كلمات واختبارات للمنفعة
- 2 -


من أقوال وسِيَر الآباء القديسين

من اختبارات القدِّيسين:
+ قيل: إنَّ أنبا مقار ذهب مرةً من الإسقيط إلى جبل نتريا، ولما اقترب من مكانٍ معين قال لتلميذه: ”تقدَّمني قليلاً“. ولما فعل التلميذُ ذلك قابله كاهنٌ وثنيٌّ يجري حاملاً بعضَ الخشب، وكان الوقتُ حوالي الظهر. فصرخ نحوه الأخُ قائلاً: ”يا خادمَ الشيطان، إلى أين تجري؟“. فاستدار الكاهنُ وانهال عليه بضرباتٍ شديدةٍ، وتركه ولم يُبقِ فيه سوى قليل نَفَس. ثم حمل الكاهنُ الوثني ما معه من خشبٍ وسار في طريقه.

ولما ابتعد قليلاً قابله الطوباوي مقاريوس قادماً في الطريقِ، فقال له القديس مقاريوس: ”فلْتَصْحَبْك المعونةُ يا رجلَ النشاط“. فاندهش الكاهنُ وأقبل نحوه وقال: ”أيُّ شيءٍ جميل رأيتَه فيَّ حتى حيَّيتني هكذا“؟ فقال له الشيخُ: ”إنني أرى أنك تَكِدُّ وتتعبُ وإن كنتَ لا تدري لماذا“. فأجاب الكاهنُ: ”وأنا إذ تأثَّرتُ بتحيتك، عرفتُ أنك تنتمي إلى الإله العظيم، ولكن هناك راهبٌ شريرٌ صادفني قبلك ولعنني، فضربتُه ضربَ الموت“. فعرف الشيخُ أنه تلميذُه.

أما الكاهنُ فأمسك بقدميِّ مقاريوس الطوباوي وقال له: ”لن أدَعكَ تمضي حتى تجعلني راهباً“! وإذ سارا معاً، وصلا إلى المكان الذي كان فيه الأخُ مطروحاً، فحملاه وأتيا به إلى كنيسة الجبل. أما الإخوةُ فعندما رأوا الكاهنَ الوثني مع المغبوط مقاريوس، تعجَّبوا كيف تحوَّل عن الشرِّ الذي كان فيه. وأخذه أبَّا مقاريوس وجعله راهباً، وعن طريقه صار الكثيرُ من الوثنيين مسيحيين. وكان أبَّا مقاريوس يقول:

+ ”إنَّ الكلمات الشريـرة والمتكبِّرة تُحوِّل الناسَ الأخيار إلى أشرار، ولكن الكلام الطيِّب المتواضع يُحـوِّل الأشرار إلى أخيار“.

من كلمات ونصائح الآباء:

+ توكَّل على الله وسلِّم نفسَك له، وادخل من البابِ الضيِّق، وسِرْ في الطريقِ الكَرِبة. فذاك الذي كان مع يوسف ونجَّاه من الزانية وجعله شاهداً للعفة، والذي كان مع دانيال في الجُبِّ ونجَّاه من الأسود، والذي كان مع الفتية ونجَّاهم من أتونِ النار، والذي كان مع إرميا وأصعده من جُبِّ الحمأة، والذي كان مع بطرس وأخرجه من السجن، والذي كان مع بولس وخلَّصه من مجامع اليهود؛ وعموماً فإن الذي كان في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ مكانٍ مع عبيده في شدائدهم ونجَّاهم وأظهرَ فيهم قوَّته، هو يكونُ معك ويحفظك.

+ فخُذ لك، يا حبيب، غيرةَ الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين قبالة الأعداءِ الخفيين، واقْتَنِ غيرةَ الذين ثبتوا قائمين في النواميس الإلهية، فطرحوا الدنيا وأجسادَهم إلى ورائهم وتمسَّكوا بالحقِّ، فلم يُهزموا في الشدائد التي انتابتهم في أنفسهم وأجسادهم، إذ فازوا بالقوة الإلهية وكُتبوا في سِفْر الحياة، وأُعِدَّ لهم ملكوتُ السموات الذي نؤهَّل له كلُّنا برأفته وتحنُّنه. له المجد إلى الأبد، آمين.

+ إذا قمتَ للصلاةِ قدَّام الله، اِحرصْ أن تجمع عقلَك طارحاً عنك الأفكار المُقلقة. ضع نُصبَ عينيك كرامة الله، ونقِّ حركاتك من الميول الشريرة. فإن شعرتَ بحرارةِ النعمة تقدَّمْ ولا تضعفْ، فإذا أبصر الله صبرَك فإنه بسرعة يسكب فيك نعمتَه، فيتقوَّى عقلُك، وينشط للعمل بواسطة السخونة (حرارة النعمة)؛ فتُضيء أفكار نفسك، ويسمو بك الشعور إلى تمجيد عظمة الله كلَّ حين، ولن يكون لك ذلك إلا بطلباتٍ كثيرةٍ وفكرٍ نقي. لأنه كما أنه لا يليق أن يوضع البخورُ الطيِّب في إناءٍ مُنتن، كذلك الله لا يُظهِر عظمته في فكرٍ رديء.

+ إذا قمتَ في صلاتك قدَّام الله، فأولُ شيءٍ قُلْ: ”قدوس قدوس قدوس الله القوي، السماء والأرض مملوءة من تسابيحك“. وبعد ذلك قُلْ: ”اللهُمَّ أهِّلْنا بنعمتِك لذلك الشرف الذي أعددتَه في العالم الجديد، ولا يديننا عدلُك في مجيئك العظيم. اللهم أَهِّلْني لمعرفتك الحقيقية والخلطة (والاتحاد) بحُبك التام“. وحينئذ اختم صلاتك بالصلاةِ التي علَّمها الله لتلاميذه واتْلُها دائماً بتأمُّلٍ.

+ الذي يظنُّ في نفسه أن حياته في هذه الدنيا إنما هي يومُه الذي هو فيه، فإنه يكاد لا يُخطئ.

من تعاليم الأنبا إشعياء:

+ لا تَمَلَّ، إذاً، من الصلاةِ إلى الله بأن يُخلِّصك ويدفع عنك كلَّ بليَّةٍ تأتيك، فإنْ لم يسمع منك سريعاً فلا تَمَلَّ من التضرُّع إليه، لأنه يعرف ما فيه خيرُك أكثر منك. وإذا صلَّيتَ إلى الله فلا تَقُل له: ”ارفع عني هذا، وهَبْني ذاك“؛ بل قُلْ: ”يا ربي يسوع أنت عوني ورجائي، وأنا في يديك، وأنت تعرف ما هو صالحٌ لي، فأَعِنِّي، ولا تتركني أُخطئ إليك أو أتبع هواي، ولا ترفضني فإني ضعيفٌ ولا تُسلِّمني لأعدائي، فإني لجأتُ إليك فخلِّصني بتحنُّنك. ليَخزَ كلُّ الذين يقومون عليَّ لأنك أنت القادر على كل شيءٍ، ولك المجد إلى الأبد، آمين“.

+ إن الإنسانَ لا يستطيعُ أن يتحفَّظ من الخطيئة إنْ لم يحفظ نفسَه مما يَلِدُها. وهذه هي الأشياء التي تَلِدُ الخطيئةَ: صِغَرُ النفس، الملل، إتمام الهوى، حبُّ الاتساع، طلب الرئاسة، حديث العالم، التماس ما لا ينبغي، عدم الحَذَر من الناس، سماع الوقيعة، نقل الكلام من أُناسٍ إلى أُناس، الذي يحبُّ أن يُعلِّم دون أن يُسأَل، الذي يدين القريب؛ فهذه الأمور وغيرها لمِمَّا تلدُ الخطيئةَ. فمَن أراد أن ينجحَ ويتقدَّم في الأعمال الصالحة، فليحفظ نفسَه من كلِّ شيء يلد الخطيئةَ، فإنَّ الخطيئةَ منها وبها. فمَن حَرِصَ فهو يجد خيراً في الأعمال الصالحة.

+ فالنفس التي تريدُ أن تقفَ أمام الله بغير ذنبٍ فلتحرص كالتاجر الذي يطلب الأرباحَ ويفرُّ من الخسائر، أما خسائر تُجَّار المسيح فهي: طلب مجد الناس، الكبرياء، تزكية الذات، التكلُّم بما يُغضب السامعين، محبة الأَخذ والعطاء؛ هذه كلها خسائر، ولا يستطيع أحدٌ أن يُرضي الله وهذه كلُّها في خِزانةِ قلبه.

+ إذا صلَّيتَ ولم يَرِد على فكرك شيءٌ من الشرِّ، فقد صرتَ حُرّاً.

+ الذي يلوم أخاه أو يحتقره أو يَشِي به قدَّام آخرين أو يُظهِر له غضباً، فقد صار بعيداً من الرحمة.

+ إن قال إنسانٌ: ”إني أريدُ أن أتوبَ عن خطاياي“، وهو لا يزال يفعلُ شيئاً منها، فهو كذَّاب.

+ مَن يُريد أن يُلازِمَ السكوتَ (الحياة المسيحية) من غير أن يقطع عِلَل (أسباب) الأوجاع (الشهوات)، فهو أعمى.

+ الذي يتجاهل خطاياه ويُريد أن يُقيمَ (يُعلِّم) آخرين، فهو جاهلٌ.

+ مَن لا يدين أحداً، فقد استحقَّ النوح (التعزية). إذا انشغلتَ عن خطاياك، وقعتَ في خطايا أخيك.

+ إنْ كافأتَ شرّاً بشرٍّ، فذلك يُبعدك من النوح (التعزية).

+ إنْ قبلتَ شيئاً من السُّبح الباطل (تمجيد الناس)، ابتَعَدَ منك النوحُ (التعزية).

+ إنْ قلتَ إن فلاناً صالحٌ وفلاناً شريرٌ خَزَيْتَ نفسَك، إذ تكون قد تركتَ الاهتمام بخطاياك واهتممتَ بما لا يعنيك.

+ إنْ قيل عنك كلامٌ لا تعرفه فتسجَّستَ (اضطرَبْتَ)، فقد أبعدتَ عنك النوح (التعزية).

+ إنْ كلَّمك إنسانٌ فلا تُجادلْه محاولاً تثبيت كلمتك، وإلاَّ فليس فيك نوحٌ (تعزية).

+ فهذه الأمور كلُّها تدلُّ على أنَّ الإنسانَ العتيق لا يزال حيّاً فيك.

+ إنْ حفظتَ وصايا المسيح كلَّها وعَمِلْتها، قُلْ: ”إني لم أُرضِ الله قطُّ“.

+ يا إخوتي، تأكَّدوا بحرصٍ أن تكون شهوتُنا بالله، لنَسْلَم من الشرور.

+ لنُلازِمْ محبةَ المساكين، لنخلص من حبِّ الفضة (المال).

+ لنكن مُتصالحين مع كلِّ أحدٍ، لنخلص من البُغضة.

+ لنكن محُبِّين لجميع الناس، لنخلص من الغيرة.

+ لنتحمَّل تعيير إخوتنا إذا هم رذلونا، لنخلص من العَظَمَة.

+ لنحـرص على كـرامـةِ إخـوتنـا، لكيما نخلص من الدينونة.

+ لنرفض شرفَ العالم وكراماته، لنتخلَّص من المجدِ الباطل.

+ لتكن ألسنتُنا مُلازمةً ذِكْر الله والعدل (البرّ)، لكيما نخلص من الكذب.

+ لنُنقِّ قلوبَنا وأجسادَنا من الشهوةِ الرديئة، لكيما نخلص من النجاسة.

+ الحكيمُ هو الذي يحرص إلى الموت على مرضاة الله.

+ لنعمل بقدر قوتِنا والله يُعينُ ضعفَنا.

+ ليكن فكرُك بالله وهو يحفظك.

+ أمورُ العالمِ (أي الخاصة بمحبة شهوات العالم) فلْنتركها وننطلق.

+ وما تصنعه من أجل الله، فهذا يُعينك في ساعة شدَّتك التي هي ساعةُ الموت.

+ أَبغض كـلامَ العالم (أي الثرثـرة فيما لا يفيد)، ليفرح قلبُك بالله.

+ أَحبَّ الصلاةَ في كلِّ حينٍ، ليُضيء قلبُك بأسرار الله.

+ أَبغض الكسلَ، لكي لا تحزن.

+ إذا قمتَ في موقفِ الأبرار، فاحتفظ بلسانك ليسكن في قلبك خوفُ الله.

+ أَعـطِ المحتاجـين بعينٍ واسعة، حتى لا تحزن بين القديسين.

+ لتكُن مُحبّاً للمؤمنين، لتحلَّ عليك رحمةُ الله.

+ لتكُـن مُحبّاً للقدِّيسين، لتغارَ بـأعمالهم الصالحة.

+ اذكُر دائماً أبداً ملكوتَ السموات وما أُعِدَّ فيه للقدِّيسين، ليقودك الشوقُ إليه.

+ إذا قمتَ باكرَ كلِّ يومٍ، تذكَّر أنـك ستُعطي لله جواباً عـن أعمالك، فإنـك بذلك لن تُخطئ، ومخافةُ الله تسكن فيك.

+ هيِّئ نفسَك دائماً أبداً للقاء الله، لكيما تصنع مشيئَته.

+ تفرَّس في نفسك كلَّ يومٍ لتَعْلَم أيَّ وجعٍ (شهوة) غَلَبْتَ، ومن أيِّ وجعٍ (شهوة) أنت مغلوب، أعني الشهوات الجسدانية. ولتكُنْ مجتهداً بكلِّ قوتك في أن تغلبَ كلَّ الشهواتِ الرديئة.

+ كُنْ دائماً أبداً حَذراً منتبهَ العقل في كلِّ حينٍ. وإيَّاك أن تُفكِّر بالعَظَمة أو تقبل هذه الفكرة، لأن بذلك صار رئيسُ الملائكة شيطاناً.

+ كلُّ مَن يريد أن يغلبَ بالكلام، فبلا شكٍّ قد دلَّ على أن مخافةَ الله ليست فيه ولا اتضاع.

+ الذي يحبُّ الله لا يهتم إلا ببُغض الشهوات النجسة، وعمل الصلاح، وتعب الجسد بمعرفةٍ؛ أما الغَفْلةُ والتواني فهما يُولِّدان فينا أوجاعَ (شهوات) الجسدِ النجسة.

+ مَن يُغلَب من لسانه، فهو ما زال عبداً؛ أما من غَلَب لسانَه، فقد صار حُرّاً.

+ قِلةُ الرحمة، تُعبِّر عن أننا لا نحبُّ الله.

+ كثرةُ المناصبة أي الوقوف في وجه الغير المقرون بالشتائم والانتقادات والكلام اللاذع، تدلُّ على أننا أشرار.

+ البركةُ تلدُ البركةَ. والصلاحُ يلدُ الصلاحَ. فأما الغضبُ فمِن قساوة النفس.

+ كثرةُ النوم فيها خسارة العقل، وجفافُ العينين، وتَغلُّظ القلب.

+ الرُّقادُ بمعرفةٍ مع السكوت، أفضلُ من الكلام الباطل مع السهر(1).


(1) عـن كتاب: ”بستان الرهبان“، تحقيق نيافـة أنبا إبيفانيـوس أسقف ورئيس ديـر القديس أنبا مقار، 2013.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis