حول الأحداث الأخيرة


شهداء الوطن والإيمان

لأول مرة زيارة مُفاجئة لرئيس الجمهورية
للكاتدرائية ليلة عيد الميلاد المجيد:

+ في ليلة عيد الميلاد المجيد 7 يناير 2015، فوجئ قداسة البابا تواضروس الثاني والمُصلُّون بالزيارة المفاجئة من رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي، إلى الكاتدرائية بالأنبا رويس، لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد. وفي كلمته القصيرة، أكَّد السيد الرئيس على وحدة المصريين جميعاً كشعب واحد وكمواطنين متجانسين بدون أوصاف إضافية. وهذه أول زيارة على مدى تاريخ الأقباط على مدى 20 قرناً منذ دخول المسيحية مصر على يـد القديس مار مرقس البشير في منتصف القرن الأول الميلادي، يقـوم بها حـاكم (رئيس) في مصر ليُعيِّد على أقباط مصر في قداس عيد الميلاد المجيد، داعياً المصريين للترفُّع عن سنوات التوتُّر بين المسيحيين والمسلمين باستخدامه عبارة: ”نحن المصريين“ طوال حديثه.

وزيارة أخرى للتعزية في شهداء ليبيا:

+ وفي صباح يوم الاثنين 16 فبراير 2015، وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لتقديم واجب العزاء لقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في استشهاد 21 مصرياً ذُبحوا على يد تنظيم داعش الإرهابي، في ليبيا.

ورافق الرئيس السيسي، المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء. فيما أكَّد مصدر كنسي أنه تم إبلاغ الكنيسة بالزيارة قبل ساعات محدودة فقط.

+ وقد أعرب قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن شكره العميق للرئيس عبد الفتاح السيسي لزيارته الكاتدرائية المرقسية لتقديم العزاء في شهداء الوطن والكنيسة الذين قتلهم تنظيم داعش في ليبيا.

+ وقد قدَّم قداسة البابا تواضروس في بيان للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في اليوم التالي ”الشكر العميق للرئيس السيسي علي هذه اللفتة الكريمة، ولأجل جهوده التي بذلها لأجل إنقاذ هؤلاء الشهداء“، مؤكِّداً أنه سينقل تعزية الرئيس السيسي لأُسر الشهداء.

أسماء الشهداء وأماكن سُكناهم:

+ وفي تصريح أدلى به الأب القمص بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ذَكَرَ أسماء هؤلاء الشهداء وبلادهم التي أتوا منها هكذا:

- وقد ذَكَرَ الأب القمص بولس حليم أنَّ جميع القتلى من سمالوط، عدا واحداً فقط، وهو غالباً ذو البشرة السمراء، الذي من المحتمل أن يكون من أسوان، أو الإسكندرية، أو مغاغة، وفقا لِمَا ذكره.

قـريـة العـور: 1. ماجـد سـليمان شحاتـة، 2. تاوضروس يوسف تـاوضروس، 3. أبانوب عياد عطية، 4. يوسف شكري يونان، 5. مينا فايز عزيز، 6. هاني عبد المسيح صليب، 7. ميلاد مكين زكي،  8. كيرلس بشرى فوزي، 9. بيشوي اسطفانوس كامل، 10. صموئيل اسطفانوس كامل، 11. ملاك إبراهيم سينوت، 12. جرجس ميلاد سينوت، 13. صموئيل ولسن.

قرية السوبي، سمالوط: 14. ملاك فرح إبراهيم.

قرية الجبالي، مطاي: 15. لوقا نجاد أمير، 16. عصام بدار.

قرية سمسوم، مطاي: 17. جرجس سمير.

قرية منقريوس، مطاي: 18. سامح صلاح شوكت.

قرية دفش، سمالوط: 19. عزت بشرى نصيف.

قرية منبال، مطاي: 20. منير جابر.

أما الشهيد رقم (21)، فهو مجهول الاسم والموطن.

انتهى تصريح الأب القمص بولس حليم.

تعليق المجلة:

+ وإننا نستطيع أن نقول إن هؤلاء قد دخلوا ضمن صفوف شهداء الوطن باعتبارهم مصريين، وضمن صفوف شهداء الإيمان باعتبارهم رفضوا النجاة حينما رفضوا جحد إيمانهم بالمسيح مقابل الإفراج عنهم، حسب وصف القديس بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (11: 35): «عُذِّبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل».

وقد سمعهم جلاَّدوهم الذين ذبحوهم وهم يُنادون إلههم المتجسِّد. وكما سمعناهم في الفيديو الذي أذاعه قاتلوهم أنهم كانوا يُشجِّعون بعضهم بعضاً: ”لا تخوروا فهي مجرد لحظات ونلتقي بالعريس السماوي“، وآخرون كانوا ينادون: ”يا رب يسوع المسيح اقبلني“، وآخرون ينادون القديسة العذراء مريم، وآخرون يُصلُّون: ”ارحمني يا رب كعظيم رحمتك“، وآخرون قالوا: ”اذكرني يا رب متى جئتَ في ملكوتك“، وغير ذلك من كلمات المناجاة انتظاراً للدخول إلى وطنهم السماوي الأبدي.

ولم يَدْرِ ناحروهم أن الطريقة الشيطانية التي كانوا يذبحون بها هؤلاء الشهداء الأبرار، كانت فرصة لإعلان شهادتهم المسموعة ومناداتهم لعريسهم السماوي، واشتياقاً لوطنهم الأبدي، أفضل من آلاف الكلمات والعظات. لأن الفرح السماوي الذي كان يشعُّ بهاءً ونوراً على وجوههم انعكاساً لأنوار الخلود والأبدية، هو نور الفرح السماوي الأبدي حتى قبل أن يبلغوه، وهذا كان أبلغ كرازة وبشارة بأمجاد السماء لا يمكن التعبير عنها إلا بالاستشهاد، كما حدث لأول شهيد في المسيحية القديس اسطفانوس أول الشهداء الذي رأى قاتلوه وجهه كأنـه وجـه ملاك (أع 6: 15). ولم يُدرك الذابحون أنهم خدموا البشارة بملكوت الله أفضل من آلاف المبشرين.

+ أما أهالي الشهداء فأظهروا ثباتاً وإيماناً عميقاً، فحينما سألوا والدة أحد الشهداء في ماذا تقول عن هؤلاء القتلة، أجابت: ”أنا لا أَدعي عليهم، وإنما أُصلِّي من أجل أن يُنير المسيح قلوبهم ويهديهم إلى النور“. ووالد أحد الشهداء، قال: ”هؤلاء الشهداء ذهبوا إلى السماء، إلى عريسهم السماوي، ذاك أفضل جداً“. وأجابت أُخت أحد الشهداء: ”إنَّ صلاتي كانت أن يُثبِّت الرب أخي على الإيمان حتى لو ذُبِح، ولا يجحده. وأما إذا كان قد عاد إلينا وهو جاحد الإيمان، فكنا لا نقبله“.

+ وتعليقاً على الزيارتين للسيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، لا يسعنا إلاَّ أن نقول إن الزيارتين كانتا تحملان مشاركة طيبة: الأولى لمناسبة مُفرحة هي عيد الميلاد المجيد، والثانية لمناسبة مُحزنة هي قتل هؤلاء الشهداء.

+ ولكن ما نلاحظه ونفخر برئيسنا من أجله هو أن الزيارة الأولى الفريدة من نوعها حملت إعلاناً سياسياً هاماً: إن مصر هي ”للمصريين“، و”للمصريين“ فحسب وفقط ودون أي تصنيف ديني أو غير ديني. وهذا ما أكَّد عليه الرئيس حينما كرر كلمة ”مصريين“ عدة مرات لتصير في قاموسنا اليومي هي المعنى والمفهوم والمبدأ الذي لا زحزحة عنه. إن مصر هي وطننا أولاً، وهي الأرض التي عاش فيها أجدادنا منذ آلاف السنين، الذين أنجبونا في هذه الأجيال الأخيرة دون تصنيف لـ ”مسيحي“ و”مسلم“. فالمصري هو مصري لا فرق بين مَن يصلي في جامع أو في كنيسة، هو مصري وحسب.

+ أما الزيارة الثانية فقد أتت بعد شهر، ولكن بعد مأساة مؤلمة لم يكن أحد يتوقعها بهذه البشاعة والشناعة واللاإنسانية، وكان الردُّ سريعاً وحاسماً، وكان على أساس ما أعلنه الرئيس قبل شهر في الكاتدرائية: ”مصريون“ ”مصريون“ فحسب بدون تصنيف أو إضافة أي وصف. ولكن الرد كان غالي الثمن عشرات وعشرات الملايين والملايين من الدولارات تكلفة الطلعات الجوية بما حملته من معدَّات ومستلزمات، ضربت معاقل الإرهابيين ومخازن أسلحتهم بليبيا. وكان أغلى من هذا، المخاطرة بالرجال البواسل نسور الجو المُحلِّقين في أجواء مصر، الأبطال الذين هم ذخيرة مصر وحُماة أجواء وأراضي مصر، وغلاوتهم عند المصريين لا تُقدَّر بثمن.

+ وهكذا ظهر الرئيس صادقاً، ومؤمناً، ومُصمِّماً، بكل ما قاله في الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد: ”المصريون، المصريون. أغلى ما في مصر هم المصريون. تحيا مصر. ومصر أولاً وأولاً وأولاً“.

تعليقات الصحف والمُفكِّرين في مصر والعالم:

+ وقد حفلت تعليقات المُفكِّرين والكُتَّاب والسياسيين ورؤساء الدول وغيرهم من ذوي النيَّات الطيِّبة باستنكار ما حدث لهؤلاء الشهداء، الذين لم يحاولوا الدفاع عن أنفسهم أو استدرار عطف ذابحيهم؛ بل كانوا مثال الشجاعة ورباطة الجأش. ومن عشرات المقالات الجيدة التي ظهرت في الجرائد والإذاعات، اقتبسنا فقرات من مقال نُشر في جريدة الأهرام يوم الأربعاء 18 فبراير 2015، للأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي الشاعر والمُفكِّر السياسي المعروف في مقال بعنوان: ”المصريون كلهم أقباط“:

[أريد قبل كل شيء أن أُذكِّر بحقيقة يجب أن تكون حاضرة وأن تكون مفهومة. وهي أنني حين أتحدَّث عمَّا حدث لشبابنا على أيدي المجرمين الأنذال في ليبيا، لا أتحدَّث عن مواطنين لا أعرفهم، أو ضحايا أتعاطف معهم، بل أتحدَّث عن مصاب شخصي يُذكِّرني بما أُعانيه الآن وما عانيته خلال تاريخي كله. الشهداء المصريون الذين سقطوا على أيدي الإرهابيين الذين توحشوا في ليبيا، هم أحفاد الشهداء المصريين الذين سقطوا على أيدي الرومان في القرون الميلادية الأولي. وهم أحفاد الشهداء المصريين الذين سقطوا على أيدي الخليفة المأمون وزبانيته في القرن الثالث الهجري، وعلى أيدي المماليك في القرن الرابع عشر. وبهذه الروح، روح الشهادة، واجه الشبَّان المصريون الموت في ليبيا. لقد كانوا شجعاناً، ونبلاءً، ومستهينين بالموت، ومُترفِّعين إلى حدِّ القداسة.

أنا مصري، أي قبطي، لأن مصر بهذا الاسم السامي هي  ”هـا كـا بتاح“  باسمها الفرعوني، أي ”بيت الإله بتاح“، وقد أصبحت ”هـا كـا بتاح“ بالنطق الإغريقي ”آيجيبت“. وأصبحت ”آيجيبت“ في النطق العربي: ”قبط“. إذن، ”مصري“ يعني ”قبطي“. وأنا مسلم لكن أجدادي مسيحيون اعتنقوا الإسلام، وبما أني مسلم، فالمسيح نبي من أنبيائي. والمسيحية لي تراث ديني وتراث وطني...

وأريد بعد ذلك أن أقول إنني لست مُفاجَأً. فالذي حدث للمسيحيين المصريين يحدث لإخوتهم المسلمين على أيدي الإرهابيين في مصر. ويحدث للمسيحيين واليزيديين في العراق. ويحدث للأكراد في سوريا. ويحدث للمسلمين والمسيحيين في نيجيريا، ويحدث للفرنسيين في باريس. ونحن نَسْتَهوِل هذا الذي حدث ويحدث، لأننا نعيش في عصر يعترف لكل إنسان بحقِّه الطبيعي في اختيار عقيدته وممارسة شعائره الدينية، بعيداً عن أي ضغط أو إكراه. فليس لأية سلطة في العالم ولا لأية قوة مهما بلغت أن تفرض عقيدة أو تُميِّز ديناً على دين. لأن وظيفة السلطة هي، على العكس من ذلك، أن تضمن للإنسان المواطن حقَّه في الحياة والأمن والحرية. ولأن الإيمان يتحقَّق بالفرد وحده، فهو ليس سلطة يشترط فيها الحصول على أغلبية الأصوات، وإنما هو اطمئنان بالقلب لعقيدة من العقائد لا يتأثر بعدد المنتمين لها، لأنه لا يؤثِّر أو لا يصح أن يؤثِّر في التوجُّهات السياسية التي ترسمها الأغلبية، أي ترسمها المصالح المشتركة.

وأنا أتأثَّر دون شكٍّ، سلباً وإيجاباً، بحصول هذا الحزب أو ذاك على أغلبية الأصوات في الانتخابات النيابية. وقد أفكر في إعطاء صوتي في الانتخابات التالية للاشتراكيين المعارضين بعد أن أعطيته في الانتخابات الماضية لغيرهم. لكني لا أُراجع عقيدتي الدينية بناء على عدد المنتمين لها، سواء كانوا قليلين أو كثيرين. وأنا أذهب إلى فرنسا أو إلى الصين فأتأثَّر بما حقَّقه هؤلاء وهؤلاء في العلم أو الفن أو السياسة أو الصناعة. لكني أظل مطمئناً لعقيدتي الدينية ولو كنتُ واحداً وكانوا مئات الملايين.

هذا التمييز بين الدين والسياسة لا يكون إلاَّ في مجتمع راقٍ عرف كيف يُميِّز بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع، أي بين ما يجب أن نتفق عليه وما نستطيع أن نختلف حوله. وعرف كيف يُميِّز بين مَطلَب للإنسان الفرد، ومطلب آخر من مطالبه. فأنا أحب أن أكون من أهل الجنة، لكني لا أُطالب الحكومة بـأن تضمن لي مكانـاً فيها، وإنما أُطالبها بأن تضمن لي مكاني في هذا العالم الذي نعيش فيه].

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis