دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 20 -



ثانياً: الأسفار التاريخية

4 - سِفْر صموئيل الأول (تابع)

أهم أحداث هذا السِّفْر:

الاستيلاء على تابوت العهد في فترة قضاء صموئيل النبي:

كان تابوت العهد، الذي هو أقدس المكوِّنات الموجودة في قدس الأقداس في خيمة الاجتماع ثم في الهيكل - فيما بعد - وهو عبارة عن صندوق من خشب لا يُسوِّس ومُوشَّى بالذهب؛ مصنوعٌ حسب تعليمات الرب لموسى النبي وحسب المثال الذي رآه موسى على جبل حوريب (خر 37: 1-9)، وكان يحوي لوحَي العهد وقسط المَنِّ وعصا هارون التي أَفرخت. وهو يرمز إلى حضرة الله وعهده مع إسرائيل.

وبناء على اعتقادهم، فإنَّ تابوت العهد يحميهم ويُحارب عنهم إذا أخذوه معهم في معاركهم مع الأعداء، فقد حمل جيش إسرائيل هذا التابوت المقدَّس معهم في معركتهم مع الفلسطينيين؛ إلاَّ أنه وقع في أيـدي الفلسطينيين واستولوا عليه. ولكنهم صاروا في شدَّة عظيمة ورُعبة شديـدة وقرروا التخلُّص منه من جراء ما أصابهم من مصائب متتالية (انظر 1صم 4: 11،10،1؛ 5: 2-7، 9،8، 10-12). وكان تابوت العهد في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر. فدعا الفلسطينيون الكهنة والعرَّافين قائلين: ماذا نعمل بتابوت الرب؟ أخبرونا بماذا نُرسله إلى مكانه؟ فقالوا لهم: إذا أرسلتم تابوت إله إسرائيل، فلا ترسلوه فارغاً بل رُدُّوا له قربانَ إثم، حينئذ تُشفون ويُعلَم عندكم لماذا لا ترتفع يده عنكم (انظر 1صم 6)!

وبعد إعادة تابوت العهد، ظل فترة بالقرب من حقل يهوشع البيتشمسي (1صم 6: 13-18)، ولكن أهل بيت شمس ضُربوا ضربة عظيمة، فصرخوا إلى أهل قرية يعاريم لكي ين‍زلوا ويُصعدوه إليهم ويُقدِّسوا واحداً لحراسته. فبَقِيَ هناك مدَّة طالت إلى عشرين سنة (1صم 7: 2،1). وكان ذلك كله في أيـام صموئيل النبي. وأخيراً نُقِلَ التابوت إلى أورشليم في أيام الملك داود (2صم 6)، حيث استقبله داود بالرقص والتهليل والهُتاف وصوت البوق (2صم 6: 15،14).

شاول أول ملوك إسرائيل:

قصة شاول أول ملوك إسرائيل، هي واحدة من أكثر القصص مثاراً للحزن في كل أسفار العهد القديم، فقد بدأت بداية حسنة، ولكنها سرعان ما انتهت بفشلٍ ذريع. فلقد مُسِحَ شاول ملكاً بواسطة صموئيل الكاهن والنبي بناء على استجابة الله لرغبة بني إسرائيل لإقامة ملك لهم (1صم 10: 1) (علماً بأنَّ الرب قال لصموئيل النبي: «اسمع لصوت الشعب في كلِّ ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت، بل إيَّاي رفضوا حتى لا أملك عليهم» - 1صم 8: 7). وقد حَظِيَ شاول على نجاح أَوَّلي في حروبه مع الفلسطينيين (1صم 11: 1-11)، إلاَّ أنها انتهت بنهاية مُظلمة عندما قرَّر شاول أن يُقدِّم ذبيحة للرب في غياب صموئيل الكاهن (1صم 13: 8-14). وبسبب هذا التعدِّي، أنذر صموئيل شاول الملك بأن مملكته سوف لا تستمر. كما أنَّ عصيان شاول في تنفيذه لأمر الرب في الإنهاء على عماليق وتحريم كل ما له، وعدم طاعته لأوامر الرب الصريحة، أدَّت إلى إرسال الله لصموئيل لِمَسْح داود ملكاً على إسرائيل بدلاً من شاول. أما شاول، فبرفض الله له، سيطرت عليه الأرواح الشريرة؛ وبسبب خوفه من نجاح داود، أُصيب تدريجياً بلوثة التخلُّص من داود ومحاوله قتله. كما ساءت مواقفه الحربية مع الأعداء، وسادت عليه مشاعر اليأس حتى أنه شرع في أَخْذ مشورة روح صموئيل النبي بعد نياحته، وذلك بلجوئه إلى عرافة (1صم 28: 7-25). وفي اليوم الثاني خرج لمُلاقاة الفلسطينيين، فأُصيب إصابة أدَّت إلى موته (1صم 31: 1-6).

أقوال آبائية عن السِّفْر:

1. [كَوْن الكنيسة قد كانت قبلاً عاقراً، فهي سوف يكون لها أولاد كثيرون من بين الأُمم أكثر مِمَّا كان عند مجمع اليهود (السيناجوج) سابقاً. فقد قال إشعياء: «ترنَّمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنُّم أيتها التي لم تَمْخَض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البَعْل (قال الرب)» (إش 54: 1). هكذا أيضاً، ما حدث مع إبراهيم، عندما وُلِدَ له ابنه الأول من جارية، ظلَّت سارة عاقراً، ولكنها بعد ذلك حملت في شيخوختها بابن الموعد إسحق، الذي كان رمزاً للمسيح. يعقوب أيضاً اتَّخذ له زوجتان: ليئة التي كانت عيناها كليلتان، وكانت رمزاً للسيناجوج؛ وراحيل الأصغر والأجمل، وكانت رمزاً للكنيسة، والتي ظلَّت أيضاً عاقراً لمدَّة طويلة، ثم أنجبت يوسف الذي كان هو أيضاً رمزاً للمسيح.

وفي الملوك الأول (صموئيل الأول)، قيل إنَّ ألقانة كان له امرأتان اسم الواحدة ”فَنِنَّة“ وكان لها أولاد، والأخرى ”حَنَّة“ وكانت عاقراً، التي منها وُلِدَ صموئيل - ليس بموجب الوضع الطبيعي، ولكن بموجب رحمة الله ووعده - عندما صلَّت في الهيكل، فأعطاها الرب صموئيل، وكان رمزاً للمسيح. وهكذا أيضاً في (1صم 2: 5): «العاقر ولدت سبعة، وكثيرة البنين ذبلت»](1) - القديس كبريانوس.

2. [ما هو السبب الذي من أجله حلَّ الغضب الشديد والموت على بيت عالي الكاهن، الشيخ التقي الذي ظل أميناً في كهنوته على مدى أربعين سنة؟ أليس ذلك بسبب شرِّ ابنيه حفْني وفينحاس؟ فإنه ليس لكونه أخطأ، ولا لكونه وافقهما، ولكن لأنه لم يكن يطلب منهما، بغيرة وحميَّة، أن يراعوا الله في تعاملاتهم، ولأنه كان يحبُّهم أكثر من سُنن الرب وأحكامه. فلكي لا يظنُّ أحدٌ أنَّ الرب يُظهر غضبه ونقمته فقط على أولئك الذين يقضون كل حياتهم في الشرِّ، لاحِظ كيف أنه من أجل خطية غير لائقة أظهر غيرته الشديدة ضد خُدَّامه المُخلِصين، وضد الكهنة، والقضاة، والحُكَّام، والأُناس المُكرَّسين له، الذين استأمنهم على عمل المعجزات، ومع ذلك فإنه لم يتغاضَ عن انتهاكهم لأوامره](2) - مار إسحق أسقف نينوى.

3. [إنَّ الوعظ اللاذع ينفع كعلاج للأرواح المريضة ويُهيِّئ زينة للأصحَّاء. وما هدَّد به الروح القدس كهنة الرب بواسطة النبي ليس شيئاً بسيطاً، إذ قال: «إن لم يُعلَن للشرير إثمه، فإني أطلب دمه من يدك» (إش 58: 1 سبعينية)، وأيضاً: «نادِ بصوتٍ عالٍ، لا تمسك، ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبي بتعدِّيهم» (إش 58: 1)... لهذا السبب، يا أحبائي، فإني أستحلُّ لضميري أمام الله، كما أذكر دائماً باتضاع كلمات قليلة عن خلاص نفوسكم. وإني، بلا شكٍّ، أخاف وأرتعد لِمَا حدث في حالة عالي الكاهن، لأنه حينما سمع أنَّ أولاده يقترفون الزنا، فإنه تظاهر بقتلهم أو بوقفهم من الشركة، ولكنه لامهم فقط بلُطف قائلاً لهم: «يا بَنيَّ، لماذا تعملون مثل هذه الأمور. لأني أسمع بأموركم الخبيثة. فإنه إذا أخطأ رجل ضد آخر، فإنَّ الكاهن ينبغي أن يُصلِّي لأجله، ولكن إن أخطأ الكاهن نفسه، فمَن هو الذي يُصلِّي لأجله؟» (1صم 2: 25،24 - حسب النص). والآن، فإنه بالرغم مـن هـذا التحذير، فقد سقط عـن الكرسي إلى الوراء ومات وانكسرت رقبته، ومُحِيَ اسمه مـن سِفْر الحياة، لأنه لم يُعاقِب أبناءه بعقوبـة صارمة](3) - القديس سيزاريوس أسقف آرلس.

4. [ينبغي عليَّ الآن أن أذكر أحد تلك الأحداث التي أظنُّ أنها سوف تُساعد على إعطاء فهم أفضل عن يسوع، الذي نعرفه بأنه هو المسيح ابن الله، الذي صُلِبَ، وقام من بين الأموات، وصعد إلى السموات، وسوف يأتي ليدين كل إنسان من الذين عاشوا حتى آدم نفسه. فإنك تَعْلَم بكل تأكيد عن تابوت العهد عندما استولى عليه الأعداء الذين كانوا يسكنون في منطقة أشدود، وحلَّ عليهم وباء مُميت لا شفاء له، فقرروا أن يضعوا التابوت على عَجَلةٍ وربطوها ببقرتَيْن كانتا قد وَلدتا حديثاً عِجلتَيْن (حُبسا في البيت)، وذلك لكي يتحقَّقوا من أنهم قد أُصيبوا بالطاعون بقوَّة الله وبسبب التابوت، وأنَّ هذه كانت هي إرادة الله أن يعود التابوت إلى مكانه من حيث أُخذ. وبتنفيذ هذه الخطة، سارت البقرتان بدون أي إرشاد من البشر، ليس للموضع الذي أُخذ منه التابوت، ولكن إلى حقل رجل يُدعَى يهوشع (وهو نفس الاسم الذي تحوَّل فيما بعد إلى اسم ”يشوع“)، كما ذكرنا قبلاً، وهو أيضاً (أي يشوع) الذي قاد شعبكم إلى أرض الموعد والذي قسَّمها بينهم بالقرعة. ولَمَّا وصلت البقرتان إلى هذا الحقل، وقفت هناك. وهكذا يتضح لكم أنهما كانتا تُساقان بقوة الاسم القوي (اسم يسوع)، تماماً كما كان الذين نجَوْا من بين شعبكم الذين هربوا من مصر اقْتِيدوا إلى أرض الموعد بواسطة ذاك الذي صار اسمه ”يسوع“ بدلاً من ”يشوع“](4) - القديس يوستينوس الشهيد.

5. [ليس هناك شكٌّ في أنَّ إرادة البشر لا يمكن أن تُقاوم إرادة الله: «كل ما شاء الرب صنع في السموات وفي الأرض» (مز 135: 6)، فهو الذي أيضاً «عمل الآيات» (إش 45: 11 سبعينية). ولا يستطيع البشر حتى أن يمنعوه من أن يعمل ما يُريد، مع ملاحظة أنه حتى مع وجود إرادة البشر، فإنَّ الله يفعل ما يُريد، عندما يريد أن يفعله. خُذ مثالاً لذلك حالة شاول (الملك). عندما أراد الرب أن يُعطي المُلْك لشاول، هل كان ذلك في سلطة الإسرائيليين أن يُخضِعوا أنفسهم له أو لا يخضعوا؟ فبمفهومٍ ما، كان مُمكناً، ولكن ليس على سبيل أنهم كانوا في استطاعتهم أن يُقاوموا الله نفسه. فإنه في الواقع أنَّ الله قد سمح للأمر بأن يتمَّ بواسطة إرادة الشعب نفسه، جاعلاً القدرة الإلهية المقتدرة، كما يجب أن تكون؛ هي التي تُحوِّل قلوب البشر إلى الاتجاه الذي يسرُّ الله. وهكذا فقد كُتِبَ: «ثم أطلق صموئيل جميع الشعب، كل واحد إلى بيته. وشاول أيضاً ذهب إلى بيته إلى جبعة، وذهب معه الجماعة التي مسَّ الله قلبها (”جزء من الجيش الذي مسَّ الله قلبه“ حسب النص). وأما بنو بليعال (أي اللُّؤماء) فقالوا: كيف يُخلِّصنا هذا؟ فاحتقروه ولم يُقدِّموا له هديَّة» (1صم 10: 25-27). فبالتأكيد، إنه لا يمكن أن يُقال إنَّ أحداً من بني بليعال، الذي لم يمسَّ الله قلوبهم، قد ذهب معه](5) - القديس أُغسطينوس.

6. [لاحِظ أنَّ (إبليس) كان يرغب في أن يقود شاول إلى خرافة السِّحْر والشعوذة. ولكن لو أنَّ شاول استشار من البداية، فإنَّ الآخر ما كان أعاره أي انتباه، لأنه كيف كان سيُمكنه طردها خارجاً؟ وهكذا فإنه بهدوء، وقليلاً قليلاً، قاده إلى هذه النهاية. لأنه حينما عصى (شاول) صموئيل وسمح بتقديم المحرقة، عندما كان صموئيل غائباً، ومع كونه ملوماً على ذلك، فقد قال: «إن ضغط العدو كان عظيماً جدّاً» (حسب النص)، وعندما كان ينبغي عليه أن يندم وينتحب، أحس في نفسه كأنه لم يُخطئ. وأيضاً، فقد أعطاه الله وصايا من جهة العمالقة، ولكنه عصاها كذلك. ثم تمادَى في جرائمه مع داود. وهكذا انزلق رويداً رويداً، ولم يتوقَّف حتى أدرك الحفرة المؤدِّية إلى الدمار، وأقحم نفسه فيها](6) - القديس يوحنا ذهبي الفم.

7. [صموئيل، ذلك الرجل العظيم، وبَّخ شاول بوضوح قائلاً: «أليست الكلمة (حينما تُحفَظ) أفضل من أيِّ هدية؟!». لأنه بموجبها يُتمِّم الواحد الناموس ويسرُّ الله، حسب قوله: «ذبيحة التسبيح تُمجِّدني» (مز 50: 23)، «فاذهبوا وتعلَّموا ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة» (هو 6: 6؛ مت 9: 13)](7) - القديس أثناسيوس الرسولي.

8. [مرة أخرى، أخطأ شاول ولم يُطِعْ، ومرة أخرى خاطبه صموئيل بكلمة الله: («هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش»)، «لأنك رفضتَ كلام الرب، رفضك من المُلْك» (1صم 15: 23،22). وأيضاً، بسبب نفس الخطية، عندما اعترف بها شاول والتمس المغفرة، مُتوسِّلاً أن يرجع صموئيل معه لكي يسترضي الله، قال له النبي: «لا أرجع معك، لأنك رفضتَ كلام الرب، فرفضك من أن تكون ملكاً على إسرائيل. ودار صموئيل ليمضي، فأمسك شاول بذيل جبَّته، فانمزق. فقال له صموئيل: يُمزِّق الرب مملكة إسرائيل عنك اليوم، ويُعطيها لصاحبك الذي هو خير منك» (وإسرائيل سوف تنقسم إلى قسمَيْن). ولكن المنتصر في إسرائيل لن يتخلَّى عنها، ولن يسعى للتوبة، لأنه ليس إنساناً حتى يتوب. فهو يُهدِّد ولكنه لا يتمسَّك بعناده. والواقع، فإنَّ الإنسان الذي وُجِّهت له هذه الكلمات: «الرب رفضك من أن تكون مَلِكاً على إسرائيل»، وقوله: «الرب قد مزَّق مملكة إسرائيل عنك اليوم»؛ ظلَّ يحكم إسرائيل لمدة أربعين سنة. فهي تعني أنه لا أحد من ذرية شاول سوف يحكم إسرائيل فيما بعد، فهو تذكيرٌ بأن ذُرِّيـَّة داود سوف تقوم حسب الجسد لتصبح ممتدَّة في المسيح يسوع الوسيط الوحيد بين الله والناس](8) - القديس أُغسطينوس.

(يتبع)

(1) To Quirinus: Testimonies Against the Jews 1,20 (ANF, 5: 512-13).
(2) Ascetical Homilies: AHSIS 75.
(3) Sermon 5 (FC 31: 32-33).
(4) Dialogue with Tripho 132 (FC 6: 352-53).
(5) Admonition & Grace 14,45 (FC 2: 299).
(6) Homilies on the Gospel of Matthew 86,3 (NPNF, 1, 10: 513).
(7) Festal Letter 19,5 (NPNF, 24: 546).
(8) City of God 17,7 (FC 24: 43-44).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis