دراسات كتابية


لماذا أعدم داود
مَن أنقذه من عدوِّه شاول؟

«وَكَلَّمَ شَـاوُلُ يُونَاثَانَ ابْنَهُ وَجَمِيعَ عَبِيدِهِ أَنْ يَقْتُلُوا دَاوُدَ. وَأَمَّا يُونَاثَـانُ بْنُ شَاوُلَ فَسُرَّ بِدَاوُدَ جِدًّا. فَأَخْبَرَ يُونَاثَـانُ دَاوُدَ قَائِـلاً: ”شَاوُلُ أَبِي مُلْتَمِسٌ قَتْلَـكَ، وَالآنَ فَـاحْتَفِظْ عَلَى نَفْسِكَ إِلَى الصَّبَاحِ، وَأَقِمْ فِي خُفْيَةٍ وَاخْتَبِئْ. وَأَنَا أَخْرُجُ وَأَقِفُ بِجَانِبِ أَبِي فِي الْحَقْلِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَأُكَلِّمُ أَبِي عَنْكَ، وَأَرَى مَاذَا يَصِيرُ وَأُخْبِرُكَ“. وَتَكَلَّمَ يُونَاثَانُ عَنْ دَاوُدَ حَسَناً مَعَ شَاوُلَ أَبِيهِ وَقَالَ لَهُ: ”لاَ يُخْطِئِ الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ دَاوُدَ، لأَنّـَهُ لَمْ يُخْطِئْ إِلَيْكَ، وَلأَنَّ أَعْمَالَهُ حَسَنَةٌ لَـكَ جِـدًّا. فَإِنَّـهُ وَضَـعَ نَفْسَـهُ بِيَـدِهِ وَقَتَـلَ الْفِلِسْطِينِيَّ، فَصَنَعَ الـرَّبُّ خَـلاَصاً عَظِيماً لِجَمِيعِ إِسْـرَائِيلَ. أَنْتَ رَأَيْـتَ وَفَرِحْتَ. فَلِمَاذَا تُخْطِئُ إِلَى دَمٍ بَرِيءٍ بِقَتْـلِ دَاوُدَ بـِلاَ سَبَبٍ؟“» (1صم 19: 1-5)

«وَكَانَ الرُّوحُ الرَّدِيءُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ عَلَى شَاوُلَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ، وَكَانَ دَاوُدُ يَضْرِبُ بِالْيَدِ. فَالْتَمَسَ شَاوُلُ أَنْ يَطْعَنَ دَاوُدَ بِالرُّمْحِ حَتَّى إِلَى الْحَائِطِ، فَفَرَّ مِنْ أَمَامِ شَاوُلَ فَضَرَبَ الرُّمْحَ إِلَى الْحَائِطِ، فَهَرَبَ دَاوُدُ وَنَجَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلاً إِلَى بَيْتِ دَاوُدَ لِيُرَاقِبُوهُ وَيَقْتُلُوهُ فِي الصَّبَاحِ. فَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ مِيكَالُ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: ”إِنْ كُنْتَ لاَ تَنْجُو بِنَفْسِكَ هذِهِ اللَّيْلَةَ فَإِنَّكَ تُقْتَلُ غَدًا“. فَأَنْزَلَتْ مِيكَالُ دَاوُدَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَذَهَبَ هَارِباً وَنَجَا» (1صم 19: 9-12).

+ هذان مجرَّد مثلَيْن للمكائد التي كان يُدبِّرها شاول الملك لداود للتخلُّص منه بلا سبب! فماذا كان ردُّ فِعْل داود؟

«وَكَـانَ بَعْدَ مَـوْتِ شَاوُلَ وَرُجُوعِ دَاوُدَ مِنْ مُضَارَبَةِ الْعَمَالِقَةِ، أَنَّ دَاوُدَ أَقَـامَ فِي صِقْلَغَ يَوْمَيْنِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذَا بِرَجُلٍ أَتَى مِـنَ الْمَحَلَّةِ (أي المعسكر) مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ وَعَلَى رَأْسِهِ تُرَابٌ. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى دَاوُدَ خَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟“ فَقَالَ لَهُ: ”مِنْ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ نَجَوْتُ“. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”كَيْفَ كَانَ الأَمْرُ؟ أَخْبِرْنِي“. فَقَالَ: ”إِنَّ الشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الْقِتَالِ، وَسَقَطَ أَيْضاً كَثِيرُونَ مِنَ الشَّعْبِ وَمَاتُوا، وَمَاتَ شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ابْنُهُ أَيْضاً“. فَقَالَ دَاوُدُ لِلْغُلاَمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ: ”كَيْفَ عَرَفْتَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ابْنُهُ؟“ فَقَالَ الْغُلاَمُ الَّذِي أَخْبَرَهُ: ”اتَّفَقَ أَنِّي كُنْتُ فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ وَإِذَا شَاوُلُ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ، وَإِذَا بِالْمَرْكَبَاتِ وَالْفُرْسَانِ يَشُدُّونَ وَرَاءَهُ. فَالْتَفَتَ إِلَى وَرَائِـهِ فَـرَآنِي وَدَعَـانِي، فَقُلْتُ: هَأَنَـذَا. فَقَالَ لِي: مَـنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: عَمَالِيقِيٌّ أَنَـا. فَقَالَ لِي: قِفْ عَلَيَّ وَاقْتُلْنِي لأَنَّهُ قَدِ اعْتَرَانِيَ الـدُّوَارُ، لأَنَّ كُـلَّ نَفْسِي بَعْـدُ فِيَّ. فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ وَقَتَلْتُـهُ لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّـهُ لاَ يَعِيشُ بَعْدَ سُقُوطِـهِ، وَأَخَذْتُ الإِكْلِيلَ الَّـذِي عَلَى رَأْسِهِ وَالسِّوَارَ الَّذِي عَلَى ذِرَاعِهِ وَأَتَيْتُ بِهِمَا إِلَى سَيِّدِي ههُنَا“» (2صم 1: 1-10).

«فَأَمْسَكَ دَاوُدُ ثِيَابَـهُ وَمَزَّقَهَا، وَكَـذَا جَمِيعُ الرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَنَدَبُـوا وَبَكَوْا وَصَامُوا إِلَى الْمَسَاءِ عَلَى شَـاوُلَ وَعَلَى يُونَـاثَانَ ابْنِهِ، وَعَلَى شَعْبِ الرَّبِّ وَعَلَى بَيْتِ إِسْـرَائِيلَ لأَنَّهُمْ سَقَطُوا بِالسَّيْفِ. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِلْغُلاَمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ: ”مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟“ فَقَالَ: ”أَنَا ابْـنُ رَجُلٍ غَرِيبٍ، عَمَالِيقِيٌّ“. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”كَيْفَ لَمْ تَخَفْ أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ لِتُهْلِكَ مَسِيحَ الرَّبِّ؟“ ثُمَّ دَعَا دَاوُدُ وَاحِداً مِنَ الْغِلْمَانِ وَقَالَ: ”تَقَدَّمْ. أَوْقِعْ بِهِ“. فَضَرَبَهُ فَمَاتَ. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”دَمُكَ عَلَى رَأْسِكَ لأَنَّ فَمَكَ شَهِدَ عَلَيْكَ قَائِلاً: أَنَا قَتَلْتُ مَسِيحَ الرَّبِّ“» (2صم 1: 11-16).

+ هذا التناقُض الغريب في العواطف البشرية يُثير عدَّة تساؤلات:

مـن جهة شـاول نفسه الذي «فارقه روح الرب»، ولم يَعُدْ يصلح مَلِكاً بعد حسب قلب الله. أَلم تكُن نهاية حياته فَرَجاً لإسرائيل من هذا الغَمِّ؟!

وبالنسبة لداود الذي ظلَّ مُطارَداً في الأرض كلها من أمام وجه مَلِك يُريد قتله بلا سبب، أَلاَ يُعتَبَر مَقتل هذا الملك المُشوَّش نجاة من عند الله نفسه لداود المسكين البريء؟

وبـالنسبة لشعب إسـرائيل، أَلاَ يُعتَبَر ذلـك خلاصاً من حاكمٍ شاذ، سقى شعبه خمر الترنُّح؟

وأخيراً، إذا كان شاول نفسه الذي أُصيب في المعركة، قد رأى أنه لا يمكن أن يعيش بعد، فطلب إلى ذلك الغلام العماليقي أن يُريحه ويُنهي حياته من قبيل الرحمة، فما ذنب ذلك الغلام أن يُحْكَم عليه بالإعدام ظُلماً؟!

+ المفتاح للردِّ على كل هذه الاعتراضات موجودٌ في اصطلاح جاء على لسان داود: «كَيْفَ لَمْ تَخَفْ أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ لِتُهْلِكَ مَسِيحَ الرَّبِّ؟».

المعنى يقفز بنا هنا في الحال إلى المسيح والعهد الجديد، فهو يختصُّ بقَتْل المسيح نفسه!!

من المعروف أنَّ المسيح لم يعترض على الاتِّهامـات التي وُجِّهَت إليه مِمَّـن حَكَمَ عليه بالموت باسم الناموس، وهو رئيس الكهنة. وعلى رأس هذه الاتِّهامات أنه كاسرٌ للسبت ومُخالِفٌ للناموس.

ولكن مَـن الذي كان يقف ضدَّه مُشْهِراً هـذه الاتِّهامات كلها؟ إنه الناموس!! وبناءً عليه، فإنَّ المسيح ارتضى أن يموت كمُخالف للناموس!

ولكن ماذا كانت النتيجة؟ إنَّ الناموس نفسه مات في المسيح إلى الأبد: «مُبطِلاً في جسده (وليس ”بجسده“، كما ورد في الترجمة البيروتية) ناموسَ الوصايا في فرائضَ» (أف 2: 15).

لاحِـظ أن بولـس الرسـول يقـول: «في فرائض»، وليس ”في خطايا“، كما يظنُّ البعض؛ أي أنَّ الـذي أُبْطِلَ هـو فـرائض النامـوس، والناموس هـو بعينـه الـذي حَكَمَ على المسيح بالموت!!

«إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّراً إِيَّاهُ بِالْصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ (أي في الصليب). فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَلٍ أَوْ سَبْتٍ» (كو 2: 14-16).

+ ماذا كان مكتوباً في هذا الصَّكِّ الذي محاه المسيح؟

مكتوبٌ، ليس خطايانا، كما يظُنُّ البعض، فبولس الرسـول يقـول: «في الفرائض»، وليس ”في الخطايا“.

إنها فرائض الناموس!! الناموس كـان واقفاً ضدّاً لنا، يشتكي علينا أمام الله، أننا كسرنا هذه الوصية أو تلك! بل إنَّ رئاسات وسلاطين الشر اتَّخذت الناموس حجَّة ضدنا أمام الله لتديننا بها!!

ولكن ماذا فعل المسيح؟ لقد جرَّد الشيطان من حجَّة الناموس، عندما دِينَ هو نفسه (أي المسيح) كمُخالف للناموس، وأَخَذَ أقصى العقوبة في جسده وهي الموت!! فمات النامـوس في جسـده (أي جسد المسيح) إلى الأبد!!

ومِن ثمَّ فإنَّ بولس الرسول يُنبِّه أهل كولوسي ألاَّ يخضعوا للذين يُحاولون فرض الختان وسائر وصايا الناموس عليهم كشروط للخلاص. فإنَّ الشياطين التي تشتكي عليهم، أَشهرها المسيح جهاراً عندما سُمِّرَ على خشبة الصليب، وأَبطل كل هذه الفرائض: من أَكل أو شُرب أو عيد أو هلال أو سبت!

+ أمَّا الذي قتل شاولَ مسيح الرب، فكان من عماليق. ومعروفٌ طبعاً العـداوة المستتبَّة بـين عماليق وشعب إسرائيـل منذ أن عَبَر إسرائيـل البحر الأحمر. وفي هـذا تلميحٌ لنـوع العلاقـة التي كـانت بـين القوَّامـين على الناموس وبين المسيح!

+ ولكن هل معنى موت الناموس أن نعيش في الإباحية؟

يقول بولس الرسول في هذا الصَّدد: «لأن ناموسَ روح الحياة في المسيح يسوع قد أَعْتَقَني من ناموس الخطية والموت» (رو 8: 2).

+ مـا هـو ”ناموس الخطية والموت“؟ مَن يُخطئ يموت بلا رحمة!!

«وَلَمَّا كَـانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَجَدُوا رَجُلاً يَحْتَطِبُ حَطَباً فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَقَدَّمَهُ الَّذِينَ وَجَدُوهُ يَحْتَطِبُ حَطَباً إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. فَوَضَعُوهُ فِي الْمَحْرَسِ لأَنَّهُ لَمْ يُعْلَنْ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: ”قَتْلاً يُقْتَلُ الرَّجُلُ. يَرْجُمُهُ بِحِجَارَةٍ كُلُّ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ“. فَأَخْرَجَهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ، فَمَاتَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى» (عد 15: 32-36).

فإن كان الناموس قد حَكَمَ على مَن يجمع حطباً يوم السبت بالموت، وتمَّ تنفيذ هذا الحُكْم؛ أَلاَ يجدر بنا أن لا نجرح شعور ذاك الذي كابَـدَ كل هذا، ليعفي كُلاًّ مِنَّا مـن الرَّجم حتى الموت خارج المحلَّة؟!

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis