عظة آبائية


التعزية في الآلام
للقديس باسيليوس الكبير
(329-379م)

القديس باسيليوس الكبير

نص العظة(1):
الله يسمح بالآلام لصالحنا:

مثل سفينة تتقاذفها أمواج عاصفة فتُحطِّمها ما لم يمسك بدفتها رُبَّانٌ محنَّك؛ هكذا أي إنسان تُحيط به المصاعب لابدَّ أن يجد روحه منكسرة، ورجاءه في الخلاص محطَّماً، ما لم يكن مُنقاداً بتعاليم الرب. فإذا وجدتم أنفسكم في مصاعب فأنا أقترح أن تستمعوا لي إذ أُقدِّم لكم - بأفضل ما في استطاعتي - تعزيةً تنبع من الكتاب المقدس.

مهما كانت مشاكلكم، فربما تكونون مقعَدين والفقر يُضيِّق عليكم، أو قد فقدتم مركزكم الدنيوي وهبطتم إلى مستوى معيشة حقيرة، وربما يكون المرض قد استنزف قوة أجسادكم، أو فقدتم أولادكم وأصدقاءكم، أو أنَّ اضطرابات العالم قد ثقَّلَت على أذهانكم وقلوبكم، وربما تكون أجسادكم وأعضاؤكم قد امتلأت بقروح الجُذام، وربما يكون معظم الناس قد أعرضوا عنكم؛ ومع ذلك فلا ينبغي أن تسمحوا لأنفسكم أن تُسحَقوا من جراء مثل تلك البلايا المُريعة، بل يجب أن تبحثوا عن السلام الداخلي في التعاليم الإلهية التي ستجدون فيها تعزيةً عن كل شيء يُضايقكم. فإذا استطعتم أن تَنْهلوا من تعاليم الرب كمثل رُبَّانٍ جيد يقود سفينته إلى سكون الميناء، ستجدون أنفسكم حينئذٍ مُنقادين إلى هدوء السلام الداخلي!

ينبغي ألاَّ تظنُّوا - يا أعزائي - أنه بسبب بُغضة الله لنا يفرض علينا مثل تلك العقوبات؛ بل بالحري لكي يُظهِر حبه لنا بواسطة أفعالنا البارة. والرب نفسه يتكلَّم في سليمان الحكيم قائلاً: «يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره (أو لا تَملُّ من) توبيخه، لأن الذي يُحبُّه الرب يؤدِّبه» (أم 3: 12،11). إنَّ الوالد لا يتردَّد في عقاب ابنه المُخطئ الذي يحبه ويعتزُّ به، والمعلِّم كثيراً ما يضرب تلميذه لكي يُقَوِّم سلوكه.

الأبرار ينتفعون من الضيقات:

تأديب الله لنا له سبب مُضاعف، فهو يؤدِّب الأبرار لكي يُنمِّيهم للمستقبل، ولكي يُوبِّخهم على أفعالهم السابقة. وإنني سأؤيِّد ذلك من تعاليم الرب، ولكن قبل أن أفعل ذلك، سأُبيِّن أن الأبرار يُؤدَّبون لكيما يكشف الله عن استحقاقهم بواسطة هذه التجارب بوضوحٍ أكثر.

كما قال القديس يعقوب الرسول: «احسبوه كل فرح يـا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أنَّ امتحان إيمانكم يُنشئ صبراً» (يع 1: 2)، وبعد ذلك قال: «طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكَّى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه» (يع 1: 12). وهكذا - يا أعزائي - ينبغي أن نفرح عندما نُقاسي من ألم جسدي مُبَرِّح أو عندما نُمتحَن بصراعٍ عنيف أمام الرب ديَّاننا.

نحن نفرح بالمسيح، ليس عندما يكون كل شيء على ما يُرام فحسب، بل أيضاً عندما يكون كل شيء ضدنا. تذكَّروا ما قاله القديس بولس: «نفتخر على رجاء مجد الله. وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضاً في الضيقات، عالمين أن الضيق يُنشئ صبراً، والصبر تزكيةً، والتزكية رجاءً، والرجاء لا يُخزي، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا» (رو 5: 2-5).

منافع عظيمة قد صارت للأبرار من اختبارهم للألم. وبنفس الطريقة فإنَّ الأرض لا تكون خصبة إن لم يتعب الفلاحون لكي يُفلِّحوها، الذين بدون مجهوداتهم لن تكفَّ فقط عن أن تُعطي غلَّتها للجنس البشري؛ بل إنها تنقلب إلى العكس وتُنبت شوكاً وحسكاً. وهكذا فإن المقبولين من الناس إن لم يُمتحنوا بالضيقات، فلن يفشلوا في النمو فحسب، بل إنهم ينزلقون أيضاً ويَحِيدون مراراً عن الطريق الصحيح. لقد تعلَّمنا ذلك من المعلِّم القديس بولس الرسول، لأنه كان قبلاً إنساناً على درايةٍ بفضائله، وقد جاء أمام الرب ضامناً لِمَا يستحقه، إلاَّ أنه عندما اختُطِف إلى السماء الثالثة واقتيد إلى الفردوس وسمع كلمات لا يُنطَق بها؛ اكتشف أنَّ العناية الإلهية قد أرسلت ملاك الشيطان لكي يجلده لئلا يتكبَّر وينسى أن يكون شاكراً على ما قد أُعطِيَ له. وقد ابتهج بذلك وكتب يقول للكورنثيين: «ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أُعطيت شوكةً في الجسد، ملاكَ الشيطان ليلطمني، لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعتُ إلى الرب ثلاث مرات أن يُفارقني. فقال لي: تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكْمَلُ» (2كو 12: 7-9)، ثم قال: «لذلك أُسرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي» (2كو 12: 10).

حُبُّ الله يُزيل الحزن:

وهكذا فلنكن مسرورين ونحتمل بصبر كل ما نلقاه في العالم من أحزان، وأن نكون مطمئنين، وخاصةً إذا عرفنا أننا نكون حينئذ بالأكثر في فكر الله. هل تتوقَّعون - بكل بساطة - أنكم بعد التمتُّع بحياةٍ من الرخاء والتنعُّم يمكنكم أن تنالوا العطايا السماوية في الدهر الآتي! فمَنْ مِن القديسين أمكنه أن يتجنَّب أخطار هذا العالم ويكون حُرّاً منها؟ إذا فحصتم سِيَر حياتهم بعنايةٍ، تجدون أنه لم يُخطِّط أيُّ واحدٍ منهم للهروب من ضيقات هذا العالم، بل إنهم - إذ تحمَّلوا بصبرٍ جميع تجارب هذا العالم - بلغوا إلى مجد الحق غير القابل للفساد.

كان لأب الآباء إبراهيم إيمان عميق وحبٌّ لله لدرجة أنه كان مُستعدّاً أن يغرز سيفه كله في جسد ابنه الأَعزِّ لديه من كل شيء. لقد اختار أن يُعتَبَر كأنه قاتل بدلاً من أن يُعتَبَر عديم الإخلاص لوصايا الله، مُعبِّراً بذلك مُسبقاً عن كلام مخلِّصنا القائل: «مَنْ أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقُّني» (مت 10: 37). وهكذا فلكي يكون مستحقاً للرب، نفَّذ الوصية الإلهية، وقدَّم ابنه الوحيد ذبيحةً دون أن يشعر بالأسى لقتل وارثه الوحيد. ولماذا كان يجب ألاَّ يشعر بالحزن؟ لأن قلبه كان مُلتهباً بحبِّ الله وحرارة الإيمان الذي يُلاشي كل حزن. هذه هي نوعية الإنسان التي كـان عليها أبو الآباء إبـراهيم الذي أحب الله حبّاً حقيقياً شهد له الله قائلاً: «الآن علمتُ أنك خائف الله، فلم تُمسِك ابنك وحيدك عني» (تك 22: 12). وحتى هو نفسه لم يستطع أن يعيش حياته بدون تجارب وضيقات، بل احتمل كل شيء واستحق أن يُدعى أباً لجميع القديسين.

الله هو الطبيب السماوي:

لا تتأثَّروا، يا أعزائي، بالألم في شدائدكم البدنية، بل تقوَّوْا وكونوا شاكرين على أيِّ شيء يسمح به الرب. فإذا كانت أجسادكم معذَّبة بأيِّ نوع من الألم فلا تكتئبوا وتسمحوا لنفوسكم أن تكون منكسرة، ولا تندفعوا إلى التذمُّر على الله؛ ولكن بدلاً من ذلك، اذكروا مثال أيوب الصدِّيق الذي تفوَّق على جميع الآخرين بصبره، واذكروا قوله: «الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مُبارَكاً» (أي 1: 21).

عرفتُ أُناساً قد تغطَّت أجسامهم بمرض البَرَص ووصلوا إلى قمة اليأس بسبب ذلك، لدرجة أنهم اقتنعوا بأنهم صاروا مرفوضين تماماً من الله. إنَّ كل مَنْ يظن ذلك لا يفهم التعاليم الإلهية، فكل منَّا عليه أن يُركِّز ليلاً ونهاراً على الشريعة الإلهية لكي نتحقَّق أنَّ: ”الله هو البرُّ (أو العدل) الحقيقي، وهو نفسه التبرير الذي هو أثمن من الذهب والحجارة الكريمة، وأحلى من العسل“ (انظر مز 19: 10،9)، والذي يُزوِّدنا بالشفاء الحقيقي من المرض، لأن ألم المرض يستغرق وقتاً قصيراً، في حين أن الشفاء الروحي يدوم إلى الأبد.

صدِّقوني، يا أعزائي، أنَّ الجسد لا يمكن إطلاقاً أن يتنقَّى من قذارته بنفس الدرجة التي يمكن بها تطهير النفس. أليس أنَّ الطبيب الذي يُعالج المريض يقطع في الجلد بمشرطه، أو يستعمل النار (أي الكيَّ بالنار) عند الضرورة لإزالة الألم الذي يُسبِّبه المرض؟ وأنتم لن تلوموا الطبيب إطلاقاً ظانِّين أنه يفعل ذلك بدافع الحقد، بل إنكم تُكافئونه بالهدايا. إن الله - الطبيب السماوي - بتعطُّفاته الأبوية، لديه رغبة أعظم جداً في معونة الذين يُريد أن يُخلِّصهم من الموت؛ ولذلك فهو يُرسِل لنا تأديبات لكي يُحرِّر نفوسنا من الضربات التي تؤدِّي إلى الموت الأبدي.

تنقية النفس:

وهكذا، يا أعزائي، اقبلوا ما يسمح به الرب عن طِيب خاطر، ولا تئنُّوا مِمَّا يأتي عليكم... ولكن بالحري يجب أن نفعل كل شيء لضمان عدم إقصائنا من مدينة الله. لأن الذين في المدن ويبدو أنهم في أمان في حماية أسوارها، سيكتشفون أنهم إذا ضُرِبوا بمرض الفساد وتجاهلوا حياتهم الحقيقية، فسيُقصون من المدينة السماوية التي هي أُمُّ جميع القديسين...

إنني أُشجِّعكم، يا أعزائي، على أن تطرحوا ضيقكم وكآبتكم جانباً، ولا تسمحوا للألم أن يقودكم إلى اليأس من المستقبل. لا تُصدِّقوا الأغبياء الذين يظنُّون أنهم سيولدون من جديد بحالتهم الجسدية الراهنة يوم القيامة، حيث إنَّ هذه مجرد خرافة باطلة وبلا أساس. وإنني أتحدَّى أيَّ واحدٍ يؤمن بذلك أن يُريني أين كُتِبَ ذلك في الكتاب المقدس، كما أنني متأكِّدٌ أنهم إذا كلَّفوا أنفسهم مشقة دراسة هذا الأمر بعناية لما ارتكبوا مثل هذا الكذب والخطأ الفاضح.

الألم يُمهِّد للقيامة:

تذكَّروا الرجاء الذي احتفظ به أيوب حتى في وسط ضيقاته المُريعة، والقوة التي أظهرها عندما كان الألم يُبَرِّح بجسده، لأنه آمن أن الألم كان يُعِدُّ جسده ليوم القيامة. استمعوا إلى ما قاله: ”لأنني أعلم أنَّ منقذي أزلي، وهو الذي يُقيم على الأرض جسدي الذي يتحمَّل الألم، لأن هذه الأمور قد حلَّت بي من قِبَل الرب الذي أنا أُدركه في نفسي، والذي رأته عيناي وليس أحدٌ آخر“ (انظر أي 19: 25-27 حسب السبعينية). وأنتم أيضاً، يا أعزائي، ينبغي أن يكون لكم الرجاء عينه وتتيقَّنوا أنكم ستصلون إلى بهاء الخلود في الدهر الآتي، لأن هذا الرجاء يجعل ألمكم الحاضر يبدو خفيفاً متيسِّر الاحتمال. حقاً إنَّ الألم لن يبدو كأنه عقوبة بعد، ومنبع للحزن؛ بل إنه سيعمل على ملء نفوسكم بالفرح.

وإن كان يبدو أننا تكلَّمنا باختصار عن تغيير الجسد، فنحن نحتاج فقط إلى تذكُّر ما قاله القديس بولس بكل وضوح، ولكي نردَّ على غير المتأكِّدين أو الذين يشكُّون في هذا الأمر. لقد سُئل القديس بولس عن كيفية قيامة الموتى وفي أيِّ هيئة جسدية (سيقومون)، فأجاب: «يا غبي! الذي تزرعه لا يُحْيَا إن لم يَمُتْ. والذي تزرعه، لستَ تزرع الجسم الذي سوف يصير، بل حبَّةً مُجرَّدة، ربما من حنطة أو أحد البواقي. ولكن الله يُعطيها جسماً كما أراد» (1كو 15: 36-38). لأن حبة الحنطة المُجرَّدة التي تُزرَع في الأرض لا تبدو فيها أية علامة على الحياة؛ ولكنها مجرَّد أن تَبْلَى في الأرض، تُطِلُّ برأسها، وتُنتج سنابل عديدة، وتكتسي بخُضرة نضرة حول نفسها؛ وهذا هو المقصود عندما يُقال إن الله هو الذي يُعطي جسماً لكل شيء كما يراه مناسباً. وبنفس الطريقة، فإنَّ الجسد الفاسد الذي يُدفَن عميقاً في الأرض ليست فيه حياة في ذاته إنْ لم تكن له بذرة الحياة مثل حبة الحنطة.

وهكذا هو مكتوب بعد ذلك: «يُزرَع في فساد ويُقام في عدم فساد. يُزرَع في هوان ويُقام في مجد. يُزرَع في ضعف ويُقام في قوة. يُزرَع جسماً حيوانياً ويُقام جسماً روحانياً» (1كو 15: 42-44). وهذا معناه أنَّ الجسد الذي لنا في الحاضر سيتحلَّل بعد الموت مباشرةً، ويتعفن ويأكله الدود؛ بل إنه حتى قبل الموت تبدأ أعضاء الجسد تضعف وتشرع في عملية التحلُّل، فعليها أن تُعاني من ضعفات لا حَصْرَ لها: جوع وعطش وتعب وتوتُّر، ودرجات الحرارة المتقلِّبة. لأننا في هذه الحياة لنا طبيعتين: جسدية، وروحية. فالجزء الروحي فينا هو الذي يقوم ثانيةً ويتشكَّل من جديد بالروح القدس كما هو مكتوب في المزامير: «تُرسِل روحك فتُخلَق، وتُجدِّد وجه الأرض» (مز 104: 30).

في الحاضر لنا جسدٌ بشري؛ أما في المستقبل فسيكون لنا جسدٌ سماوي. يوجد بهاءٌ بشري، وبهاءٌ سماوي يدوم إلى الأبد، هذا الذي سيكون مُنيراً عندما يصير الفاسد غير فاسدٍ والمائت خالداً. فتيقَّن، يا عزيزي، أنه سيكون لك جسدٌ سماوي، ولا تظنُّ أن جسدك لكونه الآن تُغطِّيه قروح البَرَص أو غيرها سيُقصَى عن بهاء السماء. بل بالعكس، فكما ذُكِرَ في قصتَيْ: الغني ولعازر، وأيوب الصدِّيق؛ فإنك ستكون أكثر استحقاقاً لدخول ملكوت السموات. إننا سنُقصَى عن الملكوت فقط إذا بَقِيَت فينا خطايانا، وإذا بلغ بنا الظنُّ أنَّ ربنا القدير عديم القدرة...

الألم يؤدِّي إلى النمو الروحي:

ربما تكون قد يئستَ من الحياة، إذ تظنُّ أنك صرتَ منبوذاً من كل أحد، وأنك قد امتلأتَ بالقروح بسبب الخطايا التي ارتكبتها. إلاَّ أنك يجب أن تَعتَبِر ذلك علامةً على حبِّ الله وليس على بُغضه لك، لأن الله يُريد أن يُقوِّمنا في هذه الحياة، نحن أبناءه، حتى يستقبل أرواحنا في حالةٍ طاهرة محتفظةً بنقاوتها الأصلية، كما هو مكتوب: «لأن الذي يُحبه الرب يؤدِّبه، ويجلد كل ابن يقبله» (عب 12: 6)...

عندما ارتكبت أورشليم جريمةً ضد الله بقتلها الأنبياء الذين أرسلهم لإنقاذها، عانت من التأديب والأَسْر في بابل، لكي بهذه الوسائل يعود أبناؤها إلى الطريق الصحيح. فالعقاب يهدف إلى التقويم. وهكذا بعد أن انقضت السبعون سنة، أُعيدت المدينة إلى مجدها السابق. وقد أَظهر الله الشفقة (عليها) وأعطى كلمات التعزية (لها) بواسطة الكهنة، كما في سفر إشعياء: ”أيها الكهنة، تكلَّموا إلى قلب أورشليم. عزُّوها لأن ذُلَّها قد كمل، وإثمها قد انتُزِع، لأنها نالت من يد الرب الضعف عن خطاياها“ (إش 40: 2،1 حسب السبعينية).

إن كنتَ مسيحياً صالحاً، لسُرِرْتَ إذا عانيتَ من الضيقات، لأنك بذلك تصبح أكثر استحقاقاً. وإن كنتَ خاطئاً، لسُرِرْتَ إذا ابتُليتَ، لأنك بذلك تتنقَّى من خطاياك وستجد العزاء في الدهر الآتي. الضيق له منافع في كل حال، لأن: «الذبيحة لله روحٌ منكسر، القلب المنكسر والمنسحق لا يُرذله الله» (مز 50: 17 حسب السبعينية)...

يجب أن تكونوا مستعدِّين، وتتذكَّروا عن طِيب خاطر كلام الله عندما يقول: «أحكام الرب... أحلى من العسل» (مز 19: 10،9). وحتى لو بَدَا التأديب قاسياً في وقته، فهو سيُنتج ثمراً عجيباً في المستقبل. ومِثل هذا التأديب سيوجِّهكم بعيداً عن الخطية ويقودكم إلى الفضيلة، وبسببه ستغلبون الموت وتجدون الحياة، وستتجنَّبون العقوبة الرهيبة في المستقبل وتربحون أبدية سعيدة، وستُحمَلون بعيداً عن الكبرياء نحو سلام الله وتواضعه.

تذكَّروا أنه: «خيرٌ لي أنك أذللتني حتى أتعلَّم حقوقك» (مز 119: 71 حسب السبعينية). فإذا وضعتم هذا الذي قلته في قلوبكم، وداومتم بإخلاص على تسبيح الله ونعمته، مُقدِّمين له الشكر الدائم؛ ستشعرون بروح الله في داخلكم على الدوام. لأن كل مَنْ يحفظ أفكاره في الله لن يظل إطلاقاً بدونه. إنه سيُلطِّف آلام أجسادكم، ويُشدِّد طاقتكم على الاحتمال؛ وحتى إذا امتلأت أجسادكم بجروح متقيِّحة، فستكونون قادرين على الإبقاء على هدوئكم الذهني واتزانكم، وذلك بمعونة ربنا يسوع المسيح الحيِّ والمالك إلى الأبد، آمين.

(1) Basil the great, Gateway to Paradise.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis