قصة رمزية 


اللعب بالنار

استيقظ رجلٌ وإذا به في حقلٍ غير مألوف لديـه. وبينما هـو يَسْتَنشِقُ الهـواء، اكتشف رائحـةَ حريـقٍ، وظنَّ أنـه الضباب الذي يُخيِّم على ضوء الشمس. ولكن، في الواقـع، كـانت هناك سحابة كثيفة من الدخان.

ولمَّا نهض واقفـاً على قدميه، تأكَّد مـن أنَّ الحقل يلفُّهُ حريـقٌ هائـل، وكـان يقترب منه بسرعة.

ولكن كان هناك جزءٌ من العُشب لم يحترق مباشرة أمامه. وإذ أَنْعَمَ النظر مَليّاً، كان يرى أنَّ هناك طريقاً آمناً يمكن أن يقوده إلى مياه البحر.

ولحُسْن حظِّه، كانت هناك بِرْكةٌ من المياه تقف فيها سفينة على الشاطئ. وكـان قبطان السفينة يفكُّ الحبال من المَرسَى، بينما كان يُشير إلى هـذا الرجل الذي في الحقل المحترق بشكلٍ محموم أن يأتي إلى السفينة.

أمَّا الرجل الذي في الحقل، فقد كان يحسُّ بعاصفةٍ من الرياح، ويرى النار تقترب منه.

وإذ نَظَرَ إلى خلفـه عند النقطة حيث كـان يتَّكئ، لاحَظَ وجود صخرةٍ مدفونة في الأرض، إلاَّ أنه لاحَظَ وجود نُقْرة في هذه الصخرة. وإذ أطـلَّ برأسـه إلى داخل النُّقْرة، رأى داخلها مجموعة جواهر متألِّقة في حجم ثمرة من ”الجريب فروت“، يبلغ حجمها حوالي الذراع. وإذ تطلَّع بسرعة تجاه السفينة، رأى القبطان ما يزال يُومئ إليه بالانضمام إليه.

لكنه حتى لا يُضيِّع الوقت، مدَّ ذراعه إلى داخل النُّقْرة، التي كانت مفتوحة بطريقةٍ تجعل من المناسب أن يُدْخِلَ يديه إلى داخلها.

وهكذا بدأ يُمسِكُ بالجواهر كلها ويشدُّها إلى صدره ويحاول أن يُخرجها من النُّقْرة. ولكن يديه اللتين تقبضان على مجموعـة الجواهر، كـانت مفتوحتَيْن جداً، ما صار مـن غير المُمكن أن تخرجا من النُّقْرة وهي تحتضن الجواهر، لأنَّ كميَّتها كانت كبيرة وقبضتيه كانتا مفرودتَيْن. لذلك أَخَذَ يَشدُّها إلى الخارج بكل قوَّته، ما أدَّى إلى تجريح يديه من نتوءات الصخرة، ما جعل من المستحيل أن يُخرِج الجواهر من النُّقْرة، وهي في قبضتَي يديه!

والآن صارت النار التي يتصاعد منها الدُّخان، على بُعْد عدَّة أمتارٍ فقط من الرجل. وبَدَأَت حرارة النار تلْسَعُ جسم الرجل، وأَخَذَ يصرخ من الجراح التي أصابت يديه من النُّقرة، ومن خيبة أمله في الاستحواذ على الجواهر الثمينة؛ كان يُملِّس بأصابعه على سطح الجواهر، وهو يَسْرَحُ بخياله الخصب في مـدى التَّرَف والغِنَى اللَّذَيْـن سينالهما مـن وراء هذا الكنز.

وعند هذه اللحظة، انتهى قبطان السفينة من فكِّ حِبال السفينة، وبدأ السَّيْر بعيداً عن الشاطئ، وهو يُنادي على الرجل أن يترك الكنز حتى يُنقِذ نفسه.

+ + +

+ هذه القصة لم تَنتهِ عند هذا الحدِّ، لأني أنا ما زلتُ حيّاً لم أحترِق بالنيران بعد أن تركتُ وتخلَّيتُ عـن هـذا الكنز لإنقاذ نفسي، أنا الذي أَسرد هذه القصة.

+ إنَّ هذا الكنز يُشير إلى شهوة المقتنيات، وإلى الشهوات الجسدية وأشياء هذا العالم.

+ أمَّا الطريق الآمِن إلى السفينة، فهو وصايا المسيح التي تقـود إلى الخلاص مـن الموت الأبدي. ولكن ليست هـذه وحدهـا هي التي تُخلِّصنا، فالسفينة تُمثِّل الكنيسة في أسرارها المقدَّسة، والفردوس، والاتحاد بالله. وهذه كلُّها هي سفينة النجاة.

+ + +

+ «مـاذا ينتفع الإنسان لـو ربح العالم كلَّه وخَسِرَ نفسه؟ أو ماذا يُعطي الإنسان فداءً عن نفسه» (مت 16: 26).

+ «وأمَّا الذيـن يُريـدون أن يكونوا أَغنياءَ، فيسقطون في تجربةٍ وفَخٍّ وشهواتٍ كثيرة غَبيَّة ومُضِرَّة، تُغَرِّقُ الناسَ في العَطَب والهلاك. لأن محبَّة المال (والقنية) أصل لكل الشرور، الذي إذ ابتغاه قومٌ ضلُّوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجـاعٍ كثيرة» (1تي 6: 10،9).

+ «أَمَا تعلمون أنَّ محبة العالم عداوةٌ لله؟ فمَن أراد أن يكون مُحبّاً للعالم، فقد صار عدوّاً لله» (يع 4: 4).

+ «لا تحبُّـوا العالم ولا الأشـياء التي في العالم. إنْ أحبَّ أحـدٌ العالم فليست فيه محبةُ الآب. لأنَّ كلَّ ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظُّم المعيشة، ليس مـن الآب بـل من العالم. والعالم يمضي وشهوته» (1يو 2: 15-17).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis