دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 19 -



ثانياً: الأسفار التاريخية

4 - سِفْر صموئيل الأول

مقدِّمــة:

سِفْرا صموئيل الأول والثاني (مثل سِفْرا الملوك الأول والثاني، وسِفْرا أخبار الأيام الأول والثاني)، كانوا أصلاً في الترجمة العبرية للعهد القديم كتاباً واحداً.

أمَّا في الترجمة اليونانية التي تُدعَى ”الترجمة السبعينية“، فقد قُسِّمَت إلى أسفار صموئيل الأول والثاني، والملوك الأول والثاني، وأخبار الأيام الأول والثاني.

أمَّا في الترجمة اللاتينية للعهد القديم التي دُعِيَت ”الفولجاتا“، فقد تبع فيها القديس جيروم النظام الذي سارت عليه الترجمة السبعينية، غير أنه دعا الأسفار الأربعة الأولى: ”أسفار الملوك“. وهكذا، فإنَّ الأسفار التي تُدعَى الآن ”سِفْر صموئيل الأول“، و”سِفْر صموئيل الثاني“، و”سِفْر الملوك الأول“، و”سِفْر الملوك الثاني“؛ كانت تُعرَف بأنها الأسفار الأول والثاني والثالث والرابع للملوك.

كاتب سِفْرَي صموئيل الأول والثاني:

لا يمكن تحديده بتدقيق، ولكن بالنظر إلى محتوَى السِّفْرَيْن، يبدو أنَّ الكاتب عاش بعد الفترة التي تمَّت فيها أحداث السِّفْرَيْن. ويُرجِّح التقليد اليهودي أنَّ الكاتب هو صموئيل النبي، وقد استعان بكُتُب أخرى كانت تحمل اسمه، كما أنَّ النبيَّيْن جاد وناثان قد أدليا بأخبار إضافية على ما كتبه صموئيل النبي عن السنين التي تلت نياحته (1صم 25: 1). إلاَّ أنَّ السِّفْر لا يتضمن أي اسم لكاتبه. ومع ذلك، فإنَّ النص الكتابي يُبيِّن أنَّ صموئيل النبي قد كتب بعض التقارير وضمَّنها في السِّفْر (انظر 1صم 10: 25)، وأنَّ هناك شخصيات مُعيَّنة في الأنبياء قـد جـاء ذِكْرها في السِّفْر، مثل: صموئيل وناثـان وجاد، وأنهم كتبوا أخبار الكثير مـن أعمال الملك داود (مثلما جاء في 1أي 29: 29).

وحيث إنَّ أنبياء العهد القديم قد عملوا، عادةً، كمؤرِّخين لأزمنتهم؛ فليس مُستبعَدَاً، إذن، أنَّ السِّفْرَيْن المنسوبَيْن لصموئيل النبي، قد تمَّ تأليفهما وتجميعهما بواسطة نبي لم يُذكَر اسمه، أخذها من كتابات صموئيل وجاد وناثان، ومن مصادر أخرى.

تاريخ كتابة السِّفْرَيْن:

إنَّ الإشارة التي وردت في (1صم 27: 6) تفترض أنَّ انقسام المملكة إلى شمالية وجنوبية كان قد حدث، وأنَّ كتابة السِّفْرَيْن بكاملهما قد وقع في الفترة التي حدث فيها الانقسام بين 931 ق.م و722 ق.م، وهو تاريخ سقوط السامرة. ومن المحتمل أنَّ السِّفرين قد تمَّ كتابتهما في أوائل الانقسام، ربما حوالي 900 ق.م.

ويُغطِّي سِفْر صموئيل الأول فترة من الزمن حوالي 94 سنة، منذ ولادة صموئيل حتى موت شاول (1105-1011ق.م). وأغلب هذه الفترة كانت فيها الصدامات والحروب ضد الفلسطينيين مع شاول وداود في معارك متعدِّدة.

موضوع السِّفْر وتكوينه الأدبي:

يُسجِّل سِفْر صموئيل الأول التحوُّل الحاسم من الحُكْم الثيئوقراطي (تحت سلطان الله المباشر) بتوسُّط القضاة، إلى الحُكْم الملكي تحت سيطرة الملوك. ويتمركز السِّفْر حول ثلاث شخصيات: أولها صموئيل (ص 1-7)، ثم شاول (ص 8-31)، ثم داود (ص 16-31).

ويصف السِّفْر الرغبة المتنامية من جانب شعب إسرائيل لإقامة ملك لهم، والأدوار التي لعبتها شخصيات متعدِّدة من البداية إلى اكتمال نشأة المؤسَّسة الملكية العبرية، وقد صُوِّرت الملكية العبريَّة على أنها أساساً مملكة إلهية، وليست مملكة مبنيَّة على قوامٍ سياسي.

فإله إسرائيل مستمرٌّ في كونه الإله الحقيقي لإسرائيل، والملك الأرضي يُفتَرَض أنه يُمثِّل الأُمة العبرية أمام الله، وينبغي أن يكون مسئولاً لدى الله مسئولية كاملة.

وفي الواقع، فإنَّ السِّفْر يكشف بوضوح أن نجاح أو فشل الشخص الممسوح مَلِكاً لإسرائيل، يمكن اعتماده بناءً على طاعته أو عدم طاعته لشريعة الله، وخضوعه لإرادة الله.

وفي تعريف الملكية، يُعرِّف سِفْر صموئيل الأول كذلك أنَّ أعظم ملوك إسرائيل هو داود الذي اختير من الله ليحلَّ محل شاول. ورغم أنه لم يكن كاملاً على الإطلاق، إلاَّ أنَّ داود برهن على أنه كان رجلاً قلبه حسب قلب الله (1صم 13: 14). كما تسجَّل في (2صم 4: 17) عند تأسيس العهد مع داود، العهد الذي وعد فيه الله داود قائلاً: «كرسيُّك يكون ثابتاً إلى الأبد» (2صم 3: 16).

وقد تحقَّق هذا الوعد في المُلك الأبدي ليسوع المسيح الذي نطق به الملاك عند بشارته للعذراء القديسة مريم قائلاً: «وها أنتِ تحبلين وتلدين ابناً وتُسمِّينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العَليِّ يُدعَى، ويُعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلْكه نهاية» (لو 1: 31-33). فداود هو واحد من الرموز الأولى التي جاءت في العهد القديم مُشيرة لشخص المسيح. فلقد وُلِدَ في بيت لحم، وعمل كراعٍ، وحَكَمَ كملك لشعب إسرائيل، وصار كسابق للملك الماسيَّاني، الذي دُعِيَ في العهد الجديد باسم ”المسيح“: «الذي صار من نسل داود من جهة الجسد» (رو 1: 3)، وقيل عنه أيضاً في سِفْر الرؤيا: «أصل وذُريَّة داود» (رؤ 22: 16).

ويُلاحَظ أيضاً أنَّ صموئيل النبي يُركِّز الانتباه في هذا السِّفْر على نتائج الخطية. فإننا نجده أولاً، يُسجِّل في الأصحاح الخامس عشر، على الانتقال المأساوي للمملكة من شاول، الذي كان أول ملك لإسرائيل، إلى داود. وكما حدث في الثلاثة تحوُّلات التي حدثت للقيادة في إسرائيل، المُسجَّلة في سِفْر صموئيل الأول، فقد أزال الرب بركته من واحدٍ وأعطاها لآخر بسبب الخطية. حيث أزال الله بركته من عالي الكاهن وأعطاها لصموئيل بسبب تعدِّيات أبناء عالي، كما أزال المُلْك من شاول وأعطاه لداود حسب قوله لشاول: «لأنك رفضتَ كلام الرب، رفضك من المُلْك» (1صم 15: 23).

جدول تصويري لمحتويات السِّفْر: الشخصية
المركزية
صموئيل شاول المرجع 1: 1 ____ 4: 1 __ 8: 1 _______ 13: 1 __ 15: 10 __ 31: 13 أقسام

السِّفْر أول انتقال للقيادة

من عالي إلى صموئيل فترة قضاء

صموئيل الانتقال الثاني للقيادة

من صموئيل إلى شاول فترة قضاء

شاول الانتقال الثالث للقيادة

من شاول إلى داود الموضوع انتهاء حُكْم القضاة بداية قيام الملكية الأشخاص

المؤثِّرون عالي صموئيل شـاول داود الفترة

الزمنية حوالي 94 عاماً مخطط تمهيدي لمحتويات السِّفْر:

يمكن قسمة سِفْر صموئيل الأول إلى قسمَيْن:

القسم الأول: صموئيل آخر القضاة: (1: 1 - 7: 17)

1. الانتقال الأول للقيادة من عالي إلى صموئيل: (1: 1-2: 11):

أ - ميلاد القائد الجديد: (1: 1-2: 11).

ب - الحاجة إلى قائد جديد: (2: 12-3: 1).

ج - التحوُّل من عالي إلى صموئيل: (3: 1-18).

د - صموئيل قاضياً لإسرائيل: (3: 19-21).

2. مدَّة قضاء صموئيل: (4: 1-7: 17):

أ - الحاجة إلى صموئيل كقاضٍ: (4: 1-6: 21).

ب - الانتصارات تحت قيادة صموئيل: (7: 1-17).

القسم الثاني: شاول الملك الأول لإسرائيل: (8: 1 - 31: 13)

1. الانتقال الثاني للقيادة من صموئيل لشاول: (8: 1-12: 25):

أ - أسباب الانتقال: (8: 1-9).

ب - الانتقال من صموئيل إلى شاول: (8: 10-12: 25).

2. حُكْم شاول الملك: (13: 1-15: 9):

أ - النجاح المُبكِّر لشاول الملك: (13: 1-4).

ب - الفشل المتكرر لشاول الملك: (13: 5-15: 9).

3. الانتقال الثالث للقيادة من شاول إلى داود: (15: 10-31: 13):

أ - انتقال الملكية من شاول إلى داود: (15: 1-18: 9).

ب - محاولات شاول لقتل داود: (18: 10-20: 42).

ج - ارتفاع صيت داود في المنفى: (21: 1-28: 2).

د - نهاية شاول: (28: 3-31: 13).

أهم أحداث هذا السِّفْر:

صموئيل القاضي والكاهن والنبي:

تبدأ قصة صموئيل في أواخر الزمن المضطرب للقضاة، عندما كان عالي هو القاضي والكاهن لإسرائيل. وجاءت واقعة ميلاد صموئيل ودعوته المُبكِّرة من الله في الأصحاحات 1-3 من السِّفر. وبسبب استجابته التلقائية لله (3: 19) فقد تثبَّت اختياره نبيّاً في الوقت الذي ذُكِرَ فيه: «وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام» (3: 19).

وقد أدَّى الفساد الذي ضرب أطنابه في شيلوه، في الموقع الذي كان فيه تابوت عهد الرب، بسبب أولاد عالي الغارقين في الفساد، إلى الهزيمة المُنكرة لبني إسرائيل أمام الفلسطينيين (4: 1-11). وسقط تابوت عهد الرب في أيدي الأعداء، وتعطَّل الكهنوت بموت عالي وأولاده، وغادر مجد الرب خيمة الاجتماع (4: 21).

وبدأ صموئيل عمله كآخر القضاة وكأول المُعتَبَرين أنبياء كما جاء في سِفْر الأعمال: «وجميع الأنبياء وأيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلَّموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام» (أع 3: 24). وقد أدَّت خدمته النبويَّة إلى انتعاشٍ وصحوة روحية في إسرائيل، وإلى عودة تابوت العهد، وانهزام الفلسطينيين.

ولَمَّا شاخ صموئيل، وتبرهن أنَّ أولاده أيضاً ليسوا قضاة أُمناء، طالَب الشعب بأن يُقام لهم ملك «كسائر الشعوب» (8: 5). فحذَّرهم صموئيل من مخاطر الملكية، ولكنه اتَّبع أَمْر الله ومَسَحَ لهم شاول ملكاً (10: 1). وعندما رفض الله شاول بسبب عدم طاعته، أرسل الله صموئيل ليمسح داود مَلِكاً بدل شاول (16: 1-13). وبعد ذلك، عاد صموئيل الشيخ إلى بيته في الرامة، حيث مات في الأيام الأخيرة لحُكْم شاول (25: 1).

وصموئيل هو رمزٌ للمسيح في كونه كان نبيّاً وكاهناً وقاضياً. ولَمَّا كان موقَّراً جداً من الشعب، فقد صار أداة استخدمه الله ليفتتح مرحلة جديدة في تاريخ إسرائيل.

الفلسطينيون:

كانت غالبية فترة هذا السِّفْر تدور خلالها حروب مع الفلسطينيين، الذين كانوا يحتلون الأرض التي على سواحل البحر الأبيض المتوسط. وأصل هذا الشعب من اليونان وجزيرة كريت في الغرب. ولكنهم لما احتلوا أرض كنعان، أخذوا ثقافتهم ومعتقداتهم.

لذلك فآلهة الفلسطينيين المذكورة في العهد القديم هي أصلاً آلهة الكنعانيين. وكان التهديد الكائن من وجود الفلسطينيين، هو العامل الرئيسي الذي أدَّى إلى رغبة بني إسرائيل في إقامة ملك عليهم يقودهم في حروبهم مع الفلسطينيين.

(يتبع)

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis