«أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني»
(في 4: 13)
- 7 -

(تكملة) خطوات السير من قوة إلى قوة:
سابعاً: وحدتنا في المسيح هي سر قوتنا
(1):

ذكرنا أنَّ هذه الخطوة هي الأخيرة في مسيرتنا من قوة إلى قوة. فأي قوةٍ أعظم وأسمى من أن «ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف 4: 13)؟! وأن نكون «صادقين في المحبة، ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس: المسيح» (أف 4: 15)!

كما ذكرنا أيضاً أن المسيح قد أسَّس لنا سرَّ الإفخارستيا، سرَّ التناول من جسده ودمه، لكي نثبت فيه وهو فينا. وفي هذا يقول أيضاً القديس إغناطيوس الأنطاكي، مُبيِّناً قوة هذا السرِّ في إبطال كل قوة العدو:

[احرصوا أن تجتمعوا بأكثر مواظبة، لتقديم الإفخارستيا لله ولتمجيده، لأنكم حينما تجتمعون بمواظبة تنحلُّ قوات الشيطان، ويَبطل الهلاك الذي يُدبِّره لنا، بتوافقكم في الإيمان. لا أفضل من السلام الذي يُبطِل كل المحاربات، سواء كانت أرضية أم سمائية... لنفعل، إذن، كل شيء باعتبار أنه ساكنٌ فينا، حتى نصير هيكلاً له، ويكون هو فينا إلهاً لنا. وهذا هو الحادث فعلاً، وسيظهر لنا هذا الأمر علناً، ولذلك فلنحبه كما يليق به](2).

ولكي يُقرِّب لنا المسيح كيف يفعل فينا هذا السر، ولماذا وضعه لنا، بعد أن تكلَّم عنه بإسهاب مع اليهود الذين أشبعهم في البرية من الخمس خبزات والسمكتين، ولكنهم طلبوه ليس لأنهم رأوا آيات، بل لأنهم أكلوا من الخبز فشبعوا؛ فقال لهم: «اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يُعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد خَتَمَه» (يو 6: 27). ثم قال لهم علانية: «أنا هو خبز الحياة. مَن يُقبِل إليَّ فلا يجوع، ومَن يؤمن بي فلا يعطش أبداً... أنا هو خبز الحياة... هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحيُّ الذي نزل من السماء. إنْ أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم» (يو 6: 35، 48-51).

ولمَّا لم يقدروا أن يُصدِّقوا أنه قادر أن يُعطيهم جسده ليأكلوه ويحيوا به، قال لهم يسوع: «الحقَّ الحقَّ أقول لكم: إنْ لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياةٌ فيكم. مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياةٌ أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكلٌ حقٌّ ودمي مشربٌ حقٌّ. مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبُت فيَّ وأنا فيه. كما أرسلني الآبُ الحيُّ، وأنا حيٌّ بالآب، فمَن يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المنَّ وماتوا. مَن يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد» (يو 6: 53-58).

فالمسيح هنا تدرَّج معنا ومع اليهود الذين لم يُصدِّقوا أنه قادر أن يُعطيهم جسده ليأكلوه، من قوله لهم: «اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يُعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد ختمه»، إلى قوله: «أنا هو خبز الحياة»، ثم قوله: «أنا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت»، ثم إلى قوله: «أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إنْ أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد»، إلى قوله: «والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم»، ثم إلى قوله: «إنْ لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم»، إلى قوله: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير»، إلى قوله: «لأن جسدي مأكلٌ حقٌّ ودمي مشربٌ حقٌّ»، إلى قوله: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبُت فيَّ وأنا فيه»، ثم في النهاية: «كما أرسلني الآبُ الحيُّ، وأنا حيٌّ بالآب، فمَن يأكلني فهو يحيا بي».

فالمسيح هنا يُقارن بين أَكل وشُرب يُثمر موتاً، وبين خبز حي أو خبز الحياة الذي يُعطيه المسيح بجسده ودمه ليُنشئ حياة أبدية. فهو مأكلٌ حقٌّ أو حقيقي أي حيٌّ أو إلهي لا يموت ولا يَفْنَى، هو جسد الكلمة المتجسِّد، الذي كل مَن يأكل منه، أو على الأصح يأكله، فهو يحيا به ويبقى فيه ويثبت فيه وهو فيه. وليس ذلك فقط، فكما أنَّ المسيح حيٌّ بسبب ثبوته في الآب الحي لأنه هو والآب واحد، كذلك فكل مَن يأكل المسيح يحيا فيه والآب أيضاً فيه، كقول يوحنا الرسول: «وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو 1: 3). وكذلك قول المسيح له المجد: «إنْ أحبني أحدٌ يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً» (يو 14: 23).

ثم، لكي يُقرِّب لنا المسيح شدَّة اتصالنا به واتِّحادنا فيه بعد تجسُّده، قال لنا: «أنا (هو) الكرمة الحقيقية وأبي الكرَّام. كل غُصن فيَّ لا يأتي بثمرٍ ينزعه، وكل ما يأتي بثمرٍ يُنقِّيه ليأتي بثمرٍ أكثر» (يو 15: 2،1). وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

[إنه يقول على سبيل الإيضاح، إنه هو الكرمة، والذين يتَّحدون ويثبتون ويتأصَّلون فيه، هم شركاء طبيعته، وعن طريق اشتراكهم في الروح القدس يصيرون أغصان فيه، لأن روحه القدوس هو الذي وحَّدنا بالمسيح المخلِّص، حيث إنَّ الاتصال بـ ”الكرمة“ ينتج عنه الأمور التي تخص الكرمة، واتصالنا بها يجعلنا ثابتين، وبعزم ثابت على الصلاح نتقدَّم إلى الأمام بالإيمان، ونصير شعبه الخاص، وننال منه كرامة البنوَّة، لأن «مَن التصق بالرب فهو روح واحد» كما يقول القديس بولس الرسول (انظر 1كو 6: 17)... إنه هو الكرمة باعتبار أن الكرمة هي الأُم والمغذية للأغصان، لأننا نولَد منه وفيه بالروح لنُثمر للحياة... ولماذا يُسمِّي الآب بلقب ”الكرَّام“، ذلك لأن الآب ليس عاطلاً عن العمل أو خاملاً في معاملاته معنا، فبينما الابن يُغذِّينا ويُثبِّتنا في حالة كاملة بواسطة الروح القدس، فإنَّ تقويم حالتنا هو عمل الثالوث القدوس المساوي في الجوهر، والمشيئة والقوة لعمل كل الأعمال التي يعملها الثالوث، هذه القوة كائنة في كل الطبيعة الإلهية... إلاَّ أننا نؤمن أن كل الأشياء تأتي من الآب بالابن في الروح القدس](3).

ولكن، علينا أن نُلاحظ أنَّ المسيح له المجد لم يَقُل: أنا ”الكرمة“ فقط؛ بل قال: أنا ”الكرمة الحقيقية“؛ لأنه في القديم غرس كرمةً على الأرض، يصفها إرميا النبي هكذا: «وأنا قد غرستُك كرمةً ذات ثمار طيِّبة، صَنْفُها المزروعُ جيِّدٌ بالحق كُلِّيّاً، فكيف تحوَّلتِ إلى كرمةٍ غريبة مُرَّة؟» (إر 2: 21 - سبعينية). وفي المزمور يقول عنها: «كرمةً من مصر نَقَلْتَ. طردتَ أُمماً وغرسْتَها» (مز 80: 8). فالمسيح هنا يُحدِّد هوية الكرمة بأنها كرمة حقيقية، ليست من الأرض، بل هي جسد المسيح السرِّي وأعضاؤه نحن. وفي هذا يقول الأب متى المسكين:

[فقول المسيح إنه الكرمة الحقيقية هو على مستوى قوله: «أنا هو الطريق». فالمسيح، بتجسُّده ثم موته وقيامته، أَوْصَلَ الإنسان بالله. والمسيح كـ ”كرمة“ أعطى فرصة للإنسان، من خلال التحامنا بجسده الذي فيه ملء اللاهوت، أن يجعلنا في مواجهة الآب وفي متناول يده للتنقية والمزيد من الإثمار](4).

أعظم عطايا الله للإنسان:

أما أعظم عطايا الله للإنسان، فهي حينما كان الرب يسوع مزمعاً أن يُسلِّم نفسه للموت عن حياة العالم، وبعد أن أسَّس سرَّ الشكر، وبعد أن قال لتلاميذه علانيةً إنه ماضٍ ليُعدَّ لهم مكاناً، وأحسَّ أن قلوبهم قد اضطربت؛ لذلك أراد الرب أن يملأ قلوبهم بالسلام والرجاء والإيمان، فقال لهم: «الحقَّ الحقَّ أقول لكم: مَن يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي. ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجَّد الآب بالابن. إنْ سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله» (يو 14: 12-14).

إلاَّ أنَّ الرب عَلِمَ في قلبه أنهم غير قادرين في تلك اللحظة أن يطلبوا شيئاً باسمه، بينما كان هو مزمعاً أن يهبهم أعظم عطاياه، وما لا يمكن أن يجول في خاطرهم، وهو الروح القدس. وهنا قال لهم: «إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي»، وكأنه يقول لهم: فهذا هو ما في استطاعتكم الآن، وهذا هو ما عليكم أن تفعلوه؛ أما من جهتي، «وأنا أطلب من الآب فيُعطيكم مُعزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكثٌ معكم ويكون فيكم» (يو 14: 17،16). ولم يكتفِ الرب بذلك، بل عاد وقال لهم: «وأما المُعزِّي، الروح القدس، الذي سيُرسله الآب باسمي، فهو يُعلِّمكم كل شيء، ويُذكِّركم بكل ما قُلته لكم» (يو 14: 26). وبعد ذلك أكَّد لهم هذا الوعد ثانيةً بقوله: «ومتى جاء المُعزِّي الذي سأُرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء» (يو 15: 27،26).

وفي هذا يقول الأب متى المسكين:

[أعظم عطايا الآب والابن، هو المُعزِّي الروح القدس. ولماذا يكون الروح القدس أعظم العطايا؟ لأنه واحدٌ مع الآب والابن. وكأنه بالضرورة الحتمية، أنه بعد أن أرسل الله ابنه إلى العالم الذي صار الوسيط الأعظم بين الله والإنسان (1تي 2: 5)، أن تقدَّم الابن بواسطة دالَّته العُظمى لدى الآب وقُربه الشديد للإنسان، وطلب من الآب أن يُرسل هذا المُعزِّي الأعظم من عند الآب، ليكون الإنسان بالنهاية ذا صلة حياتية وكيانية بالآب والابن والروح القدس، حيث لا غِنَى قط عن أيِّ واحد منهم لأنهم واحد. بعد ذلك مباشرة استعلَن لنا يسوع المسيح أعظم أسرار الآب والابن والروح القدس بأن قال: «أنا في أبي، وأنتم فيَّ، وأنا فيكم» (يو 14: 20).

وهكذا استعْلَن بصورة سرِّية للغاية وحدة الآب والابن ثم وحدتنا في الآب والابن، وطبعاً وبالضرورة، فإنَّ عامل الوحدة السرِّي للغاية هو الروح القدس، فهو الذي يُوحِّدنا في المسيح والآب. هذه الوحدة التي نالها الإنسان، مَدْخلُها الابن الذي أخذ جسده بالروح القدس من العذراء مريم. ونحن نجد الابن يربط حِفظ وصاياه والإيمان به كشرط للدخول في الابن، ودخول الابن فينا، وبالتالي الروح القدس الذي طلبه المسيح علناً من الآب لأجلنا كشخصٍ قائم بذاته، ”يمكث معنا ويكون فينا“ (يو 14: 15-17). فهو يمكث معنا بأن يكون رفيقاً وقائدَ الطريق. والطريق هو هو الرب يسوع. وهو يكون فينا بأن يُحيينا مع الآب والابن. وأسماه المسيح ”معزِّياً آخر“ نظراً لأنه هو أي المسيح هو المُعزِّي الأول للإنسان. وهذا السرُّ الذي نكشفه الآن ونستعلنه: أي أنَّ الابن في الآب، ونحن في الابن، والابن فينا (يو 14: 25)، هو أعظم أسرار اللاهوت، نَقْرُبه برهبة وهيبة وانفتاح إيمان، بقلب خاشع ونفس منحنية، لنقبل هذه الحقيقة التي هي حقيقة الحقائق في اللاهوت المسيحي.

ونقول ذلك للقارئ، ليقبلْ نصيبه وميراثه الأبدي في الآب والابن والروح القدس، وهو السرُّ القائم في المعمودية المقدسة، التي نتقبَّل فيها ميلادنا الروحي الإلهي في الآب والابن والروح القدس. فالمسيح لم يتركنا يتامى لمَّا صعد إلى السماء للمرة الأخيرة، فسلَّمنا لمعزٍّ آخر يملؤنا ملئاً، يُعلِّمنا الحق الإلهي، ويقودنا في الطريق الذي أسَّسه المسيح بجسده على الصليب، ويفتتح فينا حياة هي حياة المسيح، لنصير واحداً فيه وهو فينا («أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» - غل 2: 20)، تأكيداً أبدياً لخلاصنا وتوريثاً لنا في كل مخصَّصات الابن ومجده. والحقيقة الأخرى التي علينا أن نستعلنها للقارئ أنَّ الآب نفسه تبنَّانا، فصار هو أبانا الأقدس](5).

وهكذا يتضح أننا بدون الروح القدس نكون غرباء وبعيدين عن الله، لأننا لا نقدر أن نؤمن ونقول إنَّ المسيح ربٌّ إلاَّ بالروح القدس (1كو 12: 3). كما أنه كان للرب أمور كثيرة ليقولها لتلاميذه قبل تركه لهم، ولكنه لم يستطع أن يُعلنها لهم لأنهم لا يقدرون حينذاك أن يحتملوها، «وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يُرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلَّم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلَّم به، ويُخبركم بأُمور آتية. ذاك يُمجِّدني، لأنه يأخذ مِمَّا لي ويُخبركم. كلُّ ما للآب هو لي. لهذا قلتُ إنه يأخذ مِمَّا لي ويُخبركم» (يو 16: 13-15).

وفي هذا يقول القديس أثناسيوس الرسولي:

[بسبب نعمة الروح القدس المُعطاة لنا، نصير نحن فيه وهو فينا. وحيث إنه هو روح الله، فبسبب كونه فينا، نُعتبر بحقٍّ، إذ قد اقتنينا الروح، أننا في الله وكذلك أن الله فينا، غير أننا لا نكون في الآب، بمثل ما يكون الابن في الآب، لأن الابن لا يشترك في الروح ليصير بواسطته في الآب، وهو لا ينال الروح، بل بالحري هو الذي يُعطيه للجميع. والروح القدس لا يربط الكلمة بالآب، بل بالحري الروح يأخذ مما للكلمة. والابن في الآب لكونه كلمته الخاص وبهاءه، أما نحن فبدون الروح القدس نكون غرباء وبعيدين عن الله. ولكننا بشركة الروح القدس نتَّحد باللاهوت، حتى أنَّ وجودنا في الآب أمرٌ لا يخصُّنا نحن، بل يَخُصُّ الروح القدس الكائن فينا والثابت فينا](6).

وكنيستنا المُلهَمَة بالروح القدس تُعلِّمنا أن نُصلِّي في صلاة الساعة الثالثة طالبين من الرب يسوع أن يُجدِّد روحه القدوس في أحشائنا، قائلين: ”أيها الملك السمائي المعزِّي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات، ومُعطي الحياة؛ هَلُمَّ تفضَّل وحلَّ فينا، وطهِّرنا من كل دنس أيها الصالح، وخلِّص نفوسنا“.

كما نطلب الروح القدس أيضاً بنفس هذه الطلبة في صلاة نصف الليل في الخدمات الثلاث، مِمَّا يؤكِّد إيمان الكنيسة على شدَّة احتياجنا إلى الروح القدس الذي يشفع فينا بأنَّاتٍ لا يُنطق بها. وهذا ما يقوله القديس أنبا مقار:

[فلنغصب نفوسنا ونُلزِمها بالتواضع، حتى وإن كان قلبنا لا يَهوَى ذلك، ونُلزمها بالوداعة والمحبة، طالبين ومتوسِّلين إلى الله بإيمان ورجاء ومحبة، بدون انقطاع، منتظرين هذا وواضعين إيَّاه كهدف لنا: أن يُرسل روحه إلى قلوبنا، حتى نُصلِّي ونسجد لله بالروح والحق. حينئذ الروح نفسه سيُصلِّي من داخلنا، والروح نفسه سيُعلِّمنا الصلاة الحقيقية، التي لا نقدر عليها الآن مهما غصبنا نفوسنا، ويُعلِّمنا التواضع الحقيقي الذي لا نستطيعه الآن ولا بالتغصُّب، ويُعطينا أحشاء رأفات ولُطفاً، ويُعلِّمنا أن نحفظ بالحق جميع وصايا الرب بدون تعب ولا تغصُّب، بل على قدر ما يعرف الروح أن يملأنا من ثماره، وهكذا يُقدِّم نفوسنا للمسيح كعروس حسنة، نقية وبلا لوم](7).

(يتبع)

(1) تابع لِمَا جاء في المقال السابق (فبراير 2014، ص 15-16).
(2) SC 10,68,70,72; ANF, 1st Ser., 55,56.
(3) القديس كيرلس الإسكندري: ”شرح إنجيل يوحنا“، المجلد الثاني، مؤسسة القديس أنطونيوس، ص 253-255.
(4) الأب متى المسكين: ”شرح إنجيل يوحنا - دراسة وتفسير وشرح“، الجزء الثاني، ص 898.
(5) الأب متى المسكين: ”مع المسيح“، الجزء الثاني، 24 يوليو 2005.
(6) القديس أثناسيوس الرسولي: ”ضد الآريوسيين“، 3: 24 (PG 26,373).
(7) القديس أنبا مقار، العظة 19: 8-9.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis