أخبار الكنيسة


الرسالة الرهبانية الثانية
لقداسة البابا تواضروس الثاني
عام 2014م

أرسل قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ 118 رسالة رهبانية إلى جميع رهبان وراهبات الأديرة القبطية الأرثوذكسية في مصر وبلاد المهجر.
( ونص الرسالة هو:

أبنائي وبناتي الأتقياء رهبان وراهبات أديرتنا القبطية الأرثوذكسية

على أرض بلادنا مصر، وسائر قارات العالم،

سلام الله الكامل الذي يفوق كلَّ عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع، مشمولين بملءِ صحة الجسد وكامل سلام الروح.

أكتب إليكم رسالتي الرهبانية السنوية للمرة الثانية، في مناسبة تذكار نياحة القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب جميعنا: رهبان وراهبات (30 يناير/ 22 طوبة)، وهو الذي اختار تلاميذه وكرَّسهم رهباناً في هذه الحياة المقدسة. وقبْلَه كان الأنبا بولا، الذي بدأ نُسكه وحيداً في البرية. وبعده نظَّم الأنبا باخوميوس الرهبنة في الأديرة بحياة الشركة، وذلك بجوار الآباء العِظَام مؤسِّسي الحياة الرهبانية: القديس مكاريوس الكبير، القديس الأنبا أمونيوس، والقديس بسنتاؤس، وغيرهم مِمَّا لا يتَّسع المجال لحصرهم تماماً.

الرهبنة: هي ابنة المسيحية الوفيَّة، وهي مجدُ الكنيسة وفخرُ كنيسة المسيح، وهي حضارة الكنيسة ورمز رسالتها المقدسة، وهي طريقة الحياة الملائكية ”حياة مُكرَّمة ومجيدة في طهارة النفس والجسد وصلاة الروح بلا انقطاع“.

الأديرة: هي العائلات الروحية المُفرَزة للصلاة والعبادة وخدمة البشر. وهذا هو واجبنا الأول والأساسي قبل أي شيء آخر.

فهكذا تعلَّمنا واستلمنا من خلال آبائنا الروحيين، سواء الذين عرفناهم وجهاً لوجه وعن قُرْب واستمعنا إليهم وتمتَّعنا بهم، أو الذين عرفناهم على صفحات الكُتُب وفي بطون المخطوطات، وتعلَّمنا من سِيَرهم وأقوالهم واختبارات حياتهم المُقدَّسة.

ولا بأس أن نتذكَّر سويّاً أساسيات حياتنا الرهبانية، وكيف أنَّ المحبة الإلهية العاملة في أعماق الإنسان هي التي دفعت كُلاًّ مِنَّا إلى هذا الطريق الملائكي، عن حُبٍّ واعٍ واختيارٍ حُرٍّ في وقتٍ اختاره الله لكلٍّ مِنَّا.

إنَّ الراهب/ الراهبة: هو عاشقُ الفضيلة، وشهيدٌ في هذا العالم، على النحو التالي:

+ فالطاعة: يعيشها، لأنه في ساحة معركة روحية، تماماً مثل الجندي في الحرب، لأنَّ «كل مَن يُجاهد يضبط نفسه في كل شيء» (1كو 9: 25)، «وهوذا الاستماع (الطاعة) أفضل من تقديم الذبيحة» (صموئيل الأول 15: 22).

+ والعفة: يعيشها، حتى وإن كانت صعبة فهي ليست مستحيلة، وبالنعمة تصير لذيذة ويسيرة، وهي ميزان للقلوب الحيَّة (كما في برية شيهيت ”ميزان القلوب“) التي تهتف دواماً وتقول: «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يُقوِّيني» (في 4: 13).

+ والفقر: يُمارسه بالقناعة الداخلية المُطلقة؛ لأنه واضحٌ: «أننا لم ندخل العالم بشيء، وواضحٌ أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإنْ كان لنا قُوتٌ وكِسْوةٌ، فلنَكْتَفِ بهما. وأمَّا الذين يُريـدون أن يكونوا أغنياءَ، فيسقطون في تجربةٍ وفَخٍّ وشهواتٍ كثيرة غبيَّة ومُضِرَّة، تُغرِّق الناس في العَطَب والهلاك. لأن محبة المال أصلٌ لكلِّ الشرور» (1تي 6: 7-10). ونقولها مع بطرس الرسول بالحقيقة وبالفعل: «ها نحن قد تركنا كلَّ شيء وتبعناك» (مر 10: 28).

وعلى هذا، قال القديس مار إسحق السرياني: ”الراهب هو مَن يبقى خارج العالم ويتوسَّل بشدةٍ إلى الله، لكي يحصل على البركات الآتية“.

والإنسان مِنَّا مهما كانت رُتبته لا يُمكنه أن يحظى بالوردة ما لم تَخدِش أنامِلَه الأشواكُ، «وأنه بضيقاتٍ كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله» (أع 14: 22).

+++

يا أبنائي الأحبَّاء وبناتي الفُضليات، والذين أحبهم بالحق،

أنتم سروري وإكليلي وحُرَّاس للكنيسة بصلواتكم وتسبيحاتكم، والسَّنَد القوي لضعفي مع كل آباء وخُدَّام الكنيسة. إنكم تسعون كلَّ يومٍ لاكتساب اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت 13: 46)، وأعني ملكوت السموات. أنت تُجاهِد روحياً باليقظة الروحية، لئلا يسرق أحدٌ إكليلَكَ، وتبتعد عن كلِّ تعزية نفسانية أو راحة أرضية أو لذَّة حِسْيَّة؛ لأنك تسعى إلى الغِنَى الروحي والنقاوة القلبية والفرح الجواني، وذلك بممارسة وصايا المسيح من التوبة والبساطة والتواضُع والطاعة والحياة بالأصول الرهبانية، التي تجعلك في يوم الدينونة عن يمين السيد المسيح. فيدعوك مع كـل إخوتك وأخواتك: «تعالوا يـا مُباركي أبي، رِثوا الملكوت المُعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم» (مت 25: 34)، ولن تستطيع أن تكون ”راهباً حقيقياً“ ما لم تُصبح بالكُليَّة مثل ”نارٍ مُلتهبةٍ“، كما تقول أقوال آباء البرية العِظَام.

وخلال العام الماضي 2013م، بنعمة السيد المسيح، قد أنجزنا في الكنيسة أعمالاً رهبانية هامة، مثل: عقد أول مؤتمر لرهبان الأديرة القبطية. وأيضاً تأسيس خمسة أديرة جديدة تمَّ الاعتراف بها في المجمع المقدس، وهي: ثلاثة للرهبان (دير الأنبا أنطونيوس بالنمسا، ودير القديس متَّاؤس الفاخوري بالأقصر، ودير القديس مار مرقس والأنبا صموئيل في جنوب أفريقيا)؛ وديرَيْن للراهبات (دير الأُم سارة في المنيا، ودير البتول في ملوي).

كما أقمنا أربعة أساقفة رؤساء للأديرة (الأنبا إبيفانيوس لدير أبي مقار، والأنبا أولوجيوس لدير الأنبا شنوده رئيس المتوحِّدين بسوهاج، والأنبا سلوانس لدير الأنبا باخوميوس المعروف بدير الشايب بالأقصر، والأنبا ميشائيل لدير الأنبا أنطونيوس بألمانيا)؛ ورئيستين لأديرة راهبات (تماف تكلا لدير مار جرجس - مصر القديمة، وتماف أثناسيا لدير مار جرجس - حارة زويلة). وبذلك استقرَّت هذه الأديرة في الحياة الرهبانية.

كما أرسلنا خمسة رهبان في بعثات تعليمية دراسية (ثلاثة منهم في اليونان، وواحداً إلى كلٍّ من إنجلترا وإيطاليا). كما قمتُ خلال العام المُنصَرِم بزيارة عِدَّة أديرة للرهبان والراهبات، وقضيتُ أوقاتاً مُمتعة معهم في صلوات وتسابيح وتعليم.

وهكذا تنمو الحياة الرهبانية أفقياً ورأسياً، وليكُن شعار كُلٍّ منكم الذي يُردِّدُه يومياً وبكلِّ كيانه: «مع المسيح صُلِبْتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيحُ يحيا فيَّ» (غلا 2: 20). واحْفظْ حواسك الخمس، لتعيش اختبارات رائعة في علاقتك الكيانيَّة مع شخص ربنا وإلهنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح.

دُمتُم في المسيح، مُتمتِّعين بحياتكم الرهبانية، تحت مظلَّة الأُبوَّة الروحية لكلٍّ منكم. ودامت حياتكم ثابتة في المسيح، وفي كنيسته المقدَّسة. له المجد والإكرام والسجود، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور، آمين.

30 يناير 2014م

البابا تواضروس الثاني
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ 118

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis