جروح المُحبِّ

+ «أمينة هي جروح المُحبِّ» (أم 27: 6).
منذ سنوات عدة، وفي يوم من أيام الحر الشديد، وفي جنوب فلوريدا؛ كان فتى صغير يريد أن يتوجَّه إلى البحيرة التي خلف منزله.

وهكذا أسرع الفتى في الذهاب إلى البحيرة ليتمتَّع بالمياه الباردة وسط هذه الحرارة الملتهبة. فما إن وصل إلى الباب الخلفي المؤدِّي إلى البحيرة، حتى ترك إلى جانب الباب حذاءه وجواربه وقميصه، ونزل إلى البحيرة.

وسرعان ما بدأ يُضارِب مياه البحيرة وهو منتشٍ. ولكن وهو غير عالم بأنه، وهو يتَّجه إلى منتصف البحيرة، كان هناك تمساح يسبح متَّجهاً نحو الشاطئ!

كانت والدة الفتى في المنزل تتطلَّع من النافذة مُتتبِّعة ابنها، فإذا بها ترى الاثنين: ابنها والتمساح يقتربان أحدهما من الآخر. ومن خوفها الشديد، أسرعت خارجـة مـن المنزل تجـاه المياه، وهي تصيح بأعلى ما في قدرتها من صوتٍ عالٍ إلى ابنها.

وإذ سمع ابنُها صياحها، تنبَّه للخطر وأدار وجهه للوراء سابحاً نحو أُمه الواقفة على الشاطئ. ولكن ذلك كله بعد فوات الأوان، إذ حالما وصل ابنها إليها، في نفس هذا الوقت، كان قد وصل التمساح إلى ابنها.

ومِن على منصَّة القفز للمياه، اختطفت الأُم ابنها مـن ذراعيه في ذات الوقت الذي فيه أَطْبَقَ التمساح على قدميه بأسنانه الحادة!

ومن هنا قامت معركة شرسة بين الاثنين: التمساح، وكان أقوى ألف مرة من الأُم؛ وبين الأُم التي كانت عاطفتها تجاه ابنها أقوى ألف ألف مرة من وحشية التمساح، حتى تستمر في العِراك من أجل نجاة ابنها.

وحدث أنَّ أحد المزارعين كان يقود مركبته بالقرب من شاطئ البحيرة، وسمع صوت صياح الأُم، فانتفض من مركبته نازلاً، وصوَّب سلاحه الناري على التمساح، فصرعه في الحال!

وكان قد تمَّ نقل الفتى إلى أقرب مستشفى لعلاجه من الجروح. وعلى نحوٍ لافت للنظر، ظل الفتى الجريح في المستشفى أسابيع وراء أسابيع إلى أن تمَّ إنقاذ حياته وبقاؤه على قيد الحياة!

كانت قدما الفتى قد تمزَّقتا تماماً بسبب الهجمة الوحشية لهذا التمساح. أما ذراعاه فقد كانتا مصابتين بجروح عميقة من أثر أظافر أُمه التي اخترقت لحمه وهي تُجاهد من أجل إنقاذ حياة ابنها، الذي تحبه، من بين أسنان التمساح!

+ + +

وحينما أَخَذَ مندوب إحدى الجرائد حديثاً مع الصبي بعد شفائه من الصدمة، سأله - إن أمكن - رؤية جروحه. فرفع الصبي رِِجلا سرواله إلى أعلى، وبفخر واضح قال للمندوب الصحفي:

- ”لكن، انظر إلى ذراعيَّ، فها هي جروح عميقة صعبة في ذراعيَّ أيضاً. لقد جُرحتُ بها لأن أُمي لم تتركني أذهب فريسة للوحش“!

+ + +

+ وكلُّنا نستطيع أن نفخر مثل هذا الفتى الصغير. ففينا جروح غائرة أيضاً، ليس من تمساح أو غيره من الوحوش؛ بل هي من ماضينا المؤلم. بعض هذه الجروح لا تُرَى، لأنها تُسبِّب لنا ندماً عميقاً.

+ ولكن هناك الكثير من هذه الجروح، يا إخوة، لأن الله رفض أن يتركنا نذهب فريسة للوحش (الشيطان).

+ ففي وسط جهادنا في هذا العالم، كان يُمسك بنا. فالإنجيل يشهد بأنَّ الله هو يحبُّنا. فنحن أولاد الله، وهو يريد أن يحفظنا ويحمينا من الشر والشرير.

+ فبُحيرة الحياة مليئة بأسباب الهلاك، وكثيراً ما ننسى أنَّ العدو «كأسد زائـر، يجول مُلتمساً مَن يبتلعه هو» (1بط 5: 8). ولكن الحرب الشرسة تندلـع، فـإن كانت فينا «جروح المُحبِّ» (أم 27: 6) في ذراعينا، أو ”جراحاته“ (إش 53: 5؛ 1بط 2: 24) الشافية، فـإننا نسمع الوعـد الإلهي: «لأني... أَشفيك مـن جروحك» (إر 30: 17).

+ وهو كوعده لن يتركنا نهلك: «لا أُهملك ولا أتركك. تشدَّد وتشجَّع» (يش 1: 6،5).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis