر الانشغال عنهـا؛ أمـا هي فقد شعرت وكـأنَّ كبرياءها قد جُرح. فكيف يجسر هذا الشاب، وهو مجرَّد موظف عندها، أن يرفض لها أمراً! فلما ازدادت في الإلحاح وازداد هـو في الرفض؛ عـزَّت عليها كرامتها، فـابتدأت سلسلة مـن المُضايقات، وكان هو يحتملها بهدوء.

وذات يومٍ، صار تهديدها واضحاً لدرجة أن قالت له: إن لم يخضع لرغبتها، فإنها سوف تنتقم منه. ولم تمضِ سوى أيامٍ، وبدون سابق إنذار، حتى وجد البوليس يقبض عليه ويُلقيه في السجن. فلقد لفَّقت له، هي ومحاميها، تهمة تبديد أموال وإهمال جسيم، وكلها تُهَم باطلة لا أساس لها من الصحة، ولكنها كانت سيدة صاحبة نفوذ وأموال.

دخل الشابُ السجنَ تحت ضغوطٍ نفسية شديدة وإحساسٍ بالظلم، وانتظر يوماً واثنين ريثما يكتمل التحقيق. وحدث أن مَـرَّ على المساجـين قس إنجليكاني، تكلَّم مـع الشاب، ثم ترك له إنجيلاً. ولكن الشاب كـان يهوديـاً لا يؤمن بالإنجيل، لا يعرفه ولم يقرأه، ثم هو متديِّن ومتعصِّب ليهوديته. فوضع الإنجيل جانباً، ولكن الوقت في السجن كان يتحرَّك ببطءٍ شديد، وكان الملل قاتلاً. ولمقاومة هذا الملل، أراد أن يُشْغِل وقته بشيء، فمدَّ يده وأمسك بالإنجيل، وبدأ يقرأه لعلَّه يقطع شيئاً من الوقت المُمِلِّ. حدث هذا وهو يُفكِّر في نفسه قائلاً: ”إنه لا ضرر إذا قرأ“. وفعلاً بدأ يقرأ في الإنجيل: معجزة إشباع الجموع، ثم محنة التلاميذ في السفينة التي كادت تغرق، ثم يسوع وهو يأتي إليهم ماشياً على الماء منتهِراً الرياح فتسكت الأمواج بسلطانٍ عجيب.

ومع استمراره في قراءه الإنجيل، تأثَّر قلبه تأثُّراً عجيباً لم يعرفه من قبل، ووجد نفسه يُصلِّي صلاةً غير معتادة، إذ بدأ يُخاطِب الرب قائلاً: ”أحقّاً هذا الكلام؟ أهي قدرتك العجيبة وسُلطانك على الطبيعة وقوَّتـك على دَفْـع الخطر عـن تلاميذك؟ إن أخرجتني مـن هـذا الظلم اليوم، صرتُ لك عبداً كل الأيام“.

ولم تمـضِ سـاعة واحدة حتى طُلِبَ ليقف أمام النائب العام، الذي استجوبه سائـلاً إيَّاه أسئلة دقيقة. فلما أجابه بصدق، ففي الحال أَمَرَ بالإفراج عنه وبلا كفالة. فلم يُصدِّق الشاب نفسه مـن الفرح، بل فاض في قلبه نور الإيمان بالمسيح، إشراقاً كأنه الشمس في وَضَح النهار، وحب قلبي فاض في داخله.

وللتوِّ سجد على الأرض، شاكراً المسيح الإله القادر على كلِّ شيء. ثم ذهب إلى بيته مُتهلِّلاً. وهناك التقى بأخٍ كان يسكن بجواره، طلب منه أن يقوده إلى كاهن لكي يعتمد. وما إن أُتيحت لهما الفرصة حتى حضرا إلى الكنيسة. وكان هذا الأخ يُعلِّم الشاب الإيمان الأرثوذكسي، ويحكي له من تاريخ الكنيسة على قدر ما يسمح به الوقت. أما الشاب الذي آمن بالمسيح، فقد قرأ بعمقٍ في الإنجيل وبتأثُّرٍ بالغ.

+ + +

+ كم فرحتُ بهذا الشاب الطاهر، واستبقيته عندي أياماً أُعلِّمه وأشرح له العهد القديم الذي يعرفه تماماً. ولكن إذ عرفـه على ضوء نور المسيح، تحقَّق أن العهد القديم كان رمزاً وظِلاًّ. وبعد فترةٍ، نال نعمة الروح المُعزِّي، إذ قَبِلَ المعموديـة المقدسـة. وصار في المسيح يسوع خليقة جديدة، إذ أنَّ الأشياء العتيقة قد مضت.

+ القول الذي قاله الرب لحنانيا عن شاول الطرسوسي إنـه إنـاءٌ مختار، قولٌ عجيب حقّاً. فالرب له آنية مختارة في كل زمان ومكان، وهذه الآنية قـد تكون عاشت قبلاً في غير طريق دعوتها التي دُعِيَت إليها؛ أو تكون تائهة في متاهات العالم؛ أو هي لا تُدرك بعد دعوتها ولا تعرف أنها مختارة إلى أن يجيء ملء الزمان الذي فيه تتحقَّق دعوتها، فتسير في طريق خلاصها وتُكرِّس ذاتها للذي دعاها.

+ + +

+ «ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتـأتوا بثمر، ويـدوم ثمركم، لكي يُعطيكم الآب كل ما طلبتُم باسمي» (يو 15: 16).

+ «هذا لي إناءٌ مختار ليحمل اسمي أمام أُمم وملوك وبني إسرائيل. لأني سأُريـه كم ينبغي أن يتألَّم مـن أجل اسمي» (أع 9: 16،15).

+ «... مُخلِّصنا الله، الذي يُريـد أن جميع الناس يَخْلُصُـون، وإلى معرفـة الحـقِّ يُقبلون. لأنـه يوجـد إلهٌ واحد ووسيطٌ واحـد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بـذل نفسه فديـةً لأجل الجميع» (1تي 2: 3-6).

+ «لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلَّكم الذين اعتمدتُم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حُر، ليس ذكر وأُنثى، لأنكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع. فإنْ كنتم للمسيح، فأنتم إذاً نسل إبراهيم، وحسب الموعد ورثة» (غل 3: 26-29).

+ «إذاً إنْ كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدة. الأشياء العتيقة قـد مضت. هوذا الكلُّ قد صار جديداً» (2كو 5: 17).

**************************************************************************************************
صدر حديثاً كتاب:
من مخطوطات دير القديس أنبا مقار
سِيَر تعليمية
للقس بطرس السدمنتي
إعداد نيافة الأنبا إبيفانيوس
أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
104 صفحات (من القَطْع المتوسط) الثمن 15 جنيهاً
**************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis