عـن أسبوع الآلام



معلومات قيِّمة عن أسبوع الآلام
- 2 -
(مقتبسة من قطمارس البصخة المقدسة)



+ تحدَّثنا في العام الماضي عن مقدِّمة عامة عن أسبوع الآلام، ثم عن أحد الشعانين واثنين البصخة وثلاثاء البصخة (عدد أبريل 2015، ص 11)؛ وتحدَّثنا أيضاً عن سبت الفرح وعن عيد القيامة المجيد (عدد مايو 2015، ص 25). ونُكمِل في هذا العدد الحديث عن بقية أسبوع الآلام.

يوم الأربعاء من البصخة المقدَّسة(1):

صرف مُخلِّصنا له المجد هذا اليوم في بيت عنيا في تعليم تلاميذه وطمأنتهم بأنه لن يتخلَّى عنهم. ولم يذكر الكتاب أنه عمل شيئاً في هذا اليوم، وذلك لأنـه قَصَدَ الوحدة والانفراد عن الناس وتجنُّب الاجتماعات مثلما كان خروف الفصح يُترك ساكناً قبل ذبحه في اليوم المعدِّ له.

ترك السيِّدُ الهيكلَ مساء يوم الثلاثاء وعاد إلى بيت عنيا وفي نيَّته ألاَّ يعود إليه البتَّة بعد أن قال لليهود: «هوذا بيتكم يُترَك لكم خراباً، لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا: مباركٌ الآتي باسم الرب» (مت 23: 39،38)، مع أنه هو ربه الحقيقي، وقد أَظهر ذلك بسلطانه عليه قبل ذلك بقوله لباعة الحمام: «ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة. فتذكَّر تلاميذه أنه مكتوبٌ: غيرة بيتك أكلتني» (يو 2: 17،16)، وقد أثبت ذلك فيما بعد أيضاً بدخوله أورشليم علانيةً باحتفالٍ عظيم.

وفي هذا اليوم سأل يهوذا الإسخريوطي رؤساء الكهنة: ”ماذا تعطونني وأنا أُسلِّمه لكم“؟ فوعدوه بثلاثين من الفضة. وهكذا باع سيِّده بهذه القيمة البخسة رغم أنه أحبه واختاره تلميذاً له، وذلك لكي تتمَّ نبوَّة زكريا النبي (11: 12). ثم وبَّخه ضميره وردَّ لهم الفضة ثم مضى وخنق نفسه. ثم تشاور رؤساء الكهنة واشتروا بهذه الفضة حقل الفخاري مقبرةً للغرباء وسُمِّي ”حقل دم“، كما ذكرت النبوَّة ذاتها أيضاً (زك 11: 13)، كما تمَّت نبوَّات داود النبي على يهوذا في مزمور 109. وقـد طـابَق القديس بطرس الرسول ذلك على نبوَّة داود النبي في (أع 1: 16-20).

يوم الخميس الكبير من البصخة المقدَّسة

(خميس العهد):

«وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يُذبَح فيه الفصح، فأرسل (يسوع) بطرس ويوحنا قائلاً: اذهبا وأَعِدَّا لنا الفصح لنأكل» (لو 22: 7)، وبعد الظهر توجَّه مع تلاميذه إلى بيت مار مرقس حسب التقليد. وكان هذا اليوم هو الرابع عشر من نيسان، الذي كان اليهود يكفُّون فيه عن العمل عند الظهر، ويُخرجون كل عجينٍ مُختمر من البيوت، ويذبحون خروف الفصح الذي يأكلونه في المساء حيث يكون قد بدأ اليوم الخامس عشر من نيسان الذي يُسمَّى ”اليوم الأول من الفطير“. وكان مُخلِّصنا قد رجع بعد ظهر يوم الخميس إلى أورشليم مرةً أخرى، دون أن يدخل الهيكل، ومعه تلاميذه ليأكل الفصح معهم.

وعيد الفصح هـو أعظم أعياد اليهود الـذي أوصاهم الله بالاحتفال بـه في أصحاح 12 مـن سفر الخروج. و”الفصح“ كلمة عبرانية معناها ”العبور“ كنايةً عن عبور الملاك المُهلِك عن بيوت بني إسرائيل حين قتل أبكار المصريين. وكانت أيام العيد سبعة، تبتدئ من 15 نيسان وتنتهي في 21 منه، وكان مُحتَّماً على اليهود بمقتضى الناموس ألاَّ يأكلوا فيه سوى الفطير، ولـذلك سُمِّيَ ”عيد الفطير“. وكـانت تستلزم ممارسـة الفصح خمسة أمـور: الأول: ذَبْح الخروف. الثاني: رَشُّ الدم على قائمتَي باب المنزل وعتبته العُليا. الثالث: شَيُّ الخروف صحيحاً دون أن يُكسَر منه عظم مثالاً لِمَا سيحدث مع جسد المسيح على الصليب (يو 19: 36). الرابع: أَكْله مع الفطير والأعشاب المُرَّة. الخامس: عدم إبقاء شيء منه إلى الصباح.

وكان من عوائد اليهود أن يقسموا أنفسهم في أَكْل خروف الفصح إلى جماعاتٍ، كـل منها لا تقل عـن عشرة أشخاص ولا تتجاوز عشرين شخصاً، فإنْ لم يبلغ سُكَّان البيت الواحد عشرة أشخاص، اشترك بيتان في خروفٍ واحد. وكانت كل جماعة تُنيب عنها واحداً ليُحضِر الخروف إلى دار الهيكل ويُساعد هو أيضاً اللاويين في ذبحه، ثم ينقله إلى البيت ليأكلوه حسب الشريعة. وقد قام بذلك في الهيكل هذه المرة بالنيابة عن مُخلِّصنا وتلاميذه الرسولان بطرس ويوحنا، كما أعدَّا الفطير والخمر والأعشاب المُرَّة وكل ما هو ضروري لإعداد الفصح. ثم أرسل الرب اثنين منهم وأعطاهم علامةً يُميِّزان بها صاحب البيت، وهي إنسان حامل جَرَّة ماء، وكانت لمُخلِّصنا حكمة في إخفاء معرفة المكان عن تلاميذه إلى تلك الساعة حتى لا يتمكَّن يهوذا من أن يُخبر رؤساء الكهنة به، فيقبضون عليه قبل أن يؤسِّس العشاء الرباني. ولما أعدَّا كل شيء ذهب هو وتلاميذه وأكلوا الفصح هناك.

ولما حدثت مشاجرة بـين التلاميذ بخصوص الأول والأعظم منهم، أنَّبهم الرب يسوع (لو 22: 24). وفي الحال قام بعملية غَسْل أرجل تلاميذه، ولما استعظم بطرس ذلك حذَّره بأنه لن يكون له معه نصيب، فخاف بطرس وطلب غَسْل يديه ورأسه أيضاً. ثم أنبأهم بخيانة يهوذا الذي لمَّا أخذ اللقمة بغير استحقاقٍ دخله الشيطان، وكان قد اتَّفق مع رؤساء الكهنة، فأعطوه جنوداً بسيوفٍ وعِصِيٍّ ومشاعل لكي يُرشدهم إلى مكان الرب في بستان جثسيماني ليلاً خلواً من الجموع التي كانت تحبه وتدافع عنه، وذلك مقابل ثلاثين شاقلاً من الفضة التي كانت هي ثمن العبد في ذلك الوقت؛ وهكذا بِيع المسيح كعبدٍ لكي يُحرِّرنا من العبودية الدائمة للخطية والموت.

العشاء الربَّاني:

أسَّس الرب في هذا اليوم العشاء الربَّاني للتلاميذ وللكنيسة كلها حيث أبطل أمامهم الرمز وأشار لهم إلى المرموز إليه، وسلَّمهم عهداً جديداً عِوَضاً عن العهد الأول، وقد ذَكَرَ الإنجيل كل ذلك بالتفصيل. ويُقال في التقليد إنَّ سيِّدنا لمَّا جـاهَد في الصلاة في جثسيماني، ظهر له ملاكٌ يُقوِّيـه مُسبِّحاً بتسبحـة الكنيسـة في أسبـوع الآلام: ”لـك القوة والمجـد والبركـة والعزَّة... يا عمانوئيل إلهنا وملكنا“.

ويجب أن يكون خبز الإفخارستيا مختمِراً ومـن القمح النقي، لأن الإنجيليـين يقولـون: «أَخَـذَ خبزاً (”أرطـوس“ باليونانية، أي ”خبزاً مختمِراً“)». وهكذا جاء أيضاً في سفر الأعمال. والخمر يجب أن يكون من عصير العنب الخالص لكي يُماثِل دم الرب المسفوك. وكما قال يعقوب أبو الآباء متنبِّأً عن نسل ابنه يهوذا الذي هو المسيح: «غَسَلَ بالخمر لباسه، وبدم العنب ثوبه» (تك 49: 11). ثم يُمزَج الخمر عند الخدمة بالماء على مثال الدم والماء اللذين خرجا من جنب الفادي على الصليب ولكي تتمَّ النبوَّة: «الحكمة... ذبحت ذبحها، مزجت خمرها، أيضاً رتَّبت مائدتها» (أم 9: 2).

يوم الجمعة العظيمة:

بعد أن أسَّس مُخلِّصنا العشاء الربَّاني لتلاميذه بأورشليم «سبَّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون» (مت 26: 30) إلى عَبْر وادي قدرون. وكان هـذا الوادي عميقاً ويُسمَّى ”الوادي الأسود“، ويُسمَّى أيضاً: ”وادي يهوشافاط“. والمسيح إلهنا عندما ذهب إلى جثسيماني (يو 18: 1)، وهو عالمٌ أنَّ يهوذا كان يعرف هذا المكان، فلم يُرِدْ أن يختفي بعد، بل كان مستعِدّاً أن يُقدِّم ذاته كفَّارةً عن خطايا العالم حتى أنه لم ينتظر حتى يسأله الجنود: مَن هـو؟ بـل سبقهم وخرج لاستقبالهم وسألهم: «مَنْ تطلبون؟». وكان ذلك في نصف الليل من ليلة الجمعة 14 نيسان.

ولمَّا قُبِضَ على المُخلِّص، تركه تلاميذه وهربوا، ولكن بطرس ويوحنا تبعا الجمع إلى دار رئيس الكهنة. وكانت عادة مجمع السنهدريم أن يجتمع في أحد أروقة الهيكل، ولكن كان يجوز لهم الاجتماع في دار رئيس الكهنة، ولعلَّهم فعلوا ذلك لإخفاء مشورتهم عن الشعب الذي كان يحب المسيح ويلتفُّ حوله، لأن الهيكل كان مزدحماً بالناس في أيام الفصح.

وكان رئيس الكهنة يجلس في المتَّكأ الأول طوال حياته حتى ولو عُزِلَ، لذلك دُعِيَ ”حنَّان“ برئيس الكهنة مع أنه كان قد ترك الوظيفة حينذاك، وقُدِّم اسمه على اسم ”قيافا“، لأنه أكبر منه سنّاً وأقدم في الوظيفة وله خبرة واسعة. ولما قبض اليهود على المسيح، أخذوه أولاً إلى حنَّان استجلاباً لرضاه ومُصادقته عمَّا فعلوا، ثم أخذوه إلى قيافا (يو 18).

المحاكمة غير الشرعية:

اجتمع مجمع السنهدريـم في جلسة غـير رسمية، وظلَّ يُحاكِم الرب يسوع حتى قُرْب الفجر (صياح الديك). وأثناء ذلك أنكر بطرس المسيح ثلاث مرات، ثم استهزأوا بالمسيح. وفي الصباح اجتمع المجمع الكبير وأَثبت حُكْم الجلسة غير الرسمية، لأن فحص أيَّة جنايةٍ في الليل كان مُخالفاً لشريعة اليهود، كما أنَّ صدور الحُكْم كان شديداً على الرب يسوع، وأنهم كانوا يخشون جداً من تأثيره على الشعب. لذلك كان اجتماعهم ليلاً لكي يخترعوا عليه تُهماً مُلفَّقةً، ثم حكموا عليه بالموت بالإجماع، ولكن لم يكن لهم ولا لرؤسائهم سلطة تنفيذ الحُكْم، لأن الحكومة الرومانية كانت قد نزعت منهم هذا السلطان.

وكان تمزيق رئيس الكهنة لثيابه، هي العلامة المألوفة للحُزن عند اليهود، وهـو يُظهِر بـذلك اشمئزازه مـن فظاعة مـا اعتبره التجديف في حضرتـه، وبـذلك يُحرِّض المجمع على الحُكْم على الرب. وكانت كـل هـذه الانفعالات رياءً وخداعاً للوصول إلى تتميم نيَّته الشريرة. ثم زاد على إثمه بتمزيقه لثيابـه، لأنـه حسب شريعة موسى النبي كـان لا يجوز لرئيس الكهنة أن يُمزِّق ثيابه (لا 10: 6؛ 21: 10)، ولذلك فقد نُزِعَ الكهنوت من الأُمَّة اليهودية منذ ذلك الحين!

وكان على أعضاء المجمع أن يفحصوا كلام المسيح لمعرفة إنْ كان حقّاً أم لا، ولكنهم صرفوا أذهانهم عن سماع الحق، ثم حكموا عليه بالموت رجماً حسب الشريعة التي أَمَرَت برجم المُجدِّف (لا 24: 16)، وكـان مُمكناً لأعضـاء المجمع أن يـأمروا الناس برجمه رغماً عـن الحُكَّام الرومانيين، كما فعلوا بعد ذلك باستفانوس، أو أن يستأذنوا بيلاطس في ذلك. ولكنهم خافوا من الشعب لئلا يُدافع عن الرب يسوع ويُنقذه. وكان القانون الروماني يقضي في مثل هذه الأحوال بصَلْب المُجدِّف، وكـانت هـذه هي مشيئة الرب: الصَّلْب لا الرجم. ولما عقدوا جلستهم الرسمية في الصباح في الهيكل، كـانوا يقصدون استجواب الرب يسوع مرةً أخرى وسماع أقواله، والتشاور في كيفية الحُكْم عليه الـذي يقتضي التصديق عليه مـن الوالي الروماني بيلاطس، فأوثقوه وذهبوا به إلى بيلاطس.

أمام بيلاطس وهيرودس:

ولما أخذوه إلى الوالي في صُحْبة كل أعضاء المجمع وجمهور كبير، خـرج إليهم بيلاطس لأنهم لم يستطيعوا أن يدخلوا دار الولاية حسب الشريعة، وكـانوا يطمعون في أن يُثبِّت حُكْمهم بدون ذِكْر الأسباب. ولكن خاب أملهم لمَّا سألهم الوالي عن سبب إدانة المتهم، ولمَّا عَلِمَ بأسبابهم المزعومة، أعلن أنه لم يجد فيه علَّةً تستوجب الموت. ولما ذكروا الجليل، أرسله إلى هيرودس أنتيباس رئيس الرُّبع في الجليل. وقد اعتَبَر هيرودس أنَّ إرسال بيلاطس للرب يسوع وسيلةً لإرجاع الصداقة بينهما بعد أن كانا في خصامٍ بسبب ذَبْح بيلاطس للجليليين المذكورين في (لو 13: 1).

وبعد رجوع المُخلِّص من عند هيرودس، جلس بيلاطس على كرسي القضاء رسمياً وأعلن أنه فَحَصَ يسوع بتدقيق ولم يجد فيه علَّة واحدة تستوجب الموت، وهو ما أقرَّ به هيرودس أيضاً. ولذلك أراد أن يؤدِّبه ويُطلقه لعلَّه يُرضي اليهود وكهنتهم، ولكنهم بتحـريض الكهنة صرخـوا: «اصلبه، وأطلق لنا بـاراباس (= ابن عباس)». وحينذاك غسل بيلاطس يديه قدَّامهم مُدَّعياً أنه «بريء من دم هذا البار»، ولكن هذا لم يُبرِّره، لأنه لم يستطع أن يغسل قلبه من الذنب، حيث إنه سلَّم للموت مَن حَكَمَ ببراءته خوفاً من الشعب؛ وهكذا أَسلم المُخلِّص ليُجلَد ثم يُصلَب.

آلام الرب وصليبه:

كان الجَلْد عند الرومان أقسى وأبشع جداً من جَلْد اليهود، وكثيراً مـا كـان بعض المتهمين يموتون مـن الجلد. وبعد أن جلدوا المخلِّص نزعوا ثيابه وألبسوه ثوباً قرمزياً أحمر مثل الملوك احتقاراً له، ووضعوا إكليل شوكٍ على رأسه، لأنهم زعموا أنه ادَّعى بأنه ملك. وبعد أن سخر الجنود بالرب يسوع، ألبسوه ثيابه وحمَّلوه خشبة الصليب وأخذوه إلى خارج المدينة ليُصلَب في المكان الذي يُسمَّى بالعبرانية ”جلجثة“، ومعناه: ”الجمجمة“؛ وهو عبارة عـن تـلٍّ مرتفع مستدير خـالٍ مـن الصخور والأشجار ويُشبه جمجمة الإنسان. وقيل إنه سُمِّي هكذا لكثرة ما أُلقِيَ فيه من جماجم القتلى. وهناك أعطوه خلاًّ ممزوجاً بمرارةٍ. ويبدو أن المسيح ذاقه، ولكنه أَبَى أن يشربه، لأنه فضَّل أن يكون في وعيه التام بآلامه، وشاء أن يُقاسي جميع آلام الصليب كما هي دون نُقصان.

كان الصَّلْب عند الرومان مـن أشدِّ العذابات للمذنبين، لِمَا فيه مـن العار والتشهير بالمصلوب، والآلام المُبرِّحة طوال مـدَّة الصَّلْب. وقـد يبقى المصلوب حيّاً ثلاثة أيام أو أكثر، ويعتريه جوعٌ وحُمَّى من التهاب الجراح، وأيَّة حركة يأتيها المصلوب تُسبِّب له آلاماً رهيبة في كل أجزاء الجسم مـن جراح المسامير في اليدين والرجلين، وكذلك الدم الذي يتجمَّع في الرئتين ويضغط على القلب ويُسبِّب آلامـاً فـوق التصوُّر مصحوبة بعطـشٍ شديد.

عُلِّق الرب يسوع على الصليب قبل الظهر، ثم صارت ظُلمة على الأرض من الساعة السادسة إلى التاسعة. وهكذا لَبِسَت الطبيعة ثوب الحداد حزناً على ما فعله البشر بخالق الكون ومُدبِّر الخليقة ونور العالم وشمس البرِّ. وكان قد أُثخِنَ جسد المخلًِّص بالجراح من الجَلْد البشع وإكليل الشوك ثم من جراء حَمْل الصليب الضخم الثقيل في شوارع أورشليم بين سخرية وإهانة الجموع وتهكُّم الغوغاء. ولكن ما كان صَلْب اليهود للمسيح بأقل قسوةٍ منَّا، فكثيراً ما نصلبه ونطعنه بحِراب خطايانا المتنوعة!

وكان صراخ الرب بصوتٍ عظيم عندما أَسْلَم الروح، دليلاً على أنه لم يَمُت ضعفاً وإعياءً، بل إنه كان في تمام قوَّته. وقد نطق الرب بسبع كلماتٍ وهو على الصليب: ثلاث منها قبل الظلمة، وأربع بعدها، وهي: الأولى: «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لو 23: 34). الثانية: وَعْده للِّص بالخلاص: «الحقَّ أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس» (لو 23: 43). الثالثة: تسليم أُمِّه ليوحنا بقوله: «يا امرأة، هوذا ابنكِ. ثم قال للتلميذ: هوذا أُمُّك» (يو 19: 27،26). الرابعة: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» (مت 27: 46). الخامسة: «أنا عطشان» (يو 19: 28). السادسة: «قد أُكْمِل» (يو 19: 30). السابعة: «يا أبتاه، في يديك أستودِع روحي» (لو 23: 46).

لك القوة والمجد والبركة والعزَّة إلى الأبد آمين، يا ربي يسوع المسيح مُخلِّصي الصالح.

(1) المصادر التي رجع إليها هذا البحث قبطياً وعربياً، هي بعض نُسَخ خطِّيَّة من الأديرة والقاهرة وجهات أخرى، منها واحدة بتاريخ 1499ش، وأخرى سنة 1540ش، وغيرهما. هذا عدا الكُتُب المطبوعة باللغتين اللاتينية والقبطية معاً، والبشائر القبطية المطبوعة سنة 1567ش، والمزامير المطبوعة سنة 1613ش.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis