سفر التثنية
سفر توصيات موسى الوداعية لبني إسرائيل
- 69 -


ثالثاً: الحديث الثالث:
ما سيفعله الله لإسرائيل
(27: 1-34: 12)
4. الرب يُنبئ موسى بموته، وبركة موسى الأخيرة لشعبه
(33: 1-34: 12)

(تابع)
الأصحاح الثالث والثلاثون

خامساً: بركة يوسف: (تابع ما نُشِرَ في العدد السابق)
وتربط بركة يوسف بين مجالين في حياة السبط: 1. غناهم المادي من نتاج الأرض (33: 13-16)؛ 2. قوَّتهم الحربية في مواجهة الأعداء الغرباء (33: 17).

1 - أما غناهم المادي فقد وُصف في أسلوب شعري تصويري رائع يُعبِّر عن أعزِّ وأفضل ما يُنعِم به الله من خيرات مادية يمكن أن تجود بها الأرض قائلاً:

«مُباركةٌ من الرب أرضه، بنفائس السماء بالنَّدَى»: ويعني بها: ”أفضل ما في السماء من النَّدى والأمطار التي تُنمِّي النباتات والمحاصيل“، حيث كلمة ”نفائس“ مشتقَّة من كلمة ”نفيس“ وبالعبرية (meged)، ومعناها حرفياً: ”أفخر الأشياء وأنفسها“. ثم يُضيف قائلاً: «وباللُّجَّة الرابضة تحت»: أي المياه المتفجِّرة مـن تحت الأرض التي تتمثَّل في الأنهـار والينابيـع، التي تروي الأرض وتُساهم في خصوبتها. ويسترسل في وصف خيرات الأرض بقوله: «ونفائس مُغَلاَّت الشمس، نفائس مُنبتات الأقمار»: وقد جاءت هذه الفقرة في ترجمة الآباء اليسوعيين هكذا: «وبطيِّبات الغلاَّت الشمسية، وبطيِّبات الغلاَّت القمرية». والمقصود بذلك هو ما تُنتجه الأرض من المحاصيل والنباتات على مدار فصول السنة بفضل حرارة الشمس وبرودة الليل في ضوء القمر.

ثم يُضيف قائلاً: «ومِن مفاخر الجبال القديمة، ومن نفائس الآكام الأبدية»: حيث لا تتوفَّر الأشجار والثمار في السهول والوديان فقط، بل تنمو وتُثمر وتُغطي الجبال والآكام أيضاً. ويقصد ”القديمة“ و”الأبدية“: أي المشهورة منذ القِدَم، مثل جبل الكرمل؛ والآكام الأبدية أي التي تدوم أثمارها ونباتاتها، ولا تنقطع خيراتها على مدار السنين. وقد تحقَّقت نبوَّة موسى في نصيب منسَّى الذي أخذه شرقي الأردن التي كانت من أخصب بقاع الأرض، وكذلك أفرايم الذي أخذ نصيبه في بقعة خصبة في غربي الأردن (انظر يش 17).

ثم يصل التعبير الشعري إلى قمة سموِّه في قوله: «ومن نفائس الأرض وملئها، ورِضَى الساكن في العُلَّيقة؛ فلتأتِ على رأس يوسف وعلى قمَّة نذير إخوته»: فهو لم يكتفِ بقوله: من نفائس الأرض وأفضل ما تُنتجه، بل ملء ما تُعطي الأرض؛ ليس فقط ثلاثين وستين، بل مائة ضعف. وإن كان يطلب لهم السعة والخير الفائض والعميم، فإنما هو من رضا الله الساكن في العُلَّيقة، الذي التقى به موسى في بداية دعوته، فهو الذي منه وبه كل الأشياء، وهو واهب كل الخيرات. وهنا يطلب موسى ليوسف أن تأتي كل هذه الخيرات وتفيض على رأس يوسف، وعلى قمة نذير إخوته. وهي نفس الطلبة التي طلبها يعقوب ليوسف من قبل (تك 49: 26)، بصفته نذير إخوته، المُفرَز والمختار منذ طفولته، والذي سجد له إخوته، وعُهِدَ له من الله – كرمز للرب يسوع – أن يُخلِّصهم من المجاعة التي حلَّت على الأرض وكادت تُهلك الجميع، لولا الحكمة التي ألهمها الله ليوسف بتدبيرٍ من الله.

وإن كان يوسف قد اختاره الله ليكون سبباً في نجاة الناس من الموت جوعاً، فقد جاء المسيح ليُخلِّصنا من موت الخطية، إلاَّ أنَّ المسيح أيضاً هو صانع الخيرات الرحوم، الذي «منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد، آمين» (رو 11: 36). وكما يقول بولس الرسول أيضاً في رسالته الأولى إلى كورنثوس: «لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له، وربٌّ واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن بـه» (1كو 8: 6). فالرب هـو أيضاً «الذي يُعطي خبزاً لكل بشر، لأن إلى الأبد رحمته» (مـز 136: 25)، وهو «المُهيِّئ للأرض المطر، المُنبت العشب على الجبال والخضرة لخدمة البشر. ويُعطي البهائم طعامها، ولفراخ الغربان التي تدعوه» [مز 146 (147): 9،8 - سبعينية]. لذلك نُصلِّي في القدَّاس الإلهي طالبين من أجل المياه والزروع وثمار الأرض قائلين: ”أصعدها كمقدارها كنعمتك، فرِّح وجه الأرض، ليُروَ حرثُها، ولتكثُر أثمارُها. أعِدَّها للزرع والحصاد، ودبِّر حياتنا كما يليق. بارِك إكليل السنة بصلاحك، من أجل فقراء شعبك، من أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف، ومن أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب اسمك القدوس. لأن أعين الكل تترجَّاك، لأنك أنت الذي تُعطيهم طعامهم في حينٍ حسن (مز 144: 15)“ (القدَّاس الإلهي: أوشية المياه والزروع والثمار).

2 - قوة السبط من جهة قوتهم الحربية في مواجهة الأعداء الغرباء:

+ «بِكْر ثوره زينةٌ له وقرناه قرنا رِئمٍ، بهما ينطح الشعوب معاً إلى أقاصي الأرض، هما ربوات أفرايم وألوف منسَّى» (33: 17):

يُشبِّه موسى يوسفَ في بركته له بالثور البِكْر الذي يكون عزيزاً لدى صاحبه لكونه بدء النتاج وبشير الخير، ومع أنَّ يوسف لم يكن البِكْر بين إخوته، إلاَّ أنه كان البِكْر لراحيل زوجة يعقوب المُفضَّلة. وقد تمتَّع يوسف بالبكورية التي أعطاها له أبوه بعد سقطة رأوبين البِكْر: «لأجل تدنيسه فراش أبيه، أُعطِيَت بكوريته لبني يوسف بن إسرائيل، فلم يُنسَب بِكْراً» (1أي 5: 1). وقد أعطاه أبوه نصيب اثنين حينما قال له: «والآن ابناك المولودان لك في أرض مصر قبلما أتيتُ إليك إلى مصر هما لي. أفرايم ومنسَّى كرأوبين وشمعون يكونان لي. وأما أولادك الذين تلدُ بعدهما فيكونون لك. على اسم أَخَوَيْهم يُسَمَّوْنَ في نصيبهم» (تك 48: 6،5). أي أنَّ يعقوب قد أعطى بذلك ليوسف نصيب اثنين بين إخوته، وهذه هي بركة البكورية. ويُعلِّق القديس أثناسيوس الرسولي على ذلك قائلاً: ”إنَّ تبنِّي يعقوب لأحفاده، ابني يوسف، يدلُّ على أنَّ البنوَّة ليست بالضرورة هي بنوَّة الجسد؛ بل هناك بنوَّةٌ أعظم وأبقى هي البنوَّة الروحية الموهوبة من الله لمختاريه“(1).

أما اعتبار بِكْر الثور زينة لسبط يوسف، فذلك بسبب قوته الجسدية. وهو نوع من الثيران الوحشية التي تُدعَى ”رِئْم“، له قرنان؛ ويُقصَد بهما أفرايم ومنسَّى اللذان صارا سبطَيْن متفرِّعَيْن من سبط يوسف. أما قوله: «بهما ينطح الشعوب معاً إلى أقاصي الأرض»: يُشير بذلك إلى سبطَي أفرايم ومنسَّى اللذين يغلب بهما أعداءه ويُخضِعهم ويُبعدهم إلى أقاصي الأرض، «هما ربوات أفرايم وألوف منسَّى». وهو هنا يُقدِّم أفرايم الصغير على منسَّى الكبير، كما فعل يعقوب حينما باركهما (تك 48: 13-20)، ويُعطي لأفرايم الربوات أي عشرات الألوف، ومنسَّى الألوف. وقد تحقَّقت هذه النبوَّة، حيث ظهر مِن أفرايم: يشوع بن نون خليفة موسى الذي انتصر على الشعوب الكنعانية، وورَّث أسباط إسرائيل أرض كنعان؛ كما ظهر نشاطه أيضاً في عهد القضاة في أيام دبورة النبيَّة وباراق وجدعون (اللذان كانا من سبط منسَّى) وصموئيل النبي (قض 11،8،4؛ 1صم 1: 1). وأُقيمت خيمة الاجتماع في شيلوه إحدى مدن أفرايم، وظلَّت المركز الديني للشعب في عهد القضاة (1صم 1: 3). وقد كانت مدينة شكيم الواقعة في جبل أفرايم وفي نصيبه من مدن الملجأ التي أُعطيت للاَّويين (يش 20: 7؛ 21: 21)؛ وقد صارت فيما بعد عاصمةً للمملكة الشمالية، مملكة إسرائيل (1مل 12: 25)، ثم انتقلت العاصمة إلى ترصة ثم إلى السامرة، وكانت كلها في أرض أفرايم أيضاً (1مل 14: 17؛ 15: 18).

أما سبط منسَّى، فقد ظهر منه قضاة وقادة مثل: جدعون ويفتاح اللذان قاتلا المديانيين والعمُّونيين (قض 6-8، 11).

سادساً: بركة زبولون ويسَّاكر:

+ «ولزبولون قال: افْرَح يا زبولون بخروجك، وأنت يا يسَّاكر بخيامك. إلى الجبل يَدْعُوَان القبائل. هناك يذبحان ذبائحَ البِرِّ، لأنهما يرتضعان من فَيْض البحار، وذخائرَ مطمورة في الرمل» (33: 19،18).

مع أنَّ موسى بدأ حديثه بزبولون، إلاَّ أن البركة شملت كُلاًّ من زبولون ويسَّاكر. ويُلاحَظ أنَّ هذين السبطين قد ذُكِرَا أيضاً معاً في البركة التي نطق بها يعقوب أبيهما (تك 49: 13-15)، وكذلك في التسبحة التي نطقت بها دبورة النبية (قض 5: 15،14). كما أنهما كانا أيضاً معاً في محلَّة يهوذا التي كانت تتكون منهما ومن سبط يهوذا في المقدمة. وقد سكنوا معاً شرقي خيمة الاجتماع في البرية (عد 2: 3-7). كما كان نصيبهما متجاوراً في أرض كنعان، حيث كان نصيب زبولون إلى الشمال من نصيب يسَّاكر مباشرة (يش 19: 10-23). وهذا ما تنبَّأ به يعقوب عن زبولون: «زبولون عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن وجانبه عند صيدون». ورغم أنَّ يسَّاكر هو الابن الخامس لليئة قبل زبولون، إلاَّ أنَّ كُلاًّ من يعقوب وموسى ذَكَرا زبولون في البركة قبل يسَّاكر. ولعلَّ ذلك كان بسبب أن زبولون كان سيفوق يسَّاكر في البركة.

وهنا يقول موسى: «افْرَح يا زبولون بخروجك»: بسبب كَوْن زبولون «عند ساحل البحر يسكن»، فقد كان كثير الخروج للتجارة. كما كان كثير الخروج للحرب، لذلك قيل عنه في نشيد دبورة النبيَّة: «زبولون شعبٌ، أهان نفسه إلى الموت» (قض 5: 18)، أي خَاطَرَ بنفسه في الحرب حتى الموت. كما قال عنه الكتاب: إنَّ الذين ناصروا داود كانوا من سبط زبولون، خمسين ألفاً مستعدِّين للقتال بجميع أدوات الحرب من دون خلاف (انظر 1أي 12: 33).

أما يسَّاكر فقد قال عنه موسى: «وأنت يا يسَّاكر بخيامك»: فقد كان مُستقرّاً في مكانه يعمل في الزراعة في أرضه الخصبة وفي رَعي الماشية، تحقيقاً لِمَا قاله عنه أبوه يعقوب: «يسَّاكر حمارٌ جسيم رابضٌ بين الحظائر، فرأى المَحَلَّ أنه حسنٌ والأرض أنها نَزِهَةٌ. فأحنى كَتِفَه للحِمْل وصار للجزية عبداً» (تك 49: 15،14). ويبدو أنه قد اكتسب الحكمة والخبرة لمعرفة ما يُناسب كل وقت، حتى أنه قيل عن الرجال الذين بايعوا داود من سبطه: «الخبيرين بالأوقات لمعرفة ما يعمل إسرائيل» (1أي 12: 32).

أما قول موسى: «إلى الجبل يَدْعُوَان القبائل. هناك يذبحان ذبائحَ البِرِّ»: قد يُقصَد بالجبل هنا جبل المُريَّا الذي بُنِيَ عليه هيكل سليمان (2أي 3: 1). والقبائل هي أسباط إسرائيل، وقد يُقصَد بها أيضاً قبائل الشعوب الأخرى التي كان يتعامل معها السبطان في التجارة. ولعل موسى كان يرى فيهما، بروح النبوَّة، الاستعداد لدعوة باقي الأسباط لبيت الرب لتقديم ذبائح البرِّ على مذبح الهيكل. وقد ظهر هذا في أيام حزقيَّا ملك يهوذا عندما غار للرب، وأرسل إلى جميع أسباط إسرائيل لكي يأتوا إلى بيت الرب في أورشليم ليعملوا فصحاً للرب الذي كان قد أُهمِل عمله زماناً طويلاً. فمنهم مَن استهزأ ورفض: «إلاَّ أنَّ قوماً من أشير ومنسَّى وزبولون تواضعوا وأتوا إلى أورشليم» (2أي 30: 1-13). وقد كان هذا تحفيزاً لباقي الأسباط فعيَّدوا عيد الفصح بفرح للرب. وقد تحقَّقت نبوَّة موسى النبي لهذين السبطين في عهد النعمة عندما جاء الرب يسوع «فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم. لكي يتمَّ ما قيل بإشعياء النبي القائل: ”أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عَبْر الأردن، جليل الأُمم. الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور“» (إش 9: 2،1؛ مت 4: 13-16).

ثم أضاف موسى قائلاً: «لأنهما يرتضعان من فَيْض البحار، وذخائرَ مطمورة في الرمل»: البحار هنا ليست بالضرورة البحر الأبيض المتوسط، لكنها تُشير إلى بحيرة طبرية. ويرتضعان أي يحصلان على قوتهما وغناهما من خيرات البحر، سواء من الأسماك واللآلئ أو ما يكسبونه من رحلاتهم في البحار. أما الذخائر المطمورة في الرمل، فهي ما يستخرجونه من معادن، أو ما تُخرجه الأرض لهم من محاصيل في الزراعة، أو من صناعة الزجاج من الرمل. والرب يُبارك كل مجتهد في عمله، طالما يشكر الله على ما اكتسبه، ويفتح لإخوته أبواب الرزق، ويحمد الله على ما أعطاه. وفي العهد الجديد أوصانا بولس الرسول قائلاً: «إن كان أحدٌ لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً. لأننا نسمع أنَّ قوماً يسلكون بينكم بلا ترتيب، لا يشتغلون شيئاً، بل هم فضوليُّون» (2تس 3: 11،10).

سابعاً: بركة جاد:

+ «ولجادٍ قال: مباركٌ الذي وسَّعَ جاد. كلبوةٍ سكن وافترس الذراع مع قمَّة الرأس. ورأى الأول لنفسه، لأنه هناك قِسْمٌ من الشارع محفوظاً، فأتى رأساً للشعب، يعمل حقَّ الربِّ وأحكامه مع إسرائيل» (33: 21،20).

لم يُراعِ موسى ترتيب الأسباط من حيث ولادتهم، كما سبق وذكرنا. كما أنه لم يتبع نفس الترتيب الذي اتَّبعه يعقوب أبوهم في بركته لهم (تك 49). فهو هنا ينطق بالبركة لجاد، ومعنى اسمه ”سعد“، الذي ولدته زِلفة جارية ليئة ليعقوب، بعد دان ونفتالي ابنا يعقوب من بِلهة جارية راحيل. فهو السابع في المواليد ليعقوب. وقد باركه يعقوب بقوله: «جاد يَزْحَمُه جيشٌ، ولكنه يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ». هي تدلُّ على حروب سوف يخوضها، ولكن سوف يتغلَّب عليها في النهاية.

أما هنا فيُباركه موسى قائلاً (ترجمة حديثة): «مباركٌ الذي وسَّع حدود أرض جاد. يربض كلبوةٍ، ويُمزِّق ذراع فريسته مع الأنف وقمة الرأس. أَخَذَ أوَّلَ نصيبٍ لنفسه، لأنه رأى فيه حِصَّة الأسد. أتى قائداً للشعب، وأجرى عدل الرب وأحكامه مع بني إسرائيل». وهذا يعني أنَّ الله قد وسَّع نصيب جاد من حيث: 1. إنه أعطاه ستة بنين (تك 46: 16)؛ 2. وفي تخومه أَخَذَ نصيبه من البداية في شرق الأردن بين سبط رأوبين ونصف سبط منسَّى (عد 32؛ يش 13: 24-28)؛ 3. ظهر منه رجال أتقياء، مثل: برزلاي الجلعادي الذي ناصر داود عندما كان هارباً من وجه ابنه أبشالوم (2صم 17: 27-29؛ 1مل 2: 7).

وقد شُبِّه باللبوة والأسد القوي الرابض لاقتناص فريسته من ذراعها مع الأنف وقمة الرأس: أي من أصغر الجنود حتى القادة. فقد تضامَن هذا السبط مع باقي الأسباط، كما تعهَّدوا لموسى، فعبروا الأردن مع إخوتهم ولم يرجعوا إلى أرضهم إلاَّ بعد أن أَخَذَ كل سبط نصيبه (عد 32: 16-18؛ يش 1: 17،16). وقد عُرِفَ بنو جاد بأنهم جبابرة بأس: «رجال يحملون الترس والسيف، ويشدُّون القوس، ومتعلِّمون القتال» (1أي 5: 18). وقد انضمَّ كثيرون منهم لداود في محنته التي عاشها وهو مُطارَد من شاول الملك (1أي 12: 8). وقد اختار لنفسه النصيب الأول من الأرض في شرقي الأردن مع رأوبين ونصف سبط منسَّى، وذلك بإذن موسى الشارع أي المُشرِّع وموافقته في حياته. ولكنه عَبَرَ الأردن مع بني رأوبين وبني منسَّى ليكونوا في مقدِّمة الشعب كما كلَّمهم موسى، حسب ما جاء في سِفْر يشوع: «وعَبَرَ بنو رأوبين وبنو جاد ونصف سبط منسَّى، متجهِّزين أمام بني إسرائيل، كما كلَّمهم موسى، نحو أربعين ألفاً متجرِّدين للجُند، عبروا أمام الرب للحرب إلى عربات أريحا» (يش 4: 13،12).

أما قوله: «يعمل حقَّ الربِّ وأحكامه مع إسرائيل»: فتعني أنَّ محاربته مع إخوته كانت ليُجرَى عدل الرب وأحكامه ضد الشعوب الوثنية التي كانت مُقيمة في أرض كنعان؛ إذ قد حان زمان الانتقام منهم وامتلأ كأس شرِّهم، لكي يرث بنو إسرائيل أرض الموعد التي وعدهم الله بامتلاكها. (يتبع)

(1) NPNF, 2nd Series, Vol. IV, p. 350.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis