للأب متى المسكين


الطريق إلى ملكوت الله
- 11 -

«مَن يعمل الخطية هو عبد للخطية»(1)

إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث من الصوم المقدس

«31فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: ”إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تلاَمِيذِي 32وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ“. 33أَجَابُوهُ: ”إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لأَحَدٍ قَطُّ. كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَاراً؟“ 34أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: ”الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. 35وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الاِبْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. 36فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً. 37أَنَا عَالِمٌ أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. لَكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي لأَنَّ كلاَمِي لاَ مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ. 38أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ“. 39أَجَابُوا وقَالُوا لَهُ: ”أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ“. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ”لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ!“» (يو 8: 31-39).

للأب متى المسكين

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين

إنجيل القداس:

إنجيل هذا الصباح يحمل قضية الإنسان، القضية العُظمى، الأولى والأخيرة، قضية الخطية: «مَن يعمل الخطية هو عبدٌ للخطية»، «فإنْ حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً».

الكلام في هذه القضية من الوجهة اللاهوتية والوجهة الروحية كثيرٌ. ولكننا سنتكلَّم الآن عن كيف تَستعبِد الخطيةُ الإنسانَ؟ وكيف يصير الإنسان خاضعاً ومقهوراً تحت عبودية الخطية؟

درجات السقوط في الخطية:

سأَعْبُر على هذه القضية درجة درجة:

+ لأول مرة حينما يُخطئ الإنسان يشعر أنَّ الخطية غريبة، يدخل إليها بكامل إرادته الصحيحة، أي إرادة صحيحة مُعافاة، نفس صحيحة مُعافاة، فكر صحيح مُعافى مُستنير، مشاعر كلها صحيحة سليمة، عاطفة كلها سليمة. ولكن حينما يبتدئ الإنسان يتقدَّم نحو الخطية، يبدأ الضمير يشهد ضدَّه. لا يوجد إنسان إطلاقاً يبدأ بالخطية إلاَّ ويضطرب قلبه، تضطرب نفسه، يشعر بأنَّ الخطية غريبةٌ عنه، أنها عنصر خَطر. فضمير الإنسان يُحذِّره، ولكن رغبات الخطية تجذبه.

صنَّارة الخطية صنفان: صنف يدخل تحت عبودية اللذَّة والمتعة والشهوة المُحرَّمة؛ وصنف يدخل تحت عبودية الذات وأمجادها وشهواتها وغناها، واقتنائها للعالم والمال أي القنية الحرام.

هذان الصنفان هما اللذان ينجذب من خلالهما كل إنسان إلى الخطية.

بعد أن يقع الإنسان في أول خطية، يشعر في الحال بالذنب. وتُعلِن الخطية عن نفسها بمنتهى الصراحة، كما أعلن الله عن نفسه بمنتهى الصراحة؛ إذ يشعر الضمير أنَّ الإنسان قد اقترف تَعدٍّ. وهنا - من خلال ضمير الإنسان - تتبرَّأ ذمة الله من الإنسان، ويبدأ الإنسان يدخل مجال الخطية بإرادته، وتبدأ الخطية تُفرز سُمَّها من أول مرَّة. ولكن سُم الخطية لا يتوقَّف عند هذا الحدِّ، ولكنه يزداد مرةً تلو الأخرى. فسُمُّ الخطية مُخدِّر، إذ يُهوِّن على الإنسان فعل الخطية، يُهوِّن من شأن التعدِّي، ويُقدِّم له الأعذار والحُجج.

الخطية تُجمِّل وجهها القبيح، بل وتُزيِّن هذا القُبْح، تُزيِّن اللذَّة، تُزيِّن الشهوة، تُزيِّن المال الحرام، تُزيِّن القِنْية والغِنَى. كل هذه حجج يُقدِّمها الشيطان، لكي يتجرَّأ الإنسان ويتمادَى في الخطية، فيتخدَّر ضميره إلى الدرجة التي يرتكب فيها الإنسان الخطية بسهولة وتتغلغل أكثر فأكثر في أعماق نفسه. ومن كثرة تكرار فعل الخطية، ومن بث سمومها في الإنسان، يبدأ الضمير يتخدَّر ويخفُت صوت تأنيبه للإنسان، وحينئذ تتخلَّص الخطية من كل ما يُقاومها أو يصدُّها.

+ الدرجة الثانيـة: هي استقرار الخطية في أعماق الشعور، أي العقل ومـا يتبعه؛ واللاشعور، أي الإنسان الباطن غير الواعي. فتعيش الخطية داخل الإنسان كشيءٍ غريب، ولكنه مُقتَحِمٌ، أُعطِيَت له الفرصة أن يدخل البيت بملء إرادة الإنسان، وبموافقة من النفس والعقل وكل مَلَكات الإنسان.

استقرار الخطية داخل الإنسان خطرٌ جسيم، فتكون بمثابة غريم للإنسان، يحمل في يده تذكرة دخول إلى أعماق الإنسان دون أن يجد مقاومةً أو احتجاجاً، لأن الإرادة هي التي سمحت لهذا الغريم أن يدخل ويستقر. وحينئذ تنطبع الخطية في أعماق الإنسان، إلى الدرجة التي نُطلِق فيها على الإنسان اسم الخطية، كـأنها صارت جزءاً لا يتجزَّا مـن طبيعة الإنسان، فندعو هـذا الإنسان أنه مثلاً سارق أو... أو ... إلخ. هذا الإنسان العظيم الذي خُلِق على صورة الله ومثاله، عندما تملك الخطية عليه، يأخذ اسم الخطية، أو بمعنى آخر تأخذ الخطية شخصيته، فيُدعَى سارقاً أو زانياً أو مغتَصِباً. وهكذا تُهيمن الخطية على كل ما في داخل الإنسان وأيضاً ما في خارجه أي شخصيته.

+ الدرجة الثالثة: المعركة الحاسمة. عندما يتنبَّه الإنسان ويفيق من غيبوبته بسبب عظة، أو كلمة روحية، أو قراءة إنجيل، أو نصيحة ناصح، أو حتى من ضميره هو؛ فحينئذ يبتدئ يشعر بالفارق الهائل، فيما كان عليه سابقاً وفيما آل إليه حاله، فيشعر باحتقار الناس له، بفضيحته الظاهرة، ولكن بالأكثر يشعر باحتقار نفسه. هذا الانتباه أو هذه الإفاقة التي تمسُّ قلب الإنسان، هي التي تجعله يُفكِّر بعزم أن يُقاوم الخطية التي تحصَّنت داخله، وعملت لها سراديب داخل أغوار نفسه، داخل الشعور، داخل اللاشعور، داخل الأعصاب، بل وداخل العواطف والمشيئة.

وعندما يواجه الإنسان الخطية المستقرَّة في أعماقه، يجد أنها مُتحصِّنة داخله ومُتسلِّحة به ضده، أي مُتسلِّحة بكل مَلَكاته ضده. وعندما يبتدئ الإنسان يُفكِّر بإرادته، يجد أنَّ هذه الإرادة قد تآكلت بسبب تكرار الخطية، أي أنَّ الخطية قد أكلت من إرادة الإنسان.

وحينئذ يبتدئ يستجمع كل قواه النفسانية التي يجدها قد نُحِتَت وتآكلت هي أيضاً، ويكتشف أنَّ الخطية كانت كاللص الذي اعتاد دخول البيت، فعَرِفَ كل خفاياه. وباعتياد هذا اللص الدخول إلى هذا البيت والخروج منه، يقتحمه ويستقرُّ ويسكن فيه كصاحب مِلْك، ويبتدئ يتسلَّح بأسلحةِ صاحب البيت نفسه، أي يتسلَّح بالإرادة ضد الإرادة، وبالنفس ضد النفس، وبالفكر ضد الفكر. فينقسم الإنسان على نفسه، ويكتشف أنَّ الخطية قد دمَّرت كل قواه النفسانية، واستهلكت فكره وأعصابه، ولم يتبقَّ له سوى الخراب.

فلا الإرادة قادرة على التحكُّم، ولا النفس وكل مَلَكات الإنسان في داخله قادرة أن تكُفَّ عن مجاراة الخطية.

فكل المحاولات التي يبذلها الإنسان، الواحدة تلو الأخرى، تُزيد من سقوط الإنسان، وكأنه ينغمس رويداً رويداً في الوحل.

حَصْر التلفيات:

ماذا صَنَعَت الخطية بالإنسان؟ الخطية فعلٌ سلبي. وعندما تتكرر الأفعال السلبية، فحينئذ تستقر وتتعمَّق داخل الإنسان الطبيعي، وتشوِّه صورته الطبيعية وتُعطيه صورة غير طبيعية، فيكتشف مدى الأضرار التي لحقت به بسبب الخطية:

+ أولاً: النفس: فيجد الإنسان أنَّ الخطية شوَّهت نفسه، فبدلاً من أن تسلك النفس في مسارها المستقيم الطبيعي كما في أيِّ إنسانٍ، إذ به يجدها تنحرف ذات اليمين وذات اليسار، ويُطلَق عليها: ”النفس المُنحرفة“.

+ ثانياً: الإرادة: فكل مرَّة يُخطئ فيها الإنسان بإرادته، أو بجزء من إرادته، تلتهمه الخطية ويصير تابعاً لها. ومرَّة تلو الأخرى، تبتدئ الإرادة تتفسَّخ وتنحاز إلى فعل الخطية.

+ ثالثاً: الأعصاب: فهي خُلِقَت في الإنسان لتعمل على مستوى الطبيعة الإيجابي. فبمجرد أن ينحرف الإنسان عن مسار طبيعته التي خُلِقَ عليها، يصير ثِقَل الخطية على الأعصاب أكثر من إمكانية احتمال الأعصاب، فتبدأ الأعصاب في الانهيار. وحينئذ يكتشف الإنسان في النهاية، أنَّ هذا الجهاز العصبي الحسَّاس لم يَعُد إلى مستواه الأول الطبيعي، ولا يؤدِّي وظائفه الحيوية كما كان يؤدِّيها سابقاً؛ إذ قد استقرَّت الخطية في الجهاز العصبي وتحصَّنت فيه.

+ رابعاً: الشعور الواعي: وهو الذي يُعبِّر عن الشخصية، أي العقل والعواطف والمشاعر. فمِن كثرة التأنيب على اقتراف الخطية، ومـن كثرة العجز في المقاومة؛ تبدأ الشخصية في الضعف، ويبدأ الشعور في الاهتزاز، ويشعر الإنسان في قرارة نفسه أنه قد ضاع.

+ خامساً: اللاشعور: معروفٌ أنَّ كل فعل يؤدِّيه الإنسان وهو غير راضٍ عنه، يسقط في اللاشعور، ويستقرُّ هناك، ويحيا ويُفْرِخ ويظهر بصورة تلقائية وغير إرادية إلى أن يُفتَضَح الإنسان. فتزداد أحلام الإنسان وكوابيسه في النوم، فيستيقظ الإنسان مذعوراً، ويجد أنَّ الخطية قد استطاعت أن تُخْرِب كل ملَكَات نفسه الداخلية، وأنها أضعفت نفسه وشخصيته، بل وكل إمكانياته.

مزيدٌ من التلفيات:

بتكرار المحاولات الفاشلة التي يُحاول بها الإنسان - في ضعفه وعجزه - أن يتغلَّب على الخطية، يزداد يأساً، فيزداد ضعفاً. وكلما ازداد الإنسان ضعفاً، كلما استن‍زفَت الخطية كل إمكانياته؛ وكلما خضع ورضخ أكثر للخطيئة، كلما ازدادت عبوديته لها إجباراً.

هكذا، في النهاية، يكتشف هذا الإنسان العظيم ذو النفس الجميلة البهيَّة، كيف صار مقهوراً ساقطاً تحت سطوة الخطية! ويكتشف أيضاً كيف غرَّرت به الخطية وخدعته تحت ستار اللذَّة والشهوة والغِنَى الحرام. وعندما يقيس كل ما آلت إليه أحواله، يجد أنَّ ما هو فيه كذب في كذب، لأن الخطية - في الحقيقة - هي أكبر كذبة في عالم الإنسان. ولا يُدرك هذه الحقيقة إلاَّ مَن تمرَّر بعبودية الخطية وعرف عمقها الفاجر. كيف أنَّ شخصية ذلك الإنسان قد تآكلت بسبب تكرار الخطية، فهي أكبر كذبة صدَّقها الإنسان! وتحت ستار اللذَّة والمتعة الحرام والمسرَّة الكاذبة والمُجاملة للآخرين والثراء الفاحش، تترك الخطية الإنسان فاقداً أعزَّ ما يملك، أي نفسه وإرادته. وبهذا يتمُّ قول المسيح: «إنَّ كلَّ مَن يعمل الخطية هو عبدٌ للخطية» (يو 8: 34).

«إنْ حرَّركم الابنُ فبالحقيقة تكونون أحراراً»:

لم يترك اللهُ الإنسانَ في هذا الوضع المُزري. فالله يتحرَّك منذ البدء، بل ويُحرِّك السماء والأرض والأجيال والأنبياء والزمان والتاريخ، ليعمل كله لحساب هذا الإنسان الواقع تحت عبودية الخطية. فأرسل ابنه الوحيد لكي يُنقِذ الإنسان من الخطية (ومن الموت). أول اسم دُعِيَ به الرب يسوع في تجسُّده: «فستلد (العذراء مريم) ابناً وتدعو اسمه يسوع، لأنه يُخلِّص شعبه مـن خطاياهم» (مت 1: 21)، وبعد تجسُّده قال: «لأني لم آتِ لأَدين العالم بل لأُخلِّص العالم» (يو 12: 47).

فأول اسم حازه المسيح في تجسُّده: إنه ”مُخلِّص“، جاء ”ليُخلِّص شعبه من خطاياهم“. فعمله الوحيد، واسمه الوحيد، وهدفه الوحيد، الذي من أجله صُلِبَ وقام من بين الأموات، هو ”خلاص الإنسان“.

فوضع الإنسان - كما وصَفْتُه - بقدر ما يهزُّ مشاعر الإنسان ويسحق نفسه، ويحطُّه إلى هذا الذُّل الذي جلبه على نفسه بجهالة؛ بقدر ما هو (أي الإنسان) كريمٌ جداً عند الله. فصورة هذا الإنسان المقهور من الخطية والمستَعبَد للموت، أظهرت محبة الله للإنسان: «هكذا أحب الله العالم حتى بَذَلَ ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلُّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16)، «لأنه (أي الآب) جعل الذي لم يعرف خطيةً (ابنه الوحيد المتجسِّد)، خطيةً لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه» (2كو 5: 21). فالآب ارتضى أن يترك ابنه الوحيد - في تجسُّده - حتى إلى أعماق اللعنة عينها، لكي يرفع هذا الثقل المريع الذي جَسَمَ فوق عاتق الإنسان، ويُخلِّصه منه.

صورة الإنسان المُحطَّم مقابل صورة المسيح الذي أباد بموته الموت:

سأضع أمامكم الصورتين مقابل بعضهما البعض:

صورة الإنسان وهو مُحطَّمٌ ومقهورٌ وساقطٌ بلا حِرَاك تحت سطوة الخطية التي لا ترحم وعبودية الموت المتسلِّط عليه؛ وأمامه صورة المسيح المصلوب على الصليب من أجل إبادة الخطية وإماتة الموت الناتج عنها، ثم قيامته المجيدة من بين الأموات في اليوم الثالث قاهراً الخطية وداحراً الموت ومَن له سلطان الموت، ومنتشلاً الإنسان من الهاوية التي انحدر إليها، ورافعاً عنه ثقل الخطية وسلطان الموت.

فالمسيح بموته وقيامته المجيدة، وَهَبَ الإنسان جِدَّة روحية في كل شيء: فكراً جديداً، وأعصاباً جديدة، ونفساً جديداً، وقلباً جديداً، وإرادة جديدة، ومشيئة جديدة، إذ قد صار كل شيء جديداً في المسيح يسوع: «إنْ كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدةٌ. الأشياء العتيقة قد مَضَتْ. هوذا الكلُّ قد صار جديداً» (2كو 5: 17).

ما هذا المنظر الذي آل إليه الإنسان! إنسانٌ مُحطَّمٌ مقهورٌ، ومقابله المسيح الذي أعطاه كل الغلبة، كـل النصرة، كـل الإمكانية التي بها يسحق عدوَّه، ليس الخطية فقط؛ بل والموت والشيطان نفسه الذي له سلطان الموت: «أين شوكَتُكَ يا موت؟ أين غَلَبتُكِ يا هاوية. أمَّا شوكة الموت فهي الخطية، وقوَّة الخطية هي الناموس. ولكن شكراً لله الذي يُعطينا الغَلَبَة بربِّنا يسوع المسيح» (1كو 15: 55-57).

ولكن، لماذا هذا الإنسان ساقطٌ بعد كل ما عمله المسيح لأجله؟ هذه أكبر خدعة، لأن الخطية هي أكبر كذبة، في عملها وفي نتيجتها. فبعد أن تُردِي الإنسان أرضاً، كأنه مصروعٌ، إذ بها تُشعِره شعوراً كاذباً بأنه لا رجاء في نهوضه وقيامته. فالخطية تُشعِر الإنسان أنه مُحطَّم الأعصاب ومسلوب الإرادة ومُدمَّر النفس.

أمـا المسيح، فعَمِلَ عكس هذا، إذ أقـام هـذه النفس المقهورة - بخلاصه الذي أتمَّه بموته وقيامته - جديدة، قوية، سليمة، صحيحة، وأفضل مِمَّا كانت عليه قبل سقوطها. فأصبحت مشاعر الإنسان، في المسيح يسوع، مُقدَّسة، وعواطفه سماوية، وتَمسِك به وتقول له: «استيقِظْ أيها النائم وقُمْ من الأموات فيُضيء لك المسيح» (أف 5: 14).

ولربنا المجد الدائم إلى الأبد، آمين.

(1) هذه العظة هي عن إنجيل قداس يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث من الصوم الأربعيني المقدس عام 1990. وهي رقم (11) من سلسلة العظات التي تُسمَّى ”الطريق إلى ملكوت الله“.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis