مشاهد من الحياة الأرثوذكسية في أنحاء المسكونة


الصوم الكبير حسب طقس الكنيسة الإثيوبية( )


بعض المؤمنين الإثيوبيين يتابعون القراءات في الكتاب المقدس

يعتبر الصوم الكبير واحداً من أهم المواسم المقدسة في الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية. وأهم تسمية يطلقونها هناك على هذا الصوم تعبير: كوداد صوم، أو اختصاراً كلمة : ”كوداد“. وهذه الكلمة تعني العمل الذي يجب أن يعمله المرء في حقل إنسان عظيم، أي الملك أو مَن يمثله. فالصوم، إذاً، هو عمل روحي يجب على المسيحي أن يُنجزه من أجل الملك، أي الرب يسوع المسيح.
يستمر الصوم الكبير في الكنيسة الإثيوبية حوالي ثمانية أسابيع، أي خمسة وخمسين يوماً. ويتم تحديد أول يوم في الصوم بواسطة عملية حسابية معقدة، تشبه مثيلتها في الكنيسة القبطية. ويتم تحديد صوم نينوى أولاً، وهو الصوم الذي يسبق الصوم الكبير بأسبوعين، ويقع في أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء. الأحد الأوسط من الصوم يُسمى ”دابرا زايت“، أي جبل الزيتون، وهو من الأيام المشهورة في الكنيسة الإثيوبية، والأسبوع الأخير من الصوم يتضمن جمعة الصلبوت وينتهي بأحد القيامة.

ينقسم الصوم الكبير إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو الأسبوع الأول من الصوم، ومدته سبعة أيام (من الاثنين حتى الأحد)، ويُسمى ”صُوما هرقل“، وهو الصوم الذي يُخلِّد ذكرى استعادة خشبة الصليب المقدسة من الفُرس بواسطة الإمبراطور البيزنطي هرقل عام 630م.

وهذا الأسبوع من الصوم، وإن كان من الثابت تاريخياً أنه تقنَّن حسب طلب الإمبراطور هرقل (575-642م)، إلا أن القديس يارد، وهو واضع أكثر ألحان الكنيسة الإثيوبية، أطلق على هذا الأسبوع أو على الستة أيام الأولى من الصوم، اسم ”لأجل موسى“، إذ يرى أن هذه الفترة تمثل الستة أيام التي قضاها موسى النبي على جبل سيناء قبل أن يتراءى له الرب ويتكلَّم معه: «فصعد موسى إلى الجبل، فغطَّى السحاب الجبل، وحل مجد الرب على جبل سيناء، وغطَّاه السحاب ستة أيام. وفي اليوم السابع دُعي موسى من وسط السحاب» (خر 24: 15-16). وبالمثل فإن المسيحيين الذين سيبدأون الصوم الأربعيني المقدس، صوم الاقتراب من الرب والدخول في علاقة حية معه، يحتاجون إلى مثل هذه الستة أيام للابتعاد عن الأمور العالمية والتأهُّل للمثول في الحضرة الإلهية.

والقسم الثاني ومدته أربعين يوماً (ويبدأ من يوم الاثنين حتى يوم الجمعة السابقة لأحد الشعانين)، ويسمونه ”أربعا صوم“ أي الصوم الأربعيني، كما يسمونه ”صوما كرستوس“ أي صوم المسيح.

والقسم الثالث ويسمونه ”صامونا فصح“ أي أسبوع البصخة، وهو اسم مشتق من تعبيرات الكنيسة القبطية، أو ”صامونا حمامات“ أي أسبوع الآلام، ومدته ثمانية أيام (ويبدأ من السبت السابق للشعانين حتى السبت السابق لعيد القيامة).

ويمثل سفر إشعياء عاملاً مشتركاً مع قراءات الكنيسة القبطية في قراءات كل أيام الصوم.

ويُطلق على آحاد وأسابيع الصوم الكبير أسماءٌ خاصة مستقاة من فصول الأناجيل التي تُقرأ في القداس. وكل أسبوع يُسمى باسم يوم الأحد السابق له.

1. الأسبوع الأول من الصوم، أو الأسبوع الثامن قبل القيامة، ويُسمى زا وارادا، أي ”لأجل (أسبوع) الذي نزل إلينا“، أي الذي تجسَّد من أجلنا. ويُطلق هذا الاسم على يوم الأحد السابق للصوم، وبالتالي على باقي الأسبوع حتى يوم السبت. وفي عشية هذا الأحد يُرتل بهذا اللحن، الذي يبدأ بكلمة زاوارادا التي اشتق منها تسمية هذا الأسبوع: ”هللويا، هللويا، الذي تنازل إلينا من الأعالي، صُلب بواسطة اليهود. ألم يعلموا أنه رب كل شيء. الذي يعطي الحياة بكلمته.

كما يُعرف هذا الأسبوع أيضاً باسم "قبالا صوم" بمعنى هوذا الصوم قد أقبل، إذ يُرتل طوال هذا الأسبوع بألحان وتراتيل تعبِّر عن بدء الصوم واقتراب عيد القيامة.

2. الأسبوع الثاني من الصوم، أو الأسبوع السابع قبل القيامة، ويُسمَّى زاقادّاست، أي ”لأجل أسبوع اليوم المقدس“. وتُشتق هذه التسمية من أول كلمة من لحن هذا الأسبوع: ”هذا هو اليوم المقدس، الذي فيه خلاص كل بني البشر. ليكن هادياً لنا في الطريق كل يوم وكل ساعة، لقد قدَّس الله هذا السبت. وهذا اللحن يُذكِّر المؤمنين بالسبت المقدس الذي للمسيحيين (أي يوم الأحد) الذي فيه تم كمال خلاص جنس البشر. في هذا الأسبوع يتقدّس الناس، أي يُطهِّرون أنفسهم من أجل البداية الرسمية للصوم الأربعيني: «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيِّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين، الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك...» (مت 6: 16-24).

3. الأسبوع الثالث من الصوم، أو الأسبوع السادس قبل القيامة، ويُسمَّى زاماك اراب، أي ”لأجل أسبوع الهيكل“. وهذا الأسبوع مخصص لتعليم الرب يسوع في الهيكل (يو 2: 12-25). ويُشتق اسم ”زاماك اراب“ من أول كلمة من لحن هذا الأسبوع (مرد المزمور): ”هللويا (5 مرات) يسوع دخل هيكل اليهود وعلَّم كلمة الإيمان. وقال لهم: أنا أريد الرحمة لا الذبائح. أنا هو رب السبت وأب الرحمة. ابن الإنسان هو رب السبت. لا تُحوِّلوا بيت أبي إلى مكان تجارة، لأن بيتي يُدعي بيت الصلاة. لقد دخل هيكلهم ووبخهم. فسكتوا وتعجبوا من تعليمه، بسبب النعمة التي في كلماته، والحلاوة التي في حديثه، والفصاحة التي في فمه.

4. الأسبوع الرابع من الصوم، أو الأسبوع الخامس قبل القيامة، ويُسمى زاماداجى، أي ”لأجل أسبوع المخلَّع“. وتشير ألحان وقراءات يوم الأحد إلى معجزة إقامة الرب يسوع لمريض بِرْكة بيت حسدا الذي بَقِيَ مطروحاً مدة ثمانية وثلاثين عاماً (يو 5: 1-35). ويردد مرد المزمور هذا المعنى: ”هللويا (5 مرات) إله آدم جعل يوم السبت للراحة، واليهود قالوا له: بأي سلطان تفعل هذا؟ فأجابهم يسوع: أنا، أنا أعمل، فآمنوا أنتم بأعمالي. لقد أخبرهم: أنا هو رب السبت. إن رب السبت هو الابن الوحيد. وقال لهم: إن لي سلطاناً أن أغفر الخطايا على الأرض. أبي أرسلني لكي أكرز بالحرية (من الخطية) ولكي أفتح أعين العمي.

5. الأسبوع الخامس من الصوم، أو الأسبوع الرابع قبل القيامة، ويُسمَّى زادابرا زايت، أي ”لأجل أسبوع جبل الزيتون“. وتتركز قراءات الكنيسة خلال هذا الأسبوع على المجيء الثاني للرب يسوع (مت 24: 1-35). والأحد السابق لهذا الأسبوع، والذي يحمل هذا الأسبوع اسمه، يقع في منتصف الصوم، ويُعتبر واحداً من المناسبات الهامة التي يقوم فيها المسيحي بزيارة أب الاعتراف ويقدم له هدية عينية (مالاً أو حبوباً زراعية). ويقول مرد مزمور هذا اليوم: ”هللويا (5 مرات) عندما كان ربنا جالساً على جبل الزيتون، أخبر تلاميذه: استعدُّوا، وانتبهوا لئلا يضلكم أحد. لأن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح. ومن يصبر حتى المنتهى سوف يخلص. وفي زمن مجيء ابن الإنسان ستتزعزع كل قوات الأرض والسماء. عندئذ سينوح كل خطاة الأرض. وسينزل الرب من السماء إلى الأرض، من عند الله الآب، مع وصاياه وكلمته، ومع ربوات الملائكة نافخين بالأبواق. في ذلك الوقت، لتكن رحمة الله الآب علينا ويُخلِّصنا من موت الخطية لأنه هو خالق الحياة، وهو رب السبت.

6. الأسبوع السادس من الصوم، أو الأسبوع الثالث قبل القيامة، ويُسمى زاجابار حير، أي ”لأجل أسبوع الوكيل الأمين“، حيث تقرأ الكنيسة مَثَل الوزنات وكيف مدح الرب الوكيل الأمين (مت 25: 14- 30). ويقول مرد المزمور ”هللويا (5 مرات) من هو العبد الصالح والأمين الذي يُقيمه سيده على عمله، فيعمل عملاً صالحاً. سوف يستأمنه على كل ماله. يقول الرب: نعمَّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً في القليل، فأُقيمك على الكثير، ادخل الى فرح سيدك“.

7. الأسبوع السابع من الصوم، أو الأسبوع الثاني قبل القيامة، ويُسمى زانيقوديموس، أي ”لأجل أسبوع نيقوديموس“، والتعليم عن الولادة الثانية من الماء والروح. ويذكِّرنا هذا الأسبوع بالفريسي الذي أتى للرب يسوع ليلاً: «كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيسٌ لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلاً وقال له: يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلِّماً، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع وقال له: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يُولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (يو 3: 1-21). ويُعتبر يوم الجمعة من هذا الأسبوع، أي جمعة نيقوديموس، هو جمعة ختام الصوم الأربعيني.

ويرى بعض آباء الكنيسة الإثيوبية أن صوم المسيح أو الصوم الأربعيني من الناحية الطقسية ينتهي يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع أي ثلاثاء نيقوديموس، وابتداءً من يوم أربعاء نيقوديموس يبدأ الاستعداد لأحد الشعانين. أي أنه من أربعاء نيقوديموس حتى أحد ”أوصنا“، أي أحد الشعانين، تدور القراءات كلها حول دخول المسيح أورشليم.

كيف يصوم الإثيوبيون الصوم الأربعيني؟

أما الممارسات اليومية للصوم بالنسبة للمؤمنين فتختلف حسب حال الصائم وصحته وتقواه. ولكن كقاعدة عامة، يصوم المؤمنون عن المأكولات الحيوانية طوال فترة الصيام، مكتفين بالأطعمة البقولية والخضروات. كما يصومون انقطاعياً عن الطعام حتى وقت خروج القداس، حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر. بالنسبة للمرضى والمسنين والحوامل والأطفال فيتم التغاضي عن فترة الصوم الانقطاعي، أو عن نوع الطعام. أما بالنسبة للرهبان فيسلكون بطريقة أكثر شدة في أصوامهم. كما يحرص المؤمنون كذلك على عدم شغل أوقاتهم في أي نوع من أنواع اللهو أو التسلية. أما من له القدرة على الصوم ويتهاون في ذلك، فيتم وضع قانون توبة عليه.

يزداد الإقبال على حضور القداسات والصلوات العامة والخاصة في هذا الموسم، وتصل إلى أقصى كمالها في الأسبوع الأخير من الصوم وهو أسبوع البصخة. وابتداءً من يوم الاثنين التالي لأحد الشعانين يمتنع المؤمنون عن ممارسة أية أعمال ثقيلة غير ملحَّة، مثل أعمال الزراعة والأعمال المنزلية (نظافة البيوت وغسل الملابس) وقطع الأخشاب وما إلى ذلك. ويتفرغون على قدر استطاعتهم للصلوات الكنسية.

يوم الجمعة العظيمة هو يوم صوم انقطاعي عام. فالبعض يبدأون صوماً انقطاعياً ابتداء من مساء يوم الجمعة؛ والبعض الآخر، خاصة الرهبان، يبدأون الصوم من نهاية يوم الخميس الكبير أو خميس العهد ولا يفطرون حتى قداس يوم عيد القيامة. أما الأطفال الذين لا يقدرون على الصوم، فالعادة أن ينتقلوا من بيت إلى بيت كنوع من الحيلة لطلب الطعام.

وفي يوم السبت، يبدأ العمل يظهر مرة أخرى في البيوت للاستعداد لعيد القيامة. ويتم نثر الأعشاب الخضراء على أرضية البيوت كعلامة على الفرح والخصب والنماء. كما يتم توزيع بعض أنواع الأطعمة البسيطة في الكنائس مثل الخبز والسكر والماء.

وفي مساء يوم السبت يبدأ المؤمنون في التوجه للكنائس وهم يحملون في أيديهم شعلات منيرة كتعبير عن فرح القيامة، مثلما يحمل المصلُّون الشموع المنيرة في الكنائس أثناء دورة عيد القيامة ابتهاجاً بقيامة الرب من بين الأموات. +

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis
6 - مجلة مرقس مارس 2010 مجلة مرقس مارس 2010 - 7