للأب متى المسكين


تعثُّرات الكنيسة وميعاد مجيء الرب(1)


سنضع أمام القارئ في البداية الآيات الأساسية التي تقوم عليها هذه الرسالة. أول ما نسمع عن ”الكنيسة“ هو يوم أن سأل الرب تلاميذه:

التصميم:

+ «مَن يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا: قومٌ يوحنا المعمدان، وآخرون إيليا، وآخرون إرميا أو واحدٌ من الأنبياء. قال لهم: وأنتم، مَن تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحماً ودماً لم يُعلِن لك، لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضاً: أنت بطرس (الرجل الصخرة)، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأُعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. وكـلُّ ما تحلُّه على الأرض يكون محلولاً في السموات!» (مت 13:16-19)

البناء:

كان الإيمان اللاهوتي الأول هو ما نطق به بطرس وعلَّق عليه المسيح، أنَّ هذا الإيمان هو الإيمان الذي له الطوبى، لأنه منطوقٌ ومُعلَنٌ من الآب السماوي رأساً وليس من تسليم أحد ولا المسيح نفسه. ولذلك سُمِّي بالإيمان الرسولي، وعليه سيتم بناء الكنيسة.

الأساس:

أساس الكنيسة هو الإيمان الرسولي: «أنت هو المسيح ابن الله الحي». وقد سُمِّي بالأساس الرسولي: «مبنيِّـين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية» (أف 20:2). ويُلاحِظ القارئ أن الكنيسة بدأت بالرسل والإيمان الرسولي، ثم ذَكَر القديس بولس الأنبياء، وبعدهم ذَكَر المسيح كحجر الزاوية الذي يكون في رأس البناء كآخر حجر. إذن، بعد الرسل يأتي البناء مباشرة.

بناء الكنيسة:

أول حَجَرة حيَّة وُضِعَت في البناء ليعلو بها، كانت يوم الخمسين على يد بطرس الرسول حينما وعظ أول عظة بعد حلول الروح القدس، فدخل الكنيسة ثلاثة آلاف نفس. ولكن الذي قيل بعد ذلك إن الرب كان هو الذي يبني: «فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتَقْبَلوا عطية الروح القدس... فقبلوا كلامه بفرح، واعتمدوا، وانضمَّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس» (أع 2: 41،38). والتعقيب على هذه الحادثة وما بعدها، فيما يقوله سفر أعمال الرسل: «وكان الرب كل يوم يضمُّ إلى الكنيسة الذين يخلصون» (أع 47:2).

شكل الكنيسة بالأساس والنهاية:

الآية الذهبية جاءت في رسالة أفسس: «وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإيَّاه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكلَّ في الكلِّ» (أف 1: 23،22).

والذي يلزم أن نعرفه ونتعجَّب له هو أن الكنيسة هي جسد المسيح، والكنيسة معروفٌ أنها تضمُّ المؤمنين المحبين المخلَّصين، فكيف نوفِّق؟

أعضاء الكنيسة:

كل مؤمن مسيحي مُحب للمسيح وقَبِلَ الخلاص يُعتبر عضواً في الكنيسة، ولكن يلزم أن نفسِّر ذلك، لأن بولس الرسول يقول في الآية السالفة: إن الكنيسة هي ”ملء الذي يملأ الكلَّ في الكلِّ“. معنى هذا أن ملء كل الكنيسة هو لكل مؤمن مُخلَّص فيها، والكنيسة هي كل المؤمنين المُخلَّصين.

ولكن، كيف نفسِّر ذلك بالنسبة لجسد المسيح الذي هو الكنيسة؟

يقول بولس الرسول في رسالة أفسس إننا أعضاء جسد المسيح: «لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه» (أف 30:5). فما معنى ذلك؟

معناه أن جسد المسيح المُقام من الموت كان جسداً حيّاً من لحم ومن عظام: «انظروا يديَّ ورجليَّ: إني أنا هو. جُسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما تَرَوْن لي» (لو 39:24).

فالمسيح الذي وَهَبَ لنا جسده الذي اتَّخذه، اعتَب‍َرَ هذا الجسد هو الكنيسة الحيَّة به وهو رأسها. وهكذا أصبحنا نحن أعضاء الكنيسة المؤمنين مُحبِّي المسيح المُخلَّصين أعضاء في هذا الجسد، كما قال بولس الرسول: «لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه» (أف 30:5).

الكنيسة مبنية من حجارة حيَّة:

هنا، كما يقولون في اللغة العربية، نحن أمام ”تَـوْريَة“. فالكلام ينصبُّ شكلاً على أن الكنيسة هي هيكل الله المبني من حجارة؛ أما المعنى العملي، فالحجارة الحيَّة هي المؤمنون المخلَّصون، والبَنَّاء الحقيقي هو الله الذي يضع الحجارة بحكمة حتى يخرج منها بناءٌ حقيقي له شكل جسد المسيح ورأسه: «أَمَا تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟» (1كو 16:3)

ويضيف بولس الرسول كمهندس معماري حكيم ورسول منتخب:

+ «... صادقين في المحبة، ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس: المسيح، الذي منه كلُّ الجسد مُرَكَّباً معاً، ومُقْتَرناً بمؤازرة كل مفصل، حسب (أو بحسب) عملٍ، على قياس كل جزء، يُحَصِّل نموَّ الجسد لبنيانه في المحبة» (أف 4: 16،15).

كيف يقوم المبنى؟ وما هي نهايته؟

قلنا إن جسد المسيح هو الكنيسة، والكنيسة هي جسده وهو رأسها؛ وهو أيضاً باني الكنيسة على قياس ملء قامته في الروح. وبولس الرسول يصف هذا بتدقيق روحي:

+ «الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات، لكي يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رُسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مُبشِّرين، والبعض رعاة ومُعلِّمين، لأجل تكميل القديسين (المؤمنين المُخلَّصين مُحبي المسيح)، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله (بحسب اليوناني: ”... ووحدانية معرفة ابن الله“). إلى إنسان كامل (بشرية مُكمَّلة إلى واحد). إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف 4: 10-13).

ليتنبَّه القارئ، أنَّ كل مَبْنَى هيكلي في القديم (مثل القَبْو) يبتدئ بالأساس المتين جداً، ويرتفع المبنى بحجارة منحوتة تنتهي في الرأس بحجر الزاوية (كما هو مُبيَّن في الرسم) الذي يُمسك البناء كلَّه، بمعنى أن كل مبنى يقوم وينتهي بالرأس.

وهكذا وجدنا الكنيسة المُحيية الحيَّة، جسد المسيح وأعضاءه، إنما تُبنى بحجارة حيَّة هي الأعضاء القديسون المُخلَّصون مُحبو المسيح، وتنمو بالمحبة والإيمان الواحد والمعرفة (الاستعلانية) الواحدة للمسيح ابن الله. وهكذا يكتمل المبنى وتكتمل الكنيسة.

وليتنبَّه القارئ جداً إلى قول بولس الرسول: ”إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ووحدانية معرفة ابن الله، فنَصِلُ إلى الإنسان الكامل، وهو على قياس قامة ملء المسيح“.

الدرجات (العصور) التي عَبَرَت عليها الكنيسة منذ البدء وإلى الآن

أولاً: الرسل، ثانياً: الأنبياء، ثالثاً: المُبشـِّرون، رابعاً: الرعاة، خامساً: المعلِّمون.

سنتكلَّم الآن عن حالة الإيمان ومعرفة ابن الله على مدى العصور والعثرات التي واجهت الكنيسة.

العصر الرسولي:

هو أزهى عصور الكنيسة، حيث كانت وحدة الإيمان ووحدة الاستعلان في أعلى قمتها، وتسجَّلت الكلمة وظهر الإنجيل، وبلغ سفر أعمال الرسل درجته القصوى.

وكما يقول بطرس الرسول:

+ «لأننا لم نَتْبَع خُرافات مُصنَّعة، إذ عرَّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كُنَّا مُعاينين عظمته. لأنه أَخَذَ من الله الآب كرامةً ومجداً، إذ أقبل عليه صوتٌ كهذا من المجد الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سُررتُ به. ونحن سمعنا هذا الصوت مُقبلاً من السماء، إذ كُنَّا معه في الجبل المقدَّس» (2بط 16:1-18).

وبولس الرسول المدعوُّ أبا الإيمان يقول: «أَلستُ أنا رسولاً؟ أَلستُ أنا حُرّاً؟ أَمَا رأيتُ يسوع المسيح ربنا؟» (1كو 1:9). وكان أساس الرسل في وحدة الإيمان ووحدة المعرفة، أي الاستعلان، مؤيَّداً بالروح القدس الذي امتلأوا به معاً وفي يوم واحد.

المستوى الرسولي في وحدة الإيمان ووحدة المعرفة:

نقول بحسب الإنجيل إن هذا الإيمان الرسولي وُجـِدَ ليدوم ويبقى حتى النهاية. هذا كان إيمان الرسل القديسين الذي بشـَّروا به. ويؤكِّد هذا المستوى من وحدة الإيمان ووحدة الاستعلان وبلوغ ملء قامة المسيح، ما يقوله القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى: «أيها الأحباء، الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهَر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أُظهِرَ نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 2:3).

أي أنَّ هذا ما يتحتَّم أن تبلغه الكنيسة من ملء قامة المسيح: «إذا أُظهِرَ نكون مثله».

عصر الأنبياء القديسين:

وهو العصر الذي جاء في أعقاب عصر الرسل والمُسمَّى في الكنيسة بعصر الآباء الرسوليين، لأنهم كانوا حائزين على مسحة الروح القدس، وسجَّلوا رسائلهم التي تشهد لهم، مثل: القديس إغناطيوس الأنطاكي، والقديس بوليكاربوس أسقف أزمير. وقد حافظوا على إيمان الرسل وبَنَوْا عليه من مواهبهم في الأرجاء التي وُجِدوا فيها.

عصر المُبشِّرين:

وهو العصر الذي امتدَّت فيه الكنيسة وشملت بشارتهم أقطاراً عِدَّة، وكانوا محافظين على وحدة إيمان الرسل ووحدة معرفة الرب يسوع.

أولى عثرات الكنيسة التي هزَّت أساسها

عصر الرعاة:

وهم الأساقفة العِظام القديسون في ذلك الزمان، وكانوا مالكين زمام الكنيسة في كل الأقطار: مصر، وروما، وإسبانيا، وسوريا، وأرمينيا، وشمال أفريقيا.

ولكن اندسَّ بينهم ذئبٌ بشبه ملاك نور، وهو المعلِّم الشيطاني آريوس، الذي هاجم لاهوت المسيح، وهزَّ إيمان الكنيسة، وانحاز إليه بعض الأساقفة؛ فازداد سلطانه وازداد خطره، وبدا وكأن أساس الكنيسة بدأ يهتز، وبلغ قمة خطره على الكنيسة، حتى جاء وقت ظن فيه الناس أن العالم كله صار آريوسياً، أي ابتلعه الشيطان. وابتدأ يختفي أساس الرسل ووحدة إيمانهم إلى أن قام في مصر الأسقف أثناسيوس الذي ظل يُحارب آريوس، ويُحارب الملوك الذين انحازوا له ويحارب الأساقفة الذين صاروا من أتباعه. ونجح القديس أثناسيوس في إخماد ثورة آريوس على المسيح والإيمان والمعرفة إلى أن هزمه، وعاد الإيمان الرسولي. لذلك سمَّوه: ”أثناسيوس الرسولي“. وتوقَّف زحف آريوس على الكنيسة، ولكن تأثَّرت الكنيسة وبدأت تنقسم، وانقسمت فعلاً. وانقسم بالتالي الإيمان، واهتزَّت المعرفة، وفقدت وحدتها الاستعلانية.

عثرة الكنيسة التي لم تَقُمْ منها حتى الآن

عصر المعلِّمين:

بحسب انقسام الكنيسة وانقسام الإيمان والمعرفة التي فقدت قوة الاستعلان، خرج جيل المعلِّمين في كل كنيسة، وكان عملهم وهمُّهم الأكبر هو أن يُثبِّتوا انقسام الكنيسة، كل كنيسة في إيمانها وعقيدتها، ويهدموا العقائد وإيمان الكنائس الأخرى.

فتوقَّفت الكنيسة عن أن تكون في وحدة الإيمان الرسولي ووحدة المعرفة الاستعلانية، وتوقَّف البناء العام الذي كان سائداً منذ أيام الرسل.

وابتدأ كل قسم من أقسام الكنيسة يبني ذاته على ما تبقَّى له من الإيمان الرسولي وعقيدة المعرفة، إنما بغير استعلان، ونقصد بالاستعلان: الرؤية الإيمانية في الكلمة المفتوحة على شخص المسيح الحي.

وهذا النقص في المعرفة أَعاق الكنيسة عن بلوغ ملء قامة المسيح.

مجيء المسيح

يقول القديس بطرس للذين يتساءلون:

+ «عالمين هذا أولاً: أنه سيأتي في آخر الأيام قومٌ مُستهزئون، سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه؟ لأنه مِن حين رقد الآباء كلُّ شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة؟ لأن هذا يَخْفَى عليهم بإرادتهم... ولكن لا يَخْفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء، أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الربُّ عن وعده كما يَحْسِبُ قومٌ التباطؤ، لكنه يتأنـَّى علينا، وهـو لا يشاء أن يَهلِك أُناسٌ، بـل أن يُقْبـِل الجميع إلى التوبة» (2بط 3:3-9).

ولماذا يقول القديس بطرس: ”موعد مجيئه هذا يَخْفَى عليهم بإرادتهم“؟

لأن النص الرسولي يقول، وهذا حسب وصية الرب والمخلِّص: «منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب» (2بط 12:3). وانتظار مجيء الرب هو إحدى الوصايا الدائمة الخاصة بعلاقتنا الثابتة به. فالأولاد إذا ذهب أبوهم إلى مملكة بعيدة يطلب مُلْكاً، ويأتي ويقول لأولاده ”انتظروني إلى أن أجيء“؛ فأمانة الأولاد ومحبتهم لأبيهم وواجبهم البنوي كأبناء أخصَّاء لأبيهم تجعلهم يظلون ساهرين منتظرين سرعة مجيئه حتى ولو غاب عنهم، لأن غيابه يتضمنه تصريحه بأنه ذاهبٌ ليأخذ مملكة. فعدم مجيئه لا يُحسب تباطؤاً. هذا عيب كبير في حق الأبناء أن يقولوا هذا. لذلك يُسمِّيهم بطرس الرسول: أولاد آخر الزمان، مستهزئون؛ أي مستهزئون بأُبوَّة الأب وواجب البنين في أمانة الانتظار والطلب بسرعة مجيئه. فمجيئه مربوطٌ بتمام حصوله على المُلْك، وبتمام استعداد الأبناء أن يكونوا على مستوى دخولهم في مُلْكه عليهم كأبناء وورثة.

وقد ضرب الرب يسوع مَثَلاً على الذين يستهزئون بمجيء الرب بمَثَل الكرَّامين الأردياء الذين قتلوا رُسُل صاحب الكرم، وأخيراً رأوا ابن صاحب الكرم موفداً من أبيه، فقالوا: «هذا هو الوارث! هَلُمُّوا نقتله فيكون لنا الميراث!» (مر 1:12-8). وهذه تُحسب أهم وآخر وصية قالها الرب وقت العشاء الأخير حينما أعطاهم الجسد والدم قائلاً: «اصنعوا هذا... لذِكْري... تُخبرون بموت الرب إلى أن يجيء» (1كو 11: 26،25).

وللأسف الشديد سقط من طقس الكنيسة التقليد الإفخارستي القديم الذي ينص على ذِكْر الرب بعد تقديم التقدمة، حينما يقف الكاهن رافعاً وجهه إلى السماء ويقول: ”لتأتِ النعمة، وليَنْقَضِ العالم. ماران آثا (أي: "تعالَ، أيها الرب يسوع")“ (الديداخي 6:10). وبقيت في مرد الشعب فقط: ”بموتِك يا رب نُبشِّر“، وسقط من هذا المرد: ”ونذكرك إلى أن تجيء“ (بالرغم من ذِكْرها في صلاة الكاهن قبل هذا المرد: ”لأن كل مرة تأكلون من هذا الخبز، وتشربون من هذه الكأس؛ تُبشِّرون بموتي، وتعترفون بقيامتي، وتذكرونني إلى أن أجيء“).

متى يجيء المسيح؟

سبق وسجَّلنا قول بولس الرسول: «وهو أعطى البعض أن يكونوا رُسُلاً، والبعض أنبياء، والبعض مُبشـِّرين، والبعض رعاة ومُعلِّمين، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبُنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان و(وحدانية) معرفة ابن الله (بحسب اليوناني). إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف 11:4-13).

وبدأنا بالرسل ووَضْع الأساس، وانتهينا بعصر الرعاة والمعلِّمين وانقسام الكنيسة وانقسام التعليم على يد الأساقفة الذين انتهت بهم وحدة الكنيسة وتمـزَّقت إلى عقائد، وكثرة المعلِّمين الذين يُعلِّمون بالكلام وليس بالروح، وغياب الاستعلان أي المعرفة المفتوحة على المسيح شخصياً؛ فتوقَّف ملء الكنيسة التي كانت تُبنى منذ الرسل على أساس أن تبلغ إلى الرأس المسيح.

فالذي يُعطِّل مجيء المسيح هو غياب الاستعلان وضعف المعرفة الاستعلانية المفتوحة على المسيح شخصياً. وقد أكَّد هذا بولس الرسول، وذلك في توصيف شكل النهاية الصحيحة الحقيقية لبناء الكنيسة: ”ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ووحدانية معرفة ابن الله (الاستعلانية). إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح“.

فمتى بلغت الكنيسة إلى ملء قامة المسيح، صارت مِثْلَه؛ حينئذ تكون قد أكملت رسالتها في العالم. ويقول القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى، مؤكِّداً ذلك: «ولكن نعلم أنه إذا أُظهِرَ نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 2:3).

ومعنى: ”نكون مثله“، هو أن تكون الكنيسة قد بلغت إلى ملء قامة المسيح في وحدة الإيمان. ومعنى: ”سنراه كما هو“، هو أن الكنيسة صارت لها معرفة ابن الله واستعلانه استعلاناً كاملاً مُطابقاً له تماماً. حينئذ يظهر ابن الله: ”تُظهَرون أنتم أيضاً معه في المجد“: «متى أُظهِرَ المسيحُ حياتُنا، فحينئذ تُظهَرون أنتم أيضاً معه في المجد» (كو 4:3)، «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني» (يو 24:17)، «وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني... وأنا مُمجَّدٌ فيهم» (يو 17: 10،22).

(21/6/2002)

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis
مجلة مرقس أكتوبر 2014 - 19