سفر التثنية
سفر توصيات موسى الوداعية
- 70 -


ثالثاً: الحديث الثالث :
ما سيفعله الله لإسرائيل
(27: 1-34: 12)
4. الرب يُنبئ موسى بموته، وبركة موسى الأخيرة لشعبه
(33: 1-34: 12)

(تابع) الأصحاح الثالث والثلاثون

ثامناً: بركة دان:
دان هو الابن الخامس ليعقوب من بلهة جارية راحيل، ومعنى اسمه: ”قاضي“. وقد باركه موسى بقوله:

+ «دان شِبْل ُ أسدٍ يَثِبُ من باشان» (33: 22).

وقد شبَّهه موسى بشبل الأسد في القوة والشجاعة؛ إذ كانت قوته مقترنة بالدهاء. وقد كان شمشون الجبَّار من هذا السبط، وقد اختاره الرب قاضياً لإسرائيل لمحاربة الفلسطينيين (قض 15،14). وقد ظهرت قوة دان ودهاؤه في شمشون، وذلك من الحِيَل الكثيرة التي استخدمها شمشون مع الفلسطينيين لإهلاكهم. أما قوله: «يَثِب من باشان»، فالمقصود هنا ”جبل باشان“، ويقع في أقصى شمال فلسطين، وهو الآن جبل الدروز. وقد شُبِّه بشبل الأسد الذي يَثِب من جبل باشان التي تكثر فيه الوحوش ليقتنص فريسته. إلاَّ أنَّ قرعة سبط دان كانت تقع في منطقة الجليل، ولا يوجد أساساً ما يربط بين دان وباشان الذي يقع في الشمال، ولكن دان في زمنٍ متأخِّر في أيام القضاة سطا على جبل باشان واستولى عليه كما جاء في (قض 18: 27-29). وربما يمكن الربط بين بركة موسى وبركة يعقوب لسبط دان، الذي تنبَّأ عنه قائلاً: «دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل. يكون دان حيَّةً على الطريق، أُفعواناً على السبيل، يلسع عَقِبَي الفرس، فيسقط راكبه إلى الوراء. لخلاصك انتظرتُ يا رب» (تك 49: 16-18). فالحيَّة في دهائها تُشبه شبل الأسد. واسم الحية في العبرية ”باسان“، وقد تكون ”باشان“ تحويراً لكلمة ”باسان“، وعليه يمكن ترجمة الفقرة: «يَثِب من باشان» إلى ”يثب من الحيَّة“. ولعلَّ ذلك يُوضِّح ما علَّق به العلاَّمة هيبوليتس على نبوَّة يعقوب قائلاً:

[”دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل“. قد يقول قائل: إن هذا يُقصَد به شمشون، ولكنه يُكمِّل بقوله: («يكون حيَّة على الطريق، أُفعواناً على السبيل، يلسع عَقِبي الفرس»)، مُشيراً إلى ضد المسيح، لأن إرميا (النبي) يقول أيضاً في هذا الخصوص: «مِن دان سُمِعَتْ حمحمة خيله، عند صهيل جياده ارتجفت الأرض» (إر 8: 16). ويقول موسى عنه أيضاً: «دان شبل أسد، يَثِب مـن باشان» (تث 33: 22)... وقد صُوِّر الرب لنا كراكب الفرس، والعقب يدلُّ على نهاية الأيام، وسقوطه يُشير إلى موته، كما هو مكتوب في الإنجيل: «ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين» (لو 2: 34)](1).

كما يُعلِّق القديس أمبروسيوس أيضاً على ذلك قائلاً: ”بارَك موسى هذا السبط قائلاً: «دان شبل أسد، يهرب بعيداً من باشان» (حسب النص)، وذلك بسبب الارتباك. من أجل هذا، فإنه ينبغي علينا أن نعتمد في تفسيرنا على النص اليوناني، الذي منه جاءت ترجمتنا، بأنَّ سبط دان نفسه قد صار حيَّةً رابضة على الطريق. فإنَّ دان يُبسط قضاءً، وهكذا فإن ذلك السبط قد دخل في خطر عظيم من الدينونة (أو القضاء)، لأن الحيَّة - الضد للمسيح - قد انسابت فيها لكي تجرحها وتُصيبها بسمومها عند انقضاضها“(2).

تاسعاً: بركة نفتالي:

نفتالي هو الابن السادس ليعقوب من بلهة جارية راحيل، ومعنى اسمه: ”غلبة“. وقد باركه موسى بقوله:

+ «ولنفتالي قال: يا نفتالي اشبع رِضيً وامتلئ بركةً من الرب واملك الغرب والجنوب» (33: 23).

تعكس هذه البركة الفترة التي كان فيها نفتالي منحصراً في البداية في البلاد الجبلية الجميلة الواقعة جنوب حبرون (يش 20: 7)، عندما بدأ ينتشر جنوباً في المنطقة الأكثر خصوبة. لذلك يُبشِّره موسى بالبركة التي تنتظره مُخاطباً إيَّاه بقوله: افرح بنصيبك واشبع رضا وامتلئ بركةً من الرب، الذي هو ينبوع البركات، والمُعطي بسخاء ولا يُعيِّر. وهذا يُذكِّرنا بدعاء يعبيص لإله إسرائيل قائلاً: «ليتك تُباركني، وتوسِّع تخومي، وتكون يدك معي، وتحفظني من الشرِّ حتى لا يتعبني. فآتاه الله بما سأل» (1أي 4: 10). ولعل هذا الرضا من الرب بسبب المنطق الحسن الذي تميَّز به نفتالي، الذي امتدحه يعقوب أيضاً في بركته للأسباط بقوله: «نفتالي أُيَّلَةٌ مُسَيَّبةٌ، يُعطي أقوالاً حسنة» (تك 49: 21)، حيث تُشير هذه البركة إلى الخفًَّة ورشاقة الحركة مع سرعة البديهة والذكاء ولباقة اللسان التي سوف يتمتَّع بها هذا الشعب. وقد ذُكِرَ هذا السبط مع سبط زبولون في انتصارهم على يابين ملك الكنعانيين تحت قيادة دبورة النبيَّة وباراق (قض 5،4).

أما قوله: «وامْلِك الغرب والجنوب»، فإنما يُشير إلى نصيبه في أرض الموعد، حيث ملك في غرب بحر الجليل وغرب الأردن. فالكلمة العبرية ”yam“ التي تُرجمت ”غرب“ تعني أيضاً: ”بحر“ أو ”بحيرة“. ويمكن أن يُقصَد بها بحر الجليل وبحيرة جنيسارت، أو البحر الأبيض المتوسط. وقد امتدَّت تخومه من الغرب أو البحر إلى الجنوب. وقد كانت بركة الرب العُظمى لهذا السبط في كَوْن الرب وتلاميذه قد اتَّخذوا من أرض نفتالي وأرض زبولون مقرّاً لهم في كرازتهم بالإنجيل. وقد ذَكَرَ إشعياء النبي نبوَّته عن كرازة الرب في تلك البلاد بقوله: «ولكن لا يكون ظلامٌ للتي عليها ضيقٌ. كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالي، يكْرِم الأخير طريقَ البحر عَبْر الأردن جليل الأُمم. الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور» (إش 9: 2،1). وقد أورد القديس متى الإنجيلي هذه النبوَّة أيضاً (مت 4: 14-16).

وقد علَّق العلاَّمة هيبوليتس على ذلك قائلاً: ”نفتالي، رمز الأشياء التي وُهبت لنا لتكون مِلكاً لنا، كما يُبيِّن الإنجيل: «أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عَبْر الأردن جليل الأمم. الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً». وأيُّ نور هذا سوى دعوة الأُمم (للإيمان بواسطة هؤلاء اليهود الجليليين الذين وُهبوا أن يصيروا تلاميذَ ورسلاً للمسيح، وبأقوالهم وشهادتهم الحسنة عن الرب يسوع بشَّروا الأمم بالمسيح المخلِّص)؟...“(3).

عاشراً: بركة أشير:

أشير هو الابن الثامن ليعقوب من زلفة جارية ليئة. ومعنى اسمه ”مغبوط“. وقد باركه موسى بقوله:

+ «مُبارَكٌ من البنين أشير. ليكُن مقبولاً من إخوته ويغمس في الزيت رِجْله. حديدٌ ونُحاسٌ مزاليجك وكأيامك راحتُك» (33: 24).

وأشير هو آخر مَن باركه موسى، وربما لكونه قد بورك آخر الكل، لذلك كانت بركته تحمل صيغة الإيثار وكأنه الابن الأثير والمُفضَّل بين إخوته. ولعل هذا كان بسبب ما يوحي به اسمه الذي يعني المغبوط أو المبارك. لذلك افتتح موسى بركته لأشير بقوله: «مباركٌ من البنين أشير»، أي مبارك ومُفضَّل عن إخوته، أو مبارك من إخوته. وقد تحقَّقت هذه البركة في كونه قد نال نصيباً حسناً من أرض الموعد، يُطِلُّ على ساحل البحر الأبيض المتوسط، يمتدُّ من جبل الكرمل جنوباً إلى صيدون شمالاً. وكانت أرضه مزدهرة بشجر الزيتون بكثرة، وبغيرها من الأشجار. وهـذا مـا تُؤكِّده نبوَّة أبيه يعقوب عنه بقوله: «أشير خبزه سمين، وهو يُعطي لذَّات ملوك» (تك 49: 20). فهي تُشير إلى الأرض المُثمرة التي صارت من نصيب أشير فيما بعد. فقد كانت من أكثر أراضي كنعان خصوبة، فكان يأخذ من خيراتها الملك سليمان ليُعطي منها لحيرام ملك صور مقابل خشب الأرز والسرو الذي كان يستورده منه لبناء الهيكل (1مل 5: 11،10). أما قول موسى في بركته له: «ليكن مقبولاً من إخوته»، فهي تعني دعاءه له بأن ينال رضا إخوته بسبب صفاته الحميدة. أما قوله: «ويغمس في الزيت رِجله»، بسبب وفرة الزيتون التي كانت تُثمره أرضه، ويستخرجون منه الزيت، ومن كثرة الزيت كان يفيض تحت أرجلهم، إشارة إلى الخير الذي يَعُمُّ كل شيء لديهم، لأن الزيت يُشير إلى البركة، وهو المادة التي تستخدمها الكنيسة في تكريس ومُباركة أبنائها وكل شيء فيها. وفي هذا يقول القديس أمبروسيوس: ”بهذا الزيت تمسح الكنيسة أعناق أبنائها لكي يحملوا نِير المسيح. وبهذا الزيت تمسح الشهداء لكي يصيروا طاهرين من دنس العالم. بهذا الزيت تمسح المعترفين حتى لا يتوقَّفوا عن الجهاد أو يستسلموا للتعب، وحتى لا ينهزموا أمام هياج العالم. من أجل هذا فهي (الكنيسة) تمسحهم بالزيت لكي يُنعشهم ذلك الزيت الروحي“(4).

أما قوله: «حديدٌ ونُحاسٌ مزاليجك». فالمزاليج هي جمع ”مزلاج“، وهو ما يُحْكَم به إغلاق الأبواب بقضبان من الحديد. ولعل المقصود أنَّ أرض أشير تكون مُحصَّنةً فيصعب على العدو اقتحامها. كما تُرجمت هذه العبارة أيضاً هكذا: ”حديد ونحاس أحذيتك“ أو ”نعلك“ أو ”حذاؤك“. والمقصود من ذلك: القوة والثبات والسير في الحياة باستقامة. ويُعلِّق على ذلك العلاَّمة باتيريوس (القرن السابع) قائلاً: ”يقول موسى هذا فيما يتعلَّق بكنيسة الله المقدسة. فالحذاء، كما جاء في الكتاب المقدس، يعني خدمة الوعظ والتبشير: «حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام» (أف 6: 15). وبما أنَّ الحديد يعني الفضيلة، والبرونز (أي النحاس) يعني الدَّأَب والمثابرة؛ فإنَّ حذاء الإنسان (الكارز) يوصف بأنه من الحديد أو البرونز عندما تكون كرازته مُتقوِّية بالصراحة واليقين والمثابرة. فبالحديد يخترق جحافل الشرور المضادة، وبالبرونز يحمي الخير والصلاح الذي يُقدِّمه بكل مثابرة وصبر“(5).

حادي عشر: البركة العامة للشعب:

في نظرة عامة لكل البركات التي نطق بها موسى للأسباط، نُلاحِظ أنها لم تكن مُعمَّمة على الكلِّ للتعبير عن تمنياتٍ بالخير والسعادة، بل كانت وعوداً محدَّدة متعلِّقة بأوضاع خاصة. ولكن هنا – في البركة العامة للشعب – في هذه الفقرة نرى رسماً مُصغَّراً لكل تاريخ معاملات يهوه مع شعبه. فكلمة الله دائماً مُحدَّدة وواضحة، وتحمل رسالة تعزية وتشجيع لِمَن تتحدث إليهم. ويمكن تقسيم هذه الخاتمة الأخيرة إلى قسمين: الحديث عن الله، ثم الحديث عن الشعب.

أولاً: الحديث عن الله:

+ «ليس مثل الله يا يَشُورون. يركبُ السماء في معونتك، والغمام في عظمته. الإله القديم ملجأٌ، والأذرع الأبدية مِن تحت. فطرد من قُدَّامك العدو، وقال: أَهْلِكْ» (33: 27،26).

يعود موسى فيُخاطب بني إسرائيل بالاسم المُحبب لهم وهو يَشُورون، الذي يعني ”الشعب المحبوب“ (تث 32: 15). وهو يُذكِّرهم بمعاملات الله لهم الذي لا مثيل له، كما جاء في المزمور: «لا مِثْلَ لك بين الآلهة يا رب، ولا مِثلَ أعمالك... لأنك عظيم أنت وصانع عجائب. أنت الله وحدك» (مز 86: 10،8). وأيضاً قوله: «لأنه مَن في السماء يُعادِل الرب. مَن يُشبه الرب بين أبناء الله» (مز 89: 6). وهي نفس التسبحة التي رنَّم بها موسى وبنو إسرائيل بعد عبورهم البحر الأحمر: «مَن مِثلُك بين الآلهة يا رب. مَن مثلُك، مُعتزّاً في القداسة، مخوفاً بالتسابيح، صانعاً عجائب» (خر 15: 11). وهي أيضاً نفس التسبحة التي نُسبِّح بها ليلة عيد القيامة وكل أيام الخمسين وفي الآحاد بعد الخمسين حتى الأحد الأخير من شهر هاتور: ”مَن في الآلهة يُشبهك يا رب. أنت هو الإله الحقيقي الصانع العجائب...“. فقد تجلَّى الله بمجده العظيم وقدرته الفائقة عندما قام في اليوم الثالث وداس الموت بموته وأظهر القيامة بقيامته.

ويُواصل موسى تذكير شعب العهد بأعمال الله معه، فيقول: «يركبُ السماء في معونتك، والغمام في عظمته». وهو هنا يُذكِّرهم بن‍زوله على جبل سيناء في وسط رعود وبروق وسحاب ثقيل وسمعوا صوته يتكلَّم معهم، كما وصف ذلك المُرنِّم بقوله في المزامير: «غنُّوا لله، رنِّموا للسيد، سلاه، للراكب على سماء السموات القديمة. هوذا يُعطي صوته صوت قوة. أعطُوا عِزّاً لله، على إسرائيل جلاله وقوَّته في الغمام» (مز 68: 34،33)، وأيضاً قوله: «الجاعل السحاب مركبته، الماشي على أجنحة الريح» (مز 104: 3). والواقع أنَّ الرب كان يصنع كل هذا أمامهم مستخدماً عمود السحاب والنار لنجدتهم ومعونتهم في رحلتهم في البرية أربعين سنة لم يُفارقه حتى أدخلهم أرض الموعد، مُعلِناً لهم خطته وقدرته وقُرْبه منهم. وقد أَظهر الرب يسوع أيضاً مجده وقدرته لتلاميذه عندما تجلَّى أمامهم على الجبل وظهر معه موسى وإيليا، وجاءت سحابة وظلَّلتهم (مت 17: 5).

ثم يُكمِّل موسى قائلاً: «الإله القديم ملجأٌ، والأذرع الأبدية من تحت. فطرد من قُدَّامك العدو، وقال: أَهْلِكْ». فهو الإله القديم الكائن منذ الأزل والدائم إلى الأبد، وقد دعاه إبراهيم: ”الإله السرمدي“ (تك 21: 33)، وهو الملجأ الدائم الذي لا يتغيَّر: «يا رب ملجأً كنتَ لنا في دورٍ فدورٍ» (مز 90: 1). وهو الذي يسندهم بأذرعه الأبدية، كقوله لهم: «وأنا حملتكم على أجنحة النسور» (خر 19: 4). وهو الذي طرد من أمامهم أعداءهم وأهلكهم، كقوله لهم من قبل: «فاعلم اليوم أنَّ الرب إلهك هو العابر أمامك ناراً آكلة. هو يُبيدهم ويُذلُّهم أمامك، فتطردهم وتُهلكهم سريعاً كما كلَّمك الربُّ» (تث 9: 3).

ثانياً: حديثه عن الشعب:

+ «فيسكنَ إسرائيل آمِناً وحده. تكون عين يعقوب إلى أرضِ حنطةٍ وخمرٍ، وسماؤه تَقْطُر نَدًى. طوباكَ يا إسرائيل. مَن مِثلك يا شعباً منصوراً بالرب، تُرْسِ عونك وسيفِ عظمتك. فيتذلَّل لك أعداؤك وأنت تطأ مرتفعاتهم» (33: 29،28).

هنا يتنبَّأ موسى عن مستقبل إسرائيل في أرض الموعد إذا اتَّكل على الرب وحَفِظَ وصاياه، فإنه يسكن آمِناً وحده. وهذا ما رآه بلعام الذي استنطقه الرب رغماً عنه وجعله يشهد لبني إسرائيل قائلاً: «هوذا شعب يسكُن وحده، وبين الشعوب لا يُحسَب» (عد 33: 9)، كما قيل عنه أيضاً في المزامير: «لأن الرب قد اختار يعقوب لذاته، وإسرائيل لخاصته» (مز 135: 4). وموسى يصف الأرض التي سيرثها إسرائيل: «أرضِ حنطةٍ وخمرٍ، وسماؤه تَقْطُر نَدًى»، كما جاء في (تث 8: 8،7): «أرض حنطة وشعير وكَرْم وتين ورُمان. أرض زيتونِ زيتٍ وعسل». وكما جاء أيضاً عنها في (تث 11: 11): «أرض جبال وبقاع. مِن مطر السماء تشرب ماءً». ومقابل كل هذه الامتيازات التي أنعم بها الرب على إسرائيل، فلا شكَّ أنَّ إسرائيل يستحق التطويب الذي طوَّبه به موسى قائلاً: «طوباكَ يا إسرائيل. مَن مِثلك يا شعباً منصوراً بالرب»، كما يقول أيضاً المُرنِّم في المزمور: «طوبى للشعب الذي له كهذا. طوبى للشعب الذي الرب إلهه» (مز 144: 15). فالرب هو تُرس عونه وسيف عظمته، أي سيف قوته المُدافع عنه، كقول المزمور: «يا إسرائيل اتَّكل على الرب، هو مُعينهم ومجنُّهم» (مز 115: 9). وهكذا، بما أنَّ الرب هو مُعينهم ومجنُّهم، فمَن مِن الأعداء يقدر أن يقف قبالتهم؟ لذلك فهوذا «مبغضو الرب يتذلَّلون له» (مز 81: 15)، وإسرائيل يرتفع فوقهم ويسود على أعدائه. إلاَّ أنَّ هذا كله مرهونٌ بطاعة إسرائيل للرب إلهه. أما إنْ تركوه وذهبوا وراء آلهة أخرى، فهوذا موسى نفسه يُحذِّرهم بقوله الذي سبق فأنذرهم به: «أَحْجُب وجهي عنهم، وأنظُر ماذا تكون آخرتهم. إنهم جيلٌ مُتقلِّبٌ، أولاد لا أمانةَ فيهم» (تث 32: 20). (يتبع)

(1) ANF, Vol. V, p. 246,166.
(2) The Patriarches 7,34 (FC 65: 261).
(3) ANF, Vol. V, p. 167.
(4) Letter Extra Coll. (41), 20 (CSEL 823:156).
(5) Exposition of the Old & New Testament, Deuteronomy, 28 (PL 79:784 Citing Gregory the Great, Moral Interpretation of Job 34.9.19).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis