ثقافة مسيحية


جاليليو
مكتشف دوران الأرض حول الشمس
العالِم الفلكي الذي حُكِمَ عليه ظُلماً

+ ”الله نعرفه من مخلوقاته، وأيضاً من التعليم المُوحَى به منه“.
هذه قصة مُصارعة العلم مع الأفكار الرجعية التي سادت في أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي. وقد حَمَل وِزر هذه المصارعة علماء كثيرون، ومنهم ”جاليليو جاليلي“ المسيحي المتديِّن الذي كان يؤمن بعدم تعارُض الدِّين مع العلم الحديث؛ بـل بالحري ضرورة التزاوج بين الاثنين. لكنه دفع ثمن هذه المصارعة حرماناً من الكنيسة الكاثوليكية، ومَنْعه من التدريس في الجامعة، واتهامه بالهرطقة!

+ وُلِدَ ”جاليليو جاليلي“ في إيطاليا، في مدينة ”بيزا“، في 15 فبراير عام 1564م، وتوفِّي في 8 يناير عام 1642م.


جاليليو جاليلي

كان أبوه يُدعى ”جاليلي“، وأُمه تُدعى ”جوليا“. وعندما شبَّ جاليليو تزوَّج من ”مارينا“، وأنجب منها ثلاثة أطفال، ظلُّوا بعد ذلك بلا زواج: ”فيرجينيا“ وقد أرسلها إلى الدير فدُعِيَ اسمها ”الأخت ماريا“، و”ليفيا“ وأرسلها أيضاً إلى الدير فدُعِيَت باسم ”الأخت أركنجيلا“، و”فينتزو“.

+ وبــالرغم مـن شهرة ”جاليليو“ في مجال العلم بسبب إنجازاتـه العلمية في علم الفَلَك astronomy والرياضيات mathematics والطبيعيات physics، إلاَّ أنه صار مغموراً بسبب خلافه مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، بالرغم من تقواه الدينية، وإيمانه بسلطان الوحي الإلهي، وبأسرته المتدينة التي أخرجت راهبتين اثنتين.

متاعب العبقري الصغير:

+ لم يَنَل ”جاليليو“ درجته العلمية. فقد دَرَسَ لمدة 4 سنوات، ثم خرج من الجامعة، وظلَّ يدرس على نفقته لمدة عامين، وعاش كمُعلِّم وكناشر لكُتب تختص بحَلِّ المشاكل العويصة.

وقد أدَّى نبوغه هذا إلى نَيْله كرسي علم الرياضيات في جامعة ”بيزا“، هناك حيث واجَه في الحال أعداءً متربِّصين به.

+ فقد كان ”الفلاسفة الطبيعيون“ في عصره يُقدِّمون اكتشافاتهم في مواجهة مع مؤلَّفات ”أرسطو“ الفيلسوف اليوناني القديم الذي عاش في القرن الرابع قبل ميلاد المسيح. وكان رجال الكنيسة في ذلك الوقت يتبنَّوْن فلسفة أرسطو ويشرحون إيمانهم وفق منطق أرسطو.

وكان جاليليو يؤمن بملاحظة الطبيعة تحت ظروف محدَّدة، ثم يصف النتائج بالقوانين الرياضية. ولكن الاختلافات التي ظهرت نتيجة هذا التحليل العقلي خلقت خلافاً شديداً، ولكن جاليليو أَفحم أعداءه بالبراهين العامة على أخطائهم.

فمثلاً، أثبت جاليليو أنَّ الأجسام ذات الأوزان المختلفة إذا سقطت فإنها تصل إلى الأرض بنفس السرعة.

وقد هجره أعداؤه لمدة سنتين، أما أصدقاؤه فقد حصلوا له على كرسي الأستاذية في علم الرياضيات mathematics في مدينة ”بادوا Padua“، في معهد مُتقدِّم أكثر، حيث شَغَلَه لمدة 18 عاماً. وكانت هذه المدة هي أسعد أياماً وأكثر إنتاجاً له. وفي خلالها اكتشف اكتشافات هائلة في علم الطبيعة physics، وأتى فيها بثمارٍ كثيرة.

اكتشافات جديدة

بواسطة التليسكوب:

+ في عام 1609م، سمع ”جاليليو“ عن أداة تجعل الأشياء البعيدة تظهر أَقْرَبَ من بُعْدها عن الإنسان، وقد حصل عليها وصارت استخداماتها واضحة له في الحال.

كانت هذه الأداة هي ”التليسكوب“، وقد أراها لعضو في مجلس السناتو (الشيوخ) الإيطالي عن مدينة فينيسيا (البندقية) بإيطاليا. وقد انبهر بها جداً، مما أدَّى إلى مضاعفة راتبه الشهري إلى الضعف.

+ وفي شتاء نفس العام وجَّه التليسكوب نحو السماء، وخرج باكتشافات مُذهلة. وفي تعارُض كامل مع المعتقدات الدينية (السائدة آنذاك)، رأى القمر، وإذا به ليس كوكباً مُسطَّح الشكل، وأنَّ كوكب المُشْتَرَى له أقمار.

ووصل جاليليو إلى اقتناع أنَّ هذه الكواكب بما فيها كوكب الأرض تدور حول الشمس. ونشر كتاباً صغيراً يَصِف فيه ملاحظاته، وكان ذلك عام 1610م. وكل هذا جعله مشهوراً في العالم.

+ وفي عامه السادس والأربعين، وبعد 20 عاماً من الدراسة المتأنِّية، أصبح مطلوباً الآن من الجامعات الأخرى. وتحت إغراء جامعة ”توسكاني“ Tuscany (في وسط إيطاليا)، هَجَرَ جاليليو زوجته، وأرسل ابنتيه ”فيرجينيا“ و”ليفيا“ إلى الدير. ثم قام بزيارة منتصرة إلى روما، حيث يوجد البلاط البابوي، وحيث سادت فكرة أن ينال هناك التكريم.

وقد أكَّد رئيس الفلكيين في الكنيسة على اكتشافات جاليليو، وحيث دَفَعَ الفلكيين الجزويت (الآباء اليسوعيين) أن يتطلَّعوا من خلال التليسكوب.

+ لكن أعداءه لم يتوقَّفوا. فقد حرَّضوا ”الإخوة الدومينيكان“ لأن يعظوا على قول الملاكَيْن للتلاميذ بينما الرب يسوع المسيح صاعدٌ إلى السموات: «أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء!» (أع 1: 11). فقاموا بدَحض أفكار جاليليو، وعلى الأخص تأييده لاكتشاف العالِم ”كوبرنيكوس“ من قبله بأنَّ الأرض تدور حول الشمس، وذلك بأسوأ صورة ممكنة.

وكان الاتجاه السائد في روما هو أنَّ أفكار ”كوبرنيكوس“ هي مُخرِّبة للكنيسة أكثر من أفكار ”مارتن لوثر“ أو ”كالفن“ اللذين قاما بالاحتجاج على الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في القرن السابق أي القرن السادس عشر الميلادي.

+ وإزاء كل هذه الاتهامات، أَمَرَ البابا بولس الخامس محكمة التفتيش بالنظر في هذه المسألة.

المحاكمات:

+ أكَّد ”جاليليو“ أن التفسير الصحيح لآية الكتاب المقدس عن الأرض يجب أن يتفق مع الحقيقة الملحوظة (وهو هنا يُشير إلى آية سفر المزامير 104: 5: «المُؤسِّس الأرضَ على قواعدها فلا تتزعزع إلى الدهر والأبد»).

ولم يَرَ ”جاليليو“ أي تعارُض بين الاثنين: الآية، والحقيقة الملحوظة. وقال: ”إنَّ "كتاب الطبيعة" المكتوب بلغة الرياضيات يمكن أن يتفق مع "كتاب الأسفار المقدسة" المكتوب بلغة البشر اليومية“ .

وقال أيضاً: ”الكتاب المقدَّس يُعلِّم الناس كيف يذهبون إلى السماء، وليس كيف تقوم السموات والأرض“.


صورة تُظهِر جاليليو وهو يقف أمام محكمة التفتيش التابعة للكنيسة الكاثوليكية، مُدافعاً عن نظريته عن دوران الأرض حول الشمس، والتي انتهت باتهامه بالهرطقة وحرمانه كنسياً

+ لكن محكمة التفتيش حَكَمَتْ ضده في عام 1616م. وفي سنة 1623م، اتُّهِم جاليليو بالاشتباه بالهرطقة. كما حكمت المحكمة بإدانة منهج ”كوبرنيكوس“، ومنعت جاليليو من التعليم بهذا المنهج كحقيقة.

+ لكن جاليليو المناضل لم يكفَّ عن أبحاثه. وحينما انتُخِبَ صديق له بابا لروما عام 1623م، ذَهَبَ لمقابلته. لكن البابا أوربان الثامن لم يكن في إمكانه رَفْع الحُكْم خوفاً من إهانة السلطان الكنسي. ولم يحصل جاليليو على تصريح بالكتابة عن ”نظام الكون“، بوجهة النظر البطليموسية ولا الكوبرنيكية؛ ولكن لا مانع من شرحها بطريقةٍ غير ذات معنى مُحدَّد.

ولكن جاليليو انتهى به الأمر بالنتيجة التي فُرِضَت عليه مُقدَّماً من البابا الروماني وهي: ”إنَّ الإنسان لا يمكنه الادِّعاء بمعرفة كيف خُلِقَ العالم حقّاً؛ لأن الله خلق العالم بطُرق لا يمكن تصوُّرها. ويجب ألاَّ يُقيَّد الله في قدرته الكُلِّية وضَبْطه لكل شيء“.

+ وحينما اتُّهِمَ جاليليو بالاشتباه بالهرطقة، حُكِمَ عليه بالسجن، وذلك إرضاءً لخصومه الثائرين. ولكن في اليوم التالي خُفِّف الحُكْم إلى الإقامة الجبرية في منزله. وتمَّ مَنْعه من مناقشة تلك الموضوعات مثار الجدل. وأعلنت المحكمة بأنَّ كتاباته ممنوعة من التداول.

+ ومنذ ذلك الوقت، اعتكف جاليليو في بيته، وأمضى به بقية حياته.

+ ويرى عددٌ من المؤرِّخين أنَّ الحُكْم الذي صدر ضد جاليليو ومحاكمته كان لدوافع سياسية وشخصية(1).

+ بعد محاكمة جاليليو، وبحسب المؤرِّخ جاكوب برونسكي: ”كان من تأثير محاكمة جاليليو، انتقال الثورة العلمية من الآن فصاعداً إلى أوروبا الشمالية“.

+ ومع فَقْد جاليليو لِمَن يحميه ويُدافع عنه في روما، حَكَمَت عليه المحكمة في عام 1623م بالحُكْم السابق التنويه عنه، وهو: إنه يعترض على ما جاء في الكتاب المقدس. بالرغم من معارضة جاليليو لهذه التهمة، مُعْلِناً أنَّ نظريته لا تُعارِض ما وَرَدَ في الإنجيل.

+ لقد لُقِّب ”جاليليو جاليلي“ بأنه: ”أبو العلم الحديث“.

+ ولكن قد أصابه العَمَى عام 1638م.

اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بخطئها:

+ أدَّت محاكمة جاليليو أمام محكمة التفتيش بالفاتيكان إلى مناقشات طويلة عَبْر التاريخ. ففي عام 1714م، صدر تصريح من البابا بنديكت الرابع عشر بطباعة كل كُتب جاليليو.


صورة أخرى تُبيِّن مثول جاليليو جاليلي أمام محكمة التفتيش، والحُكْم بهرطقته

وفي عهد البابا بيوس السابع عام 1822م، أصدر تصريحاً بطباعة كتاب ”النظام الشمسي“ لكوبرنيكوس، وأنه يُمثِّل الواقع الطبيعي.

+ في العصر الحديث: في عام 1939م، قام البابا بيوس الثاني عشر، بعد أشهر قليلة من رسامته لمنصب البابوية، بوصف جاليليو بأنه: ”أكثر أبطال البحوث شجاعة... ولم يَخْشَ من العقبات والمخاطر ولا حتى الموت“.

+ وفي 15 أكتوبر عام 1992م، قام الكاردينال راتزنجر (والذي أصبح لاحقاً البابا بنديكت السادس عشر) ووصف في خطاب لجامعة ”لاسابينزا“ ما حدث لجاليليو بأنه: ”حالة عَرَضية سمحت لنا أن نرى مدى عُمق الشكِّ بالذات في علوم وتكنولوجيا العصر الحديث“.

+ وفي 31 أكتوبر عام 1992م، قدَّمت الهيئة العلمية تقريرها إلى البابا يوحنا بولس الثاني، والذي على أساسه قام البابا بإلقاء خطاب يُقدِّم فيه اعتذاراً من الفاتيكان على ما جَرَى لجاليليو جاليلي أثناء محاكمته أمام الفاتيكان عام 1623م.

وحاول البابا يوحنا بولس الثاني إزالة سوء الفهم المتبادَل بين العلم والكنيسة (الكاثوليكية). وأعاد الفاتيكان في 2 نوفمبر عام 1992م لجاليليو كرامته ببراءته رسمياً، وتقرَّر نحت تمثال له فيها.

+ وفي مارس 2008م، قام الفاتيكان بإتمام تصحيح أخطائه تجاه جاليليو، وذلك بوضع تمثال له داخل جدران الفاتيكان. وفي ديسمبر من العام نفسه، أشاد البابا بنديكت السادس عشر بمساهمة جاليليو في عِلْم الفَلَك، وذلك أثناء احتفالات الذكرى الـ 400 لأول تليسكوب لجاليليو.

+ وفي نوفمبر عام 2008م، تراجع الفاتيكان من جديد عن الحُكْم الذي كان قد صدر ضد جاليليو من محكمة البابا أوربان عام 1623م، بالرغم من أنَّ البابا أوربان لم يُوقِّع على الحكم الصادر من محكمة التفتيش آنذاك ضد جاليليو. فلم يكن البابا والكاردينالات مؤيِّدين جميعهم لهذا الحُكْم.

تأثير جاليليو

على العلم الحديث:

+ يقول ”ستيفن هوكنج“: ”إن مولد العلم الحديث ربما يرجع إلى جاليليو أكثر من أيِّ شخصٍ آخر“.

+ وقد سمَّاه العالِم المشهور ”آينشتاين“ ”أبا العلم الحديث“، وذلك نظراً لإنجازاته العلمية من جهةٍ؛ ومن جهةٍ أخرى، لأنه تمسَّك باقتناعه العلمي ولم يَحِدْ عن هذا الاقتناع، ووقف صامداً أمام الاتِّهامات المُوجَّهة إليه.

أيام جاليليو الأخيرة:

+ ظل ”جاليليو“ منفياً في منزله حتى وافته المنيَّة في 8 يناير عام 1642م، وتمَّ دفن جثمانه في فلورنسا، وقدَّمت الكنيسة الكاثوليكية اعتذارها لِمَا بَدَرَ منها تجاه جاليليو عام 1983م.

**************************************************************************************************

استمع إلى عظات الأب متى المسكين بمناسبة الصوم الأربعيني المقدس

77/ 5، 82/3، 84/ 3

مجموعة عظات هجرة المسيحي عام 1981: من 81/ 1 - 81/ 7

مجموعة عظات الصوم الأربعيني المقدس عام 1990: من 90/ 6 – 90/ 15

**************************************************************************************************

(1) Gould, S.J. (1996). "The Late Birth of a flate Earth". Dinosaur in a Haystack: Reflections in Natural History, New York, Crown, 38-52.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis