طعام الأقوياء
- 70 -



«يُعطيكم السيِّد (الرب) نَفْسُه آيةً»
(إش 7: 14)

? «فرأى أنه ليس إنسانٌ، وتحيَّر من أنه ليس شفيعٌ. فخلَّصَتْ ذراعُهُ لنفسه، وبرُّه هو عَضَدَهُ. فَلَبِسَ البرَّ كَدِرْعٍ، وخُوذة الخلاص على رأسه. ولَبِسَ ثيابَ الانتقام كلِبَاسٍ، واكتَسَى بالغَيْرَةِ كرداءٍ» (إش 59: 17،16).

عَمَّن كان يتكلَّم النبي إشعياء؟ وماذا كان يرى مـن آلاف السنين؟ وعَمَّن كـان يتنبَّأ ناطقاً بتلك الكلمات: «يُعطيكم السيِّد (الـرب) نَفْسُـه آيـةً. هـا العذراء تحبل وتَلِد ابنـاً، وتدعـو اسمـه عمَّانوئيل» (إش 7: 14)؟ وعَمَّن كان يُشير نفس النبي بقوله: «هوذا عبدي الذي أَعْضُدُه، مُختاري الـذي سُرَّتْ بـه نفسي. وَضَعْتُ روحي عليه، فيُخرج الحقَّ للأُمم. لا يصيح ولا يرفع (صوته) ولا يُسْمِع في الشارع صوته. قصبةً مرضوضة لا يَقْصِفُ، وفتيلةً خامدة لا يُطفئ... لا يَكِلُّ ولا ينكَسِرُ حتى يضع الحقَّ في الأرض» (إش 42: 1-4)؟ وأيضاً قوله: «أنا الرب قد دعوتك بالبرِّ، فـأُمْسِكُ بيدك، وأَحفظُكَ وأجعلك عهـداً للشعب ونـوراً للأُمم. لتفتح عيون العُمْي، لتُخرِج مـن الحَبْس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة» (إش 42: 7،6)؟

أليس هو نفسه الذي تنبَّأ عنه النبي أيضاً قائلاً: «أمَّا الربُّ فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إنْ جَعَلَ نفسَه ذبيحةَ إثمٍ، يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرَّة الرب بيده تنجح. مِن تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البارُّ بمعرفته يُبرِّر كثيرين، وآثامهم هـو يحملها. لذلك أَقْسِمُ له بين الأعزَّاء، ومع العُظماء يَقْسِمُ غنيمةً، من أجل أنه سَكَبَ للموت نفسه، وأُحْصِيَ مع أَثَمَةٍ. وهو حَمَلَ خطية كثيرين، وشَفَعَ في المُذنبين» (إش 53: 10-12)؟

وأخيراً، مَن يكون هذا الشخص العجيب الذي تنبَّأ عنه النبي إشعياء أيضاً قائلاً: «فرأى أنه ليس إنسانٌ، وتحيَّر من أنه ليس شفيعٌ. فخلَّصَتْ ذراعُهُ لنفسه، وبرُّه هو عَضَدَهُ. فَلَبِسَ البرَّ كَدِرْعٍ، وخُوذة الخلاص على رأسـه. ولَبِسَ ثيابَ الانتقام كلِبَاسٍ، واكتَسَى بالغَيْرَةِ كرداءٍ» (إش 59: 17،16)؟!

واضحٌ أنه نفس الشخص الذي تنبَّأ عنه النبي من أوائل السِّفْر إلى آخره:

«يُعطيكم السيِّد (الرب) نَفْسُه آيةً»:

فالربُّ نفسُه هـو ”الآية“: «ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعـو اسمه عمَّانوئيـل (الـذي تفسيره ”الله معنا“)». هذا وَعْدٌ مـن الله أنه يجعل نفسه آيةً، وهي ولادته من عذراء.

? وفي هذا يقول القديس إيرينيئوس:

[كيف كان للإنسان أن يذهب إلى الله، لو لم يكن الله قد جاء أولاً إلى الإنسان؟ وكيف كان يمكن للبشر أن ينعتقوا مـن ميلادهـم الأول المؤدِّي إلى الموت، لو لم يولَدوا مـن جديد بـالإيمان بذلك الميلاد الجديـد الإعجـازي المُعْطَى مـن الله كآيـة للخلاص («يُعطيكم السيِّد نفسُه آيةً»)، أعني الميلاد الذي صار من العذراء؟ بل، وكيف كـان يمكن أن ينالوا التبنِّي لله وهم باقون في ميلادهم الأول الذي بحسب البشر في هذا العالم؟... من أجل ذلك صار الكلمـة إنسانـاً، وصار ابـن الله ابناً للإنسان؛ لكي يتَّحـد الإنسان بـالكلمة، فينال التبنِّي ويصير ابناً لله](1).

ويُكرِّر إشعياء النبي وَعْد الله بأن يكون هو نفسُه آيةً، بقوله في الأصحاح التاسع: «لأنه يُولَد لنا ولدٌ، ونُعطَى ابناً، وتكون الرِّياسة على كَتِفِه. ويُدعَى اسمه: عجيباً، مُشيراً، إلهاً قديـراً، أبـاً أبديـاً، رئيس السلام. لنُمُـوِّ ريـاسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود وعلى مملكته ليُثبِّتها ويَعْضُدَها بالحقِّ والبرِّ مـن الآن إلى الأبد. غَيْرَةُ ربِّ الجنود تصنع هذا» (إش 9: 7،6).

ويُمكننا أن نستخلص من هذين الوعدين حقيقة ذلك الولد:

? «لأنه يُولَد لنا وَلَدٌ»: أي مولود البشرية كلها، وهو ابن الإنسان، لأنه يقول: «ونُعطَى ابناً».

? «وتكون الرياسة على كَتِفِه»: أي أنه مولود ليكون رئيساً.

? «ويُدعَى اسمه: عجيباً»: وهذا هو ما قاله ملاك الرب لمَنُوح والد شمشون وامرأته، عندما سـألاه عـن اسمه، فأجابهما: «لماذا تسأل عـن اسمي وهو عجيبٌ؟» (قض 13: 18). كما جاء أيضاً في المزمور (118) عن الحجر الذي صار رأساً للزاوية في قوله: «الحجر الذي رفضه البنَّاؤون قد صار رأسَ الزاوية. مِن قِبَل الرب كان هـذا، وهو عجيبٌ في أعيننا» (مز 118: 23،22). وقـد ذَكَرَ الرب يسوع هـذه الآيـة لرؤسـاء الكهنة والفرِّيسـيين، مُشيراً إلى نفسه بقوله: «أَمَـا قرأتم قطُّ في الكُتُب: الحجر الذي رفضه البنَّاؤون هو قد صار رأسَ الزاوية. مِن قِبَل الربِّ كان هذا وهو عجيبٌ في أعيننا؟ لذلك أقول لكم: إنَّ ملكوت الله يُنزَعُ منكم ويُعطَى لأُمَّةٍ تعمل أثماره» (مت 21: 43،42).

? «مُشيراً»: جاءت في الأصحاح 11 مـن نفس السِّفْر في قوله: «ويخرج قضيبٌ من جِذْع يسَّى، ويَنبُتُ غُصْنٌ من أُصُوله. ويحلُّ عليه روح الرب، روح الحكمـة والفهم، روح المشـورة والقوَّة، روح المعرفـة ومخافة الرب» (إش 11: 2،1)، إشارة إلى مجيئه من سِبْط يهوذا.

? «إلهاً قديراً»: وهو نفسه الإله القدير الذي أَعلن عن نفسه لأبينا إبراهيم، قائلاً: «أنا الله القدير. سِرْ أمامي وكُـن كاملاً» (تك 17: 1). وهـو الـذي دُعِيَ مراراً بهـذا الاسم في سِفْر المزامير: «الرب القدير الجبَّار» (مز 24: 8).

أمَّا في سِفْر إشعياء، فهو يكشف عن شخص الرب بتعبيرات مُتعدِّدة مألوفة في العهد الجديد، تُعلِن عن شخص الابن الكلمة، فيقول: «أنا الرب الأول، ومع الآخرين أنا هو» (إش 41: 4)، «أنا الرب قد دعوتك بالبرِّ، فأُمْسِكُ بيدك، وأَحفظُكَ وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأُمم. لتفتح عيون العُمْي، لتُخرِج من الحَبْس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة» (إش 42: 7،6)، «أنا أنا الرب، وليس غيري مُخلِّص (يسوع)» (إش 43: 11). كما جـاء في الإنجيل: «فستلد ابناً وتدعـو اسمه يسوع، لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم» (مت 1: 21). ويستطرد سِفْر إشعياء: «أنتم شهودي، يقول الرب، وعبدي الذي اخترته، لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا أني أنا هو. قَبْلي لم يُصَوَّر إلهٌ، وبعدي لا يكون» (إش 43: 11،10)، «أنـا الربُّ، هـذا اسمي، ومجـدي لا أُعطيه لآخر» (إش 42: 8).

? «أباً أبدياً»: لأن الرب يسوع هو الكاهن إلى الأبد على رُتبة ملكي صادق، لذلك «إذ كُمِّلَ صار لجميع الذين يُطيعونه، سببَ خلاصٍ أبدي» (عب 5: 9).

? «رئيس السلام»: ومَن يمكن أن يُدعَى رئيساً غير الذي قال: «سلاماً أترك لكم. سلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطي العالمُ أُعطيكم أنا» (يو 14: 27). كما قال بولس الرسول: «لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحداً، ونَقَضَ حائط السِّيَاج المُتوسِّط، أي العـداوة. مُبطِلاً بجسـده ناموس الوصايا في فرائضَ، لكي يَخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً، صانعاً سلاماً» (أف 2: 15،14). وهـو الـذي عنـد ميلاده هلَّلت الملائكـة قائلة: «المجـدُ لله في الأعالي، وعلى الأرض السلامُ، وبالناس المَسَرَّةُ» (لو 2: 14).

? «لنُمُوِّ رياسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود وعلى مملكته ليُثبِّتها ويَعْضُدَها بالحقِّ والبرِّ من الآن إلى الأبد»: وهذا يُذكِّرنا بقول الملاك جبرائيل لوالدة الإله القديسة العذراء مريم عندما بشَّرها بميلاد الرب يسوع قائلاً: «وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتُسمِّينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابنَ العَلِيِّ يُدعَى، ويُعطيه الربُّ الإلهُ كُرسيَّ داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لِمُلْكه نهايةٌ» (لو 1: 31-33).

? «غَيْرَةُ ربِّ الجنود تصنع هذا»: إنَّ غيرة رب الجنود هي التي جعلته ينزل مـن السماء ويترك مجده، ويتجسَّد ويصير في الهيئة كإنسان، لكي يُخلِّص الإنسان من الخطية، كقول إشعياء النبي: «فرأى أنه ليس إنسانٌ، وتحيَّر من أنه ليس شفيعٌ. فخلَّصَتْ ذراعُهُ لنفسه، وبرُّه هو عَضَدَهُ. فَلَبِسَ البرَّ كَدِرْعٍ، وخُوذة الخلاص على رأسه. ولَبِسَ ثيابَ الانتقـام كلِبَاسٍ (ضد إبليس عـدو الخير)، واكتَسَى بـالغَيْرَةِ كـرداءٍ» (إش 59: 17،16). فقد جـاء في سِفْر التثنية: «لأن الرب إلهك هو نارٌ آكلة، إلهٌ غيور» (تث 4: 24)، وأيضاً في سِفْر المزامـير: «لأن غـيرة بيتك أكلتني» (مز 69: 9). وهذا مـا تَذَكَّره التلاميذ حينما رأوا الرب يسوع يغار على الهيكل، فيطرد منه الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً، قائلاً لهم: «ارفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة» (يو 2: 16).

«هل قَصَرَتْ يدي عن الفداء، وهل ليس فيَّ قُدرة للإنقاذ» (إش 50: 2)؟

يتساءل الرب مُتعجِّباً عن سبب عجز الإنسان وعدم قدرته على الانتفاع بقدرة الرب الفادية والمُخلِّصة! فهل هـذا بسبب أنَّ يد الرب قـد قَصَرَتْ عـن أن تُخلِّص؟! أم لأننـا لم نتضع وننسحق أمامه، ونصرخ من أعماق قلوبنا ونطلبه واثقين مـن استجابته وقدرته على إنقاذنا وفدائنا، وتجديد طبيعتنا بتجسُّده آخِذاً طبيعتنا؟!

ولكن الرب دبَّرَ منذ الأزل أن يُخلِّص البشرية بنفسه مُعطياً نفسه آية. فهو الذي رَسَمَ لنا خطة خلاصٍ مُحكمة تجعل الإنسان قادراً على الثبات في الله والله فيه.

? وفي هـذا يقـول القديس غريغوريـوس الناطق بالإلهيات، في القدَّاس الغريغوري:

[وعندما سقط (الإنسان) بغواية العدو ومُخالفة وصيتك المُقدَّسة، وأردتَ أن تُجدِّده وتردَّه إلى رُتبته الأولى. لا ملاك ولا رئيس ملائكةٍ ولا رئيس آباء ولا نبي إئتمنته على خلاصنا؛ بل أنت بغير استحالةٍ تجسَّدتَ وتأنَّست، وأشبهتنا في كلِّ شيء ما خلا الخطية وحدها. وصرتَ لنا وسيطاً مع الآب، والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هـدمتها. وأصلحتَ الأرضيين مع السمائيين، وجعلتَ الاثنين واحـداً، وأكملتَ التدبيرَ بالجسـد. وعند صعودك إلى السموات جسدياً ، إذ ملأتَ الكلَّ بلاهوتك...].

? وفي هذا يقول أيضاً القديس أثناسيوس الرسولي:

[هذه هي محبة الله للبشر، أنَّ الذين هم أصلاً مجرَّد خلائق وهو خالقهم، قد صار لهم فيما بعد أباً بحسب النعمة. وهذا يتحقَّق كلما قَبِلَ البشر المخلوقـون (هـذه النعمة)، كما يقول الرسول: ”روح ابنه في قلوبهم صارخاً: يا أَبَا، الآب“ (غل 4: 6). هـؤلاء هم الذيـن قَبِلوا اللوغس (الكلمة)، فـأخذوا منه «سُلطانـاً أن يصيروا أولاد الله» (يو 1: 12). فإنـه لم يكن مُمكناً بوسيلة أخـرى أن يصيروا أبناء الله، بينما هم بحسب الطبيعة مُجـرَّد خلائـق، إلاَّ إذا قبلوا روح الابـن الحقيقي، الذي هـو ابـنٌ بحسب الطبيعـة. وبـالتالي، لكي يتحقَّق ذلك، صـار الكلمة جسـداً، لكي يجعل الإنسـان قـادراً أن يستقبل اللاهـوت... حتى يظهر مـن ذلك أننا لسنا نحن أبناء الله بحسب الطبيعة؛ بل هـذا يخصُّ ابـن الله الذي فينـا. وبالمثل أيضاً الله الآب ليس أبـاً لنا بحسب الطبيعة؛ بل هـو أب اللوغس الـذي فينا، الـذي نحـن أيضاً فيـه وبواسطته نصرخ: ”يـا أَبـا، الآب“. وهكـذا الذي يَـرَى الآب فيهم ابنه الخاص، فهؤلاء يدعوهم أيضاً بنين له](2).

«ها إنَّ يدَ الرب لم تَقْصُرْ عن أن تُخلِّص، ولم تَثْقَلْ أُذُنه عن أن تسمع» (إش 59: 1):

مـا الذي أكمله الابـن الكلمة بتجسُّده وموته وقيامته؟

حقّاً، وبكل يقين، أنه قد أَعلن عن نفسه وعن الآب والـروح القدس. وبميلاده مـن عـذراء، بتوسُّط الروح القدس، أَخَذَ جسداُ لا يختلف عـن أجسادنا، وصار وسيطاً وشفيعاً بيننا وبين الآب، وصرنا مؤهَّلين للاتحاد به، بسبب اتِّحادنا معاً في طبيعة إنسانية واحدة. وباتِّحادنا به وثباتنا فيه، بقبولنا الحُـرِّ لاتِّباعـه وإنكارنـا لذواتنا وحَمْل الصليب؛ نجونا مـن الموت الذي كُنَّا رازحين تحت حُكْمه، وخلصنا من الفساد الذي كان يعمل في طبيعتنا، وخلعنا الإنسان العتيق ولبسنا الجديد الذي يتجدَّد يوماً فيوماً.

لأن الرب يسوع بولادته، وَضَعَ لنا أساس البداية الجديدة من آدم الثاني لحياةٍ جديدة منسوبة لله الحي الذي لا يموت. وبمسحته مـن الروح القدس لأجلنا، صرنـا مُسحاء فيه، واستحققنا أن نكون هيكلاً للروح القدس. وبموته على الصليب، مزَّق كتاب صَكِّ خطايانا، وحرَّرنا إلى الأبد من عبودية الخطية، وأسَّس لنا ذبيحة جسده ودمه لنأكل ونشرب جسده ودمه للثبات فيه كلما أكلنا وشربنا منه في زمان غربتنا إلى أن نملك معه في الحياة الأبدية. وبقيامته، أقامنا معه، وأكَّد لنا الانتصار على الموت. وبصعوده وجلوسه عـن يمين الآب، أعدَّ لنا طريقاً جديداً مُكرَّساً لكي نجلس معه ونرث معه في عرشه الإلهي.

? وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

[إذن، فكيف يمكـن للإنسـان الـذي على الأرض، الذي هـو ملتحفٌ بالموت أن يعود إلى عدم الفساد؟ أُجيب: بأنه يلزم لهذا الجسد المائت أن يصير شريكاً للقـوَّة المُحيية التي تأتي مـن الله. قوة الله المُحيية هي الكلمة (اللوغس) ابنه الوحيد، هذا قد أرسله لنا الآب مُخلِّصاً وفاديـاً. فقد صار الكلمة جسداً بدون أن يتحوَّل (اللاهوت) إلى ما لم يكن عليه من قبل، وبدون أن يفقد كيانه ككلمة الله، ولكنه وُلِدَ بالجسد مـن امرأة، واقتنى لنفسه ذلـك الجسد المأخوذ منها، وذلـك لكي يغرس نفسه فينـا باتِّحـادٍ غير مفترق، يُمكِّنه مـن أن يـرفعنا فـوق سُلطان الموت والانحلال معاً.

ويشهد بولس (الرسول) بذلك، حيث يقول عنه وعنَّا: «فإذ قـد تشارَك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سُلطان الموت، أي إبليس، ويُعْتِق أُولئك الذين خوفاً مـن الموت، كانوا جميعاً كلَّ حياتهم تحت العبودية» (عب 2: 15،14)...

إذن، فاللوغس لمَّا وحَّد بنفسه ذلك الجسد الذي كان فيما سبق خاضعاً للموت، فلكونه هو نفسه الإله والحياة قد أَعتق هذا الجسد من الفساد؛ بل وجعله أيضاً جسداً مُحيياً... إذن، فحينما نأكل جسد المسيح مُخلِّصنا ونشرب دمه الكريم، فإننا نقتني الحياة داخلنا، ونصير - بنوعٍ مـا - واحداً معه؛ بـل ونسكن فيه ونقتنيه هو أيضاً داخلنا](3).

(يتبع)

(1) Against Heresies IV,33,4; III,19,1; (ANF, I, p. 507,448).
(2) Against the Arians 2,59; (NPNF, 2nd Series, Vol. IV, p. 380).
(3) On Luke 22:19; Payne Smith, II, 666-668.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis