نافذة على ما يجري في الكنائس المسيحية في أقطار المسكونة


أصداء اللغة التي تكلَّم بها المسيح تتردَّد بين جنبات جبال سوريا في قرية سورية في حضن جبل صخري قاحل

البلدة الصغيرة الهادئة ”معلولة“ تبدو أقدم بأجيال من المدينة النشيطة ”دمشق“، والتي تبعد 30 ميلاً عنها. ومنذ القرن الأول، وحينما تغلغلت المسيحية في هذه الجبال القاحلة التي تحيط بمعلولة، وأهلها يتذاكرون ويحتفلون دائماً بحياة وصليب وقيامة الرب يسوع المسيح وبشهدائه القديسين.

قرية ”معلولة“ في حضن الجبل

وعلى مدى الأجيال كان سكان معلولة يحفظون مواسم الأصوام والأعياد، ويتمسَّكون بالتقليد المسيحي، ويكوِّنون تقاليد جديدة.

وبالرغم من تغيُّر العالم حولهم بالغزو العربي لسوريا المسيحية عام 634م، حيث صارت دمشق هي عاصمة الغزاة الجُدُد عام 661م؛ ظل أبناء وبنات ”معلولة“ ثابتين على إيمانهم المسيحي، مُحافظين حتى على لغتهم المُميَّزة: الأرامية، التي تكلَّم بها الرب يسوع أيضاً أيام تجسده على الأرض.

لكن قرية ”معلولة“ لم تَعُد خاملة خامدة، إذ أن كنائسها ومزاراتها التي تبعد لا أقل من 45 دقيقة بالسيارة من العاصمة السورية، تستقبل مئات الآلاف من السائحين كل عام، حيث تزدحم البلدة الصغيرة ذات الألفي ساكن.

وترتبط قرية ”معلولة“ بالاستشهاد والمعجزات والمباني المقدسة ذات الإبداعات الهندسية التي تحكي قصصاً كثيرة، وقد طُلِيَت جدرانها بالطلاء الجيري. والزائر العابر يتعجَّب كيف أن أهل هذه البلدة قد حافظوا على مدى ألف سنة على هذه المناظر الطبيعية الجرداء لهذه الجبال التي تلفحها الشمس، ناهيك عن مناظر بساتين الكروم والزيتون والمشمش التي تفترش الوادي المحيط بهذه الجبال.

- أما الظاهرة المُدهشة جداً لبلدة ”معلولة“، فهي لغة الحديث بين أهلها، التي هي نفس اللهجة الأرامية التي كان يتكلَّم بها يسوع الناصري، وهي اللغة السابقة تاريخياً على اللغة العربية، والمستعملة على نطاق واسع في هذه المنطقة لِمَا يزيد على 1000 عام، وقد ظهرت هذه اللهجة منذ ما قبل المسيح بـ 900 سنة على الأقل، وكانت ذات أشكال مختلفة واستُعمِلَت في الشرق الأوسط، وكانت اللغة العامية منذ عام 1200 قبل الميلاد إلى عام 700 بعد الميلاد.

وكمثل كل شيء لدى الأقليات في الشرق الأوسط هذه الأيام، فاللغة الأرامية على وشك الاختفاء. ففي بلدة ”معلولة“ وقريتين قريبتين، ما زالت الأرامية بلهجتها الغربية حيَّة كلغة وطنية وعامية يومية. ويُقدِّر الخبراء بأن كل المتكلِّمين بهذه اللغة 15000 شخصاً يتكلَّمون بها على مستوى العالم، معظمهم من أصل سرياني مباشر.

ولكن شبكة الطرق السريعة في سوريا الحديثة، وتحسُّن شبكة الاتصالات مع حياة المدن المتدهورة؛ كل هذا شكَّل خطراً على هذه اللغة القديمة.

ولكن الاهتمام بالمحافظة على الأرامية يتزايد. فسكان ”معلولة“ يفتخرون بالتحدُّث بها، وقد أنشأت الحكومة السورية معهداً جديداً للغة الأرامية، الذي يُرقِّي دراسة اللغة، ويُقدِّم التوجيه الأساسي في تعليمها.

وبالرغم من المساحة الضئيلة لـ ”معلولة“ وعزلتها الجغرافية اللتين منعاها من القيام بدور رائد في التاريخ المسيحي، إلاَّ أنها صارت موضعاً لأقدم المواقع المسيحية المقدسة، بما فيها دير القديسة تكلا لراهبات الروم الأرثوذكس، ودير القديسَيْن سرجيوس وباخوس للروم الكاثوليك.

دير القديسة تكلا للراهبات:

وبجانب تجويف في الجبل، وعند قاع الجَرْف (حيث يلتقي سطحان منحدران)، يقوم دير الراهبات الذي يرجع إلى القرن العاشر، ويحوي مزاراً مبنياً حول مغارة مُعتَبَرة أنها تُكرِّم شهيدة مسيحية هي القديسة تكلا تلميذة القديس بولس الرسول.

أيقونة حديثة للقديسة تكلا أمام المزار داخل المغارة

وتذكر مخطوطة قبطية من القرن الثاني، تُسمَّى ”أعمال بولس وتكلا“، أن أميرة شابة من سلالة ملكية عثرت على هذه المغارة، بينما كانت تحاول أن تهرب من جنود الرومان الذين كانوا يتعقَّبونها لإعدامها بعد أن تجاهلت أوامر أحد النبلاء بالقرب من أنطاكية بيسيدية. ولما بلغت ”تكلا“ جانب الجبل، توسَّلت إلى الله أن يُنقذها فانفتح هذا الجَرْف، وظهر لها هذا الملجأ داخل كهف. ومن هذه القصة سُمِّيَت البلدة بهذا الاسم. فكلمة ”معلولة“ باللغة الأرامية تعني باللغة العربية: ”مدخل“ أو ”بوَّابة“.

ويذكر التقليد المحلي في هذه البلدة أن القديسة تكلا دُفِنَت هناك، بالرغم من وجود تقليد آخر يقول إن رفاتها نُقلت إلى روما ووُضِعَت بجانب رفات القديس بولس الرسول.

وفي كل يوم، تتقاطر جموع من السُّيَّاح - مسيحيين ومسلمين - ليزوروا هذا المزار، مُقدِّمين التكريم للقديسة تكلا، طالبين شفاعتها.

وبالرغم من عدم وجود ساكنين مسلمين في هذه القرية، إلاَّ أن كثيرين من المسلمين - وعلى الأخص من مذهب الشيعة - يُقدِّمون التكريم لأضرحة القديسين والقديسات، بصرف النظر عن ديانتهم، إذ يأتون من أماكن بعيدة مثل إيران والعراق ليزوروا ضريح القديسة تكلا.

كما أن في ”معلولة“ القرية التي يسكنها مسيحيون فقط وبها 22 كنيسة لخدمة المُقيمين في البلدة والسُّيَّاح؛ يوجد أيضاً 3 جوامع لإيواء السُّيَّاح المسلمين والزوَّار من المنطقة المحيطة التي يسكنها مسلمون.

وتتواتر تقاليد منذ قرون عدة بأن معجزات كثيرة تحدث عند مزار القديسة تكلا، حيث تحدث عجائب للمؤمنين الذين يشربون من المياه المتدفقة من ينبوع طبيعي داخل الكهف.

 

وتقول الأُم ”بيلاجية“: ”القديسة تكلا تُجري معجزات كثيرة“، وتُسمَّى القديسة تكلا باللغة الأرامية: ”بريكيتا“ أي ”المبروكة“ أو ”المُطوَّبة“.

دير القديسة تكلا للراهبات وفي الصورة تظهر الأُم ”بيلاجية“ وهي تسير في فناء الدير

(عن مجلة: ONE، عدد مايو 2008)


دير القديس أنبا مقار

بتصريح سابق من الأب متى المسكين بالإعلان عن مشروع معونة الأيتام والفقراء (مشروع الملاك ميخائيل)، حيث يعول دير القديس أنبا مقار منذ عام 2000 مئات العائلات المُعدمة، ويمكن تقديم التقدمات في رقم الحساب الآتي:

21.130.153
دير القديس أنبا مقار
بنك كريدي أجريكول مصر ــ فرع النيل هيلتون


This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis