طعام الأقوياء
- 54 -


«هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم»
(يو 1: 29)

هذا النداء نادَى به يوحنا المعمدان بروح الإلهام وبعين النبوَّة ليشهد للمسيح، لأنه تعيَّن من الله خصيصاً لهذا الغرض. فقد تنبَّأ عن يوحنا المعمدان ملاخي النبي قائلاً: «هأنذا أُرسل ملاكي، فيُهيِّئ الطريق أمامـك» (ملاخي 3: 1). وكـان يوحنا المعمدان يعرف رسالته تمام المعرفة.
فماذا قال يوحنا عن نفسه وعن رسالته؟

+ «أرسل اليهود من أورشليم كهنةً ولاويين ليسألوه: ”مَن أنت“؟» (يو 1: 19)

كان يوحنا يعرف تماماً: مَن هو، وما هي رسالته التي أُرسِل لأجل إتمامها؟ فقد كان يُدرك تماماً أنه جاء ليُمهِّد الطريق أمام المسيَّا، وذلك بأَخْذ اعترافات الشعب وحثِّهم على التوبة وتعميدهم بالماء معترفين بخطاياهم، ومؤكِّداً لهم أنَّ ما يعمله ليس إلاَّ تمهيداً لمَن يأتي بعده، وذلك بقوله: «أنا أُعمِّدكم بماءٍ للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لستُ أهلاً أن أحمل حذاءه. هو سيُعمِّدكم بالروح القدس ونار» (مت 3: 11).

لذلك لمَّا سألوه: «مَن أنت؟ اعترف ولم يُنكر، وأقرَّ: أني لستُ أنا المسيح! فسألوه: إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لستُ أنا. ألنبي أنت؟ فأجاب: لا. فقالوا له: مَن أنت، لنُعطي جواباً للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ قال: أنا صوتُ صارخٍ في البرية، قوِّموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي» (يو 1: 20-23).

لقد أَبَى يوحنا المعمدان أن يَعتَبر نفسه شيئاً، فحَسِبَ نفسه مجرَّد: «صوتُ صارخٍ في البرية». تعبيرٌ يخلو من كل اعتبارٍ للذات، فهو صوتٌ يصرخ ليشهد بما كُلِّف به: أن يشهد له، الذي هو غير مستحق أن ينحني ويحلَّ سيور حذائه: «حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم»، الذي «سيُعمِّدكم بالروح القدس ونار».

تعجَّب أولئك المُرسَلون ليسألوه عن شخصه ورسالته، وذاب قلبهم من هيبة الواقف أمامهم في تجرُّده وزُهده وخشونة مظهره وانسحاقه وإنكاره لذاته، ولكنهم عادوا مُتحيِّرين لا يعرفون بماذا يُجيبون الذين أرسلوهم!

يوحنا المعمدان يشهد للمسيح؟

+ «وفي الغد نظر يوحنا يسوعَ مُقبِلاً إليه، فقال: ”هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم“» (يو 1: 29).

كان يوحنا قد سبق ورأى يسوعَ وهو قادمٌ إليه وسط جموع العشَّارين والخطاة ليعتمد منه. ولما اعتمد جميع الشعب، تقدَّم يسوع أيضاً ليعتمد! فهال هذا الأمر في عينَي يوحنا، لأنه من غير المعقول أن يكون غير عارف بمَن جاء ووقف أمامه، فهو الذي ارتكض بابتهاج في بطن أُمِّه أليصابات لمَّا سمع صوت سلام العذراء وهي حاملٌ بيسوع. فلما ظهر المسيح أمامه وعرفه بالروح وعرف نيَّة المسيح بالعماد منه، تَمنَّع وتراجع منزعجاً، وقال للرب: «أنا محتاجٌ أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ!» (مت 3: 14). فأجابه الرب قائلاً: «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نُكمِّل كلَّ برٍّ. حينئذ سمح له».

والبرُّ هنا الذي يقصده الرب يسوع، هو بر طاعة الله وتكميل مشيئته، وهو اعتراف بأن معمودية يوحنا هي من السماء، وبحسب مشورة الله لاستعلان رسالة المسيح وسر الثالوث وشهادة الآب لابنه الحبيب، وظهور الروح القدس واستقراره عليه. كما كان ذلك ضروريّاً لأنْ يُكمِل يوحنا رسالته التي جاء من أجلها، حسب قوله: «وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليُظْهَر لإسرائيل، لذلك جئتُ أُعمِّد بالماء. وشَهِدَ يوحنا قائلاً: إني قد رأيتُ الروح نازلاً مثل حمامةٍ من السماء فاستقرَّ عليه. وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستَقِرّاً عليه، فهذا هو الذي يُعمِّد بالروح القدس» (يو 1: 31-33).

ولما رأى يوحنا برؤية العين المستنيرة بالنعمة، والمكشوف عنها غشاوة العالم المادي، ونظر وشاهَد العلامة التي أخبره بها الآب الذي أرسله ليُعمِّد بالماء؛ شَهِدَ بما رآه أنَّ هذا هو الذي سيُعمِّد بالروح القدس، وهو المسيَّا المسيح ابن الله. ثم لما نظر يوحنا يسوعَ - بعد عماده - مُقبلاً إليه، بعد أن عرفه: مَن هو! إذ كان قد استُعلِن له علناً بنوَّة المسيح للآب الذي شهد له بأنه حائز لملء حُب الآب باعتباره الابن الوحيد والمتَّحد به ملء الروح؛ صرخ يوحنا بملء فِيه وشهد قائلاً: «هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29).

فما هو مضمون هذه الشهادة؟

وماذا يعني يوحنا المعمدان من شهادته للمسيح بأنه حَمَل الله؟

لم يكن قصده قط أنه على مثال الحَمَل الذي ذَبَحه بنو إسرائيل في كل بيت من بيوتهم في مصر لكي ينجَوْا بدمه من المُهلك عند خروجهم من أرض مصر، ولا كل الحملان التي ذُبِحَت في الهيكل كذبائح خطية أو إثم أو محرقات بلا عدد؛ فهذه كلها كانت رموزاً وإشارات وُضِعَت لزمان الإصلاح. ولكنه كان يقصد ذاك الذي أشار إليه إشعياء النبي: «كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجةٍ صامتة أمام جازِّيها فلم يفتح فاه...» (إش 53: 7). وقد وصف إشعياء النبي كيف رفع هذا الحَمَل - الذي رآه بعين النبوَّة - خطية العالم، بقوله: «لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمَّلها. ونحن حسبناه مُصاباً ومضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، ومسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديبُ سلامنا عليه، وبُحُبره (= بجلدته) شُفينا. كلُّنا كغنمٍ ضللنا، مِلْنا كل واحد إلى طريقه، والربُّ وضع عليه إثم جميعنا... أما الربُّ فسُرَّ أن يسحقه بالحزن، إنْ جعل نفسه ذبيحة إثم، يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرَّة الرب بيده تنجح. مِن تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البار بمعرفته يُبرِّر كثيرين، وآثامهم هو يحملها. لذلك أَقسِمُ له بين الأعزَّاء ومع العظماء يَقسِم غنيمة، من أجل أنه سَكَبَ للموت نفسه، وأُحْصِيَ مع أَثَمَة. وهـو حَمَل خطية كثيرين، وشفع في المُذنبين» (إش 53: 4-12).

يُهيَّأ لنا أن نبوَّة إشعياء هذه كانت شُغل المعمدان الشاغل، وكان همُّه وكل تركيزه واهتمامه هو غَسْل خطايا البشرية، وهو قد أُرسِلَ ليُعمِّد بالماء. وهو يعرف استحالة غَسْل الخطية بالماء، ويعلم أن ما يعمله إنما هو تمهيدٌ لمَن يأتي بعده الذي سيغسل الخطايا ويُعمِّد بالروح القدس ونار. ولكنه لما رأى المسيح آتياً إليه ليعتمد منه بكل اتضاع، أبصر فيه بروح النبوَّة والإلهام، الحَمَل الوديع الآتي إلى الذبح: «كشاةٍ تُساق إلى الذبح»، أو كما عُبِّر عنه في القداس الغريغوري: ”أتيتَ إلى الذبح مثل حَمَلٍ حتى إلى الصليب“.

ولعل المعمدان أبصر في وداعة المسيح وخضوعه للمعمودية وسط الخطاة، صورة الصليب وقبول المسيح للمسئولية العُظمى لحَمْل خطايا العالم كله: «وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، ومسحوقٌ لأجل آثامنا». ويُعلِّق الأب متى المسكين على ذلك بقوله:

[فلما قال المعمدان: «هوذا حَمَل الله»، لم يكن قد رأى المسيح حَمَلاً، لكنه رأى مُجمل الفداء كله في لمحة ذهنية خاطفة، ورأى الخلاص شاملاً كافياً العالم؛ بل ورأى العالم فيه مفديّاً؛ ورأى الخطية بثقلها الدهري ترتفع من فوق كاهل العالم المحني تحتها هذه الدهور، لتوضع فوق المسيح الحَمَل، فلا توجد](1).

فقد تلاشت كل خطايا العالم بمجرد وَضْعها على المسيح القدوس الذي بلا خطية.

ولكن، ما هو المقصود بقوله:

«يرفع خطية العالم»؟

يُلاحَظ أنَّ كلمة ”يرفع“ جاءت في الفعل المضارع، وهي بـاليونـانية --- ، وهي تعني أنه ”يرفع ويظل يرفع خطية العالم“. وهذه الكلمة استخدمها القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى: «وتعلمون أن ذاك أُظهِر لكي يرفع خطايانا، وليس فيه خطية» (1يو 3: 5). وهو تعبيرٌ لاهوتي عميق أَخَذته الكنيسة وأَدْخلته في صلواتها مثل تسبحة الملائكة في صلاة باكر بالأجبية: ”أيها الرب الإله، حَمَل الله، ابن الآب، رافع خطية العالم، ارحمنا. يا حامل خطية العالم، اقْبَل طلباتنا إليك“(2). وكذلك تُقال هذه الطلبة في القسمة السريانية: ”أنت هو حَمَل الله الحامل خطية العالم، اغفر ذنوبنا، واترك خطايانا، وأقمنا عن جانبك اليمين“(3).

ويُوضِّح بولس الرسول المقصود بـ ”رَفْع خطية العالم“، أنه يعني: رَفْع حُكْم الموت عن كلِّ مَن يؤمن بالمسيح، الذي بموته على الصليب أبطل حُكْم الموت حسب الآية: «وإذ كنتُم أمواتاً في الخطايا وغَلَف جسدكم، أحياكم معه، مُسامحاً لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصَّكَّ الذي علينا في الفرائض، الذي كان ضدّاً لنا، وقد رَفَعَه من الوسط مُسمِّراً إيَّاه بالصليب» (كو 2: 14،13).

ويُعلِّق على ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً:

[من الواضح أنه (المسيح) هو النقي الذي وحده قـادرٌ على أن يغسل تماماً خطايـا الآخريـن... وعندمـا يقـول (المعمدان): ”حَمَل“، فهو يريد أن يُذكِّر اليهود بنبوءة إشعياء وبظلال ناموس موسى، لكي يقودهم من الظلال إلى الحقيقة، لأن الحَمَل حسب شريعة موسى لم يرفع ولا مرة واحدة خطية إنسان واحد. أما هذا الحَمَل فهو يرفع خطايا العالم كله، لأن العالم كان في خطر الهلاك، ولكنه خلَّص العالم من غضب الله].

ويعود القديس يوحنا ذهبي الفم إلى نفس النص، فيقول:

[إنَّ عبارة: «حَمَل الله الذي يرفـع خطية العالم» تُعلِن عن العطية التي جاء لكي يُعطيها (المسيح)، وأسلوب التطهير. لأن الحَمَل حسب شهادة المعمدان ”يرفع“. ولم يَقُل أبداً إنه: ”سوف يرفع“ أو ”رفع“؛ بل ”يرفع“ خطايا العالم، لأنه يعمل هذا دائماً. فقد رَفَعَ الخطايا، ليس فقط عندما تألَّم، بل منذ ذلك الزمان لا زال يرفع الخطايا. ليس لأنه يُصلَب ويُعاد صلبه - لأنه قُرِّب ذبيحة واحدة عن الخطايا - بل بهذه الذبيحة عينها يُطهِّر باستمرار الخطايا](4).

ويقول بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين: «وأمَّا المسيح، وهو قد جاء رئيس كهنـةٍ للخيرات العتيـدة، فبـالمسكن الأعظم والأَكمل، غير المصنوع بيدٍ، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه، دخل مرةً واحدة إلى الأقداس، فوَجَدَ فداءً أبدياً» (عب 9: 12،11)، «وكما وُضِعَ للناس ان يموتوا مرةً ثم بعد ذلك الدينونة، هكذا المسيح أيضاً، بعدما قُدِّم مرةً لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانيةً بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه» (عب 9: 28،27)، «وأما هو فبعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحةً واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله... لأنه بقربانٍ واحد قد أَكْمَل إلى الأبد المُقدَّسين» (عب 10: 14،12).

وفي رسالته أيضاً إلى أهل رومية، يؤكِّد بولس الرسول أنَّ المسيح إلهنا ”حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم“، قد أحبنا ونحن بعد خطاة، وذلك بقوله: «لأن المسيح، إذ كُنَّا بعد ضعفاء، مات في الوقت المُعيَّن لأجل الفُجَّار. فإنه بالجَهْد يموت أحدٌ لأجل بارٍّ. رُبَّما لأجل الصالح يجسُر أحدٌ أيضاً أن يموت. ولكنَّ الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعدُ خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأَوْلَى كثيراً ونحن مُتبرِّرون الآن بدمه نخلُص به من الغضب. لأنه إنْ كُنَّا ونحن أعداءٌ قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأَوْلَى كثيراً ونحن مُصالحون نخلُص بحياته» (رو 5: 6-10).

وهذا ما يؤكِّده يوحنا الرسول في إنجيله: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16).

فالله قد أحبَّ العالم كله، وقدَّم نفسه ذبيحة عن العالم كله، وهو يُريـد أن الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون. فهو بالحقِّ ”حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم كله“. وهو ذات الحَمَل الذي سِيق للذبح حسب نبوَّة إشعياء (53: 7). ويُعلِّق على ذلك القديس كيرلس الإسكندري قائلاً:

[قيل عنه قديماً، وأشار إليه ناموس موسى رمزياً، ولكنه حسب الرمز خلَّص قليلين، ولم تشمل الرحمة كل العالم، لأن ذَبْح الحَمَل كان ظِلاًّ للحقيقة، وأمَّا الآن فهو الحَمَل الحقيقي والذبيحة التي بلا عيب، قد سيق للذبح من أجل الكل، لكي يُبيد خطية العالم، ولكي يدوس ويبيد المُهلك، أي الشيطان الذي يُدمِّر الأرض؛ لأنه عندما يموت من أجل الجميع يبيد الموت ويحلُّ اللعنة التي أصابتنا، ويضع نهاية تامة لِمَا قيل قديماً: «لأنك تراب وإلى تراب تعود» (تك 3: 19). ولكي يصبح هو آدم الثاني الذي ليس من الأرض بل من السماء، ويكون بداية الصالحات للطبيعة الإنسانية، ويُحرِّرنا من الفساد الدخيل، مانحاً الحياة الأبدية، أساس مُصالحتنا مع الله، بدايـة التقوى والبر، طريق إلى ملكوت السموات](5).

ويستطرد القديس كيرلس الكبير مؤكِّداً نفس المعنى، أنَّ الحَمَل الواحد مات لأجل الكل:

[لقد مات الحَمَل الواحد من أجل الكل، وخلَّص القطيع كلَّه، الذي على الأرض، لله الآب، الواحد من أجل الجميع لكي يُخضِع الكل لله، الواحد من أجل الجميع لكي يكسب الكل حتى لا يعيش الباقون لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام (2كو 5: 14).

لقد كُنَّا تحت ثقل خطايا كثيرة، وبسبب سيادة الموت والفساد، أعطانا الآبُ الابنَ فداءً لأجلنا. مات الواحد من أجل الكل لكي يحيا الكل فيه. لقد ابتَلَع الموتُ الحَمَلَ الذي مات من أجل الكل، ولذلك تقيَّأ الموتُ الكلَّ فيه ومعه، لأننا جميعاً في المسيح الذي لأجلنا وبسببنا مات وقام.

لقد أُبيدت الخطية، فكيف لا يُباد الموت الذي بسبب الخطية جاء مع الخطية؟ لقد مات الأصل، فكيف يمكن للفرع أن يحيا؟ فهل نموت بعد أن أُبيدت الخطية؟ إنَّ ذبيحة الحَمَل هي عيدٌ عظيم لنا، لأننا نقول: «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟» (1كو 15: 25)، لأن الآثام - كما يقول صاحب المزمور وهو يُسبِّح الله - قد سُدَّ فمها (مز 108: 42). ولا تقدر الآثام أن تشتكي الذين يُخطئون بسبب الضعف، لأنـه إذا كان الله هـو الذي يُبرِّر، فمَـن الـذي يشتكي (رو 8: 34،33)؟

”المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنةً لأجلنا، لكي نتحرَّر نحن من لعنة التعدِّي“](6).

(يتبع)


(1) الأب متى المسكين، ”الإنجيل بحسب القديس يوحنا، دراسة وتفسير وشرح“، الجزء الأول، ص 138.
(2) تسبحة الملائكة في الأجبية من أقدم تسابيح الكنيسة المسيحية. وهي لا تزال تُقال بكاملها حتى الآن في كلٍّ من الطقوس القبطية والبيزنطية واللاتينية (عن كتاب: ”شرح إنجيل يوحنا“، للأب متى المسكين، الجزء الأول، ص 141).
(3) الخولاجي المقدَّس.
(4) القديس يوحنا ذهبي الفم: العظة الثانية على إنجيل يوحنا.
(5) القديس كيرلس الكبير: ”شرح إنجيل يوحنا“، الكتاب الثاني 1: 30، المجلد الأول.
(6) المرجع السابق.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis